ملخص
إذا كان ترمب هو سبب الذبذبة وعدم الاستقرار وانخفاض أسعار النفط أو انخفاضها فإن هذا يعني أن تلك الأسواق بيد الرئيس الأميركي، ولكن لا يعني أنه يتحكم بها، بل يخربها!
مشاريع وقوانين وتصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترمب تهز الأسواق العالمية، مسببة ذبذبة كبيرة في كل القطاعات، بما في ذلك النفط، وجرت تغطية ذلك في مقالة الأسبوع الماضي. موضوع اليوم يركز على أثر سياسات ترمب في النمو الاقتصادي العالمي، ومن ثم في أسواق النفط. إذا كان ترمب هو سبب الذبذبة وعدم الاستقرار، وسبب انخفاض أسعار النفط أو انخفاضها، فإن هذا يعني أن أسواق النفط بيد الرئيس الأميركي، ولكن لا يعني أنه يتحكم بها، بل يخربها!
سياسات ترمب وحروبه التجارية ومواقفه السياسية ركودية وتضخمية في وقت واحد، في حين أنه يدعي أن سياساته داعمة لزيادة النمو الاقتصادي وخفض معدلات التضخم، فرفع التعرفة الجمركية على الواردات كافة يعني ارتفاع الأسعار وانخفاض الطلب على السلع المستوردة، ومن ثم انخفاض صادرات الدول الأخرى وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي فيها، ومن ثم انخفاض الطلب على النفط. وإذا طبقت هذه الدول مبدأ المعاملة بالمثل ورفعت التعرفة الجمركية على السلع التي تستوردها من الولايات المتحدة فإن هذا سيؤدي إلى ارتفاع مخزون هذه السلع في أميركا، وانخفاض أسعارها، وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض الإنتاج، ومن ثم انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وهذا يسهم في خفض الطلب على النفط.
منذ يومين أعلن الرئيس ترمب أنه سيرفع الضرائب الجمركية على واردات الفولاذ والألمنيوم، وهذا سيؤثر سلباً في عدد من الصناعات التي تعتمد عليهما، بخاصة صناعة السيارات، مما سيخفض الطلب على الطاقة بصورة عامة، ومنها الطلب على النفط. بعضهم يظن أن الصين هي أكبر مصدر للفولاذ والألمنيوم للولايات المتحدة لهذا يحاول ترمب الضغط عليها بفرض ضرائب جمركية عالية، لكن أكبر مصدر للفولاذ والألمنيوم للولايات المتحدة هي كندا! هذا يعني أن ترمب مصر على الضغط على كندا، وكندا أكبر مصدر للنفط إلى الولايات المتحدة أيضاً. الإشكال هنا ليست ضرائب ترمب، ولكن رد فعل الحكومة الكندية، فاستمرار الضغط بهذه الصورة قد يؤدي إلى رد فعل كندي بخفض صادرات الكهرباء والنفط والغاز للولايات المتحدة، وهذا سيرفع أسعارهما، وسيخفض من معدلات النمو الاقتصادي، وسيرفع معدلات التضخم!
المكسيك هي ثاني أكبر مصدر للفولاذ للولايات المتحدة وثالث أكبرمصدر للألمنيوم بعد كندا والصين، وما قيل مسبقاً عن كندا ينطبق على المكسيك أيضاً، وهناك مصانع أميركية لقطع غيار السيارات في كلا البلدين.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
المشكلة أن الصناعات الأميركية متشابكة مع الصناعات الكندية والمكسيكية، بخاصة صناعة السيارات، فالسيارة الأميركية تحتوي على قطع مصنعة في كندا وأخرى في المكسيك، ولكن هذا يمتد إلى دول أخرى بما في ذلك الصين وكوريا الجنوبية. وهذا يعني أن الضرائب الجمركية العالية بصورة عامة، وضرائب الفولاذ والألمنيوم ستؤثر سلباً في هذه الصناعات. وبما أن الضرائب الجمركية ترفع من قيمة الدولار، فإن هذا يعني أن البضائع الأميركية غير منافسة في الأسواق العالمية، وترمب لا يستطيع أن يفرض ضرائب جمركية عالية ويخفض الدولار في الوقت نفسه.
المشكلة الأكبر تتجاوز التضخم وانخفاض معدلات النمو الاقتصادي، خلل في سلاسل الإمداد يكون له نتائج سلبية غير متوقعة تؤدي إلى ركود اقتصادي كبير في أميركا الشمالية وينتقل منها للعالم. وستتفاقم المشكلة إذا فرض ترمب ضرائب جمركية عالية على صادرات الاتحاد الأوروبي إلى الولايات المتحدة، إذ سيقوم الاتحاد الأوروبي بفرض ضرائب مماثلة على ما تستورده الدول الأعضاء من الولايات المتحدة. هنا ستتأثر صناعة السيارات الأميركية بصورة كبيرة، وستكون شركة "تسلا" من أكبر المتضررين. لهذا نجد الشركة المملوكة لإيلون ماسك تحاول في المحاكم الأوروبية وقف الضرائب على المنتجات الصينية كي تصدر سياراتها من الصين بدلاً من الولايات المتحدة.
خلاصة القول إن سياسات ترمب تؤدي إلى ذبذبة كبيرة في أسواق النفط، وتستطيع "أوبك +" مجابهة هذه الذبذبات بسياساتها الحاسمة، ولكنها ستكون في مأزق إذا نتج من سياسات ترمب ركود اقتصادي عالمي مصحوب بانخفاض العملات المختلفة أمام الدولار الأميركي. عندها سينخفض الطلب العالمي على النفط، وقد تلجأ دول "أوبك +" إلى مزيد من التخفيضات أو ترك أسعار النفط المنخفضة تأخذ مجراها وتخرج المنتجين ذوي الكلفة العالمية من السوق. الخاسر الأكبر من انخفاض أسعار النفط هي الولايات المتحدة وأوروبا، لأن إنتاج النفط الأميركي سينخفض، وبما أن جزءاً كبيراً من الغاز المسال المصدر للقارة العجوز يأتي من الغاز المصاحب الذي يستخرج مع النفط، فإن انخفاض إنتاج النفط يعني انخفاض إنتاج الغاز، وهذا سيرفع أسعار الغاز المسال في أوروبا في وقت تعاني فيه القارة ارتفاع أسعار الغاز بصورة كبيرة.