ملخص
يعيش سكان غزة حياة متعبة، ومع عدم توفر كهرباء أو مياه وقلة الطعام، فإنهم يشكون من تحول رمضان إلى مهمة شاقة مرهقة، إذ يتطلب إعداد السحور أو الفطور جهداً ضخماً لتجهيز طبق بسيط من الأكل.
كانت عقارب الساعة تشير إلى الثانية بعد منتصف الليل عندما استيقظت نوارة "متبقٍ نحو ساعتين على آذان الفجر، أعتقد أنه من المبكر إعداد السحور" تحكي السيدة مع نفسها، ثم سحبت الغطاء لتكمل نومها، تقلبت الأم في فراشها ونهضت مسرعة.
على عجلة فتحت نوارة الباب المصنوع من النايلون المقوى الذي يستر عائلاتها من برد الشتاء، وخرجت من خيمتها التي تعيش فيها، نحو مكان تجميع الأخشاب والحطب، حملت جزءاً منها وجلست القرفصاء وأخذت تحاول إشعال النار.
إشعال النار
تعيش نوارة في خيمة إيواء، بعدما دمر الجيش الإسرائيلي منطقة سكنها بالكامل في مخيم جباليا شمال غزة، وفي مكان معيشتها الصغير الضيق البالي تفتقر الأم لكل مقومات الحياة، إذ تتشارك حماماً واحداً مع مجموعة كبيرة من الناس وتطهو على الحطب، وتغسل الملابس على يدها، وتنام برفقة أولادها في نفس المكان على فراش أرضي، وتفتقد الماء كثيراً.
من كومة الكرتون المقوى تناولت نوارة مجموعة من الأوراق، وحاولت إضرام النار فيها لتساعد على اشتعال الأخشاب، لكن الرياح الباردة كانت تطفئ النار قبل اشتعال الحطب اليابس، تكرر الأم محاولاتها وتفشل باستمرار.
"الجو بارد والرياح قوية، نحن نعيش أمام شاطئ البحر" تضيف نوارة، وهي تجلس خلف موقدها البسيط، وتحاول باستمرار إشعال النار، وبصوت عال نادت الأم على ابنها محمد "تعال أستعين بك، تعال ساعدني".
مهمة صعبة
تضحك نوارة وتكمل حديثها "كنت أظن أن الوقت باكر عندما استيقظت عند الثانية فجراً" جلس الابن محمد إلى جانب أمه وحاول إشعال النار لكنه واجه صعوبة بسبب الرياح، لنحو 15 دقيقة والشاب يكرر محاولاته.
وقف محمد وخاطب أنه "لا داعي للسحور لليوم" وعندما هم بمغادرة موقد النار، فجأة تصاعد الدخان من الموقد وبدأت النار تشتعل، ابتسمت الأم نوارة وبدأت تعد طعام السحور، تؤكد الأم أن إعداد وجبتي الفطور والسحور في رمضان مهمة صعبة شاقة.
تشرح نوارة "إعداد السحور ليس بالعمل السهل، إذا أردت تقديم قطع الحلاوة فقط لعائلتي، فإنني سأشعل النار في الحطب حتى أسخن الخبز الناشف اليابس، وأعد الشاي، هذا أقل تقدير، اسمي رمضان هذا العام أبو المتاعب".
من دون إنارة
يعيش سكان غزة حياة متعبة، ومع عدم توفر كهرباء ولا مياه وطعام قليل، فإنهم يشكون من تحول رمضان إلى مهمة شاقة مرهقة، إذ يتطلب إعداد السحور أو الفطور جهداً ضخماً لتجهيز طبق بسيط من الأكل.
