ملخص
منذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد استعادت سوريا عضويتها في عدد من المؤسسات المالية والصناديق العربية والإسلامية، لكن سيكون لعودة التعاون مع البنك الدولي ومؤسساته أهمية خاصة لدلالاته الكبيرة.
تتطلع سوريا إلى طي صفحة الحصار والقطيعة الدولية المستمرة منذ عام 2011، وفي ظل الحاجة إلى تنويع مصادر التمويل فإن الحكومة السورية تسعى إلى فتح قنوات تعاون جديدة مع المؤسسات المالية الدولية، بما يعيد إدماج الاقتصاد السوري في النظام المالي العالمي بعد سنوات من العزلة، والعمل على قيادة تعاون من شأنه مواكبة إعادة الإعمار والنهوض بالاقتصاد المنهك من الحرب والحصار والعقوبات.
في سياق ذلك تكثف الحكومة في دمشق جهودها من أجل استئناف العلاقات مع البنك الدولي، سعياً إلى إنجاز تعاون في مجال الدعم الفني قد يقود لاحقاً إلى تقديم قروض لتمويل مشاريع حيوية في سوريا، بخاصة في مجال البنى التحتية كمشاريع الكهرباء.
ومنذ سقوط نظام الرئيس المخلوع بشار الأسد استعادت سوريا عضويتها في عدد من المؤسسات المالية والصناديق العربية والإسلامية، لكن سيكون لعودة التعاون مع البنك الدولي ومؤسساته أهمية خاصة لدلالاته الكبيرة، ويرى متخصصون أن عودة التعاون مع البنك الدولي قد يشكل خطوة مهمة باتجاه تخفيف العقوبات والحصار على سوريا، وسيشكل مصدراً مهماً للتمويل، فسوريا تكبدت خسائر تقدر بـ800 مليار دولار وإعادة بناء اقتصادها يحتاج إلى تمويل بمئات المليارات من الدولارات.
الحاجة إلى تمويل متعدد المصادر
ينصح متخصصون اقتصاديون وماليون بالتنويع في مصادر التمويل عبر اللجوء إلى مؤسسات التمويل العربية والاقليمية والدولية للاقتراض، مؤكدين على ضرورة تعزيز وتقوية موقفها التفاوضي مع هذه المؤسسات، وبخاصة البنك الدولي لضمان عدم إغراق البلاد ذات الاقتصاد الهش بالديون، بالتالي فتح المجال للتدخل في سياساتها الاقتصادية وحتى السياسية.
وفي رأيهم فإن تطبيق وصفات البنك الدولي قد تؤدي إلى تعميق الفقر لدى الطبقات الهشة وتضييق إمكاناتها على مواجهة كلف المعيشة، بخاصة أن 90 في المئة من السكان يعانون الفقر في حين يعاني 60 من السكان انعدام الأمن الغذائي إلى جانب ارتفاع البطالة إلى مستويات عالية "1 من 4 أشخاص يعانون البطالة".
وعلى رغم عدم وجود تعاون طوال السنوات الماضية مع البنك الدولي وصندوق النقد، فإن الحكومات السورية المتعاقبة منذ عام 2011 دأبت على تطبيق وصفات البنك الدولي بصورة غير مدروسة، وألغت الدعم وحررت أسعار المواد الأساسية، بخاصة المشتقات النفطية، ورفعت أسعار الخبز لامتصاص مبالغ الدعم الكبيرة التي توجه إليه في ظل تراجع إنتاج القمح إلى أقل من مليون طن وارتفاع فاتورة استيراد القمح إلى 550 مليون دولار سنوياً، وقد ترتفع أكثر هذا العام نتيجة سوء المحصول، وامتنعت عن معالجة ملف العمالة الفائضة واستمرت بالتوظيف الاجتماعي وسمحت بمراكمة الفساد والخسائر في القطاع العام حتى صار ذلك عبئاً على موازنة الدولة، ومضت بسياسات التمويل بالعجز.
وفي السنوات الأخيرة قادت عملية ضبط سعر صرف الليرة كهدف مضحية بالإنتاج الذي تراجع إلى مستويات مقلقة سواء في القطاعين الصناعي والزراعي، مما أدى إلى الغلاء وتراجع مستوى معيشة السكان.
