Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سبيل أوروبا لردع روسيا

إرسال الجنود إلى أوكرانيا لا يفي بالغرض

معدات عسكرية بريطانية بمركز تدريب في بولندا، مايو 2024 (رويترز)

ملخص

من أجل مواجهة الأخطار المستجدة ينبغي على أوروبا تشكيل قوة قتالية مستقلة وقادرة على المناورة السريعة بدلاً من نشر قوات رمزية في أوكرانيا، وذلك لتعزيز قدرتها على ردع روسيا والدفاع عن أوكرانيا وشرق القارة من دون الاعتماد على دعم الولايات المتحدة.

منذ أن بدأ الرئيس الأميركي دونالد ترمب جهوده لوقف الحرب في أوكرانيا، حاول القادة الأوروبيون تشكيل تحالف عسكري قادر على الدفاع عن الدولة الأوكرانية. وقد وعدوا على نحو خاص في هذا الإطار بنشر قوات أوروبية في أوكرانيا. "سيكون هناك قوات ضامنة تعمل في أوكرانيا وتمثل العديد من الدول"، قال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في مارس (آذار) المنصرم. كما دعا رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر في الإطار عينه إلى "تحالف الراغبين" للمساعدة في حماية حكومة كييف.

قد تبدو هذه المبادرة جديدة وجريئة، إلا أنها تفكير قديم متخف بقناع حديث. إذ بوسع الأوروبيين أن يطلقوا على تلك القوات ما يريدون – قوات حفظ سلام، أو قوات إنفاذ سلام، أو قوات ضامنة أو قوات ردع. لكن القادة الأوروبيين ببساطة يستعيدون عبر هذه الأحاديث نموذج قوات "ناتو" لحفظ السلام في البلقان، ويسعون لتكراره في أوكرانيا. إذ سيتم (وفق النموذج المذكور) نشر مجموعات صغيرة من القوات العسكرية في جميع أنحاء أوكرانيا بغية توجيه رسالة ردع لروسيا. إلا أن هذه القوات ستتمتع بقدرات قتالية محدودة وستعتمد في مصداقيتها على وعد دعمٍ احتياطي من القوة العسكرية الأميركية. حتى أن القادة الأوروبيين يعترفون بصراحة أيضاً بأن قواتهم تحتاج لـ"حماية" واشنطن، التي يمكنها توفير دعم جوي هائل في حال تعرض القوات البرية الأوروبية للهجوم.

وتعتمد هذه الخطة على دعم الرئيس ترمب وموافقة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين. غير أن هذين الرئيسين رفضا سلفاً تأمين هذا الغطاء. إذ إن ترمب لن يلتزم بإرسال قوات أميركية إلى أوكرانيا، تماماً كما فعلت إدارة بايدن. كما قد يكون لهذه الخطة الأوروبية تأثير، مقصود على الأرجح، في السعي لإعادة ترسيخ حضور الولايات المتحدة مجدداً في حلف "ناتو" إثر ابتعادها عنه، وهو المشروع الذي رفضه نائب الرئيس الأميركي جي دي فانس مراراً وعلى نحو حاسم. أما بالنسبة لبوتين في المقابل، فإن قبول المخطط الأوروبي يعني التخلي عن هدف أساسي من أهداف الحرب – وهو إبقاء أوكرانيا خارج حلف "ناتو" وإبقاء الحلف خارج أوكرانيا. بيد أن القادة الأوروبيين في هذا الإطار يستعرضون براعة دبلوماسية عالية حين يحاولون إخفاء هذا الجهد المزدوج والهادف إلى إنقاذ النصر وإخراجه من بين فكي الهزيمة. لكن من غير المرجح أبداً أن يقوم كل من بوتين أو ترمب بتقبل هذا الأمر.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وحتى لو أظهر ترمب وبوتين قبولاً لهذا مخطط، فلا ينبغي للأوروبيين أن يمضوا قدماً به. تواجه شعوب القارة الأوروبية اليوم تحديات وتهديدات محتملة كثيرة من روسيا، لذا من الحماقة أن يقوم الأوروبيون بتقييد فرقهم القتالية الأكثر استعداداً في نقاط مراقبة موزعة بأنحاء مختلفة من الأراضي الأوكرانية. فهم ربما يردعون روسيا بتواجدهم هناك، لكن قواتهم هذه لن تكون حاضرة أو متوافرة لأي مهام أخرى. هكذا مهمات من شأنها أن تُرغم الجيوش الأوروبية على مناوبة وحداتها العسكرية بين تلك المواقع بطريقة لا تترك جنودهم بعيدين من بلادهم لفترات طويلة. إذ وفق التوجه أو إيقاع التناوب المذكور، ستكون كل فرقة من الفرق إما في حالة استعداد للتوجه إلى أوكرانيا، أو موجودة في مكان ما فيها، أو عادت للتو منها. لكن ذاك الروتين (أو النمط) لا يمثل صيغة مناسبة لجيش قادر على القتال.

