Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تعديل اتفاق اللجوء يضع "إنسانية فرنسا" على المحك

تتجه الأنظار إلى باريس لرصد موقفها من تغييرات محتملة تمثل أكبر تحول في سياسة الهجرة منذ 80 عاماً

تعديل اتفاق 1951 في شأن اللاجئين قد يفتح المجال لمجموعة من التداعيات السياسية والاجتماعية في أوروبا (أ ب)

ملخص

في ظل تدفق طلبات اللجوء إلى الدول الأوروبية منذ عام 2015، يبدو أن المبادئ التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية قد تأثرت بالتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على مدى هذه الفترة الطويلة، ووفقًا للوثيقة التي تقترح التعديل ترى الدول أنه "من الضروري النظر إلى التحديات التي نواجهها ككتلة واحدة بصورة وُسعى".

مع تعقد مشهد الهجرة المتزايدة إلى أوروبا يبدو أنه لم يعد أمام القارة العجوز سوى إعادة رسم معالم اتفاق 1951 الذي كثيراً ما شكل الأساس لحماية اللاجئين، إذ يمنع الدول من رفض طالبي اللجوء عند حدودها، ومع طرح فكرة تعديل الاتفاق لإطلاق يد الدول في إدارة تدفقات الهجرة، تبرز تساؤلات حول موقف فرنسا من هذا الملف الحساس، إذ يجد الرئيس إيمانويل ماكرون نفسه مضطراً إلى الوقوف عند مفترق طرق معقد، مشتتاً بين نداءات أمنية صارمة تأتي من جماعات اليمين المتطرف والحفاظ على إرث فرنسا الإنساني الذي كثيراً ما أكسبها سمعة رفيعة على الصعيد الدولي.

ففي وقت يطالب فيه بعض التيارات بتشديد قوانين الهجرة وترحيل طالبي اللجوء المرفوضين وذوي السوابق الجنائية، لا تغفل الأصوات التي تحذر من أن المساس بمبدأ عدم الإعادة القسرية قد يُخل بميزان العدالة الدولية ويعرّض آلاف اللاجئين لأخطار حقيقية.

وبينما ينمو الصخب حول إمكان تغيير قواعد اللعبة في الاتحاد الأوروبي، تظل باريس في موقع يتطلب منها الموازنة بين الحفاظ على الهوية الوطنية ومواجهة ضغوط الأمن القومي، والتمسك بالمبادئ الإنسانية التي شكلت نبراس السياسة الخارجية الفرنسية عقوداً.

وبينما تتجه الأنظار نحو باريس لرصد موقفها من التعديلات المحتملة، يبقى السؤال مفتوحاً: هل ستُقدم الحكومة الفرنسية على تغيير نهجها في ملف الهجرة، أم ستواصل السير على خيط التوازن بين الأمن والمبادئ الإنسانية؟ في كلتا الحالتين سيكون للقرار الفرنسي تأثير كبير في مستقبل سياسات الهجرة في أوروبا، وعلى صورة فرنسا في العالم.

صراع بين السياسات اليمينية والالتزامات الدولية في فرنسا

في حوار مع المحلل السياسي في الشأن الفرنسي رامي خليفة العلي أشار إلى احتمالية دعم فرنسا لفكرة تعديل اتفاق لعام 1951، في ظل انتشار موجة من الأفكار اليمينية التي تؤثر في الطبقة السياسية داخل فرنسا وأوروبا. وأوضح أن نتائج الانتخابات الأخيرة سواء على المستوى الأوروبي أو الفرنسي تعكس تزايد شعبية التيار اليميني، مما يدفع الحكومة الفرنسية إلى السعي لكسب التأييد الشعبي. وأضاف أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية الحالية في فرنسا توفر فرصة للحكومة لتبرير أزماتها عبر تبني خطاب يميني مناهض لمسألة اللجوء والهجرة، مما يجعل من المرجح أن توافق فرنسا على هذا المقترح.

ويرى المحلل أن هناك علاقة وثيقة بين تصاعد خطاب اليمين المتطرف والسياسات المقترحة لمواجهة الهجرة. ويؤكد أن الهجرة لا تشكل أزمة حقيقية في فرنسا، نظراً إلى أن أعداد المهاجرين ليست مرتفعة إلى الحد الذي يبرر هذا التصعيد. ويشير إلى أن هناك محاولة واضحة من الحكومة الفرنسية لصرف الانتباه عن إخفاقاتها، وبخاصة في ما يتعلق بالدين العام والأزمات الاقتصادية والتضخم، وما يترتب على ذلك من معاناة للطبقات المتوسطة والفقيرة في أوروبا وخصوصاً في فرنسا. ويلفت إلى أن الأزمة المالية التي تواجهها البلاد تدفع الحكومة إلى تجنب معالجة القضايا الاقتصادية الأساس، مفضلة التركيز على قضية الهجرة نظراً إلى كونها تستهدف فئات هشة في المجتمع.