حقوق سحب خاصة بـ563 مليون دولار
اليوم، يبدو مسار عودة العلاقات بين سوريا والبنك الدولي قد بدأ، ففي خطوة تعد الأولى من نوعها منذ أكثر من عقد، يستعد وفد وزاري برئاسة حاكم مصرف سوريا المركزي ويضم وزراء الخارجية والمالية للمشاركة في اجتماعات الربيع المشتركة لصندوق النقد والبنك الدوليين، التي تعقد في الفترة الممتدة بين الـ21 والـ26 من أبريل (نيسان) الجاري في العاصمة الأميركية واشنطن، بمشاركة وزراء المال ومديري البنوك المركزية حول العالم.
ومن المقرر أن تعقد على هامش هذه الاجتماعات مائدة مستديرة حول دعم سوريا تستضيفها الحكومة السعودية بالتعاون مع البنك الدولي، بحسب ما كشف عنه الأمين العام المساعد للأمم المتحدة والمدير المساعد لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي عبدالله الدردري.
وقال الدردري لـ"رويترز" إن سوريا تمتلك أيضاً حقوق سحب خاصة بقيمة 563 مليون دولار في صندوق النقد الدولي، لكنها لا تستطيع استخدامها من دون موافقة الدول الأعضاء التي تمتلك 85 في المئة من الأصوات، وهو ما يمنح الولايات المتحدة، التي تمتلك 16.5 في المئة من الأصوات، حق النقض الفعلي.
وأضاف "هناك أيضاً حقوق السحب الخاصة في صندوق النقد الدولي، وهي أيضاً خطوة كبيرة، إضافة إلى كل الدعم الفني الذي يمكن أن يقدمه كل من البنك والصندوق لدمشق".
وكشف الدردري عن أن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي حصل على إعفاء من العقوبات من وزارة الخزانة الأميركية يسمح له بتعبئة ما يصل إلى 50 مليون دولار لإصلاح محطة "دير علي" الكهربائية الواقعة جنوب دمشق.
محادثات تعاون مع البنك الدولي في دمشق
كان وفد تقني من البنك الدولي زار دمشق أخيراً والتقى خلالها وزير المالية السوري وبحث معه آليات تعزيز العلاقات المالية وتطوير أدوات العمل المصرفي، إذ جرى تأكيد حرص دمشق على تعزيز العلاقات المالية والاقتصادية مع البنك الدولي بما يحقق مصلحة الشعب السوري.
وبحسب المعلومات ناقش مسؤولو البنك الدولي إمكان تقديم تمويل لإعادة بناء شبكة الكهرباء التي تعاني تدميراً كبيراً وتراجعاً في التوليد وصل إلى 1400 ميغا، وكذلك الإسهام في دعم أجور العاملين في القطاع العام التي تعد الأقل على مستوى العالم "40 دولاراً".
تأتي تطورات التعاون مع البنك الدول في ظل تداول تقاريري تقول إن السعودية سددت ديون سوريا المستحقة للبنك الدولي والبالغة 15 مليون دولار، في خطوة من شأنها أن تفتح المجال للموافقة على منح بملايين الدولارات مخصصة لإعادة الإعمار، ودعم القطاع العام المتهالك جراء الحرب التي استمرت نحو 13 عاماً.
رفع القدرات التفاوضية بين سوريا والبنك الدولي
يدرك المسؤولون الاقتصاديون والسياسيون في سوريا أنه يجب عدم ادخار أي فرصة للحصول على التمويل من مصادر متعددة في الوقت الذي تحتاج فيه البلاد إلى 400 مليار دولار بالحد الأدنى لإعادة الإعمار وفقاً لتقديرات أممية.
وعلى خلاف ما هو شائع يؤكد متخصصون أن العلاقة مع البنك الدولي ليست محرمة أو سلبية بالمجمل، إذا ما أدركت الحكومة كيفية الحفاظ على استقلالية سياساتها الاقتصادية، محذرين من أن العلاقة مع البنك الدولي تصبح خطرة عندما تجري الموافقة على شروط معينة لضمان الحصول على قروض من البنك، بحيث تبيح تلك الشروط للبنك التدخل في سياسات الدولة الاقتصادية، سواء أثناء صرف دفعات القروض أم عندما تعجز الدولة عن سداد الأقساط المترتبة عليها، وعندها تتحول العلاقة إلى ما يشبه الاستعمار الاقتصادي وفقاً لما وصفه الاستشاري الاقتصادي السوري سعد بساطة.
