ملخص
كانت آخر شحنة بمقدار 69 ألف طن وصلت على ناقلة من منفذ "كوربس كريستي" في ولاية تكساس إلى ميناء فوجيان جنوب الصين خلال السادس من فبراير الماضي
على رغم أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب استثنى النفط والغاز من فرض التعريفة الجمركية التي أعلنها على شركاء بلاده التجاريين، وأجل بعضها لمدة ثلاثة أشهر باستثناء الصين، فإن تأثير تلك القرارات بدأ على قطاع الطاقة بالفعل، إذ توقفت الصين أكبر بلد مستورد للغاز الطبيعي المسال في العالم عن استيراد الغاز الأميركي بصورة كاملة، مع عدم وجود مشترين لشحنات الغاز الطبيعي المسال التي تصدرها الولايات المتحدة.
كانت الصين فرضت رسوم تعريفة جمركية على واردات الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة بنسبة 15 في المئة خلال الـ10 من فبراير (شباط) الماضي، بعد أول حزمة تعريفة جمركية فرضها ترمب على صادرات صينية.
ومع تصعيد فرض التعريفة الجمركية بين البلدين، زادت بكين رسوم التعريفة الجمركية على صادرات الغاز الأميركية إليها إلى 49 في المئة، وهكذا أصبح استيراد الغاز الطبيعي المسال من الولايات المتحدة أمراً غير اقتصادي للمشترين الصينيين فتوقفوا عن الاستيراد.
وبحسب أرقام وبيانات حركة الشحن البحري التي نشرتها صحيفة "فايننشال تايمز" أول من أمس الجمعة، لم تصل أية شحنات غاز طبيعي مسال من الولايات المتحدة إلى الصين منذ نحو 10 أسابيع.
وكانت آخر شحنة بمقدار 69 ألف طن وصلت على ناقلة من منفذ "كوربس كريستي" في ولاية تكساس إلى ميناء فوجيان جنوب الصين خلال السادس من فبراير الماضي. وجرى تحويل ناقلة تحمل شحنة أخرى إلى بنغلاديش لأنها لم تتمكن من الوصول إلى الصين، قبل بدء تطبيق التعريفة الجمركية التي فرضتها بكين على واردات الغاز الأميركي.
واردات الصين من أميركا
ليست تلك المرة الأولى التي تتوقف فيها بكين عن استيراد الغاز الأميركي، فقد سبق وحظرت استيراد الغاز من الولايات المتحدة مدة عام كامل خلال فترة رئاسة ترمب الأولى بعد فرضه عقوبات على بكين، وكان ذلك قبل الحرب في أوكرانيا وتعزيز التعاون بين الصين وروسيا، الذي تضمن زيادة واردات الطاقة من موسكو.
وتعد الصين أكبر مستورد للغاز الطبيعي المسال الذي تصدره الولايات المتحدة، وبلغت وارداتها منه عام 2023 ما يصل إلى 97.8 مليار متر مكعب، لكن لا تشكل تلك الكمية سوى نسبة ستة في المئة من واردات الغاز الطبيعي المسال إلى الصين.
وتأتي قطر وروسيا في مقدمة كبار المصدرين للغاز إلى الصين، بينما كانت صادرات الغاز الطبيعي المسال الأميركية تشكل نسبة 11 في المئة من واردات الصين عام 2021.
ومع ارتفاع أسعار الغاز في أوروبا خلال العامين الماضيين، كان كثير من المشترين الصينيين يعيدون بيع الغاز الأميركي الذي يشترونه لدول أوروبا والاستفادة من فارق الأسعار، إذ إن كبار المشترين الصينيين لديهم تعاقدات طويلة الأمد مع المصدرين الأميركيين.
إذا كان الحظر الصيني على استيراد الغاز الأميركي سابقاً استمر مدة عام فإن توقف الاستيراد هذه المرة قد يطول كثيراً، كما يرى غالب المحللين في قطاع الطاقة.
تقول المتخصصة في شؤون الغاز بمركز سياسات الطاقة العالمية في جامعة كولومبيا آن صوفي كوربو إن التصعيد الحالي بين أميركا والصين "ستكون له تبعات طويلة الأمد... لا أعتقد أن مستوردي الغاز الطبيعي المسال الصينيين سيبرمون أية تعاقدات جديدة مع مصدري الغاز الطبيعي المسال الأميركيين".
بدائل الغاز للصين
هناك شركات صينية كبرى مثل "بيترو تشاينا" و"سينوبك" لديها عقود استيراد غاز طبيعي مسال طويلة الأجل، موقعة مع منافذ تصدير أميركية يبلغ عددها 13 تعاقداً، بحسب بيانات شركة "كيبلر" لاستشارات الطاقة.
وتصل مدة بعض تلك التعاقدات إلى عام 2049، ومع ذلك لا تتوقع محللة شؤون الطاقة في "كيبلر" غيليان بوكارا أن تستأنف التجارة بين الصين والولايات المتحدة خلال المدى القصير.
