ملخص
قدم وزير الثقافة السوري محمد الصالح اعتذاراً بعد جدل واسع على منصات التواصل الاجتماعي بسبب زيارته مضافة أحد المتهمين بالتورط في ارتكاب انتهاكات بحق السوريين في عهد النظام السابق.
"صُمنا عن الأفراح دهراً وأفطرنا على طبق الكرامة"، بيت شعري ألقاه صاحبه وزير الثقافة محمد ياسين الصالح في كلمة تنصيبه بقصر الشعب جعله "تريند" الساعة وبطلاً وطنياً في الفضاء الأزرق، لكنه اليوم تحول إلى مصدر للسخرية والاستياء والسخط الشعبي وصل إلى حدود مطالبته بالاستقالة.
فقد ضج السوريون على جميع المنصات الرقمية بخبر زيارة وزير الثقافة الصالح رفقة جمال الشرع شقيق رئيس الجمهورية العربية السورية أحمد الشرع في ضيافة أحد الشخصيات العشائرية المعروفة بقربها من نظام الأسد الشيخ فرحان الموسومي أحد أبرز الشخصيات الموالية لإيران.
وبحسب المعلومات التي كشف عنها ناشطون فإن المرسومي حظي بدعم من قادة الحشد الشعبي والميليشيات العراقية، كما كان له دور في تأمين حاجات الزوار الشيعة إلى مرقد السيدة زينب، وهذا ما دفعه إلى فرض سطوة واسعة ونفوذ على معبر "القائم" الحدودي مع العراق، والمعبر الإيراني "السكك" غير الشرعي.
نشاط المرسومي لم يتوقف عند هذا الحد، بل امتد وفق المعلومات الواردة إلى تعاون واسع مع الفرقة الرابعة التابعة لماهر الأسد شقيق رئيس النظام السوري السابق بشار الأسد مع إشراف على عمليات تهريب الكبتاغون والحبوب المخدرة بالتنسيق مع مهربين إلى داخل العراق، ومن مهامه الموكلة من قبل إيران تجنيد أبناء المنطقة الشرقية ضمن صفوف الفوج 47 الإيراني.
زيارة وزير الثقافة بصحبة شقيق الرئيس الشرع وصفها الشارع السوري بـ"السقطة التي لا تُغتفر"، بينما قرأها بعض المراقبين بأنها جاءت بصورة مدروسة، إذ إن الشخصية المُضيفة معروفة بولاء مطلق لنظام الأسد. وذكر مركز رؤى لدراسات الحرب "أصبح واضحاً أن الحكومة الجديدة تسلمت مقاليد الحكم بمقتضى تفاهمات إقليمية ودولية تقتضي عدم محاسبة الشبيحة ورموز النظام البائد"، بحسب حسابها الرسمي.
في غضون ذلك وثق المرصد السوري لحقوق الإنسان استياءً عارماً في مدينة البوكمال بريف دير الزور الشرقي بعد ظهور الوزير في ضيافة أحد المتهمين بارتكاب جرائم بحق أبناء المدينة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ونشر المرصد توثيقاً لأحد أبناء المدينة من بلدة السويعية "بداية السيطرة الإيرانية على البوكمال شهدت حملات اعتقال طاولت أعداداً كبيرة من أبناء المنطقة، لا يزال إلى اليوم بعضهم في عداد المفقودين قسراً، وبعد فترة قصيرة نحر المرسومي 70 رأساً من الغنم، وأقام مأدبة ضخمة حضرها قادة الميليشيات والنظام، بعضهم متورط مباشرة في تلك الاعتقالات".
ومع ذلك رد المرسومي ببيان صادر من مكتبه الإعلامي موضحاً أن كل ما جاء عبر وسائل التواصل محض افتراء من أشخاص حاقدين، "كانت علاقتي مع بعض الأشخاص الذين عملوا لدى النظام البائد لخدمة أهلي وعشيرتي وأصدقائي وجميع أبناء العشائر والطوائف على كامل مساحة أراضي الجمهورية من دون تمييز".
وأضاف البيان "كنت أخاً وسنداً، فكم من الأشخاص الموقوفين في سجون النظام البائد والمطلوبين استطعتُ إطلاق سراحهم وحمايتهم من هذا النظام المجرم، وما كنت يوماً إلا نُصرةً لأهلي وربعي، ولجميع مكونات الشعب السوري، وأميناً عليهم".
يتدحرج الغضب الشعبي ككرة الثلج، لا سيما أنه وقبل أسبوعين في خطاب تنصيب الحكومة خرج الوزير الصالح بصورة البطل واخترق قلوب الناس بفصاحة لسانه، بخاصة أنه عمل إعلامياً وكاتباً وشاعراً، ليرد عليه اليوم السوريون على بيته الشعري الشهير، ومنهم الكاتبة السورية حنين بوظو التي نشرت رداً على الصالح ببيت شعري "صُمنا عن الأفراح دهراً وأفطرنا على طبل المهانة... فسجل يا حطام الحلم، سجل تدثرنا بخزيٍ من ندامة).
وتساءل المحامي السوري أحمد مشول: هل من المعقول والمنطقي أن من يقول هذه الأبيات بقصيدة "طبق الكرامة" يلتقي فرحان المرسومي؟ وأضاف "تاريخ المجرمين يا وزير الثقافة وتاريخ العملاء والمرتزقة أصبح جزءاً من تاريخ سوريا، فهل يجوز لوزير الثقافة أن يجهل التاريخ؟ هل يجوز لوزير الثقافة أن يتذرع بجهله بتاريخ المرسومي؟ لا يحق لأي مسؤول في سوريا الجديدة أن يسمح بإعادة إنتاج النفايات التي صنعها نظام الأسد، واللقاء بهذه العصابات خط أحمر لجميع المسؤولين"، وفق تعبيره. وأضاف "نطالب بنشر قائمة كاملة بأسماء هؤلاء القتلة والمجرمين والشبيحة، لكي لا يتذرع وزير الثقافة أو غيره بجهله بهؤلاء، كما نطالب بمحاكمة فرحان الموسومي وغيره من المجرمين".
في المقابل رد وزير الثقافة الصالح على كل هذا الجدل عبر حسابه الرسمي في منصة "إكس" بالاعتذار، "في كل يوم يُطلب مني مئات الصور مع الناس، ولا أستطيع أن أكشف عن صدور الناس وأعرف مشاربهم وانتماءاتهم. أريد أن أعتذر للشعب السوري العظيم عن أي صورة - غير مقصودة - مع أي شخص محسوب على النظام البائد".
ونال الوزير السوري سيلاً من الاتهامات حيال تفريطه بقضية شعبه بعدما ألبسه المرسومي عباءة له وعباءة لشقيق الرئيس السوري وسط انتقادات حيال وجود جمال الشرع وليس لديه أية صفة رسمية، وفي وسط زحمة هذه الانتقادات يرى متابعون أن هذه الحالة من الانتقادات في حد ذاتها إيجابية "بعد عقود طويلة من الزمن يستطيع الشعب محاسبة المسؤول حين يُخطئ".
ومع هذا يرتفع صوت السوريين اليوم بضرورة تحديد قائمة محاسبة محددة للشخصيات السياسية والعسكرية وفتح روابط للتواصل لتزويد الأمن العام السوري بمعلومات عن الشخصيات المتورطة بسفك الدم السوري في أسرع وقت ممكن لتطبيق العدالة الانتقالية والمحاسبة، وإلا سيتكرر السيناريو مجدداً في مواقع أخرى.