Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل بدأ العالم يفقد ثقته في الدولار؟

ما حققته العملة الأميركية من هيمنة في 100 عام قد تدمرها إدارة ترمب في 100 يوم

57 في المئة من الاحتياطات الأجنبية حول العالم بالدولار (اندبندنت عربية)

ملخص

أدت "صدمة نيكسون" إلى تطور نظام مالي عالمي عزز هيمنة الدولار وتضمن التجارة في العملات وزيادة الائتمان (الاقتراض) وانسياب رؤوس الأموال بحرية من دون قيود من التقييم بالذهب وقواعد مشددة من الحكومات، لكن إجراءات إدارة ترمب تفعل العكس تماماً بسياساتها المالية والاقتصادية كما يرى معظم المحللين والاقتصاديين

سواء كانت إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب تقصد أم لا فكل سياساتها على مدى الأشهر القليلة التي تولت فيها السلطة منذ الـ20 من يناير (كانون الثاني) الماضي تعمل على إضعاف الدولار، وتواصل العملة الأميركية تراجعها لتفقد أكثر من 8 في المئة من قيمتها منذ بداية العام الحالي 2025.

وفي الأسبوع الماضي انخفض مؤشر سعر صرف الدولار "دي أكس واي" الذي يقيس قيمة الدولار مقابل عملات كبرى عدة بنسبة 2.8 في المئة، وذلك سابع أسوأ أسبوع لسعر صرف الدولار خلال 3 عقود، ويواصل الدولار الهبوط هذا الأسبوع أيضاً.

منذ ما عرف باسم "صدمة نيكسون" عام 1971 حين فرض الرئيس الأميركي السابق ريتشارد نيكسون تعريفة جمركية بنسبة 10 في المئة على واردات أميركا وأعلن إنهاء "قاعدة الذهب" لم تشهد العملة الأميركية صدمة كالتي تشهدها الآن بعد نحو نصف قرن، حتى إن صحيفة "فاينانشيال تايمز" وصفتها في تقرير مطول لها الخميس بأنها "صدمة ترمب".

كانت قرارات نيكسون الغت ارتباط الدولار بالذهب الذي أقرته اتفاقات "بريتون وودز" عام 1944 وجعلت من العملة الأميركية عماد النظام المالي العالمي، وكان ذلك وقتها تأكيد لواقع هيمنة الدولار الأميركي حتى في ظل قياس العملات بالذهب ما بعد الحرب العالمية الأولى ومع طغيان دور الدولار كانت اتفاقات "بريتون وودز" التي تضمنت وضع أسس النظام الجديد ومعه البنك الدولي وصندوق الدولي، تستهدف ربط العملة السائدة عالمياً بالذهب.

مسار هيمنة الدولار

أدت "صدمة نيكسون" إلى تطور نظام مالي عالمي عزز هيمنة الدولار وتضمن التجارة في العملات وزيادة الائتمان (الاقتراض) وانسياب رؤوس الأموال بحرية من دون قيود من التقييم بالذهب وقواعد مشددة من الحكومات، لكن إجراءات إدارة ترمب تفعل العكس تماماً بسياساتها المالية والاقتصادية كما يرى معظم المحللين والاقتصاديين.

جاء إعلان ترمب مطلع هذا الشهر عن فرض رسوم تعريفة جمركية هائلة على كل شركاء أميركا تقريباً صادماً للأسواق، وحين اضطربت أسواق الأسهم والسندات تراجعت إدارة ترمب وقررت تأجيل تنفيذ فرض التعريفة الجمركية لمدة 90 يوماً، لكن المستثمرين في الأسواق حول العالم ما زالوا في حال قلق عميق وتخوف من الخطوات التالية لواشنطن.

ويتوقع معظم هؤلاء أن "مرحلة هيمنة الدولار ربما تكون في طريقها للاضمحلال أو حتى النهاية".

يقول رئيس مركز الأبحاث "أومفيف" في الولايات المتحدة والمسؤول السابق في وزارة الخزانة مارك سوبيل إن "الحرب التجارية هي أحدث مثال على مدى احتقار هذه الإدارة للعالم، فكونك شريكاً وحليفاً يمكن الوثوق به هو عامل أساس في هيمنة الدولار، والآن تمت إطاحة هذا العامل".