ويرى المحلل أنه من المحتمل أن يتم تبني مزيد من القوانين المناهضة للجوء والهجرة على المستويين الفرنسي والأوروبي. ومع ذلك يشير إلى أن هذه القوانين لن تحدث تغييراً جوهرياً في الواقع، لأن ما يشكل الأزمة الحقيقية في فرنسا ليس الهجرة بحد ذاتها، بل الخطاب السياسي المتعلق بها. ويتوقع المحلل أن تزداد مثل هذه المقترحات خلال الفترة المقبلة.

وبالنسبة إلى السؤال عما إذا كانت هذه السياسات ستؤدي إلى تغييرات عميقة في المجتمع الفرنسي أو ستسهم في حلحلة الأزمات التي تمر بها فرنسا، يوضح المحلل أن البلاد تواجه أزمة اقتصادية كبيرة وأزمة سياسية، وبخاصة بعد الانتخابات التشريعية الأخيرة. كما أن الحكومة الفرنسية الحالية تعاني هشاشة، مما يعني أن هناك صعوبة في استخدام الخطابات السياسية لتغطية فشل الحكومة.

وفي ما يتعلق بإمكانية استبعاد موضوع الهجرة أو الوصول إلى حل ناجح ينهي النقاش حول هذه الأزمة، لا يرى المحلل أن ذلك قد سيحدث. ويقول إنه على مدار الأعوام الثلاثة الماضية، مُرر عدد من قوانين الهجرة دون أن يؤدي ذلك إلى نهاية الجدل حولها، لأن النقاش ليس مرتبطاً بأزمة اجتماعية حقيقية بقدر ما هو نتيجة لخطاب سياسي تعيشه فرنسا.

ويشير رامي خليفة العلي إلى أن فرنسا كما الدول الأوروبية لم تعد تعير اهتماماً كبيراً لخطاب حقوق الإنسان والالتزام بالقوانين والأعراف الدولية التي تأسست بعد الحرب العالمية الثانية، وبخاصة أن بعض الدول بدأت تتراجع عن التزاماتها في هذا المجال. ويعتقد أن هذا الصراع والنقاش بين الالتزام بالمعايير الدولية والقوانين والاتفاقات من جهة، والخطاب الشعبوي الذي يدعو إلى سياسات صارمة في ما يتعلق بالهجرة واللجوء من جهة أخرى، في اعتقاد رامي خليفة العلي سيستمر كما كان في الأعوام الماضية. ويضيف أن هذا الموضوع سيظل محط نقاش دائم حول مدى التزام الدول بالقوانين وبقيم الجمهورية الفرنسية.

تحديات جديدة أمام اتفاق 1951

المحلل السياسي المتخصص في الشأن الفرنسي، نبيل شوفان، يقول في حديثه إلى "اندبندنت عربية"، إن الاتحاد الأوروبي يدرس حالياً إمكان السماح للدول بطرد طالبي اللجوء المرفوضين والمجرمين، ومع ذلك يشير إلى أن بعض الأطراف تجاوزت الدول الأعضاء في طرح مقترح يتعلق باتفاق أممي.

وأكد شوفان أن الإصلاح المزمع لاتفاق اللاجئين لعام 1951 سيمثل أكبر تحول في سياسة الهجرة منذ نحو 80 عاماً، بخاصة مع تزايد التشكيك من قبل بعض الدول الأعضاء في قانون يعود تاريخه إلى ما يقارب 74 عاماً.

وأوضح أن هناك اعترافاً متزايداً في أوروبا بعدم ملاءمة اتفاق اللاجئين لعام 1951 الواقع الحالي، على رغم أنه وُضع بعد الحرب العالمية الثانية ودعمته قرارات المحاكم الأوروبية ومحاكم الاتحاد الأوروبي، وأشار إلى أن الاتفاق، الذي وقّعت عليه 144 دولة، لا يزال يحدد الالتزامات القانونية المُطبقة حتى الآن في دول الاتحاد الأوروبي.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

من جانب آخر يعتقد شوفان أنه في ظل تدفق طلبات اللجوء إلى الدول الأوروبية منذ عام 2015، يبدو أن المبادئ التي وُضعت بعد الحرب العالمية الثانية قد تأثرت بالتغيرات الجيوسياسية التي طرأت على مدى هذه الفترة الطويلة.

ووفقًا للوثيقة التي تقترح التعديل، ترى الدول أنه "من الضروري النظر إلى التحديات التي نواجهها ككتلة واحدة بصورة وُسعى".

