Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصين وروسيا في الساحل الأفريقي: صراع نفوذ أم محاصرة لأميركا؟

بكين قدمت عروضاً أمنية لملء الفراغ الغربي ووزراء خارجية مالي والنيجر وبوركينا فاسو يزورون موسكو

المنتدى الصيني – الأفريقي (مواقع التواصل الاجتماعي)

ملخص

في خضم النشاط المتصاعد والمتزايد للصين في منطقة الساحل تتسلل روسيا من دون ضجيج، لا سيما بدءاً من مطلع عام 2024، حين تم الكشف عن "فيلق أفريقيا" كتشكيل عسكري روسي جديد في القارة يهم بالأساس ليبيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وأفريقيا الوسطى.

يشتد التنافس الدولي في الساحل الصحراوي منذ انسحاب النفوذ الفرنسي، ومن ثم الأميركي من النيجر، مما أفرز وضعاً هشاً يهدد المنطقة بالانفجار في أية لحظة، لا سيما في ظل تضارب المصالح، وضعف الأنظمة التي جاءت إثر انقلابات عسكرية.

بكين ضمن المنافسة الجيوسياسية

في حين بات الوجود العسكري الروسي والتركي لافتاً في مالي والنيجر وبوركينافاسو وعدد من الدول الأفريقية تأتي العروض الأمنية التي قدمتها الصين لدول الساحل لتكشف عن التنافس على تجييش المنطقة، مما أصبح سمتها البارزة، ولعل تعيين ملحق دفاعي صيني لدى النيجر أخيراً خير دليل على طموحات بكين في المنطقة.

وسبقت هذه الخطوة زيارة وزير الخارجية الصيني وانغ يي إلى أفريقيا، حيث شملت تشاد وجمهورية الكونغو الديمقراطية ونيجيريا وناميبيا، مما أثار تساؤلات حول دلالاتها، لا سيما أنها جاءت في سياق إقليمي شهد نشاطاً روسياً وتركياً كبيرين، في موازاة تحرك هندي وأميركي لافت، بالتالي يندرج الاهتمام الصيني ضمن المنافسة الجيوسياسية، على اعتبار أن المصالح الاقتصادية والأبعاد الاستراتيجية، هي المحرك الأساس للدول من أجل تعزيز نفوذها في بلدان المنطقة.

 

وتشير تقارير إلى أن بكين التي تعد ثاني أكبر منتج للسلاح ورابع أكبر مصدر لها عالمياً، ارتفعت صادرات أسلحتها بصورة كبيرة ووصلت إلى 21 دولة أفريقية، بعد تراجع كبير لروسيا بنسبة 44 في المئة جراء انشغالها بحرب أوكرانيا، كما فتحت إحدى شركات الصين مكتب مبيعات لتوريد الأسلحة الصغيرة والمدفعية والمركبات المدرعة في السنغال.

التعاون العسكري يطغى على الاقتصادي

لم تترك الصين الدول الكبرى تتنافس وحدها على النفوذ في منطقة الساحل، بل سارعت في ظل بحث مالي والنيجر وبوركينا فاسو عن حلفاء جدد عوضاً عن الغربيين، إلى التحول من التركيز على الجانب الاقتصادي في المقام الأول إلى عقد الشراكات الاستراتيجية الأمنية. وكشفت تصريحات الملحق العسكري الصيني في النيجر لدى تعيينه، عن نيات بكين في منطقة الساحل، حيث أكد استعداده للعمل مع النيجر لتنفيذ "مبادرة الأمن العالمي"، وهي إطار الصين للتعاون الدولي في القضايا الأمنية، ولا سيما العمل على توسيع وتعميق التعاون بين جيشي البلدين، ووعد بأن الصين ستدعم النيجر في تعزيز قدراتها الأمنية، وفي مكافحة الإرهاب والجريمة العابرة للحدود من أجل الحفاظ على السلام والأمن في البلاد ومنطقة الساحل الأفريقي.

ومبادرة الأمن العالمي هي إطار حددته الصين للتعامل مع القضايا الأمنية صدر ضمن ورقة بعنوان "مفهوم مبادرة الأمن العالمي" نُشرت على موقع وزارة الخارجية الصينية في فبراير (شباط) 2023، وتقوم على ستة مبادئ أساسية، ولا سيما التزام رؤية الأمن المشترك والشامل والتعاوني والمستدام واحترام سيادة جميع البلدان وسلامة أراضيها وبمقاصد ومبادئ ميثاق الأمم المتحدة، وأخذ المخاوف الأمنية المشروعة لجميع البلدان على محمل الجد، فضلاً عن الالتزام بحل الخلافات والنزاعات بين الدول سلمياً من خلال الحوار والتشاور، وبالحفاظ على الأمن في المجالات التقليدية وغير التقليدية.

