ملخص
تخطط حكومة لندن لتوفير 1.5 مليون وحدة سكنية جديدة تردم الهوة بين الطلب والعرض على "المساكن الاجتماعية"، لكن الخطة تواجه تحديات اقتصادية وتشريعية وبيئية أعاقت مشاريع لحكومات سابقة بحثت عن حلول للأزمة الإسكانية المتراكمة في بريطانيا، فهل يذلل كير ستارمر ووزرائه الصعوبات المتوقعة؟
عندما أعلنت الحكومة البريطانية أخيراً عن أكبر مشروع سكني في البلاد منذ الحرب العالمية الثانية، كانت تتطلع إلى تنفيذ وعد انتخابي قطعه حزب العمال خلال حملته في الانتخابات البرلمانية الأخيرة يوم 4 يوليو (تموز) الماضي، حين تعهد ببناء 1.5 مليون بيت قابل للتملك بأسعار معقولة، لعله بذلك يعالج أزمة السكن التي تعيشها المملكة المتحدة.
أزمة السكن القائمة تصفها وزيرة الإسكان أنجيلا راينر بـ"الأكثر حدة" منذ عدة عقود، حيث يعيش 150 ألف طفل اليوم في مساكن موقتة، وتنتظر 1.3 مليون أسرة الحصول على سكن حكومي، فيما نشهد مستويات قياسية من التشرد وتقلص احتمالات امتلاك الشباب لمنازلهم الخاصة، إضافة إلى زيادة الإيجارات بنسبة 8.6 في المئة خلال عام واحد.
تراكمت أزمة السكن تحت أعين حكومات متعاقبة من الحزبين الرئيسيين منذ بداية الألفية الجديدة، فلم يفلح "العمال" ولا "المحافظين" في معالجتها لعدة أسباب أولها مالي يتعلق بالكلفة، والثاني اقتصادي يتمثل بمدى تأثر الشركات الخاصة العاملة في التطوير العقاري، أما الثالث ففحواه أين وكيف يمكن البناء من دون التعدي على البيئة بنباتها وحيواناتها؟
الحكومة العمالية الجديدة تعلم كل هذه التحديات وعلى رغم ذلك أطلقت خطتها السكنية التي ستكلف الخزينة مليارات الدولارات، فما الذي يراهن عليه رئيس الوزراء كير ستارمر اليوم لإنجاز ما عجز عنه أسلافه في حين يئن الاقتصاد الوطني تحت وطأة مشكلات مختلفة جعلت الدين العام (103 ترليونات جنيه استرليني) يتجاوز الإنتاج الإجمالي نهاية 2024.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لم يحدد ستارمر موعداً لبدء بناء المنازل الجديدة لكنه قال إن العمل سينطلق قبل انتخابات البرلمان المقبلة عام 2029، فمنح نفسه وحكومته أكثر من 4 سنوات لتذليل العقبات الرابضة أمام المشروع، كما ربطه بشكل غير مباشر بمنح حزب العمال ولاية ثانية يستكمل من خلالها ما بدأه لإنهاء أزمة السكن التي تتسع مع الوقت وفقاً للتقارير المتخصصة.
ستارمر يخطط لبناء 12 بلدة وفق معايير بيئية وخدمية قياسية تتوزع على مناطق عدة في إنجلترا، كل واحدة منها تضم أكثر من 10 آلاف وحدة سكنية، ولكن نسبة المنازل المملوكة للمجالس المحلية والبلدية بينها لم تحدد بعد، لأنها ستخضع لاعتبارات تتعلق بمساهمة القطاع الخاص في بناء تلك المناطق وحضوره على خريطة خدماتها ومرافقها.
لطالما تولت المجالس المحلية مسؤولية بناء "المساكن الاجتماعية" التي توزع على العائلات بإيجارات متواضعة إلى حين تمكنها من شراء العقار بسعر معقول، لكن سياسة التقشف التي اعتمدتها الحكومات المتعاقبة منذ مطلع الألفية الجديدة قلصت من حجم هذه المشاريع ووسعت دور القطاع الخاص في بناء وحدات سكنية تلبي حاجات السوق المحلية.
