ملخص
بشّر ترمب خلال ولايته الأولى بما سماها "صفقة القرن" لإنهاء الصراع العربي – الإسرائيلي، لكن الصفقة ذهبت كلاماً في الهواء، والسؤال الآن هو كيف نجعل ما قاله عن غزة اليوم كلاماً في الهواء؟
يذهل العالم كل يوم بتصريح ومطلب، وكل واحد أشد غرابة مما سبقه، فقد بدأ بالمطالبة بضم كندا كولاية أميركية ثم فرض عليها وعلى المكسيك رسوماً جمركية عالية سرعان ما تراجع عنها بعدما ردت كندا والمكسيك على ضرائبه أو رسومه بالمثل، ولحسن حظ المكسيك أنه لم يطالب بضمها، لكنه طالب بتغيير اسم "خليج المكسيك" الذي يربط الولايات المتحدة معها جنوباً إلى "خليج أميركا".
وبعد كندا والمكسيك كان دور غرينلاند التابعة للدنمارك والمستقلة ذاتياً، وأكبر جزر العالم حيث تتجاوز مساحتها مليوني كيلومتر مربع، فقد رفضت غرينلاند والدنمارك طلبات دونالد ترمب بضم الجزيرة أو شرائها وقالتا له إنها ليست للبيع، فهدّأ الرفض الحاسم والتحرك الدنماركي داخل الاتحاد الأوروبي والـ "ناتو" الذي تنتمي إليه المسألة إلى حين.
وكان لبنما نصيب من شهية ترمب باستعادة السيطرة على قناتها البالغ طولها 80 كيلومتراً، وحجته هذه المرة "نحن من حفر القناة ونحن من أسهم في استقلال بنما من كولومبيا، ونحن من أعطيناكم القناة عام 1999، ونحن أولى بالسيطرة عليها من الصين"، فردت بنما بالرفض وأن الصين لا تسيطر على القناة.
ثم جاء دونالد ترمب بثالثة الأثافي، سنأخذ غزة وننظفها من مخلفات الدمار المتراكمة والقنابل الإسرائيلية التي لم تنفجر، وسنطرد أهلها ونسيطر عليها ونديرها ونحولها إلى منتجع هائل يخلق فرصاً للعمل والسياحة وستكون أجمل من الريفييرا الفرنسية، وذلك خلال المؤتمر الصحافي الذي عقده مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي كان أول مسؤول دولة يستقبله ترمب في البيت الأبيض منذ انتخابه الثاني، وقد صرح قبل أيام بأنه سيطلب من مصر والأردن استقبال سكان غزة التي لم تعد قابلة للسكنى، ولكنهما رفضتا بشدة تهجير الفلسطينيين وطردهم من أرضهم إلى بلدان أخرى.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
يحتار العاقل كيف يمكن لترمب أن يقول ذلك؟ هل يقصد حقاً ما يقول؟ سيطرد شعباً من أرضه كي يحوله إلى منتجع؟ وسيرفض شعب غزة الطرد من أرضه حتماً فماذا سيفعل حينها؟ هل سيطردهم بالقوة المسلحة؟ هذا ما يتمناه نتنياهو الذي غاص في وحول ودماء وأشلاء الأبرياء في غزة، وبدا فرحاً متفاجئاً بما يقوله ترمب، فهو عملياً يقول له تراجع قليلاً سأنظف دمارك وأنزع فتائل قنابلك وأتولى مهمة إدارة غزة التي حولتها إلى ركام.
يذكر أن ترمب قد بشّر خلال ولايته الأولى بما سماها "صفقة القرن" لإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، لكنها ذهبت كلاماً في الهواء، والسؤال الآن هو كيف نجعل ما قاله عن غزة اليوم كلاماً في الهواء؟
وزراء خارجية السعودية ومصر والإمارات وقطر والأردن أرسلوا رسالة إلى وزير خارجية ترمب، ماركو روبيو، يرفضون فيه ترحيل الفلسطينيين إلى مصر والأردن، وتلا المؤتمر الصحافي بين ترمب ونتنياهو بيان سعودي تاريخي شجاع في محتواه وتوقيته، ينص على أنه لا سلام ولا تطبيع مع إسرائيل إلا بإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، ورسالة وزراء الخارجية وبيان السعودية يستحقان الإشادة والمتابعة.
يحتاج ترمب إلى دول المنطقة وخصوصاً السعودية ومصر والإمارات وقطر، فلمصر والسعودية ثقلهما الإقليمي، ولقطر دورها التفاوضي مع أفغانستان وإسرائيل والوصول إلى المرحلة الأولى من هدنة غزة ومبادلة الرهائن الإسرائيليين بالمعتقلين الفلسطينيين، وللإمارات دور لا يستطيع ترمب تجاهله في التوسط بإطلاق أسرى الحرب بين روسيا وأوكرانيا، والتوقعات بأن لقاءه المرتقب مع فلاديمير بوتين سيكون على أرض محايدة قد تكون السعودية أو الإمارات.
كتب هارون بليك في "واشنطن بوست" مقالة يحاول فيها تحليل وفهم بواعث اقتراح ترمب الصاعق تجاه غزة، وأحد هذه القراءات لبليك أن هذا جزء من تفكير ترمب التفاوضي: ارفع السقف أمام مفاوضيك كي لا تتنازل كثيراً عند الاتفاق النهائي، أو لعله قاله ليشتت الأنظار عن أمر آخر مختلف تماماً، أو من يدري؟ فقد يكون ترمب جاداً وعندها لا بديل عن مواقف موحدة ومتماسكة في وجه طوفانه.