 

بين بكين وموسكو

ورأى المتخصص في علم الاجتماع السياسي مصطفى راجعي أن الصين تسعى إلى توسيع نفوذها الأمني والاقتصادي في القارة الأفريقية، بينما تركز موسكو على النفوذ الأمني من خلال الشركات الأمنية الخاصة، مشيراً إلى أن القارة السمراء، ومعها منطقة الساحل، "تشهد تنافساً دولياً بين الصين وموسكو من أجل الاستيلاء على حصص أميركا وفرنسا داخل مناطق نفوذهما التاريخي". وقال إن الولايات المتحدة تعتبر الصين تهديداً حقيقياً لها، بينما تنظر إلى روسيا كمصدر تحديات "ما يثير الاستغراب أن الولايات المتحدة لا تقوم بأية تحركات جديدة من أجل الحفاظ على تأثيرها، بخاصة في مكافحة الإرهاب". وتابع راجعي "أن النفوذ الأميركي في أفريقيا يتناقص منذ قدوم الإدارة الجديدة للرئيس دونالد ترمب، والتي تركز على قضايا الداخل والمصالح التجارية، لا سيما مع تخفيضها موارد وكالة التنمية الدولية بصورة درامية، بخاصة في برامج الصحة الموجه لأفريقيا، مما يفسح المجال أمام الصين وروسيا لملء الفراغ في مجالات التنمية الأفريقية". وأضاف أيضاً "منطقة الساحل عليها أن تدرك المصير المشترك لدولها وعليها أن تفكر كمنطقة واحدة في مصالحها لمواجهة تهديدات نفوذ الصين وروسيا التي بالتأكيد لا تخدم مصالح أفريقيا، على اعتبار أن الصين تسعى إلى الاستيلاء على البنى التحتية في القارة بعد تعذر الدول عن تسديد القروض الصينية، أما الروس فهم يتصرفون كشركات أمنية تبيع خدمات حماية لعسكريين انقلابيين في الساحل وما وراء الساحل".

وواصل الباحث المتخصص في علم الاجتماع السياسي أن مصير منطقة الساحل مرتبط بشمال أفريقيا، "إذ في حال بقائها معزولة فإنها ستتحول إلى مجرد منطقة نفوذ صيني وروسي، مما لا يخدم شعوب المنطقة وإنما الطبقات الحاكمة المتنفذة". وأكد أن المنطقة مهددة أن تتحول إلى مصدر عدم أمان وقلاقل متزايدة في ظل تزايد النفوذ الصيني والروسي".

محاولة استباقية

وأمام التحولات التي تشهدها القارة الأفريقية بما فيها منطقة الساحل تتحرك بكين بصورة لافتة في محاولة استباقية تستهدف تعزيز نفوذها، إذ وسعت تعاونها العسكري مع دول أفريقية عدة، "ويظهر ذلك جلياً في تعدد الزيارات ونوعية الشراكات، بين الإشراف على تعليم وتدريب الضباط الأفارقة، وبيع مختلف أنوع الأسلحة وإقامة مناورات مشتركة". كما تحدثت تقارير عن مساعٍ صينية للحصول على قاعدة عسكرية دائمة ثانية لها في غرب القارة، تضاف للقاعدة الوحيدة في جيبوتي بشرق القارة، غير أن الولايات المتحدة تنظر إلى تحرك الصين على اعتباره تهديداً لأمنها القومي، نظراً إلى أن هذا التمركز سيمنح بكين وجوداً عسكرياً في المحيط الأطلسي من الساحل الشرقي للولايات المتحدة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

الأجندة الانعزالية

وذهب بعض التقديرات إلى اعتبار أن الأجندة الانعزالية التي قد ينتهجها دونالد ترمب، والمتمثلة في سياسة "أميركا أولاً"، يمكن أن تشكل فرصة جيدة بالنسبة إلى الطموحات الصينية الواسعة في القارة الأفريقية، إذ يمكن أن تمهد الطريق أمام بكين للتمدد في أفريقيا، بل ربما تصبح الفاعلة الأهم هناك، لكن ثمة اتجاهاً آخر يرى أن الولاية الثانية لترمب ربما تشهد تحولات كبيرة في علاقة واشنطن بالقارة الأفريقية، وأن هذا التحول يتعلق بالأساس بمنظور أميركا الراسخ بأن الصين تشكل التهديد الوجودي، مما يجعل القارة الأفريقية كساحة تنافس رئيسة مع الصين. بينما تشير جهات أخرى إلى ترجيح أن تشهد الولاية الثانية للرئيس الأميركي انتظاماً أكبر في الداخل الأفريقي، لتحقيق المصالح الاقتصادية، استناداً إلى محورية البعد الاقتصادي بالنسبة إلى الرئيس الأميركي، بخاصة في ظل المعادن الحيوية التي تزخر بها الدول الأفريقية، وأهميتها لدى لقوى الدولية المتنافسة في النظام الدولي.

