Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"غرافيتي الثورة" من جدران إدلب إلى أبعد من سوريا

عبر "ريشة أمل" شكلت الجدران جزءاً أساساً من الحراك الاحتجاجي ضد النظام السابق

مع اندلاع الثورة والحراك الشعبي في سوريا شكلت الجدران ساحة أخرى للمواجهة بين المعارضين وأنصار النظام (اندبندنت عربية)

ملخص

كان للجدار قيمة بالنسبة إلى الشارع السوري بكل المحافظات، فمع اندلاع الثورة والحراك الشعبي ردت أجهزة الأمن عبر أذرع عرفت بـ"الشبيحة" على كتابات المعارضين، بكتابات مؤيدة من بينها "الأسد أو نحرق البلد". وكانت خلال السنوات الأولى للثورة الحيطان تستخدم كرسائل متبادلة بين الفريقين، المؤيد والمعارض.

بأيد زرعت الألوان لسنوات طويلة على جدران مدينة إدلب وقراها وسط سواد دخان البراميل المتفجرة، وعباب انفجارات الطائرات المحملة بقذائف لم تكف عن السقوط فوق رؤوس المدنيين طوال فترة الحرب، انتقلت ريشة فناني الغرافيتي لتنتقل بعد سقوط النظام السابق في الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024، إلى جداريات الساحات العامة في مختلف المحافظات السورية. ريشة لم تعرف اليأس في أحلك الظروف الصعبة تنشر اليوم الجمال في براعة لافتة، وترصد نبض الشارع بأسلوبها المبهر.

على الحيطان

وللجدار بحد ذاته حكاية في حياة السوريين، إذ كان شاهداً على اندلاع أول شرارة للثورة الشعبية احتجاجاً على حكم النظام، واستئثاره بالسلطة لأكثر من 50 عاماً، إذ حكم الأسد (الأب والابن) بقبضة أمنية قاسية. ومن الجمل الشهيرة التي حفرت عميقاً في ذاكرة الناس، "إجاك الدور يا دكتور" التي سطرها أطفال درعا جنوب البلاد على جدار مدرستهم، للقول إن "دور" النظام السوري حان بعد سقوط أنظمة أخرى في تونس وليبيا ومصر، في ما أطلق عليه اسم "الربيع العربي"، في حين أن لقب "الدكتور" عائد لبشار الأسد، إذ إنه درس طب العيون، ومن بعدها تفجرت الرسوم والكتابات المناهضة للحكم الأسدي.
منذ ذلك الوقت كان للجدار قيمة بالنسبة إلى الشارع السوري بكل المحافظات، فمع اندلاع الثورة والحراك الشعبي ردت أجهزة الأمن عبر أذرع عرفت بـ"الشبيحة" على كتابات المعارضين، بكتابات مؤيدة من بينها "الأسد أو نحرق البلد". وكانت خلال السنوات الأولى للثورة الحيطان تستخدم كرسائل متبادلة بين الفريقين، المؤيد والمعارض، إلى أن استقرت المعارضة والثوار السياسيون والعسكريون في آخر معاقلهم بالشمال السوري في إدلب التي منها انتشر فن الغرافيتي وازدهر خلال فترة الصراع.

لغة عالمية

يتحدث أشهر فناني الغرافيتي السوريين عزيز أسمر عما لهذا الفن، الذي يحتاج إلى حرية الفكرة والتعبير، من أهمية كونه "يمثل بحد ذاته لغة عالمية يمكن من خلالها مخاطبة الشعوب في كل دول العالم"، وكيف وظف في إدلب "لإيصال رسائل تحمل الإنسانية والمحبة لكل الشعوب من خلال التضامن بالرسم مع قضاياهم المحقة والعادلة خصوصاً عندما تكون هذه الرسوم على جدران بيوت كانت تعج بالذكريات والإلفة ودمرها طيران بشار الأسد الهارب، فدفن أصحابها تحت أنقاضها أو أجبروا على تركها ليسكنوا المخيمات أو يهاجروا مضطرين خارج الحدود".
لقد حمل فريق الغرافيتي اسم "ريشة أمل" قبل سقوط النظام السوري، أما بعده فتحول إلى "ريشة وطن" لأنه، وبحسب ما يسرد الفنان عزيز أسمر في حديثه لـ"اندبندنت عربية"، "الأمل تحقق، وصار يشاركنا الرسم في كل محافظة نزورها بعد التحرير، رسامين من المحافظة ذاتها كنا تعرفنا عليهم مسبقاً".
وعن مواضيع الغرافيتي في الجزء الخارج عن سيطرة النظام قبل سقوطه، تركزت رسوم الجداريات حول قضايا تخص المعتقلين الذين غيبوا عن أهلهم قسراً، وعن التهجير، وحال المخيمات السيئة وأهلها الذين "ضاقت عليهم الأرض بما رحبت"، وعن الأوبئة كالكورونا والكوليرا والليشمانيا، والتوعية بأخطار الألغام والذخائر غير المنفجرة التي يزرعها النظام في حقول الزيتون، وعن قضايا الإعاقات وذوي الاحتياجات الخاصة.
وارتبط "غرافيتي الثورة" بعلاقة صداقة مع المارة والقاطنين بحيث تحولت الحيطان الملونة بالرسوم إلى نقطة فنية فارقة في أية قرية أو بلدة يزورها فنانو الفريق.
وقال ياسر ملحيس (40 سنة) من إدلب، "أعجبت كثيراً بإحدى هذه اللوحات من إنتاج الفريق، وبريشة الرسامين، لدرجة حاولت وأهالي القرية المحافظة على اللوحة التي كانت تحكي عن قضايا الهجرة القسرية. كما أحاول السفر لمشاهدة إنتاج الفريق في أي مكان يرسمون به، إنهم مبدعون، لقد رسموا الأمل في حينها". كما شد "غرافيتي الثورة" أنظار الأطفال، فحاول أن يشاركهم الألوان، وهم بالأساس يتحدون الصعاب بعدما هجروا من بيوتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

