Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"مسرح خشن" حكايات تشكيلية مروية على الأسفلت

ياسر نبايل يرسم معاناة البشر ولحظات ضعفهم وقوتهم

لوحة من معرض ياسر نبايل (خدمة المعرض)

ملخص

"مسرح خشن" هو عنوان معرض الفنان المصري ياسر نبايل، وفيه يقدم تجربة جديدة تجعل من الإسفلت سطحاً للوحات وفضائها الشكلي واللوني.

صورة فوتوغرافية قديمة وممزقة لامرأة شابة تحدق بعيداً، تحيط بها بقع حمراء داكنة. ربما ظلت الصورة مخبأة بين أوراق أحدهم لسنوات، كذكرى باهتة لحبيبة أو زوجة. تحتل الصورة مكانها الآن على سطح خشن للوحة كبيرة، معلقة على جدار غاليري ياسين في القاهرة. اللوحة واحدة من مجموعة أعمال يعرضها الفنان المصري ياسر نبايل تحت عنوان "مسرح خشن".

 تحوّلت الصورة إلى جزء من هذه اللوحة التي شكل الفنان سطحها بمادة رصف الشوارع (الأسفلت). على جانب اللوحة تظهر بقايا ملابس نسائية وعملات معدنية وأوراق قديمة، تشمل حجوزات لفنادق وتذاكر قطارات وغيرها من المتعلقات الشخصية. التواريخ المبعثرة هنا وهناك تدفعنا لاستكشاف التفاصيل، كما تستثير فينا صورة المرأة الشابة طوفاناً من الحكايات.

"مسرح خشن" هو العنوان الذي اختاره الفنان لمعرضه، وهو عنوان يصف ما يتجسد أمامنا في اللوحات على نحو مباشر. خشونة السطح ونتوءاته تثير فينا شعوراً بالنبش الحاد في الذاكرة، كما تزخر الأعمال بجمل شعرية غير منطوقة وصرخات مكتومة، وتعبيرات قوية تجذبنا منذ اللحظة الأولى، وتثير فينا العديد من التساؤلات. في هذه الأعمال يظهر وجه الفنان نفسه إلى جانب وجوه أخرى تروي حكايات لا تنتهي. المعرض بأكمله أشبه برسالة مفتوحة تدعوك للغوص في طبقات المعنى واستكشاف ما بين السطور.

"الأسفلت مسرح خشن..."، بهذه العبارة يبدأ الفنان نصه المُصاحب للمعرض، ويصف فيه الفكرة من وراء أعماله. الأسفلت هنا ليس مجرد مادة صناعية، بل رمز للمجتمعات الحديثة بطبقاتها المتعددة وتناقضاتها الحادة. فهو ملمس خشن يعبر عن قسوة الواقع، لكنه في الوقت ذاته حاضن للحياة اليومية، حيث يترك البشر آثارهم التي تتداخل وتتشابك مع الزمن. الأعمال الفنية في المعرض تعكس هذه الفكرة بوضوح. إلى جوار الأعمال ثمة نصوص ذات طابع شعري، وهي ليست مجرد تفسيرات للمحتوى البصري، بل هي نصوص تحاكي الأحاسيس العميقة التي تولدها الأعمال، والتي تمزج بين العبثية والواقع، وبين الألم والأمل. في هذه اللوحات يظل الإنسان محور اهتمام الفنان كما في تجاربه السابقة، حيث تتوالد الأشكال من نفسها، وتظهر وجوه بشرية وأجساد متشابكة على أسطح اللوحات، وكأنها تحاول النجاة من قسوة الأسفلت أو الانصهار فيه. هذه الوجوه ليست مجرد صور، بل هي انعكاسات لمعاناة البشر اليومية ولحظات ضعفهم وقوتهم.

إن هذه التجربة الفنية التي يقدمها الفنان ياسر نبايل تذكرنا بأعمال فنانين آخرين سعوا إلى تفكيك الحياة اليومية وتحويلها إلى مشاهد بصرية غنية بالمعاني. يمكن أن نستحضر هنا مثلاً تجربة الفنان الأميركي جاكسون بولوك، الذي جعل من اللوحات المليئة بالطبقات المتشابكة والتراكيب الفوضوية، وسيلة للتعبيرعن الطاقة والحرية. ويمكننا أيضاً أن نقارن بين أسلوب نبايل وتجربة الفنانة الألمانية أنسليم كيفر، التي تستخدم مواد خاماً مثل القش والرماد والرصاص لتقديم أعمال تستحضر التاريخ والذاكرة الجمعية. والفنانان يوظفان القسوة للتعبير عن رؤيتهما الخاصة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يقدم لنا الفنان ياسر نبايل في معرضه تجربة حسية عميقة، ويدعونا للغوص في طبقات من المشاعر والذكريات، لاستكشاف الجمال في عالم تتشابك فيه المآسي مع الآمال، وتتحول الأشياء العادية إلى مساحات مليئة بالشعر والدهشة.

تدفعنا أعمال نبايل إلى إعادة التفكير في الذكريات التي نحملها وفي الأشياء التي نظن أنها عادية، وفي القسوة التي قد تحمل بين طياتها جمالاً لا يُرى إلا بالعين التي تبحث عن المعنى. هي رحلة تأملية حول الحياة وما تحمله من تناقضات، حيث يكون لكل تفصيل حكاية تستحق التأمل.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة