ملخص
توفر المستشفيات الحكومية التونسية الخدمات الصحية للمهاجرين غير النظاميين بصورة مجانية إلا أن هذه المستشفيات تواجه صعوبات في استرجاع مستحقاتها من المنظمات الدولية المعنية بالهجرة.
فرضت الهجرة غير النظامية على تونس محنة مزدوجة بسبب تكدس آلاف المهاجرين غير النظاميين على أراضيها، فعلاوة على الكلفة الأمنية والاقتصادية تتحمل الدولة أيضاً عبء النفقات الصحية لعدد من هؤلاء المهاجرين الذين يتوجهون إلى المستشفيات العمومية التي تقدم إليهم الخدمات الصحية مجاناً.
وتعمل هذه المستشفيات اليوم على استرجاع أكثر من 850 ألف دينار (275 ألف دولار) أُنفقت على المهاجرين الذين تلقوا علاجاً في المؤسسات الصحية الحكومية، سواء بالعلاج أو بالإيواء في عام 2024، من الجهات الدولية الراعية لشؤون المهاجرين.
وتلتزم تونس تقديم الخدمة الصحية المجانية للمهاجرين، بينما تنتقد مكونات المجتمع المدني الظروف الصعبة التي يعيشها المهاجرون غير النظاميين في عدد من مناطق الجمهورية، بخاصة في محافظة صفاقس (جنوب) حيث يتكدس عشرات الآلاف منهم في ظروف صعبة قد تعرضهم للأمراض والأوبئة.
التسول ملاذ المهاجرين
تتخذ فاطيما إيدوكو مهاجرة من نيجيريا من ركن في محيط الجامع الكبير الذي يتوسط شارع الحرية بالعاصمة تونس، موطئ قدم لها، تستجدي فيه بعض المارة بمعية ابنتها التي لم تتجاوز ثلاثة أعوام، وبلكنة خاصة تبادر المارة بـ"السلام عليكم"، ثم تستلطفهم في حركة استعطاف ممزوجة بالحياء والخوف من رد فعلهم، تمد علبة المنديل أملاً في أن يعطوها بعض المال.
عندما اقتربنا منها أحست بالخوف لأن قوات الأمن تشن، من حين إلى آخر، حملات أمنية ضد المتسولين في الشوارع، ثم اطمأنت، إلا أنها رفضت التصوير أو التسجيل، وتحدثت عن وضعها حيث تعيش وابنتها في بيت صغير مع صديقتها في أحواز العاصمة.
سألناها عن حالتها الصحية، وإن كانت تتردد على المستشفيات العمومية فقالت "أنجبت ابنتي في مستشفى في محافظة بن عروس، وتلقت كل اللقاحات كأي طفل تونسي"، معربة عن أملها في أن تتحسن أوضاع المستشفيات، "بخاصة وسط نقص الأدوية والتباعد بين المواعيد".
تعرف فاطيما العاصمة ومستشفياتها وتعالج من آلام في المفاصل في مستشفى "شارل نيكول"، ولا تخفي أن بعض الممرضات لا يحسن معاملتها إلا أنها استحسنت معاملة الأطباء قائلة "معاملة إنسانية جيدة"، وختمت بدعوة السلطات التونسية إلى "تمكينها من إقامة موقتة من أجل أن تتمكن من العمل في ظروف لائقة وتتخلى عن التسول".
لا مال لدي لاقتناء الدواء
إسماعيل سانو شاب من غينيا، مفتول العضلات، يقضي يومه جيئة وذهاباً في شوارع العاصمة، يستجدي كل من يعترضه ويبادره بـ"السلام عليكم" بلكنة غينية غير مألوفة لدى التونسيين، وقال إنه يعاني مرض السكري، وسبق أن تم إيواؤه في مستشفى "الرابطة" في العاصمة، بعدما أغمي عليه في الشارع، فحملته سيارة إسعاف إلى المستشفى، وتحدث مراقباً طرفي الشارع خوفاً من الملاحقة الأمنية.
إسماعيل موجود في تونس منذ بضعة أشهر فحسب، وصلها براً عبر الحدود الجزائرية ولا يحمل أي أوراق هوية، وقال إنه بلا مأوى ويلتجئ ليلاً إلى فناء خارج مسجد وسط العاصمة، لافتاً إلى أن صحته متدهورة، ويتردد على المستشفيات، إلا أنه لا يملك المال لاقتناء الدواء.
