ملخص
يقيم عدد من الفنانين والمغنين الأفغان الذين لجأوا إلى إيران الحفلات الموسيقية في مدن مثل طهران وشيراز وكرج ومشهد ويشجعون الأطفال المراهقين على الرقص في حفلاتهم.
في غرفة مزدحمة صاخبة مليئة بالرجال الأفغان المهاجرين في العاصمة طهران، يملأ صوت الدف الهواء. وعلى الأرض تنتشر الأوراق النقدية التي تحمل صورة الخميني، وصبيان مراهقان يرتديان الزي الأفغاني التقليدي ويضعان شالات ملونة على أكتافهما، ويتحركان على أنغام الموسيقى بحركات ناعمة ومنسقة. وفي وقت يمرر فيروز قندوزي أصابعه على أوتار الآلة الموسيقية، يحدق تجاه الطفلين الصغيرين وهما يرقصان ويغني، "قبلت شفتيك... ولسانك كعود القصب... أخبرني متى يحين الموعد مع شفتيك؟".
وهذه مجرد واحدة من عشرات الحفلات التي يقيمها المهاجرون الأفغان في إيران في هذه الأيام. من طهران وشيراز إلى مشهد، أصبحت هذه الحفلات تحظى بشعبية متزايدة يوماً بعد يوم، وأن رقص الشباب المراهقين وسط الرجال ما هو إلا تذكير بالماضي البعيد، إذ كان بلاط الملوك ومجالس النبلاء والأثرياء وأمراء الحرب يعج بمثل هذه الحفلات. والآن، تلتقط كاميرات الهواتف الذكية هذه الحفلات، ويشاركها أصحابها مع العامة على مواقع التواصل الاجتماعي، ومنها "تيك توك" و"إنستغرام" و"يوتيوب".
وأثارت إقامة هذه الحفلات ردود فعل مختلفة، إذ يرى البعض في هذه الحفلات مجرد ترفيه ونسيان آلام الهجرة والغربة. وهناك كثيرون آخرون يرون في ذلك إحياء مخزياً واستغلالاً للأطفال والمراهقين جنسياً. وأنهم يشعرون أيضاً بالقلق من أن استمرار مثل هذه الحفلات من شأنه أن يجعل نظرة المجتمع الإيراني للاجئين الأفغان أكثر سلبية ويمهد الطريق لسوء معاملتهم وترحيلهم على نطاق واسع.
وعند عودة "طالبان" إلى السلطة في أغسطس (آب) 2021، حظرت الحركة الموسيقى والرقص وإقامة الحفلات في أفغانستان. وأدى هذا الإجراء إلى هجرة عدد من الفنانين إلى البلدان المختلفة، بما في ذلك إيران وباكستان. ويقيم عدد من الفنانين والمغنين الأفغان الذين لجأوا إلى إيران، الحفلات الموسيقية في مدن مثل طهران وشيراز وكرج ومشهد ويشجعون الأطفال المراهقين على الرقص في حفلاتهم. وقالت مصادر من الأفغان المهاجرين المقيمين في إيران لصحيفة "اندبندنت فارسية"، إن بعض الفنانين وعدد من الأفراد يستغلون هؤلاء الأطفال المراهقين جنسياً، وإن هذه الظاهرة أصبحت شائعة بين بعض الرجال الأفغان الذين هاجروا إلى إيران.
أسماء بعض الفنانين المشهورين بين المتهمين
وقال أحد الناشطين الثقافيين الأفغان يقيم في العاصمة طهران، إن "فنانين مثل فيروز قندوزي ونجيب كشمي وبشير بغلاني وأجمل سنكري وصوفي كمندو وصبغت شكاري وفرهاد سيد جليلي وشمس فرخاري وغيرهم من الفنانين الأفغان الآخرين، وبعضهم من عازفي الدف المحترفين والمشهورين في أفغانستان يقيمون مثل هذه الحفلات بانتظام في المدن الإيرانية". وبحسب قول هذا الناشط فإن "رقص الأطفال المراهقين أصبح مصدر دخل لهؤلاء الأشخاص، ويحصلون على أموال طائلة مقابل إقامة هذه الحفلات الراقصة، كما أنهم يستغلون الجو المغلق بين اللاجئين الأفغان لنشر هذه الظاهرة".
وجمع مراسل صحيفة "اندبندنت فارسية" عشرات مقاطع الفيديو لهذه الحفلات من خلال البحث في وسائل التواصل الاجتماعي. وتظهر مقاطع الفيديو كيفية إجبار الأطفال المراهقين دون السن القانونية على الرقص وسط مجموعة من الرجال الأفغان. وقال الناشط الثقافي الأفغاني الذي يقيم في طهران، شرط عدم الكشف عن هويته، إن هذه الحفلات ليست مجرد عرض للموسيقى الأفغانية التقليدية وحسب، بل هي قصة مريرة عن معاناة الأطفال الذين يعانون الفقر والإساءة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وفي أحد هذه الفيديوهات، بينما كان الفنان فيروز قندوزي وهو يعزف على آلة الدف وحوله عدد من الرجال، شوهد طفل مراهق يرقص وسط الحفل. وفي هذه الأثناء، كانت الأوراق النقدية (العملة الإيرانية) تتناثر على الأرض، وأحدهم من المحسوبين على قندوزي مشغولاً بجمعها. وفي مقطع فيديو آخر، شوهد قندوزي وهو يعزف على آلة الدف، يغني للأطفال المراهقين الذين يرقصون وسط عدد من الرجال. كما شوهد الفنان نجيب كشمي في مقاطع فيديو أخرى، وإلى جانبه طفل مراهق يرقص وسط الحضور.
وقال منصور شريفي اندرابي، وهو عسكري سابق في الجيش الأفغاني ويقيم حالياً في طهران، لصحيفة "اندبندنت فارسية" إن عدداً من الفنانين الأفغان الذين يعزفون على الدف والذين كانوا يرتزقون من هذه المهنة قبل سقوط النظام الجمهوري في أفغانستان، لجأوا إلى إقامة مثل هذه الحفلات في إيران. وحذر شريفي اندرابي من أن انتشار هذه الظاهرة بين المهاجرين الأفغان لم يشوه صورتهم فحسب، بل قد يمهد الطريق لمزيد من سوء المعاملة للمهاجرين الأفغان في إيران.
"لعب الغلمان" ظاهرة قديمة ومستمرة
"لعب الغلمان" ظاهرة لها جذور قديمة في أفغانستان. ووفقاً للروايات التاريخية، كان الملوك الأفغان لديهم غلمان يحتفظون بهم. وهذه الظاهرة أيضاً كانت رائجة بين الأثرياء وأصحاب النفوذ وأمراء الحرب. وفي الماضي استخدم بعض الفنانين والموسيقيين الأفغان أيضاً الأطفال ذوي الأصوات الأنثوية في الحفلات الخاصة والأعراس. لكن مع ازدهار هذه الظاهرة بين المهاجرين الأفغان في إيران، بدأت هذه الظاهرة التقليدية المريرة تتكاثر خارج حدود أفغانستان.
وبعد سقوط نظام "طالبان" عام 2001، حاولت بعض منظمات حقوق الإنسان القضاء على هذه الظاهرة، لكنها لا تزال مستمرة في بعض مناطق أفغانستان، خصوصاً بين اللاجئين الأفغان في دول الجوار. وفي حين أن حركة "طالبان" عارضت هذه الظاهرة بعد سيطرتها على الحكم عام 2021، لكن التقارير تفيد بأن بعض أعضاء هذه الحركة متورطون أيضاً في انتشارها في المجتمع الأفغاني.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"