العمل بروح الفريق

تعتبر رسوم الغرافيتي على أسطح وجدران عامة أو خاصة فناً عالمياً، يستخدم لإيصال رسائل سياسية واجتماعية، وشكل من أشكال الدعاية، ويعد كأحد أشكال الفن الحديث، ويشاهد في صالات العرض العالمية، بينما تتعدد أدوات هذا الفن إما بوسائل كالدهان والريشة، أو عبر "بخاخ"، إذ تخزن الألوان عبر عبوات جاهزة للاستخدام.
في غضون ذلك، حاول الفريق أن يعمل بطريقة احترافية، ومتقنة وبروح فريق جماعي عبر تصميم الفكرة والاجتماع في مرسم يقع في بلدة "بنش" بريف إدلب، وضمت تلك الجلسات مثقفين وأطباء وصحافيين وإعلاميين ولغويين للدراسة وخوض نقاشات حول صوابية الأفكار المعروضة القابلة للرسم من عدمها لتكون الرسائل أكثر اكتمالاً.
وبالحديث عن رقعة عمل الفريق بعد سقوط النظام، فعلاوة عن حضوره اللافت في الساحات العامة على امتداد المدن، لكن الأنظار خطفت بعدما اجتهد الرسامون بإنتاج لوحة عن "قيصر"، الجندي السوري الذي استطاع أن ينقل ملفات خطرة عن عمليات التعذيب في أقبية وسجون النظام إلى الولايات المتحدة. ويقول عضو في فريق غرافيتي "ريشة وطن" الرسام أنيس حمدون إن "لوحة قيصر رسمت تكريماً لجهوده في نقل جرائم النظام في حق المعتقلين الذين قضوا تحت التعذيب إلى المحافل الدولية. ورسمت اللوحة على جدار إحدى المدارس لنعلم طلابنا الوفاء لمن ضحى في سبيل أن يعيشوا بكرامة"، كما رصد فريق الغرافيتي أحداثاً مهمة بعد سقوط الأسد، مثل زيارة الوفد الطبي السعودي الذي أجرى عمليات الحلزون للصم في سوريا ليتمكن المرضى من السمع.

من المناطق المحررة إلى العالم

في الأثناء استطاع فنانو الغرافيتي تثقيف أنفسهم خلال سنوات الحرب، وتخطت ريشتهم رصد قضايا الثورة السورية وشجونها إلى العالم، بل تحولت جداريات في سوريا إلى منابر تحاكي قضايا شعوب العالم، أو ما يسكن وجدانهم، وعن ذلك يتحدث الفنان الأسمر، قائلاً إن "ثورتنا ثورة فكر وثقافة وفن وإنسانية، وجعلتنا على رغم آلامنا وعذاباتنا نقول للشعوب أنتم أخوتنا في الإنسانية نتقاسم معكم فرحكم وحزنكم، فمثلاً رسمنا جورج فلويد الذي قتل بدوافع عنصرية لنقول إنه في سوريا قتل مئات اختناقاً بالكيماوي، ورسمنا الطفلة اليابانية ميغومي المعتقلة في كوريا الشمالية لنقول لليابانيين إننا نشعر بوجع أهلها، لأن لنا في سجون الأسد مئات آلاف المعتقلين قسراً ويجب أن نعرف ومصيرهم".
وتابع قائلاً "رسمنا مارادونا الرياضي المحبوب، وعن حرائق تركيا واليونان، واضطرابات إيران وفرنسا وكولومبيا، وعن فيضانات السودان وجدة ودرنة الليبية، وزلزال المغرب وتايوان وتركيا وسوريا، وحريق المرفأ في بيروت، وتضامناً مع فلسطين ضد قصف غزة وتهجير أهلها، وعن طبيب الغلابة المصري، والطفل ريان المغربي حبيس البئر، وتداعيات كورونا في العالم وخروجه عن السيطرة في إيطاليا وفرنسا، وبيليه وأبو تريكة وميسي، والملاكمة الجزائرية إيمان التي تعرضت لتنمر بسبب شكلها، والصحافية الفلسطينية الراحلة شيرين أبو عاقلة، والصحافي الفلسطيني معاذ ووائل الدحدوح، رسمنا ضد العنصرية بكل أشكالها في العالم".

ويتحدر الأسمر (52 سنة) من مدينة بنش، واستلهم فنون الرسم من أخواله، وفن الخط من والده، وعمل في دار نشر في بيروت لأكثر من 20 سنة، وسافر بعدها إلى القاهرة والإسكندرية مرات عدة، وعاد لسوريا في بداية الثورة ليشارك أهله أفراحهم وأحزانهم.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير