Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

رسائل بريد من غزة: الصورة صرخة حب ومقاومة

لقطات فوتوغرافية تحكي عن مدينة تنبض بالحياة وأناس يزرعون الأمل بين ركام الدمار

مجموعة من البوست كارت  تمثل غزة في معرض القاهرة (خدمة المعرض)

ملخص

يستضيف المركز الثقافي الفرنسي في القاهرة معرض "بوست كارت من غزة"، للفنانة الفلسطينية رهاف البطنيجي، وهو شهادة بصريّة مؤثرة عن الحياة اليومية في قطاع غزة، من خلال عشرات الصور الفوتوغرافية التي توثق عقداً كاملاً من الصمود.

المعرض الذي يستمر حتى الأول من مايو (أيار) المقبل يبدو أرشيفاً حياً يُبرز التفاصيل الصغيرة التي تتحدى الدمار. عبر عدستها، تلتقط البطنيجي لحظات تبدو عادية، لكنها تحمل في طياتها قصصاً عميقة عن المقاومة والحنين والإصرار على الحياة، هي رسائل فوتوغرافية إلى العالم تُعيد تعريف غزة بعيداً من صورة الضحية، لتكشف عن مدينة تنبض بالحياة، ومجتمع يحيا ويحلم ويصنع الجمال على رغم كل الظروف.

على مدى عقدٍ كامل، وثّقت عدسة رهاف البطنيجي نبض الحياة اليومية في مسقط رأسها؛ فجمدت اللحظات بين أطراف الكادر: أطفالٌ يعانقون أمواج الشاطئ، صيادون يخاطرون بأحلامهم، وجوه تتحدى الظروف بابتسامة، وأسواق تنبض بالحركة. كل صورة هنا أشبه بشهادة وجود تخاطب العالم: "نحن هنا.. وسنبقى"، هذه الذكريات المصوّرة بين عامي 2013 و2023 أصبحت اليوم أرشيفاً حياً يروي قصة غزة الحقيقية - ليس كرقم في نشرات الأخبار، بل كوطن لأُناس يزرعون الأمل ويحصدون الجمال بين ركام الدمار.

تُخبرنا الصور أن الحياة تستمر حتى في أقسى الظروف، فالمقاومة كما تلمح رهاف البطنيجي، ليست دوماً صخباً أو عنفاً، بل قد تكون في إصرار طفل يلهو، أو في شمس تشرق على أرصفة مثقلة بالقصص. تكتب البطنيجي إلى جوار إحدى الصور: "كل العابرين مرّوا أمام الشمس، وفتحوا الرصيف على أغنية بعيدة، ولكنها وصلت إلى مسامعنا جيداً."

هذه العبارة، مثل الصور، لا تطرح سؤالاً عن مصير الرسائل وحسب، بل عن مصير أهل المدينة أنفسهم، وعن الأمل الذي يتمسك بإمكانية الوصول حتى في زمن تُغلق فيه الطرق ويضيق فيه الأفق. وفي نص آخر، تتساءل بمرارة شاعرية: "ما الذي تغيّبه البطاقة البريدية عندما تُرسل من مكان محاصر؟" سؤال يُلخّص جوهر المعرض، تستكمله بدعوة مباشرة إلى الزوار لكتابة رسائلهم الشخصية إلى غزة، هذه الرسائل المجهولة الوجهة تتحوّل إلى عمل فني جماعي يشارك فيه جمهور المعرض ليُضيء بالأمل ويذكّر أن غزة لا تزال حية في ضمير العالم، مهما حاول النسيان أن يسدل ستاره.

في هذا الركن التفاعلي، تطرح البطنيجي كذلك سؤالاً مؤلماً: "كيف نكتب إلى مكان لم نعد نعرف إن كان بإمكانه استقبال رسائلنا؟"، هذه المحاولة لاختراق جدار الصمت الدولي تمنح الزائرين فرصة للتفاعل مع القضية الفلسطينية بطريقة شخصية، بعيداً من الخطابات السياسية الجاهزة، بعض الرسائل حملت كلمات أمل، بينما عبّرت أخرى عن عجز العالم عن وقف الدمار، لكن جميعها تشترك بشيء واحد، وهو محاولة صنع جسر بين العالم وغزة المحاصرة.

يمكن اعتبار هذه الصور التي تقدمها البطنيجي سلاحاً ضد النسيان، إذ لا يمكن فصلها عن السياق التاريخي الذي وُلدت فيه، كل صورة هي جملة في قصة أطول عن شعب يرفض أن يُختزل إلى مجرد ضحية. المعرض ينتقد بصمت لاذع الصورة النمطية التي تقدمها وسائل الإعلام عن الفلسطينيين، حيث يُختزل الألم في عناوين إخبارية سريعة أو مشاهد دموية، هنا تقدم البطنيجي رواية مضادة عن غزة التي تعيش وتضحك وتصنع الفن.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على هامش الصور، تضع البطنيجي نصوصاً شعرية تكتبها كما لو كانت رسائل، أحدها يبدأ بعبارة "عزيزي الغياب... أتمنى أنك بخير"، وتنتهي بوصف شاعري لأطفال يلعبون الكرة. هذه النصوص، التي تراوح ما بين الحنين والسخرية المرة، تُضفي بُعداً إنسانياً على الصور، وتبدو كحوار دافئ مع الأماكن والأشخاص في الصور.

"بوست كارت من غزة" هو صرخة موجهة إلى المستقبل، كما يقول القيم الفني للمعرض، كيغام كيغاليان، فهي ليست صوراً التقطها سائح عابر، بل هي مشاهد شديدة الخصوصية لوطن يصارع من أجل البقاء، ما يميز هذا المعرض حقاً أنه لا يكتفي بتوثيق اللحظة، بل يعيد صياغة الذاكرة البصرية لمدينة تحت الحصار، لا يقدم معرض البطنيجي الصورة كعنصر محايد، بل كفعل تأملي وكدعوة للتفاعل، وكمقاومة ناعمة تُصرّ على إيصال الحقيقة من دون ضجيج. هنا تتحول الكاميرا إلى شاهد لا يكذب، والبطاقة البريدية إلى وسيلة مقاومة لا تقلّ أثراً عن أية صورة أخرى من الدفاع عن الوطن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة