Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

سيناريو "حرب ترمب" على الديون الأميركية يثير مخاوف واسعة

محاولات خفض العائد على سندات الخزانة قد تهز أسواق الدين والنظام المالي العالمي بأكمله

يصل حجم الدين على الحكومة الأميركية إلى 36.2 تريليون دولار بحسب أرقام وزارة الخزانة (رويترز)

ملخص

اتهم ترمب الدول التي تقرض بلاده عبر مشترياتها الكبيرة من سندات الخزانة بأنها السبب في "إفقار أميركا"

ما زالت أخبار الحرب التجارية التي أطلقتها إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بفرض الرسوم والتعريفة الجمركية على شركاء أميركا تهيمن على اهتمام العالم، إلا أن هناك خطراً أكبر ربما لا يحظى بالتغطية الإعلامية كالتعريفة الجمركية وهو تركيز إدارة ترمب على خفض العائد على سندات الخزانة الأميركية، التي يمكن اعتبارها حرباً على الديون لا تقل أهمية عن الحرب التجارية، بل ربما تتسبب في أزمة هائلة للنظام المالي العالمي كله.

أثارت تصريحات الرئيس ترمب للصحافيين الأسبوع الماضي في شأن تركيز إدارته على بحث "الفساد في موضوع الديون" قلقاً في أسواق السندات وفي القطاع المالي كله تقريباً خوفاً من لجوء الإدارة الأميركية إلى ما يسمى "التخلف الانتقائي عن السداد" (أي إفلاس جزئي محدد)، تأتي خطورة ذلك من حقيقة أن سندات الخزانة هي أحد أهم أعمدة النظام المالي العالمي، وأن سوق السندات هي مؤشر مهم على النمو الاقتصادي وأيضاً على حال سوق الدين العالمي كلها.

كان تصريح ترمب واضحاً حين قال "إننا نبحث في شأن سندات الخزانة... ربما تكون هناك مشكلة، قد تكون مشكلة مهمة، ربما يكون غالب هذه الأشياء (مدفوعات الخزانة) غير محسوب، فكثير مما نكتشفه ربما يكون تزويراً، لذا فربما لا تكون علينا ديون كثيرة كما هو معلن".

الدين الأميركي والسندات

يصل حجم الدين على الحكومة الأميركية إلى 36.2 تريليون دولار، بما يتجاوز نسبة 120 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الأميركي، بحسب أرقام وزارة الخزانة، وغالب هذا الدين سندات خزانة مختلفة الآجال، من قصيرة الأجل إلى أقل من عامين إلى طويلة الأجل لمدة 30 عاماً، وتعد سندات الخزانة الأميركية متوسطة الأجل لمدة 10 أعوام المعيار القياسي لسوق السندات في العالم.

كثيراً ما وعد ترمب وأركان إدارته بالعمل على تقليل حجم الدين الأميركي، وتسعى الإدارة إلى خفض نسبة العائد على سندات الخزانة، ويتحرك معدل العائد بصورة عكسية مع أسعار السندات، فإذا ارتفع السعر قل العائد والعكس صحيح، ويعتمد ذلك على معدلات الفائدة في الاقتصاد ومؤشرات الاقتصاد الكلي، بخاصة نسبة النمو إضافة إلى العامل الأهم وهو عجز الموازنة الذي يعني مزيداً من الاقتراض.

في محاولة للحد من الأثر الكارثي لتصريح ترمب على سوق السندات سارع مدير المجلس الاقتصادي الوطني كيفن هاست إلى طمأنة الأسواق في اليوم التالي، وقال هاست، الذي يعد أحد أكبر مستشاري البيت الأبيض الاقتصاديين، في مقابلة مع شبكة "سي أن بي سي"، إن حديث ترمب لم يكن عن المدفوعات لحملة سندات الخزانة الأميركية بل عن مدفوعات "غير سليمة" لمقاولين ولأشكال المنح المختلفة.

إلا أن ترمب زاد من مخاوف الأسواق بما قاله في مقابلة له مع شبكة "فوكس نيوز" عكس ما ذكره مستشاره الاقتصادي هاسيت، إذ اتهم الرئيس الدول التي تقرض الولايات الحكومة الأميركية عبر مشترياتها الكبيرة من سندات الخزانة بأنها السبب في "إفقار أميركا"، مضيفاً "لسنا أغنياء بهذه الصورة الآن، فنحن مدينون بنحو 36 تريليون دولار، وذلك لأننا نسمح لكل تلك الدول باستغلالنا".

ماسك والسندات واحتمالات الأزمة

على عكس ما ذكر ترمب وفريقه من أن العائد على السندات هو سبب تفاقم أزمة الدين وعجز الموازنة الذي يجعل "أميركا فقيرة"، ذكرت لجنة الموازنة الفيدرالية المسؤولة أن خفض الضرائب المقترح من قبل الإدارة الأميركية هو ما سيضيف مزيداً من تريليونات الدولارات إلى الدين العام، وقدرت اللجنة أن خطط إدارة ترمب لخفض الضرائب ستضيف 7.75 تريليون دولار للدين الحكومي بحلول عام 2035.