ويرى الاقتصادي السوري في حديث إلى "اندبندنت عربية" أن رفع القدرات التفاوضية لبلد تجاه البنك الدولي موضوع مهم، بخاصة لتحسين شروط القروض أو المساعدات المالية، وقال إن هناك بعض النقاط التي يمكن أن تساعد في رفع القدرة التفاوضية خاصة بالنسبة إلى بلد مثل سوريا، إذ يجب فهم سياسات البنك الدولي وآليات عمله لتحسين قدراتها على التفاوض مع تحديد واضح للأهداف وتحسين المعرفة بالسياسات الاقتصادية الدولية عند بناء شراكات استراتيجية مع دول أخرى أو مؤسسات مالية دولية مما يسهم بتعزيز الموقف التفاوضي، ولا بد أيضاً من تحسين الشفافية والحوكمة عبر تعزيز الرقابة والمساءلة وتحسين بيئة الأعمال.
وأكد أنه لتحسين القدرة التفاوضية مع البنك الدولي ومع غيره من المؤسسات والجهات المالية التي يمكن التعاون والاقتراض منها يتعين النهوض بالاقتصاد، مما يؤثر في قدرة البلاد على سداد القروض أو الاستفادة من المساعدات الاقتصادية، واليوم مع بدء رسم مسار عودة العلاقات مع البنك الدولي فقد يكون أمراً طبيعياً ومطلوباً أن تبدأ الحكومة السورية ببناء علاقات تعاون استشارية وفنية وصولاً إلى الاقتراض، لكن من دون الارتهان لسياسته أو التدخل في السياسات الاقتصادية للبلاد.
وأضاف أن الدول والمؤسسات المالية ليست جمعيات خيرية للأيتام فلا يوجد منحة أو مساعدة من دون شروط، وأن موضوع القرض يمكن أن يكون ملفاً حساساً في ظل الظروف السياسية والاقتصادية الحالية في سوريا، داعياً إلى التركيز على بناء علاقات قوية مع الدول العربية والأجنبية بالشكل الذي يساعد من تدفق المساعدات الاقتصادية التي قد تأتي في صورة قروض أو منح والتطلع لجذب الاستثمارات التي يمكن أن تتوجه نحو مشاريع اقتصادية في البنى التحتية والصناعية إلى جانب تطوير التعاون الاقتصادي، إذ يمكن أن تعزز الدول العربية وحتى الأجنبية التعاون الاقتصادي مع دمشق من خلال اتفاقات تجارية واستثمارية، وهذا سيؤثر إيجاباً في الوضع الاقتصادي الحالي ويدفع به نحو التعافي.
التعاون مع البنك الدولي يمهد لرفع العقوبات
من جانبه قال الأستاذ بكلية الاقتصاد في جامعة دمشق وعميد كلية إدارة الأعمال في جامعة الجزيرة الخاصة أيمن ديوب لـ"اندبندنت عربية" إن التعاون بين سوريا والبنك الدولي له نقاط إيجابية مهمة، وفي المقابل هناك منعكسات مؤثرة، خصوصاً على الصعيد الاجتماعي، فمن الناحية الاقتصادية سيساعد التعاون مع البنك الدولي على تنظيم الاقتصاد وتوفير التمويل وإرساء الحوكمة والشفافية، مما سيؤدي على المدى الطويل وبصورة تدريجية في معالجة التشوهات السعرية في الاقتصاد السوري، وتحقيق أهم مبدأ من مبادئ الإدارة، وهي فصل الملكية عن الإدارة، مما سيعزز تكافؤ الفرص.
أما الانعكاسات المؤثرة فتبدو بوضوح في الرعاية الاجتماعية التي لن تكون كما كانت سابقاً، بخاصة ما يتعلق منها بدور الدولة الذي سيكون مؤطراً، وهذا يقتضي ترسيخ مبدأ التشاركية لتعزيز المكاسب وإنشاء شبكات الحماية الاجتماعية وإصدار أنظمة اجتماعية وقوانين ناظمة لحماية الطبقات الهشة في المجتمع، وفق قوله.