وتبرر رأيها بأنه "في المرة السابقة التي حدث فيها ذلك تطلب الأمر جهوداً غير عادية حتى منحت السلطات الصينية الشركات استثناءً للاستيراد، لكن خلال ذلك الوقت كان الطلب على الغاز كبيراً جداً، أما الآن فإننا نواجه نمواً اقتصادياً ضعيفاً، ونعتقد أن الصينيين يمكن أن يتحملوا توقف هذه الشحنات لمدة طويلة".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
كان سفير الصين لدى موسكو جانغ هانهوي صرح مطلع هذا الأسبوع بأن الصين قد تزيد استيرادها للغاز من روسيا، وبخاصة من الغاز الطبيعي المسال. وأضاف السفير "أعرف بالتأكيد أن هناك كثيراً من المشترين. هناك عدد كبير من المشترين يطلبون من السفارة ترتيب لقاءات مع الموردين الروس، لذا أعتقد أنه ستكون هناك زيادة في الواردات".
وتأتي روسيا في المرتبة الثالثة ضمن كبار مصدري الغاز الطبيعي المسال إلى الصين، بعد قطر وأستراليا. وتتفاوض موسكو وبكين على مد خط أنابيب غاز جديد "ذا باور أوف سيبيريا 2" بكلفة مليارات الدولارات.
ويقول ريتشارد برونز من شركة "إنرجي أسبكتس" لاستشارات الطاقة إنه "مع فرض التعريفة الجمركية بهذه الصورة التي تجعلها تبدو وكأنها حظر فعلي (للاستيراد)، سنشهد تحولات في مسارات التجارة، ونتوقع انخفاض الطلب الآسيوي (على الغاز) بما بين 5 و10 ملايين طن. ويمكن أن يخفض ذلك أسعار الغاز قليلاً في أوروبا".
التأثير في أوروبا
لا يعرف بعد مدى تأثير ذلك التوقف من جانب الصين عن استيراد الغاز الأميركي في مشروعات توسعة طاقة الإنتاج داخل الولايات المتحدة، فمنذ مجيء إدارة ترمب إلى السلطة مطلع العام الحالي ألغت كثيراً من القيود التي فرضتها إدارة جو بايدن السابقة على قطاع الطاقة.
واستثمرت الشركات بكثافة في محطات تسييل ومنافذ تصدير للغاز المسال مع زيادة الطلب من أوروبا، التي حظرت استيراد الغاز الروسي الذي كان يشكل أكثر من 40 في المئة من وارداتها.
وفي أحدث تقاريرها، توقعت وكالة الطاقة الدولية زيادة الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 17 في المئة عام 2025 مع بدء تشغيل منشأتين جديدتين للتسييل داخل الولايات المتحدة. وتكلفت المنشأتين المتوقع تشغيلهما هذا العام مليارات الدولارات، وهناك مشروعات تسييل وتصدير أخرى في مراحل مبكرة من الإنشاء بكلفة مليارات إضافية، إضافة إلى منافذ تسييل وتصدير جديدة في المكسيك.
إلا أن الطلب الأوروبي على الغاز لم يشهد ذلك النمو القوي المتوقع حتى الآن، بالتالي سيتعين إعادة النظر في توقعات نمو الصادرات الأميركية من الغاز الطبيعي المسال، حتى على رغم ضغط ترمب على الأوروبيين لشراء مزيد من الغاز من الولايات المتحدة.
تستورد أوروبا ما يصل إلى نسبة 45 في المئة من واردات الغاز الطبيعي المسال إلى القارة (إجمالها 114 مليار متر مكعب) من الولايات المتحدة، بينما تشكل الصادرات الأميركية من الغاز إلى أوروبا نسبة 43 في المئة من إجمال الصادرات الأميركية (تبلغ 119 مليار متر مكعب)، بحسب بيانات وأرقام العام الماضي.
لكن خلال عام 2024 تراجعت واردات الغاز الطبيعي المسال للاتحاد الأوروبي من الولايات المتحدة عن العام السابق لتصل إلى 51 مليار متر مكعب، بعد أن وصلت إلى 62 مليار متر مكعب عام 2023، وذلك نتيجة زيادة واردات الغاز الأوروبية عبر خطوط الأنابيب وامتلاء مخزونات الغاز الطبيعي في دول أوروبا بنسبة كبيرة.
كان المتوقع أن تزيد واردات أوروبا من الغاز الطبيعي المسال الأميركي خلال عام 2025 مع وقف أوكرانيا مرور الغاز الروسي في خط الأنابيب عبر أراضيها، والذي تسبب في نقص استيراد أوروبي من روسيا بنحو 15 مليار متر مكعب، علاوة على أن الدول الأوروبية ستحتاج إلى زيادة المشتريات لملء المخزونات التي جرى السحب منها خلال فصل الشتاء، وهو ما يقدر بزيادة في الاستيراد بحد أقصى عند نحو 20 مليار متر مكعب أخرى.
ولأن أسعار الغاز الطبيعي المسال الأميركي لأوروبا أعلى من نظيراتها في السوق، فربما تستمر دول الاتحاد الأوروبي في الاستيراد من مصادر أخرى، من ثم سيكون تأثير وقف الصين استيراد الغاز الأميركي ووفرة المعروض منه في أسعار الغاز داخل أوروبا ضعيفاً جداً أو منعدماً تقريباً.