في إطار محاولة الإدارة الأميركية خفض حجم الدين العام، أوكل الرئيس دونالد ترمب إلى مستشاره الأقرب الملياردير إيلون ماسك مهمة توفير الإنفاق الفيدرالي من خلال إلغاء مؤسسات وإدارات، ووقف مدفوعات ومصروفات برامج حكومية مختلفة، ويتولى ماسك وزارة جديدة للكفاءة الحكومية تحاول "مراجعة كشوف الرواتب وسجلات الضرائب" وغيرها في البلاد، إلا أن ذلك أثار قلقاً شديداً من انتهاك الخصوصية، وفي أحدث التطورات حكم قاض فيدرالي أميركي بمنع فريق ماسك من الوصول إلى البيانات والمعلومات من وزارة الخزانة ومؤسسات مالية حكومية، واستند القاضي إلى أن ذلك قد يعني "تسرب معلومات حساسة" بصورة غير قانونية.

وكتبت المحررة الاقتصادية لصحيفة "الغارديان" هيذر ستيوارت إن القول بـ"إتاحة بيانات ومعلومات وزارة الخزانة لفريق إيلون ماسك هو عملية توفير للإنفاق بطريقة لماذا لا نتوقف عن سداد بعض التزامات الدين على أميركا"، وحذرت ستيوارت من أن ذلك سيعني فقدان الثقة في المؤسسات الأميركية والتزامها تعهداتها، بخاصة في ما يتعلق بالدين الذي تقترضه وخدمته من مدفوعات العائد على السندات.

وفي حال فقد المستثمرون في الديون والدول المختلفة التي تشتري سندات الخزانة الأميركية الثقة في أن أموالهم التي يقرضونها لأميركا ستعود إليهم، فإن ذلك قد يفجر موجة بيع كثيفة لسندات الدين الأميركي، وفي تلك الحال يصبح العرض أكثر من الطلب في سوق السندات فتنهار أسعار السندات ويرتفع العائد عليها بصورة صاروخية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

حذر خمسة وزراء خزانة أميركيين سابقين في افتتاحية لصحيفة "نيويورك تايمز" من أن "أي تعليق انتقائي للمدفوعات المصرح بها من قبل الكونغرس من شأنه أن يخرق الثقة ويصل إلى شكل من أشكال التخلف عن السداد، مما يضر بصدقية الولايات المتحدة وسيعد شكلاً من أشكال الإفلاس، وما إن نفقد الثقة فينا فسيكون من الصعب استعادتها".

 حرب الديون

المشكلة أن أي هزة في سندات الخزانة الأميركية التي هي عصب سوق السندات العالمية تعني احتمالات انفجار فقاعة دين عالمي تقود إلى أزمة ربما تفوق الأزمة المالية العالمية في 2008 – 2009، وهناك تحذيرات جدية من أن الحرب التجارية التي بدأتها إدارة الرئيس دونالد ترمب قد تصبح أيضاً حرب ديون عالمية تنذر بكارثة.

في مقال له بصحيفة "واشنطن بوست" يحذر المدير السابق لمكتب الإدارة والموازنة بيتر أورسزاغ من أن حرب التعريفة الجمركية قد تمتد إلى ما هو أبعد من التجارة، ويشير إلى أن الدول التي تفرض عليها واشنطن تعريفة جمركية قد لا تكتفي بالرد بإجراءات عقابية مماثلة، بل ربما تتخذ "خطوات أخرى غير متوقعة".

يقصد أورسزاغ بذلك أن الدول التي تحتفظ بسندات الخزانة الأميركية بتريليونات الدولارات، مثل الصين التي تعد من أكبر المقرضين لواشنطن، يمكن أن تقدم على التخلص مما بحوزتها من سندات الدين الأميركي، ويضيف "ذلك ما يجعل أسوق السندات هدفاً مهماً إذا أسفرت المفاوضات في شأن الحرب التجارية عن صراع ممتد... وسيعني اللجوء لبيع السندات التعرض لخسائر مع انهيار أسعار السندات نتيجة البيع الكثيف، لكن الحكومات الأجنبية قد تكون مستعدة لتحمل تلك الخسائر من أجل الضغط على الولايات المتحدة".

بحسب بيانات وأرقام نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 كانت الكيانات الأجنبية تحتفظ بسندات خزانة أميركية بقيمة نحو 8.6 تريليون دولار، وإذا شرعت تلك الكيانات في بيع ولو جزء بسيط من تلك السندات فإن ذلك سيقود إلى موجة بيع هائلة للسندات تؤدي إلى انهيار أسعارها، ومن ثم سيرتفع العائد على السندات مما يعني زيادة أعباء خدمة الدين الأميركي بصورة هائلة.

ويخلص أورسزاغ في مقاله إلى أنه "على رغم أن الولايات المتحدة هي صاحبة الطلقة الأولى في الحرب التجارية الحالية فمن المحتمل أن تفتح جبهات أخرى... صحيح أن الدول الأخرى تخسر كثيراً في الحرب التجارية، لكن الولايات المتحدة تخسر أيضاً بخاصة أنه من غير المحتمل أن تظل الحرب قاصرة على التجارة".

في حال تحولت الحرب التجارية إلى حرب ديون فلن يكون الضرر فقط على الولايات المتحدة، حتى وإن كان ذلك وحده كفيلاً بإشعال أزمة ديون عالمية، إنما ستتضرر بقية الدول المدينة في العالم، بخاصة أن غالب الدين مقيم بالدولار الأميركي.

اقرأ المزيد

المزيد من أسهم وبورصة