ديوب وصف تحرك الحكومة السورية نحو التعاون مع البنك الدولي بالاستراتيجي، مشيراً إلى أهمية مشاركة وفد سوري رفيع المستوى في اجتماعات البنك القادمة بواشنطن، فعودة سوريا إلى التعاون مع البنك الدولي سيحقق مكاسب مهمة على المستوى التنموي والاقتصادي، لأن البنك الدولي بمختلف مؤسساته، ومنها البنك الدولي للإنشاء والتعمير مخصص لدعم الدول ذات الدخل المتوسط ومؤسسة التنمية الدولية التي تقدم مساعدات للدول النامية، ويمكن لسوريا الاستفادة من المؤسستين في الحصول على منح وقروض طويلة الأجل لتمويل المشروعات.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبحسب ديوب "يمكن التركيز على المنح المالية التي يقدمها البنك الدولي لدعم المشاريع، بالتالي يمكن الحصول على منح لدعم الصناعيين المتضررين والناشئين والدفع بالمشاريع الصغيرة ومتناهية الصغر التي يمكن أن تكون أحد مقومات التنمية في سوريا، وتنظيم اقتصاد الظل إلى جانب الحصول على منح في مجال الصحة والتعليم تبدو البلاد في أمس الحاجة إليها.
وهناك جانب في غاية الأهمية يمكن الاشارة إليه، كما يقول ديوب، ويتجلى في توفير البنك الدولي الدعم الفني لمصرف سوريا المركزي المعني برسم السياسة النقدية للدولة التي تعد أساس بناء الاقتصاد الوطني، كما يمكن أن يساعد البنك الدولي الحكومة السورية في تحديد أولويات التنمية ورفع قدرة البلاد على مواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية.
وأوضح ديوب أنه يمكن للبنك الدولي أن يساعد أيضاً في توفير نوع من التعاون بين الحكومة السورية والمنظمات غير الحكومية، وتحسين الحصول على جزء من القطع الأجنبي في ظل العقوبات، مشيراً في هذا السياق إلى أن العقوبات تشكل عائقاً كبيراً أمام نمو الاقتصاد السوري في ظل حاجتها إلى عشرات المليارات من الدولارات في شكل استثمارات ومساعدات فنية وغيرها، وهذا لا يمكن أن يتحقق في ظل العقوبات التي يجب أن ترفع بصورة كاملة وليس تعليقها فقط لضمان تدفق الاستثمارات.
وأضاف "مع مضي الوقت فإن النجاح في إنجاز التعاون مع البنك الدولي سيساعد في إعادة بناء الثقة لرفع العقوبات، وفي كل الأحوال فإنه في حال الاتفاق على أجندة تعاون متوازنة مع البنك الدولي، يمكن لذلك أن يمهد الطريق لرفع العقوبات عن سوريا، أو في الأقل تخفيفها".
لذلك يقول ديوب، "لا بد من النجاح في قيادة التفاوض من أجل ضمان عودة علاقات التعاون مع مجموعة البنك الدولي على أوسع نطاق ممكن وبما يخدم مسار إعادة الإعمار وتأمين ظروف حقيقية لتعافي الاقتصاد السوري من دون أن يعني ذلك فتح المجال لتدخل البنك في سياسات البلاد الاقتصادية وإغراقها بالديون".
تاريخ العلاقات بين سوريا والبنك الدولي
مرت العلاقات بين سوريا ومجموعة البنك الدولي بخمس مراحل منذ عام 1947، وهو تاريخ انضمام سوريا إلى البنك، والمرحلة الأولى كانت خلال الفترة الممتدة بين عامي 1963 و1974، وحصلت خلالها سوريا على 4 ائتمانات من البنك قيمتها الإجمال نحو 48.6 مليون دولار.
المرحلة الثانية التي أعقبت خروج سوريا عام 1974 من مرحلة الأهلية للاستفادة من موارد المؤسسة الدولية للتنمية (هي جزء من البنك الدولي)، واستمرت حتى عام 1986، وتميزت بحصول دمشق خلالها على 15 قرضاً من البنك الدولي للإنشاء والتعمير، أما المرحلة الثالثة فبدأت مع عام 1986 عندما توقفت سوريا عن سداد مدفوعات خدمة الدين المترتب عليها، وتوقف البنك عن صرف الدفعات المتبقية.
