ملخص
حظر اللغة العربية في احتجاجات مؤيدة لفلسطين بألمانيا يكشف تآكل الديمقراطية في سياق الحديث عن تقييد التضامن مع الفلسطينيين في أوروبا، يجب على ساسة القارة العجوز الالتزام بالقانون الدولي، ووقف دعم الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية.
في وقتٍ تبدو فيه المشاهد البائسة مألوفة بصورة مزعجة وتثير القلق، تخطت مظاهرة أُقيمت في ميدان فيتنبرغ بلاتز في برلين من حوالى الأسبوع - حيث دعا المتظاهرون إلى إنهاء العدوان في الضفة الغربية وفرض حظر على الأسلحة الوافدة إلى إسرائيل – الحدود المنطقية وذهبت أبعد من ذلك عندما حظرت الشرطة استخدام أية لغة باستثناء الألمانية والإنكليزية.
وفي التفاصيل، بينما كان المتظاهرون يغنون ويهتفون باللغتين العبرية والعربية، قمعتهم الشرطة بعنف، وطغت مكبرات الصوت على الموسيقى العربية معلنةً أن "كل من يتحدث العربية يعرض السلامة العامة للخطر".
يبدو المشهد سريالياً ولا يكاد يُصدق في أوروبا التي تتفاخر بريادتها وتفوقها في مجال حقوق الإنسان، ومع ذلك فإن التدابير غير المبررة التي تتخذها الحكومات للحد من مظاهر التعبير التضامنية مع الفلسطينيين ومعاقبتها أصبحت منتشرة على نحو متزايد في مختلف أنحاء أوروبا.
في هذا السياق، وفي مواجهة اقتراحات الرئيس ترمب السخيفة والمنافية للمنطق بنقل الفلسطينيين بصورة غير قانونية وقسرية من قطاع غزة المحتل - وقراره بفرض عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية - باتت الدول الأوروبية تملك خيار الشروع في دعم القانون الدولي وإما الاستمرار في مسار تقويض سيادة القانون وتعريضنا جميعاً للخطر في هذا المسار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
باختصار، التوقف عن معاقبة الفلسطينيين ومن يعبرون عن تضامنهم معهم، والبدء في جهد تعاوني جاد لمنع وإنهاء ومعاقبة ارتكاب الإبادة الجماعية والجرائم الفظيعة الأخرى.
وفي سياقٍ متصل، لطالما شكلت أوروبا أرضاً خصبة لصنع موقف موالٍ لنظام الفصل العنصري الإسرائيلي والاحتلال غير القانوني للأراضي الفلسطينية، والآن الإبادة الجماعية التي تُرتكب في غزة.
وفي هذا الإطار، تم سن قوانين مكافحة الإرهاب الفضفاضة والغامضة والملتبسة، التي تُستخدم بصورة متزايدة لقمع حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمعات السلمية في جميع أنحاء القارة، ونُشرت تلك القوانين لمعاقبة التضامن الفلسطيني وردعه.
ففي نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، حذرت منظمة العفو الدولية من أن إساءة استخدام مثل هذه القوانين قد "تقوض حرية التعبير".
وبعد 15 شهراً، سرعان ما تفشى تأثيرها المخيف إلى كل مكان عمل ومنزل ومدرسة وجامعة.
ومنذ الهجمات التي نفذتها حركة "حماس" في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، استغلت عدد من الدول الأوروبية هذا الأمر من خلال بناء شبكة متسرعة من القوانين والسياسات والقرارات والقيود التي تهدف إلى إضفاء الشرعية على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة وغيرها من الانتهاكات الجسيمة مع الحد من الجهود الرامية إلى محاسبة الدولة الإسرائيلية.
وفي ألمانيا، فرضت ولاية ساكسونيا- أنهالت شرطاً على الناس يقومون بموجبه بالإعلان أن "لإسرائيل الحق في الوجود" كشرطٍ للحصول على الجنسية.
وفي نوفمبر أقرت ألمانيا قانون "إنها اللحظة.. لن يتكرر الأمر" Never again is now، الذي يدعو الحكومة إلى إخضاع طلبات تمويل الفنون والعلوم لاختبار "الحديث المعادي للسامية".
