ملخص
عانت ود مدني أهوال الحرب المستمرة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع"، إلا أنها بدأت اليوم تعود إلى ما يشبه الحياة الطبيعية، مع استعادة الأمل بالاستقرار وعودة أهلها إليها.
ينفض بائع الخضراوات أحمد العبيد الغبار عن كشكه الخشبي ويرتب بعناية الخيار والطماطم الطازجة مع عودة الزبائن تدرجاً إلى سوق الإسماعيلي المزدحمة في ود مدني وسط السودان.
قبل أسابيع، كانت هذه السوق مقفرة مع إغلاق التجار محالهم عقب سيطرة قوات "الدعم السريع" على المدينة التي بقيت لأشهر في منأى عن الحرب الدائرة بينها وبين الجيش منذ عام 2023.
عودة الحياة تدرجاً
واليوم، تعلو الأصوات مع محاولة الزبائن المساومة على أسعار المنتجات الطازجة في السوق التي تستعيد إيقاعها تدرجاً، بعد سيطرة الجيش مجدداً على ود مدني يناير (كانون الثاني) الماضي.
وقال أحمد العبيد لوكالة الصحافة الفرنسية، "الآن أصبح الوضع، الحمد لله، آمناً"، وأضاف البائع الذي وقف إلى جانب كومة من البصل، "عادت حركة البيع والشراء".
واندلعت الحرب في السودان في أبريل (نيسان) 2023 بين الجيش بقيادة عبدالفتاح البرهان، وقوات "الدعم السريع" بقيادة نائبه السابق محمد حمدان دقلو الملقب بـ"حميدتي".
وأسفر النزاع عن مقتل عشرات الآلاف ونزوح أكثر من 12 مليون شخص، وتسبب بأزمة إنسانية من الأسوأ في العالم، فيما الملايين على حافة المجاعة.
ويواجه طرفا النزاع اتهامات بارتكاب جرائم حرب واستهداف المدنيين وقصف المنازل والأسواق والمستشفيات، وعرقلة دخول المساعدات الإنسانية وتوزيعها.
وبعد أشهر من الهدوء واستقبال دفعات كبيرة من النازحين، تحوّلت ود مدني من ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى ساحة حرب مع مهاجمتها من قبل قوات "الدعم السريع"، واضطر ذلك مئات الآلاف إلى الفرار من المدينة، عاصمة ولاية الجزيرة التي كانت مصدر المنتجات الزراعية والغذائية قبل الحرب.
آثار الحرب ظاهرة
لكن المدينة تتعافى ببطء، بينما لا تزال آثار الحرب ظاهرة في مختلف أنحائها، من الجدران التي اكتست بالسواد، إلى المباني التي نخرها الرصاص، وصولاً إلى الدمار والركام.
ويبدو الضرر جلياً على واجهات المحال التجارية والمطاعم وغيرها.
في قسم الولادة في المستشفى الرئيس بالمدينة، تنتظر الحوامل مع عائلاتهن بينما يتنقل الممرضون بزيّهم الأبيض عبر الممرات لتوفير الرعاية للمرضى.
وتقول رحاب موسى التي تتلقى الرعاية الطبية، "العلاج متوفر، والحياة عادت طبيعية ليس مثل السابق، الوضع تغير".
وعلى رغم تعافي المستشفى ببطء، يؤكد متخصص الأمراض النسائية والتوليد، خالد محمد، أن المنشأة لا تزال تعاني نقصاً حاداً في الموظفين والأدوية والمعدات.
ويوضح بين جراحة وأخرى، "لقد انتهت صلاحية إمداداتنا الجراحية، بما في ذلك الغرز الجراحية، ونحن في حاجة حالياً إلى مزيد من معدات التخدير".
وعندما كانت قوات "الدعم السريع" تسيطر على ود مدني، كان محمد الطبيب الوحيد المناوب ويجري جراحات عدة، وهو لا يزال إلى الآن يتنقل بين غرف العمليات للتعامل مع تدفق المرضى.
عودة النازحين
وبعد استعادة الجيش لود مدني في يناير الماضي، هتف الكثير "سنعود" ضمن مراكز النزوح في مختلف أنحاء البلاد، بما في ذلك بورتسودان الواقعة على البحر الأحمر.
ووفقاً لمراسلي وكالة الصحافة الفرنسية، انطلقت عشرات الحافلات التي تحمل آلاف الأشخاص من بورتسودان والقضارف وكسلا، التي كانت تستضيف ما مجموعه نحو 1.5 مليون نازح، إلى بيوتهم في ود مدني.
لم يكن لدى الكثير منهم أية فكرة عما سيجدونه، بينما أكد آخرون أنهم يعرفون أن منازلهم تعرضت للنهب.
ولا تزال المدينة حالياً من دون تيار كهربائي، بينما لا تتوافر المياه في غالبية الأيام، وأشار عائدون أخيراً إلى أن الاتصالات بدأت تعود.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
انعدام الأمن الغذائي
ويعاني نحو 25 مليون شخص انعدام الأمن الغذائي الحاد في جميع أنحاء السودان، وفقاً للأمم المتحدة،
ويعاني معظمهم وضعاً إنسانياً متدهوراً حتى في المناطق الآمنة الخاضعة لسيطرة الجيش، وبخاصة لجهة نقص الغذاء والدواء والإمدادات الأساسية.
وأفاد مراقبون محليون والأمم المتحدة بانتهاكات عقب استعادة الجيش ود مدني، بما يشمل استهداف الأقليات واتهامات بالتعاون مع "الدعم السريع".
على رغم ذلك، يؤكد سائق التوك توك، محمد عبدالمنعم، أنه يشعر بالتفاؤل.
ويقول وهو يبحث في السوق عن ركاب، "الوضع آمن في (ود) مدني"، موضحاً "السوق تعمل والمواصلات أيضاً، لا ينقص أي شيء سوى عودة المواطنين".