يشير التقرير إلى أن هناك الآن سؤالين يطرحان في الأسواق ودوائر المال والأعمال حول العالم بعد "صدمة ترمب"، السؤال الأول هو إلى أي مدى يمكن أن يستمر تدهور سعر صرف الدولار؟ بحسب تقديرات كبير الاقتصاديين في شركة "أبوللو" تروستن سلوك يحوز الأجانب (من دول وصناديق ومستثمرين في الديون) ما قيمته 19 تريليون دولار من الأسهم الأميركية، إضافة إلى 7 تريليونات دولار من سندات الخزانة و5 تريليونات دولار من سندات ديون الشركات، فإذا بدأ بعض هؤلاء التخلص حتى من بعض ما في حوزتهم من أصول أميركية ستتعرض قيمة الدولار لضغط شديد.

فوائد وأضرار قوة الدولار

أما السؤال الثاني فهو هل يمكن إذا استمر خروج رؤوس الأموال (من الأصول الأميركية) أن يؤدي ذلك إلى تدهور وضع الدولار المميز في النظام المالي والاقتصادي العالمي؟ على رغم المطبات المختلفة في مسيرة الدولار على مدى قرن من الزمن ومحاولة المنافسين النيل من مكانته، فإن هيمنة الورقة الخضراء ظلت متماسكة.

لكن المستثمرين والمحللين يرون الآن في سياسات إدارة ترمب وإجراءاتها المالية والاقتصادية ما يمكن أن ينهي تلك الهيمنة العالمية للعملة الأميركية، فيقول كبير مسؤولي الاستثمار في شركة "بي جي أي أم" للدخل الثابت غريغوري بيترز إن "الولايات المتحدة استفادت من وضع الدولار كعملة احتياط عالمية على مدى 100 عام، بينما تطلب الأمر أقل من 100 يوم للقضاء على هذا الوضع"، مستدركاً "إنه لأمر هائل فعلاً".

بعد قرار نيكسون قبل نحو نصف قرن ذهب وزير الخزانة وقتها جون كونالي إلى اجتماع مجموعة الـ10 في روما ليبلغ شركاء أميركا إلى أن "الدولار عملتنا، لكنه الآن مشكلتكم"، ويبدو أن وجهة نظر إدارة ترمب هي العكس تماماً فالدولار عملة الجميع حول العالم، لكنه مشكلة أميركا.

منذ عام 1971، ونتيجة عوامل كثيرة من أهمها زيادة الارتباط بين دول العالم، زادت أهمية الدولار في النظام المالي والاقتصادي العالمي، ومع أن الولايات المتحدة حالياً لا تشكل سوى نحو ربع الاقتصاد العالمي فإن نسبة 57 في المئة من الاحتياطات الأجنبية حول العالم بالدولار، بحسب تقديرات صندوق النقد الدولي، مع أن كثيراً من البنوك المركزية قللت نصيب الدولار في احتياطاتها في السنوات الأخيرة، إلا أن هناك احتياطات أخرى غير تلك لدى البنوك المركزية يظل للدولار النصيب الأكبر منها، سواء احتياطات أجنبية لدى بنوك أو صناديق معاشات تقاعد أو شركات تأمين أو صناديق تحوط أو غيرها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حسب تقديرات "مجلس الأطلسي" يبلغ نصيب التعاملات بالدولار في التجارة الدولية نسبة 54 في المئة حالياً، وفي التعاملات المالية تظهر هيمنة الدولار أكثر، إذ إن 60 في المئة من الإيداعات والقروض الدولية مقيمة بالدولار، كذلك نسبة 70 في المئة من إصدارات السندات، أما في التحويلات المالية، فنحو 88 في المئة تتم بالدولار.

حتى الأوراق النقدية فطبقاً لأرقام "الاحتياطي الفيدرالي" (البنك المركزي الأميركي) فإن نصف المتداول منها، وحجمه نحو تريليوني دولار، بحوزة أجانب.

هذه المكانة العالمية الهائلة للدولار توفر ميزة للولايات المتحدة مع زيادة علاوة القيمة على الأصول الأميركية وانخفاض كلفة اقتراض أميركا من العالم، وتمنح الولايات المتحدة القدرة على "تخريب" النظام المالي لأي بلد بفرض عقوبات عليه.

ترمب وإضعاف الدولار

إلا أن معظم أعضاء فريق ترمب في الإدارة الجديدة يرون أن ميزات المكانة العالمية للدولار أقل من الكلفة التي تتحملها أميركا نتيجتها، إذ إن قوة العملة الأميركية تضر بشدة بالصادرات الأميركية.