وأُقر هذا القانون على رغم الانتقادات الواسعة التي تعرض لها من قبل المثقفين اليهود ومنظمات حقوق الإنسان الإسرائيلية، بسبب الطريقة التي يقوض بها معايير حقوق الإنسان، مما قد يضر باليهود والإسرائيليين الذين ينتقدون علانية معاملة إسرائيل للفلسطينيين، وفي غضون ذلك، توصلت أبحاث منظمة العفو الدولية إلى تحديد نمط مثير للقلق في مختلف أنحاء أوروبا حيث تم حظر التجمعات العامة التي تُنظم للتعبير عن التضامن مع الشعب الفلسطيني أو تقييدها بصورة غير متناسبة.
في هذا الإطار، وضمن التقرير الصادر في أغسطس (آب) 2024 في شأن التهديدات العالمية لحرية التعبير، وثقت مقررة الأمم المتحدة الخاصة المعنية بحرية الرأي والتعبير، إيرين خان، كيف أن "التعريف العملي" لمعاداة السامية الذي وضعه التحالف الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوستInternational Holocaust Remembrance Alliance يتعارض مع القانون الدولي لحقوق الإنسان ويقوض مكافحة معاداة السامية.
واعتبرت خان أن هذا التعريف يُستخدم في أوروبا، وكذلك على مستوى العالم، لتقييد انتقاد سياسات الحكومة الإسرائيلية وأفعالها وإسكات الدعوات المتزايدة لإنهاء الانتهاكات التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين، مع أنه يجب على الدوام حماية حق انتقاد أفعال أية دولة.
ولكن، لحسن الحظ بالنسبة إلى السياسيين في أوروبا، نحن لا نطلب منهم إظهار شجاعة العاملين الصحيين أو الصحافيين أو العاملين في المجال الإنساني الفلسطينيين الذين واصلوا العمل في مواجهة الموت والإصابة والاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري والتعذيب، جل ما نطلبه منهم ببساطة هو ضمان معاملة جميع الضحايا والجناة على قدم المساواة، وتعزيز سيادة القانون ومراجعة القوانين والسياسات التي تنزع الصفة الإنسانية عن الفلسطينيين وتمنح إسرائيل حصانة.
في هذا السياق، اجتمعت آراء الخبراء الدوليين البارزين على حقيقة مفادها أن إسرائيل ترتكب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب، وخلُصت منظمة العفو الدولية إلى وجود أدلة كافية على أن إسرائيل ترتكب جريمة إبادة جماعية. ويتعين في هذا الصدد على جميع الأطراف، بما في ذلك إسرائيل وحلفاؤها، الالتزام بعدم المساعدة في ارتكاب جريمة إبادة جماعية، والالتزام بمنعها والحيلولة دون حصولها.
لا بد أن يبدأ هذا الأمر بامتثال أوروبا للرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية والتزاماتها القانونية الدولية بإنهاء الوجود العسكري غير القانوني لإسرائيل في الأراضي الفلسطينية المحتلة بحلول سبتمبر (أيلول) 2025.
وعليه يجب أن تتمثل الخطوة الأولى نحو تحقيق هذا الهدف في وقف جميع عمليات نقل الأسلحة إلى إسرائيل وفرض حظر كامل على التجارة والأعمال مع المستوطنات الإسرائيلية غير القانونية.
بدءاً من تقييد الاحتجاجات إلى تدابير مكافحة الإرهاب الواسعة النطاق بصورة مفرطة، يجب على الساسة في أوروبا أيضاً مراجعة ومعالجة المشهد القانوني المقلق للغاية الذي أرسوه والذي ينزع الطابع الإنساني عن الفلسطينيين ويلحق بهم وصمة العار ويعاقب أولئك الذين يدعمونهم، في حين يضفي الشرعية على الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل ضد الفلسطينيين في غزة وانتهاكاتها وجرائمها في الضفة الغربية المحتلة.
إذا كان الناجون الفلسطينيون من الإبادة الجماعية يتحلون بالشجاعة الكافية لمحاولة إعادة بناء منازلهم وحياتهم، حجراً حجراً وقطعة قطعة، فيجب على السياسيين في جميع أنحاء أوروبا أقله الالتزام بالقانون الدولي والدفاع عنه.
يجب على القانون الدولي أن يحمي الجميع وإلا فهو لا يحمي أحداً.
إيريكا غيفارا–روزاس هي كبيرة مديري البحوث وأنشطة كسب التأييد والسياسات والحملات في منظمة العفو الدولية
© The Independent