وفي عام 2002 سوت سوريا كل مدفوعات خدمات الديون المتأخرة عليها لمصلحة البنك الدولي للإنشاء والتعمير والمؤسسة الدولية للتنمية، مما أعاد تأهيلها للصرف، ولتبدأ بعدها مرحلة جديدة من العلاقة مع البنك الدولي كان قوامها التعاون الفني والاستشاري في قطاعات اقتصادية واجتماعية عديدة، لكن من دون أن تتقدم سوريا خلال هذه المرحلة بأي طلب للحصول على قروض جديدة، على رغم وجود قابلية لذلك من قبل إدارات البنك الدولي.
وبعد عام 2011 توقفت تماماً مشروعات التعاون الفني والاستشاري بين سوريا والبنك الدولي استجابة للعقوبات الغربية التي فرضت على دمشق.
بصورة عامة فإن التعاون الأهم بين سوريا والبنك الدولي كان في العشرية الأولى من القرن الحالي، وأظهرت الحكومات السورية، وبخاصة حكومة المهندس ناجي عطري، ميلاً لتطبيق سياسات قريبة مع تلك التي يعتمدها البنك الدولي، فاعتمدت البلاد سياسة الانفتاح الاقتصادي، وفتحت المجال أمام القطاع الخاص للدخول في قطاعات كانت حكراً على القطاع العام، وفتح قطاع التأمين والمصارف الخاصة، ودخلت شركات طيران خاصة مع التوسع في سياسات الاستيراد وخفض الرسوم الجمركية، وأوقفت العمل بسياسة التسعير الإداري، وأطلقت مشروعاً لإعادة توزيع الدعم الحكومي، وحركت أسعار المشتقات النفطية والكهرباء، واعتمدت نهج اقتصاد السوق الاجتماعي الذي أطلقه عبدالله الدردري الذي كان يشغل منصب النائب الاقتصادي في رئاسة مجلس الوزراء، ولاقى رفضاً ومقاومة كبيرة داخل البلاد.
وعلى رغم أن سوريا كانت في تلك المرحلة من أقل دول العالم مديونية للخارج بعدما قامت بتسوية غالب ديونها، ولم يكن هناك ما يضغط عليها لاعتماد سياسات اقتصادية معينة، فإنها لم تلجأ إلى الاقتراض من البنك الدولي أو ربما حال اندلاع الحرب دون الاقتراض، وبقي التعاون يميل بصورة كاملة إلى زيارة خبراء البنك وصندوق النقد لسوريا وتقديمهم استشارات وخبرات فنية كجزء من الخدمات المتاحة للدول الأعضاء في البنك، أي إنها لم تكن استثنائية، أو تمهيداً لتنفيذ مشروع ما.
المساعدات الفنية والاستشارية شملت أكثر من 20 مجالاً خلال العقد الأول من القرن الماضي إلى جانب تقديم اقتراحات وتوصيات معظمها لم تأخذ به دمشق نتيجة اختلاف المواقف من نصائح البنك الدولي داخل أجهزة القرار الاقتصادي السوري، وهكذا فإن الانفتاح الذي اتبعته سوريا قبل عام 2011 لم يكن منسجماً مع سياسات البنك الدولي الذي يصر على تنفيذ إصلاحات متوازنة ومتسارعة وعميقة، فهل تستطيع سوريا مع بداية عهد جديد أن تصوغ تعاوناً أفضل مع مجموعة البنك الدولي؟ وهل يكون هذا التعاون جسراً لتحررها من العقوبات والحصار وإلى معالجة كل تلك المشكلات التي ورثتها، ويضاف إليها تدمير واسع في البنى التحتية من كهرباء ومنشآت نفطية وطرق وجسور وشبكات ري وصرف صحي واتصالات، بالتالي ستتمكن من إجراء إصلاحات اقتصادية ومالية واجتماعية عميقة تصحح من خلالها مسار اقتصادها وتدفع بمعدلات النمو إلى التحسن.