وفي خطاب له الأسبوع الماضي قال رئيس مجلس المستشارين الاقتصاديين في إدارة ترمب ستيفين ميران أنه "على رغم حقيقة أن قوة الطلب العالمي على الدولار حافظت على فائدة اقتراضنا منخفضة، فإنها جعلت أسواق العملات أكثر تشوهاً"، مضيفاً "ذلك أضاف أعباءً غير مبررة على شركاتنا والعمال الأميركيين بأن جعل منتجاتهم وأعمالهم غير تنافسية على الساحة العالمية".

ويشير تقرير الصحيفة إلى أن كل قرار اتخذته الإدارة الأميركية الجديدة للرئيس ترمب أدى إلى إضعاف الدولار، ونقل عن مدير مالي أميركي كبير قوله إن الأمر تجاوز "أنه لم يعد بالإمكان الوثوق في الولايات المتحدة بعد الآن، سواء في مجال التجارة أو جيوسياسياً"، قائلاً "لقد أغضبنا كل العالم تقريباً، وهناك الآن عداوة شخصية حقيقية تجاهنا تضر بقيمة الدولار".

المعروف أنه في أوقات الأزمات والاضطرابات يلجأ المستثمرون إلى ما تسمى "ملاذات آمنة" يضعون فيها أموالهم، ومنها إلى جانب الذهب العملات القوية مثل الدولار، لكن ما يحدث أخيراً أن الدولار يتراجع أمام نظرائه مثل الفرنك السويسري والين الياباني، وكأنما استبعد المستثمرون الدولار من سلة الملاذات الآمنة نتيجة عدم الثقة.

في تقرير له صدر الجمعة الماضي ذكر رئيس أبحاث العملات في مصرف "دويتشه بنك" جورج سارافيلوس أنه "على رغم تراجع الرئيس ترمب عن فرض التعريفة الجمركية، فإن الضرر على الدولار قد وقع بالفعل، وتعيد الأسواق تقييم الجاذبية الهيكلية للدولار كعملة احتياط عالمية، وهناك عملية متسارعة للتخلي عن الدولار".

ويتوقع بنك "غولدمان ساكس" الاستثماري أن يفقد الدولار أكثر من 6 في المئة أخرى من قيمته في غضون 12 شهراً، ويحذر البنك من أن "الاتجاهات السلبية لدى المؤسسات والحكومة الأميركية تنال من الميزات التي تمتعت بها الأصول الأميركية والدولار طويلاً، وسيستمر الضرر في المستقبل ما لم تتغير السياسات".

مع عدم القدرة على توقع ما يمكن أن تفعله إدارة ترمب تتحسب الأسواق لضغط البيت الأبيض على "الاحتياطي الفيدرالي" لخفض سعر الفائدة، مما سيعني مزيداً من تدهور قيمة الدولار.

وبالفعل هناك بوادر شقاق بين ترمب ورئيس "الاحتياطي الفيدرالي" جيروم باول، حتى إن بعض المحللين والمعلقين لا يستبعدون إمكان أن يحاول الرئيس إقالة رئيس "الاحتياطي" والنيل من استقلالية البنك المركزي في وضع السياسة النقدية.

في غضون ذلك يقدر محلل أسعار الصرف ورئيس شركة "يوريزون أس أل جيه كابيتال" ستيفين جين أن "قيمة الدولار مغالى فيها بنسبة 19 في المئة في الأقل مقارنة مع نظرائه من العملات الأخرى"، متوقعاً أن ينخفض سعر صرف الدولار ربما بأكثر من هذه النسبة إذا تباطأ الاقتصاد بشدة وحدث الضغط على "الفيدرالي" ليخفض سعر الفائدة.

يبقى أن هناك شبه إجماع على أنه مع تدهور الدولار، فليس هناك حتى الآن بديل يمكن أن يحل محله كعملة مهيمنة في النظام المالي والاقتصادي العالمي، فاليورو، على رغم أنه عملة موحدة للاتحاد الأوروبي، فإنه في النهاية محكوم بسياسات نقدية متباينة لأكثر من 20 دولة.

أم اليوان الصيني فإن بكين حريصة على التحكم في العملة بما لا يسمح بأن تكون عملة احتياط عالمية بالصورة التي يحتلها الدولار.

اقرأ المزيد