إذاً، وأمام هذا الواقع، ما الذي ينبغي على أوروبا أن تفعله من أجل ردع التهديدات الروسية المستقبلية لأوكرانيا، وأيضاً لتحسين قدرتها على ردع العدائية الروسية في شرق القارة (الأوروبية) وجنوبها الشرقي؟ الجواب واضح وبسيط: على أوروبا أن تنظم ما يطلق عليه المخططون العسكريون تسمية "قوة المناورة" mass of maneuver التي تتيح الانتشار السريع حيثما تكون هناك حاجة لهذا الأمر. لا يمكن لأوروبا أن تعرف مسبقاً ما إذا كانت روسيا المستعيدة أنفاسها ستجدد هجماتها على أوكرانيا، أو تتقدم عبر بيلاروس، أو تشكل تهديداً لبولندا، أو تهاجم دول البلطيق. لذا وأمام هذا الأمر، على القادة الأوروبيين العمل من أجل بلورة تشكيل قوة قتالية ذات معنى قادرة على التدخل السريع أينما دعت الحاجة ومتى استدعى الأمر. وذاك يعني أن عليهم وقف نشر القوى العسكرية الأوروبية وتوزيعها في أنحاء شرق القارة وجنوبها الشرقي لمجرد أن تلك القوى ترمز لالتزامهم وترتبط بقوات المشاة الأميركية التي قد لا تكون في وارد الإسراع للمؤازرة والنجدة. بل عليهم بدل ذلك أن يعدوا التشكيلات العسكرية الأوروبية على أنها قوى قتالية نادرة ومكلفة وربما مدمرة، ويمكن نشرها كقوى ضاربة مركّزة، قادرة على القتال باستقلالية تحت راية حلف "ناتو" أو الاتحاد الأوروبي.

إذاً، وخلافاً للاعتقاد الشائع، فإن الأوروبيين يملكون معظم الوسائل العسكرية اللازمة لتشكيل قوة كهذه. أما السؤال الباقي فيتعلق بالإرادة.

الأسلحة موجودة، الاستعداد غير قائم

في خضم حالة الذعر التي سببها لهم ترمب، أمضى المحللون والقادة العسكريون الأوروبيون الأشهر القليلة الماضية وهم يتحدثون عن كل القوى القتالية التي تفتقر لها أوروبا. لكنهم في الوقت عينه فشلوا في تقييم وتعزيز القوة القتالية التي تملكها أوروبا. إذ إن الجنرال ميخائيل كوستاراكوس، رئيس الهيئة العسكرية للاتحاد الأوروبي، لاحظ مثلاً أن أوروبا تفتقر "لعوامل التمكين الاستراتيجية التي ستجعلها قادرة باستقلالية على أداء جميع العمليات (العسكرية) المرتبطة بالمهام والعمليات التي تطلقها" – مثل النقل والتزود بالوقود من طريق الجو، ومهام الاستخبارات والمراقبة والاستطلاع، والأقمار الاصطناعية، والدفاع الجوي والصاروخي. بيد أن أوروبا تملك الكثير من هذه الأنظمة، لكن ليس بالقدر الذي يفضله القادة العسكريون. والأوروبيون ربما لم ينفقوا على مدى العقد الماضي المقدار الذي طلبته منهم الولايات المتحدة أو حلف "الناتو" نفسه، لكنهم أنفقوا مئات مليارات اليوروهات. ولديهم مئات ألوف الأشخاص المنخرطين في الخدمة العسكرية، كما يملكون ما يكفي من الوحدات العسكرية البرية والجوية والبحرية.

ويمكن القول بكلمات أخرى إن الأوروبيين يملكون القوة القتالية. ولكي يقوموا بحماية أنفسهم وردع من يهددهم، عليهم تعزيز تلك القوة القتالية ونشرها إما بالقرب من المناطق المعرضة للتهديد الروسي (المباشر)، أو على الأقل إظهار قدرتهم على القيام بذلك خلال فترة قصيرة. وذاك في المقام الأول يتعلق بقدرة الأوروبيين على تدعيم موقف بولندا التي بسبب مساحتها وموقعها وتضاريسها تمثل العمود الفقري الشرقي للدفاع الأوروبي وقاعدة مثالية لمواجهة التهديدات الروسية ضد دول البلطيق وجنوب شرقي القارة الأوروبية. كما أن بولندا تشكل أيضاً المكان الأمثل الذي يمكن انطلاقاً منه التدخل في أوكرانيا إن اختار الأوروبيون هذا المسار.