يتدلى حبل زينة رمضان على مدخل خيمة سماح، تبتسم وتقول "حتى يشعر أطفالي بشهر الصيام علقت فوانيس مضيئة على باب الإيواء" توقف السيدة حديثها وتنشغل في تسخين طبق الفول، وقلي البطاطا وتحميص أرغفة الخبز.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
توقظ سماح أطفالها، ثم تكمل حديثها "يستغرق إعداد هذا السحور البسيط ساعة ونصف، عمل مرهق جداً، في الأعوام الماضية كنت أجهزه في دقائق، لا بأس المهم أن نعيش في هدوء من دون قصف وقتل وموت".
تجمع الأطفال حول وجبة السحور، وما إن بدأوا في تناول الطعام، نفد شحن البطارية وانطفأت مصابيح الإنارة الخافتة "الليدات"، تأففت سماح كثيراً، وأضافت "كل ما نحاول التأقلم مع واقعنا السيئ نجد أنفسنا نواجه ظروفاً مرة".
جميع هواتف العائلة بلا شحن، ولا مصدر إنارة بديل لدى سماح، واضطرت عائلة سماح إلى تناول الطعام على العتمة وضوء القمر الخافت، تمازح الأم أطفالها "هذه أجواء رومانسية، استمتعوا فيها كثيراً ولا تفوتوا هذا الفرصة".
تؤكد سماح أن إعداد وجبة الإفطار أو السحور أمر مرهق ومتعب، في ظل استمرار معاناة سكان غزة إذ شددت إسرائيل حصارها على القطاع ومنعت تدفق المساعدات الإنسانية وحرمت الغزاويين من الطعام وهذا عقَّد المشهد كثيراً.
على ضوء شمعة
عندما اقتربت أريج من تجهيز وجبة الإفطار على قدر تحته نار الحطب، هطلت الأمطار على رأسها حتى تبللت ملابسها، وقبل الجلوس على مائدة الطعام أوقدت السيدة شمعة لتنير الخيمة، تقول "لا مصدر إنارة لنا، وقت السحور والفطور أوقد الشمع لنرى الأطباق، بصراحة أشعر بثقل من رمضان هذا العام، إعداد الطعام فيه مرهق جداً".
تضيف أريج "لطهي طعام الإفطار يجب أن أتعب، ولأعد طعام السحور يجب أن أتعب، هذا الأمر بسيط، لكن ما هو أشد قسوة وغلاء أسعار البضائع والغذاء، لا نقوى فعلياً على شراء أي صنف، خصوصاً بعدما أغلقت إسرائيل المعابر ومنعت تدفق المساعدات الإنسانية".
على الإفطار طهت أريج العدس، وهو وجبة متكررة يأكلها السكان باستمرار، وعندما أذن المغرب اعترض زوجها الذي كان يرغب في تناول طعام الملوخية، ضحكت زوجته وخاطبته "سعر الكيلو 17 دولاراً، ونحتاج للحم أو دجاج وسعر الكيلو 38 دولاراً، كيف سنوفر هذا المبلغ؟ تناول العدس، يا حبيبي هذا لحم الفقراء".
في انتظار فاعل خير
وسط ساحة مدرسة تحولت لمركز إيواء تجلس مها تضع يداً على الأخرى، رغم أن أذان المغرب يقترب، لكن السيدة لم تعد أي طعام للإفطار، وتقول "ظروفنا قاسية لا أملك مالاً لشراء حتى الخبز".
تراقب مها باب المدرسة، عيونها تشخص على المارة، وتأمل أن يدخل فاعل خير يوزع الطعام، تضيف "أسعار الغذاء مرتفعة، ولا يوجد لنا مصدر للدخل، نأكل رغيف خبز بالجبن الفيتا والزعتر سواء على الإفطار أو السحور، وإذا جاء فاعل خير نأكل مما يحمله".
وتؤكد مها أن إعداد وجبات رمضان ليست بالمهمة السهلة، وتحتاج لكلف مالية كثيرة كما تجهيز وطهي الطعام مرهق ومتعب ويستغرق وقتاً طويلاً، إذ يفتقد الناس لغاز الطهي ولا مصدر إنارة ولا أصناف غذاء منوعة.