هؤلاء المهاجرون ولئن تمتعوا بالعلاج المجاني في المستشفيات العمومية التونسية، فإن وضعهم الاقتصادي والاجتماعي الصعب، في غياب توفر فرص العمل، عكر أوضاعهم ودفع بعدد منهم إلى التسول.
رعاية المهاجرين جزء من الأمن الصحي
يؤكد رئيس لجنة الصحة في البرلمان التونسي نبيه ثابت أن "تونس ملتزمة ما ينص عليه الدستور، وكل شخص مهما كانت جنسيته موجود على التراب التونسي، له الحق في العلاج، كأي مواطن تونسي"، مذكراً بأن "تونس ليست أرض توطين ولا أرض عبور للمهاجرين غير الشرعيين".
أضاف عضو البرلمان، رئيس لجنة الصحة، أن وزارة الصحة أصدرت منشوراً عام 2020 أكدت فيه "ضرورة استقبال المهاجرين غير الشرعيين في المستشفيات العمومية ومعاملتهم مثل التونسيين، مع ضمان حقهم في العلاج والإيواء"، لافتاً إلى أن "وزارة الصحة لم تسترجع إلا نسبة 65 في المئة فقط من كلفة علاج المهاجرين غير النظاميين لعام 2024، بينما تبلغ الكلفة السنوية لعلاج المهاجرين نحو مليون دينار (330 مليون دولار)".
وبخصوص التخوف من الأمراض المعدية بخاصة منها المنقولة جنسياً، أكد أن "أحسن وسيلة هي الوقاية، والتزام القواعد الصحية، والالتجاء إلى المراكز الصحية في الوقت المناسب"، ولفت إلى أن الرعاية الصحية للمهاجرين في المستشفيات ساعدت العام الماضي، في الكشف عن 180 إصابة بالملاريا و317 إصابة بمرض الأيدز، كما جرى الكشف عن 169 إصابة بالسل، وهي أمراض تتطلب مسار علاج طويلاً، واعتبر ثابت أن "الرعاية الطبية للمهاجرين الموجودين في تونس هي جزء من الأمن الصحي للبلاد"، داعياً المنظمات الدولية إلى "ضرورة توفير الاعتمادات المالية اللازمة لسداد فواتير علاج المهاجرين".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
خطة وطنية للتعامل مع تداعيات الهجرة
كثيراً ما أثار تكدس المهاجرين غير الشرعيين في منطقتي العامرة وجبنيانة في محافظة صفاقس مخاوف نشطاء المجتمع المدني من انتشار الأمراض والأوبئة، لذلك دعا رئيس المرصد التونسي للحقوق والحريات مصطفى عبدالكبير في تصريح خاص، إلى وضع "خطة وطنية للتصرف في الهجرة واللجوء، لتسهيل التعامل مع هذا الملف وضمان احترام الاتفاقات الدولية والذات البشرية"، لافتاً إلى أن "المهاجر يحتاج إلى الحماية القانونية والأمنية والصحية وله الحق في عدم التمييز والحق في الإقامة وفي الصحة والعمل".
ولا يخفي عبدالكبير أن "المواطن التونسي يعاني صعوبات في الولوج إلى الصحة لنقص الإمكانات من أجهزة وإطارات طبية"، مشيراً إلى أن أمراضاً عدة كانت منتشرة سابقاً في عدد من الدول الأفريقية باتت متفشية في تونس مثل الكوليرا والملاريا.
ربع المهاجرين فقط يتوجهون إلى المستشفيات
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى أن عدد المهاجرين في تونس يتجاوز 50 ألفاً، بينهم نحو 20 ألف مهاجر يعيشون في غابات الزيتون في مناطق فلاحية في محافظة صفاقس ولا يحظون بالمراقبة الصحية الكافية.
وكشفت دراسة ميدانية أجراها المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية، حول الحق في الخدمات الصحية للمهاجرين، عن أن 24 في المئة فقط من المهاجرين يتوجهون إلى المستشفيات العمومية، بينما يلجأ 56.5 في المئة منهم إلى وسائل علاجية تقليدية.