ومن أجل تحقيق ذاك الهدف على القارة الأوروبية تنفيذ مبادرة حلف "الناتو" المعروفة بـ "مبادرة الجاهزية" التي تمثل اقتراحاً تقدم به جيم ماتيس، وزير الدفاع الأميركي بين العامين 2017 و2019. وقد دعت المبادرة المذكورة إلى أن يقوم الحلف بتطوير قدرته لنشر 30 كتيبة عسكرية و30 سرباً جوياً و30 سفينة حربية في أوروبا الشرقية خلال 30 يوماً. بيد أن هذه "الثلاثينات" الأربع لم تحقق أبداً، حتى عندما كان مؤكداً أن الولايات المتحدة ستكون المساهم الأساسي في الحلف. لذا قد يكون صعباً علينا الآن توقع نجاح أوروبا بهذه المهمة. بيد أن المشكلة الكبرى في السابق تمثلت بأن الأوروبيين لم يكونوا خائفين بما يكفي كي يقوموا بدورهم. أما الآن فهم خائفون، ويمكن تسخير هذه الطاقة والخوف بغية تحقيق المبادرة وربما القيام بما هو أكثر.

القوات البرية الأوروبية تختلف وتتفاوت من حيث الجاهزية

القارة الأوروبية لديها قواتها: إذ يمكن للدول الأوروبية الأعضاء في حلف "ناتو" أن تقوم جماعياً بنشر قرابة 100 سرب جوي مقاتل، و100 سفينة حربية رئيسة، وأكثر من 100 كتيبة قتالية (أو لواء قتالي) – والتي ستحتاج إلى عشرة منها كي تطبق خطة الـ "30 كتيبة" التي اقترحها جيم ماتيس. تشكل القوات البرية الارتكاز الأساسي، إلا أن القوات الجوية التي تملكها أوروبا هي قوات كبيرة وحديثة وحسنة التدريب وذات خبرة. وهي قادرة بالتالي على تأمين الدعم للقوات البرية.

قد يجادل البعض قائلاً إن عشرة كتائب أو ألوية تبقى قوة قليلة مقارنة بالأفواج النظامية الـ 90 وغير النظامية الـ 80 التي يملكها الجيش الروسي (الفوج في الجيش الروسي يعادل الكتيبة الأوروبية، ولو أنه في العادة أصغر حجماً وأقل إسناداً، كما أنه غالباً قليل القوة جراء الاستنزاف القتالي). لكن إن جرى تنظيم تلك الكتائب أو الألوية بطريقة سليمة فإن عشرة ألوية جيدة، مقسمة إلى فيلقين مع آليات، ستشكل قوة لا يمكن لمخططي الحملات الروسية تجاهلها. وللمقارنة في هذا الإطار، فإن هذه القوة ستوازي في الحجم القوة التي شجع مخططو الناتو العسكريون أوكرانيا على تركيزها في أي هجوم ضمن هجومهم المضاد في زابوريجيا عام 2023 (وقد تجاهل الأوكرانيون تلك النصيحة، وقاموا بدل ذلك بتقسيم قواتهم وشن هجومين ضعيفين). ويبلغ حجم القوة المذكورة عدة أضعاف القوة التي أرسلتها أوكرانيا عام 2024 إلى منطقة كورسك الروسية. كما أنها تقدر بثلثي حجم القوة التي غزت العراق بمجمله عام 2023.

وفي سياق هذه القوة الأوروبية فإن اللاعبين العسكريين الأساسيين الثلاثة في أوروبا الغربية– فرنسا، ألمانيا، وبريطانيا– يملكون قرابة 22 لواءً قتالياً، لذا فهم وحدهم قادرون جيداً على تغطية متطلبات القوة الأولية وتوسعيها إن لزم الأمر. وعلى رغم أن تلك الألوية ليست كلّها وحدات مدرعة مع دبابات ثقيلة، فإنها جميعها تتمتع بتجهيز جيد وفق معايير القوات الروسية والأوكرانية التي تواجهت في معارك طاحنة خلال الأعوام الثلاثة الماضية إلى أن بلغت طريقاً دموياً مسدوداً. كذلك من شأن تلك القوة (الأوروبية) المؤلفة من عشرة ألوية أن تعزز الجيش البولندي الذي يضم بذاته 14 لواءً، وفق "المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية". وبالتالي فإن بولندا المعززة والمدعومة ستغدو حينها عصية في وجه موسكو، كونها تنشر قوات تعادل بعديدها تقريباً عدد القوات التي نشرتها أوكرانيا لصد الهجوم الروسي في مطلع عام 2022.