وعلى الصعيد ذاته يشير شوفان إلى أن الوثيقة تطرح نقاشاً معمقاً حول مبدأ عدم الإعادة القسرية، بخاصة في ظل غياب بدائل واضحة لقبول طلبات الحماية الدولية، وبناءً على ذلك تقترح الوثيقة حلولاً بديلة، من بينها إنشاء مراكز خارج أراضي الدول الأوروبية لدراسة طلبات اللجوء واتخاذ قرارات في شأن قبول الحماية أو رفضها قبل وصول المتقدمين إلى أراضي الاتحاد.

ويرى مقدمو الوثيقة أن اتفاق اللاجئين يشكل عقبة رئيسة أمام تنفيذ مثل هذه الإجراءات، بما في ذلك إنشاء مراكز استقبال خارج الاتحاد الأوروبي لاستضافة طالبي اللجوء ريثما يُبت في طلباتهم.

تعديل مبدأ عدم الإعادة القسرية

تناولت الوثيقة التي ناقشها وزراء داخلية الاتحاد الأوروبي أخيراً، والتي صاغتها بولندا، مقترحات لتعديل أحد المبادئ الأساس لاتفاق اللاجئين، وهو مبدأ عدم الإعادة القسرية، ينص هذا المبدأ على أنه لا يجوز إعادة اللاجئ إلى بلد قد يتعرض فيه لخطر جسيم على حياته أو حريته، وبذلك يدرس الاتحاد الأوروبي تعديل إحدى القواعد الراسخة في القانون الدولي العرفي، إلى جانب مراجعة السياسات التي تمنع الدول من رفض طالبي اللجوء على حدودها.

من الطبيعي أن تأتي المبادرة من بولندا، وتحظى بدعم الدول التي تقع على خطوط وصول المهاجرين بحراً وبراً، أو تلك التي استقبلت أعداداً كبيرة من اللاجئين خلال العقد الماضي.

 

وفي هذا السياق أشار شوفان إلى أن حكومات هذه الدول تؤكد أنها تواجه صعوبات متزايدة في إدارة تدفقات المهاجرين، بخاصة عند ارتفاع الأعداد بصورة كبيرة، مما يفرض ضغوطاً على قدراتها، منوهاً بأن اليمين المتطرف يستغل هذا الوضع سياسياً، خصوصاً في الحالات التي لا يسعى فيها بعض المهاجرين إلى الاندماج في المجتمعات المضيفة، بل يفضلون تشكيل مجتمعات منفصلة تتبنى قيماً قد تتعارض مع القيم الأوروبية.

واستنتج شوفان أن هذا الواقع يثير تساؤلات حول ضرورة مراجعة القاعدة التي تنص على أنه بمجرد دخول شخص إلى الأراضي الأوروبية لا يمكن إعادته، إضافة إلى اقتراح دراسة طلبات اللجوء قبل وصول المهاجرين إلى أوروبا، بدلاً من التعامل معها داخل الحدود الأوروبية.

وبين شوفان أن النقاش حول تعديل قوانين اللجوء في أوروبا قد يزداد حدة، لا سيما بسبب تكرار حالات في دول مثل ألمانيا، حيث ارتكب بعض طالبي اللجوء المرفوضين أو الحاصلين على إقامة دائمة جرائم عنيفة، ومع ذلك فهم محميون من الترحيل بموجب قوانين اللاجئين.

وتؤكد الوثيقة التي تقترح التعديلات أن هذا الوضع يثير مخاوف أمنية متزايدة، بخاصة في ما يتعلق بالمهاجرين ذوي الخلفيات الإجرامية أو الذين يعتبرون تهديداً للسلامة العامة.

وفي ما يخص فرنسا، أفاد شوفان أن النقاش حول الهجرة يشهد احتداماً، لا سيما في ظل النفوذ المتزايد لليمين المتطرف في البرلمان الأوروبي، والأزمة السياسية الداخلية التي ألقت بظلالها على سياسات الإليزيه.

وفي هذا السياق قد تتبنى فرنسا نهجاً أكثر مرونة في التعامل مع قوانين اللجوء، بما يتماشى مع "الواقع الجديد"، خصوصًا في ما يتعلق بالأخطار الأمنية، لكنه أوضح أن الخطة لا تهدف إلى ترحيل جميع المهاجرين، بل تركز على من رفضت طلباتهم أو من صدرت في حقهم أحكام جنائية.

أما بالنسبة إلى ألمانيا، فمن المرجح أنها لن تعارض هذه التعديلات، بخاصة مع تحول الهجرة إلى قضية رئيسة في الانتخابات المقبلة، ويبدو أن الحكومة الألمانية قد تسعى إلى قطع الطريق أمام حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف، في ظل تصاعد التساؤلات بين الناخبين الأوروبيين حول سبب عدم ترحيل طالبي اللجوء المرفوضين أو الأجانب المدانين بجرائم.