تسلل روسيا من دون ضجيج

وفي خضم النشاط المتصاعد والمتزايد للصين في منطقة الساحل تتسلل روسيا من دون ضجيج، لا سيما بدءاً من مطلع عام 2024، حين تم الكشف عن "فيلق أفريقيا" كتشكيل عسكري روسي جديد في القارة، يهم، بالأساس، ليبيا وبوركينا فاسو ومالي والنيجر وأفريقيا الوسطى، وهو الفيلق الذي تسعى من خلاله موسكو إلى أن يكتسب حضورها العسكري في أفريقيا طابعاً رسمياً شبيهاً بالحضور الفرنسي والأميركي، ولا يستبعد أن يتوسع نطاقه ليشمل بلداناً أخرى بالقارة، في ظل الاهتمام الروسي المتزايد ببعض دول منطقة الساحل وغرب أفريقيا بصورة عامة.

لكن لم يتوقف الأمر عند الفيلق الأفريقي، بل تعداه إلى حضور وزراء خارجية مالي وبوركينا فاسو والنيجر إلى موسكو ولقائهم نظيرهم الروسي سيرغي لافروف، في قمة مشتركة انعقدت منذ أيام عدة، لبحث التعاون الأمني والعسكري في الساحل، وقال وزير الخارجية الروسي إن القمة الرباعية التي تجمع بين روسيا والنيجر ومالي وبوركينا فاسو ستستمر بصورة منتظمة وتعقد كل سنة في موسكو أو إحدى دول الساحل الثلاث. وأكد لافروف أن بلاده مستعدة لتقديم الدعم المتعلق بالأمن والدفاع إلى مالي وبوركينا فاسو والنيجر، وأن روسيا تنظر إلى تحالف دول الساحل بوصفه مشروعاً يتطلع إلى إنشاء بنية أمنية جديدة في المنطقة، ويتبع سياسة خارجية مستقلة تقوم على المصالح الوطنية، ولا يعطي اهتماماً للأجندات الاستعمارية، مشيراً إلى أن بعض القوى الاستعمارية لا تزال تعمل على محاولة زعزعة الأمن والاستقرار في المنطقة، وكشف عن أن دول الساحل تعتزم دعم المبادرات المقدمة من روسيا إلى الأمم المتحدة، وأن موسكو سترد بالمثل في ما يتعلق بالقرارات العادلة التي تخص مالي وبوركينا فاسو والنيجر، في شأن السيادة والاستقلال، وعدم السماح بتمرير أي مبادرات ضد مصالح هذه الدول. وختم أن بلاده ستساعد دول الساحل بزيادة قدرتها القتالية وتطوير قواتها المسلحة لتكون قادرة على مواجهة جميع الأخطار.

تحدي النفوذ الغربي بأفريقيا

وبعد الصين تواجه أميركا ضغطاً من روسيا في أفريقيا، حيث حذر "معهد دراسات الحرب" الأميركي في تقرير نشره أخيراً من أن ليبيا لا تزال الخيار الأكثر منطقاً بالنسبة إلى المسيرات والأنظمة الصاروخية الروسية لتهديد البحر المتوسط وأوروبا بصورة مباشرة ومن أن التوغل الروسي الآخذ في النمو بليبيا ومنطقة الساحل، مما يخلق فرصاً تمكن الكرملين من تهديد الجناح الجنوبي لحلف شمال الأطلسي سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة، مضيفاً أن الوجود في تلك البلدان يسمح لروسيا بإشعال أزمة الهجرة لتهديد أوروبا. وقال أيضاً إن تقوية الروابط مع تحالف دول الساحل، وهي بوركينا فاسو ومالي والنيجر، تمكن الكرملين من تحقيق أهدافه المتمثلة في تحدي النفوذ الغربي بأفريقيا.

ورصد المعهد دخول قوافل كبيرة تحمل معدات عسكرية روسية إلى مالي عبر غينيا في 2025، كما التقى نائب وزير الدفاع القائد الفعلي لـ"الفيلق الأفريقي" يونس بك يفكيروف، قادة المجلس العسكري هناك، وذلك في إطار مساعٍ مستمرة للبناء على الوجود العسكري في مالي، وعلى رغم عدم وجود أدلة قاطعة على توجه موسكو لبناء قواعد للطائرات المسيرة العسكرية في منطقة الساحل، فإن المعهد الأميركي أشار إلى اعتماد القوات الروسية في منطقة الساحل على استخدام الدول المستضيفة الطائرات المسيرة التركية الصنع، كما رفعت من إنتاج المسيرات الإيرانية طراز "شاهد"، وهي متمركزة قرب قاعدة "أغاديز" في النيجر.

المزيد من تقارير