لكن مع هذا فإن القوات البرية الأوروبية تختلف وتتفاوت من حيث الجاهزية. إذ إن بعض تجهيزاتها قد يحتاج إلى صيانة، كما يعاني بعض وحداتها من نقص في الأفراد. أما بالنسبة للذخائر وقطع الغيار، التي لا تتوافر عنها عادةً إلا معلومات عامة قليلة، فمن المؤكد أنها غير متوافرة بكثرة. وتلك القوات ستستفيد من أنظمة دفاع جوي إضافية قصيرة المدى قادرة على مواجهة نمط هجمات المسيرات الشائع في أوكرانيا. لكن ولحسن حظ أوروبا فإن تصحيح المشكلات المذكورة يبقى أمراً غير معقد ولا يتطلب سوى تخصيص المزيد من الأموال، ورفع عدد مصانع الدفاع في القارة بمعدل ثنائي أو ثلاثي، والإقلاع عن الهوس بتقاسم الإنفاق الدفاعي والتصنيع بمقدار متساو لجميع الأوروبيين. لقد قام المخططون العسكريون الأوروبيون بتحقيق بعض هذه التطلعات بالفعل، لكن عليهم الآن القيام بالمزيد.

الحاجة إلى السرعة

إضافة إلى مسألة الجاهزية يمثل موضوع الحركة والتحرك مشكلة أخرى بالنسبة لأوروبا. لو غدت بولندا نقطة ارتكاز لجهود تدعيم جبهة أوروبية كبرى مأزومة، فإن على الأوروبيين حينها أن يفكروا بكيفية التحرك باتجاهها والوصول إليها. ويرى المشككون في هذا الإطار أن أوروبا تفتقر إلى الجسر الجوي المطلوب لتحريك قواتها بالسرعة اللازمة في مختلف أنحاء القارة، لكن هذا لا يعدو عن كونه تمايزاً بلاغياً. إذ لا أحد بما في ذلك الولايات المتحدة يستخدم جسراً جوياً لتحريك هذا الكم من الأسلحة والمعدات العسكرية. فتلك الأخيرة تنقل غالباً عبر السكك الحديدية والطرق البرية والمسارات البحرية. ويدرك مخططو حلف "الناتو" والاتحاد الأوروبي في السياق ما الذي ينبغي عمله لتجهيز البنية التحتية في القارة لمهام كهذه: تعزيز الجسور في أوروبا الشرقية، استكمال وصل خطوط سكك الحديد الأوروبية الشرقية بشبكة السكك في الغرب، تأمين قاطرات ديزل لجر القطارات إن تعرضت مراكز التوليد الكهربائي لهجمات معادية، وتحسين منشآت موانئ الشحن ومرافق تفريغ الحمولات العسكرية.

بعض هذه التحضيرات والاستعدادات جار بالفعل. إذ تم في السنوات الأخيرة تعزيز العديد من الجسور في غرب بولندا كي تستوعب الأحمال العسكرية الثقيلة. كذلك قام الاتحاد الأوروبي على نطاق أوسع بقضاء 15 عاماً على الأقل في تمويل جهود كبرى لتحديث بنية النقل الأساسية في أوروبا، كما أنفق أو تعهد بإنفاق أكثر من 38 مليار دولار في إطار تلك الجهود. بيد أن هذه المساعي تبقى غير مكتملة وينبغي تسريعها. أما قطاع شاحنات النقل الأوروبي، وهو ضخم في حجمه، يحتاج أيضاً إلى التنظيم ليتمكن من دعم حركة نقل الشحنات العسكرية إلى أوروبا الشرقية (خلال الحرب الباردة كان لجيش ألمانيا الغربية الحق في مصادرة 90 ألف قطعة مستقلة من المعدات المدنية الثقيلة). وبغية تعزيز مصداقية التزام الاتحاد الأوروبي بدعم أعضائه في شرق القارة وجنوبها الشرقي، يمكن تحسين مرافق الاستقبال والاستدامة في جميع أنحاء أوروبا. وذاك يعني تعزيز وبناء خزانات الوقود والقواعد الهيكلية مع مواقف معبدة للسيارات وملاجئ، وكابلات ألياف ضوئية، وحتى مسارات سكك حديد جانبية تتيح تفريغاً سريعاً للبضائع من القطارات. وفي هذا الإطار ستستفيد المطارات المدنية والعسكرية في شرق أوروبا وجنوبها من تحسينات مماثلة في قطاعاتها. ويمكن لشركات البناء والتصنيع والنقل المدنية الأوروبية أن تقوم بإدارة تلك الجهود.