فرنسا بين الترحيل والحماية

يتوقع نبيل شوفان أن تميل فرنسا إلى الموافقة على عمليات ترحيل المجرمين التي يجري بحثها حالياً، لكنها قد لا تمنح موافقة سهلة على التعديلات المتعلقة باتفاق اللاجئين لعام 1951 من دون نقاشات معمقة تتجاوز الاعتبارات السياسية.

 

من جهة أخرى، يشير شوفان إلى تصريحات رئيس قسم الحماية في المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، فولكر تورك، الذي شدد على أهمية استمرار الاتفاق في حماية ملايين اللاجئين والمضطهدين الفارين من العنف، مشيراً إلى أنهم لا يزالون بحاجة إليها أكثر من أي وقت مضى، كذلك أكد تورك أن اللاجئين، بدورهم، يمكن أن يساهموا في استقرار المجتمعات المضيفة عبر مهاراتهم وإضافاتهم، مما يجعل دعمهم مصلحة وطنية لهذه الدول.

وعلى رغم ذلك يعكس الجدل السياسي المتصاعد في أوروبا ضغوط اليمين المتطرف، الذي يتهم حكومات الاتحاد الأوروبي بعدم الدفاع عن حدودها الخارجية، ويرى أن عدم إظهار الحزم في سياسات اللجوء يشجع الهجرة الجماعية، وهنا تطرح الوثيقة الجديدة تساؤلات حول ما إذا كانت التعديلات ستستهدف فقط المجرمين، أم أنها ستطاول أيضاً من يسعون إلى الاستفادة من المزايا الاجتماعية والاقتصادية من دون الاندماج، مما يخلق عبئاً اقتصادياً واجتماعياً على الدول المضيفة؟

وفي هذا الصدد ذكر شوفان أن هذا الجدل يفتح الباب أمام أسئلة أخلاقية وفلسفية وهي أولاً هل يجب التمسك باتفاق 1951 على رغم احتوائه على ثغرات تسمح بحماية المجرمين والفارين من العدالة؟ ثانياً ومع ازدياد أعداد اللاجئين، هل حان الوقت لإعادة النظر في مفهوم اللجوء؟ وهل يتطلب الأمر تعديل تعريف اللاجئ بالكامل، أم أن الحل يكمن فقط في تسهيل ترحيل المجرمين من دون المساس بجوهر الاتفاق؟

التعديل يفتح الباب لتداعيات سياسية واجتماعية

تعديل اتفاق 1951 في شأن اللاجئين قد يفتح المجال لمجموعة من التداعيات السياسية والاجتماعية في مختلف الدول الأوروبية، في وقت يسعى فيه الاتحاد الأوروبي إلى مواجهة أزمة الهجرة المتفاقمة، يرى بعض المراقبين أن التعديل يمكن أن يساعد في توزيع العبء بصورة أكثر عدلاً بين الدول الأعضاء، ومن ثم تقليل الضغط على الدول الأكثر استقبالاً للاجئين مثل إيطاليا واليونان.

من جهة أخرى، يثير هذا المقترح قلق المنظمات الإنسانية، التي ترى فيه تهديداً للمبادئ الأساس للاتحاد الأوروبي المتعلقة بحماية حقوق الإنسان. في فرنسا، تبرز المخاوف من أن تعديل الاتفاق قد يسهم في تعزيز خطاب الكراهية ضد اللاجئين ويغذي مشاعر العداء تجاههم، وهو ما يضاعف الضغوط على الحكومة الفرنسية، التي تسعى إلى موازنة مصالحها الداخلية مع التزاماتها الأوروبية والدولية.

في النهاية، يبقى مصير تعديل اتفاق 1951 رهناً بالضغط السياسي الداخلي والخارجي الذي تواجهه الدول الأوروبية، بخاصة فرنسا التي تمر بتقلبات سياسية حادة بسبب المواقف المتباينة حول الهجرة. يبدو أن الحكومة الفرنسية ستكون أمام تحدٍّ كبير في تحديد موقفها بين الالتزامات الإنسانية وحماية الأمن القومي، وفي ظل التوترات المتصاعدة مع صعود التيارات اليمينية التي تدعو إلى سياسات أكثر تشدداً، فإن القرار النهائي سيشكل محكاً لمستقبل سياسة اللجوء والهجرة في الاتحاد الأوروبي، ويعكس التوازن بين القيم الإنسانية ومتطلبات الأمن في العصر الحالي.

المزيد من تقارير