المشكلة أن أسعار وحدات القطاع الخاص ليست رخيصة، والإيجارات صعدت في ظل عجز الناس عن الشراء، ومع ارتفاع معدلات التضخم وزيادة أسعار الفائدة وكلفة المعيشة أصبحت سوق السكن تعاني مشكلات كبيرة، بخاصة وأن المتحكم بالعرض والطلب ليست الدولة وهناك آلاف الشقق والمنازل المغلقة لأن أصحابها لا يريدون تأجيرها أو بيعها.
وزيرة الإسكان قالت لإذاعة "أل بي سي" إن الحكومة تدرس منح البلديات مزيداً من السلطات لتشجع ملاك العقارات الخاصة على طرحها في الأسواق بيعاً أو إيجاراً، لا يزال الأمر في طور الدراسة بحسب راينر، لكن قد يسمح للمجالس المحلية باللجوء إلى زيادة الضرائب على الوحدات السكنية الفارغة لتجعل استثمارها أكثر جدوى بالنسبة لأصحابها.
ثمة مشكلتان إضافيتان تواجهان المجالس المحلية في تنفيذ الخطة السكنية المرتقبة، الأولى هي ضعف الخبرة والمهارة في تشييد الوحدات كما ظهر في مشاريع سابقة تعاونت المجالس في تشييدها مع شركات عقارية تبين لاحقاً أن إدارتها للعمل سببت خسائر للبلديات، حتى أن تقارير متخصصة تتحدث عن مشكلات مالية مستمرة للآن في بعض المناطق.
التحدي الثاني في وجه المشروع هو اختيار الأماكن التي ستبنى عليها المناطق، فهي ستشيد على مساحات خضراء يراها ممثلو المجتمعات المحلية ضرورية للحفاظ على البيئة أو لحماية أنواع معينة من الكائنات، ولطالما كانت حجج هؤلاء سبباً رئيسياً وراء فشل خطط حكومية لتوسيع العمران وخلق أماكن عيش جديدة على امتداد أراضي المملكة المتحدة.
الوزيرة راينر قالت إن الحكومة تستعد لمواجهة هذه المشكلة أيضا عبر إعداد "ورقة بيضاء" تمنح البلديات صلاحيات أوسع في تحديد مناطق المشاريع السكنية الجديدة، وبالتالي التضييق على الأصوات المعارضة التي تستغل مركزية القرار في العاصمة لندن، أو تلك التي تضع الحجج البيئية في عجلات الخطط العمرانية لتعيق تنفيذها على الأرض.
الحكم على نجاعة خطط ستارمر ووزرائه لتعزيز قدرة المجالس المحلية على تنفيذ المشروع العمراني سيبدأ بمجرد اختيار مناطق المدن السكنية الجديدة، وهناك نحو 100 موقع جغرافي مرشح على امتداد إنجلترا ستوضع قريباً على طاولة لجنة حكومية أعدت لهذا الغرض وكلفت بمهام الفرز والتقييم والمفاضلة والاختيار على ضوء معايير مختلفة.
والمواقع المئة المرشحة ليست فقط لبناء 12 مدينة جديدة، لأن ما وعدت به الحكومة من توفير 1.5 مليون وحدة ذات أسعار معقولة أو مخصصة للسكن الاجتماعي لن تكون فقط في تلك المدن، فهناك أيضاً وفقاً للمسؤول في وزارة الإسكان ماثيو بينيكوك خطط لتوسعة مناطق قائمة ويتوقع أن تنجز قبل انتهاء ولاية البرلمان الحالي في عام 2029.
على ضفة حزب المحافظين المعارض، يقول وزير الإسكان في حكومة الظل كيفن هولينراك، إن المشروع "العمالي" الضخم لن يجدي لأن الهجرة إلى المملكة المتحدة في تصاعد مستمر وبالتالي الفجوة بين العرض والطلب سوف تزداد لتتجاوز مليون ونصف المليون منزل التي تخطط الحكومة لتشييدها وفق مخطط لن يبدأ تنفيذه أصلاً إلا بعد أربع سنوات.
وعرفت بريطانيا أول موجة من المدن الجديدة في حكومة كليمنت أتلي بين 1945 و1951، فكانت "ستيفيناج" في "هيرتفوردشاير" أول مدينة من هذا النوع ثم تلاها 10 أخرى بحلول 1955، من بينها "كراولي" في "ساسكس"، و"هارلو" في "إسكس"، و"نيوتن أيكليف" في مقاطعة "دورهام"، أما الغرض منها فكان استيعاب أعداد كبيرة قدمت من لندن.