وأخيراً، هناك أهمية في أن يقوم المخططون العسكريون الأوروبيون بتركيز قوتهم العسكرية. إذ، كما يقول المثل، من يوزع جهوده الدفاعية بشكل مفرط في كل الأنحاء، لا يحقق حماية حقيقية لأي منها. لذا على القارة الأوروبية التركيز على أن تكون متمكنة من نشر فيلق أو فيلقين مستقلين في بولندا ضمن مهلة قصيرة مع دعم جوي متزامن– وعلى كل فيلق منهما أن يكون قادراً على تنفيذ العمليات من دون تلقي المساعدة من الولايات المتحدة (الفيلق يشكل هيئة القيادة الأساسية لعمليات تقوم بها قوات برية كبيرة، فينسق المهام بين خمسة إلى عشرة ألوية بغية تحقيق هدف مشترك). ويمكن للاستعدادات التي قام بها سلفاً حلف الناتو لتعزيز موقف بولندا في ظل الأزمة (الراهنة) أن تشكل البنية الأساس لجهود أوروبية مستقلة معاد توجيهها (وفق الظروف الجديدة). وفي هذا الإطار بوسع الفيلق متعدد الجنسيات التابع للناتو المتمركز اليوم في بولندا والمنصبة مهامه راهناً على (حماية) دول البلطيق والحدود البولندية- البيلاروسية، أن يكون بمثابة الأساس لفيلق واحد (موحد). كما يمكن لمقر "الفيلق الأوروبي" التابع للاتحاد والمتمركز في مدينة ستراسبورغ الفرنسية أن يغدو أساساً لفيلق ثان. من هنا يتعين على فيلق الاتحاد الأوروبي، الذي يمثل وحدة مستقلة عن حلف "الناتو"، أن يبدأ في الحال بمعالجة تحدي إدارة العمليات الميدانية الضخمة من دون مساعدة أميركية. وعلى هذا الفيلق أن يشكل تجربة واختباراً لاستخدام الأقمار الاصطناعية الأوروبية الحالية للقيادة والسيطرة (التحكم) والملاحة والاستخبارات.

وتتمتع القارة الأوروبية وخلافاً للتصور العام السائد، بكل هذه القدرات حتى لو لم تكن القدرات المذكورة متوافرة بكثرة. والدول الأوروبية كل على حدة معتادة على تولي شؤونها الوطنية بأيديها. فهي تتشارك المعلومات الاستخباراتية على مضض. هذا الأمر يجب أن يتغير. وفي الأثناء ستحتاج فرنسا وبريطانيا إلى التفكير على نحو معمق في الطريقة التي يمكن لقوتهما النووية أن تدعم القوى التقليدية التي تملكها القارة لتشكيل استراتيجية ردع أوروبية مستقلة.

إن أراد الأوروبيون بالفعل ردع روسيا وطمأنة أوكرانيا والدفاع عن الأعضاء الراهنين في الاتحاد الأوروبي أو حلف "الناتو"، أو حتى إن أرادوا الدفاع عن أوكرانيا نفسها، فإنهم يحتاجون إلى قوة قتالية كبيرة بوسعها مجاراة التحديات التي تطرحها القوة العسكرية الروسية. وهذا يعني تشكيل قوة عسكرية لها القدرة على المناورة والتي من شأنها أن تدفع موسكو إلى الحذر أكثر، وفي كل النواحي، عندما يتعلق الأمر بأوروبا. فحفظ السلام بمساعدة أميركية هو فكرة قديمة. أما الفكرة الجديدة الضرورية لأوروبا الراهنة اليوم، فهي القدرة القتالية الأوروبية المستقلة.
 

باري ر. بوزن هو أستاذ في كرسي فورد إنترناشيونال للعلوم السياسية في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا

مترجم عن "فورين أفيرز"، 21 أبريل (نيسان)، 2025

اقرأ المزيد

المزيد من آراء