ملخص
تحتضن مؤسسة "أرض" للفنون في القاهرة معرضاً للفنان والشاعر المصري وليد طاهر تحت عنوان "اللي حصل حصل" يضم مجموعة من الرسوم السريعة والمنحوتات المصنوعة من الحديد والأسلاك. والأعمال التي يقدمها وليد طاهر تبدو في جانب منها كامتداد بصري لديوانه الشعري الصادر حديثاً عن دار مرايا تحت عنوان "ماكنتش موجود".
يتميز معرض وليد طاهر بطابعه العفوي والتجريبي، إذ يضم مجموعة من الرسومات السريعة التي أنجزها الفنان باستخدام الأحبار على الورق، بينها رسومات على أوراق عادية من نوع "A4"، وهو الورق نفسه المستخدم في تصوير المستندات. ما يجعل هذه الرسومات استثنائية هو بساطتها وحيويتها واختزالها الذكي للأشكال من طيور وحيوانات ووجوه بشرية، والتي تبدو جميعها كأنها تنبع من عالم خيالي خاص لا حدود له.
أما الأعمال النحتية، فهي تعد خروجاً عن المألوف بالنسبة إلى وليد طاهر، فهي المرة الأولى التي يخوض فيها تجربة التشكيل المجسم، غير أن أشكاله النحتية تلك لا تبتعد كثيراً عن رسوماته المعروضة. يمكن التعامل مع منحوتات وليد طاهر المعدنية كانعكاس لرسوماته، وقد اكتسبت بعداً جديداً بمنحها القدرة على احتلال الفراغ وإعادة تشكيله.
لم تعرض الأعمال بالطريقة التقليدية المعتادة، إذ لم توضع داخل إطارات زجاجية أو تقدم على قواعد عرض فخمة، بل وضعت ببساطة على خلفيات من الورق المقوى الأصفر، وهو النوع نفسه المستخدم في صناعة العبوات الورقية للبضائع. بهذه اللمسة البسيطة، نجح طاهر في خلق فضاء بصري يتماشى مع طبيعة أعماله وكتاباته، ليمنحنا شعوراً طفولياً بأننا نتجول بين صفحات كتاب فني مفتوح.
ما يميز هذا المعرض هو العلاقة الوثيقة بين الرسومات والنصوص الشعرية. فكثير من الرسومات المعروضة هنا مأخوذة مباشرة من ديوان "ماكنتش موجود"، حيث كانت في الأصل جزءاً من مشروع الكتاب، لكن الفنان قرر فيما بعدما يمنحها حياة مستقلة من خلال هذا المعرض، إضافة إلى ذلك تتخلل المعرض جمل شعرية مأخوذة من الديوان، مكتوبة بخط يد الفنان نفسه على أوراق ملصقة على الجدران. هذه العبارات، على رغم قصرها، تحمل معاني عميقة، تعزز من تجربة الرؤية والتفاعل مع الأعمال الفنية على مستويات متعددة.
يروي الفنان وليد طاهر قصة طريفة عن تجربته مع النحت، حين استعان بأحد الحدادين لمساعدته في تشكيل منحوتاته. غير أن الحداد، المعتاد على الأعمال النفعية، واجه صعوبة في استيعاب الغرض الفني من هذه الأشكال غير المألوفة. كان يتساءل باستمرار: "ازاي ممكن نستفيد منها؟"، مقترحاً تحويلها إلى حوامل للكتب أو أدوات عملية، لكن المفارقة أن ابنه الصغير، الذي كان يراقب الأمر من كثب، فهم جوهر الفن المجرد أسرع من والده. لم يقتصر دوره على المراقبة، بل بدأ في مساعدة أبيه على استيعاب الفكرة، مقترحاً حلولاً أقرب لرؤية الفنان. ومع الوقت، تحول العمل بين الثلاثة إلى حوار إبداعي مشترك، حيث لم تعد عملية التشكيل مجرد تنفيذ، بل أصبحت لعبة فنية يتقاطع فيها الخيال مع الحرفة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
معرض وليد طاهر يمثل تجربة حسية وشعرية تأخذنا إلى عوالم متداخلة من الخيال والواقع ومن الحضور والغياب، وهو يخلق جسوراً بين الكلمة والصورة، وبين المسطح والمجسم، وبين الفن كمنتج بصري والتجربة الإنسانية ككل. لا تنفصل أعمال المعرض كذلك عن أشعار طاهر المكتوبة بالعامية المصرية، فالكلمة حاضرة هنا في أرجاء المكان، إذ تتوزع بين الأعمال جمل شعرية مكتوبة بخط يد الفنان. تتفاعل هذه الجمل الشعرية مع الرسوم والمنحوتات، لتصنع حواراً شجياً بين الكلمة والصورة. قصائد طاهر، كما أعماله الفنية، تتسم بالبساطة الظاهرة والعمق الكامن. فهي تتناول مواضيع مثل الغياب والذاكرة والطفولة والعلاقة بين الإنسان والطبيعة، بلغة تراوح ما بين الحزن والفكاهة، وبين الواقعي والخرافي، كما يتلاعب بالزمن واللغة ليخلق صورة شعرية مدهشة وعفوية، تماماً كما رسومه السريعة.