ملخص
تبني إدارة ترمب على الهزيمة الإيرانية في لبنان وسوريا وفلسطين وفشل ما يسمى بـ "محور الممانعة" للانطلاق نحو تعويم مشروعها الإقليمي الأكبر المعروف بمشروع "السلام الإبراهيمي"، لكن قبل الوصول إلى هذا الهدف الطموح عليها أخذ المشكلات القائمة بعين الاعتبار والمساعدة في إيجاد حلول ناجعة لها، فهي تعرف أن أولويات لبنان الراهنة تقوم على استعادة سلطة الدولة على أراضيها وقرارها.
تسير صفقة المخطوفين في غزة كما هو مقرر، وفي الأسبوع الطالع يفترض أن تبدأ مفاوضات المرحلة الثانية منها فيما يكون رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد أنهى محادثاته مع الرئيس الأميركي دونالد ترمب، وستسير الصفقة إلى نهايتها حتى الإفراج عن معتقلي السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023 لدى منظمتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي"، وإطلاق آلاف المعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل، ولن يعكرها شيء، لا الظهور المسلح لعناصر المنظمتين، فهو جزء من الاتفاق الذي وقعته إسرائيل لضمان حماية الإفراج عن مخطوفيها، ولا اعتراضات الوزيرين بن غفير وسموتريتش من الجانب الإسرائيلي على الصفقة من أساسها، والسبب في صمود الهدنة والصفقة المرافقة واحد، وهو قرار ترمب الذي يخطط كما يبدو لمرحلة جديدة تتعدى غزة ومشكلاتها وتتصل بمصير الشرق الأوسط ودور أميركا القيادي فيه.
لقد سعت إيران ومعها روسيا وتركيا، كلٌ ضمن حساباته ووسائله، إلى ضرب أو الحد من النفوذ والوجود الأميركي في هذه المنطقة، لكن جهود هؤلاء فشلت، وفشل خطط هذه الدول تحقق بالأساس على يد الجيش الإسرائيلي المدعوم بلا حدود من الولايات المتحدة، ومن سيقطف الجائزة الكبرى الآن هو ترمب الذي تعرف إسرائيل أنها من دونه لن يمكنها جني ثمار إنجازاتها العسكرية ولو احتلت الشرق الأوسط بأكمله، من دون الدخول في عملية سياسية لم تتضح كل معالمها بعد.
وقبل أن تحسم إسرائيل معارك غزة وتضرب "حزب الله" كفصيل إيراني متقدم في لبنان وتسهم في إخراج إيران من سوريا وتدمر بقايا جيش حليفها بشار الأسد وتفرض على روسيا مفاوضات من الصفر مع القيادة السورية الجديدة في محاولة للاحتفاظ ببقائها في سوريا، كانت إيران وتركيا وروسيا تخوض ألعاب نفوذ على مقاساتها من دون ترك كبير أثر في العملاق الأميركي، وفيما اعتقدت طهران أن وجودها في بلاد الشام بات راسخاً بمشاركة روسيا وتركيا، كانت موسكو تتناسى مسؤولياتها تجاه التسوية في سوريا وتستكمل ترسيخ حضورها في القوقاز الشمالي من جورجيا إلى القرم قبل أن تشن الحرب على أوكرانيا، وفي مرحلة ثانية تناغمت مع أذربيجان وتركيا في حربها ضد أرمينيا فأسهمت في تحقيق انتصار تركي حاسم جنوب القوقاز وعلى الحدود الإيرانية.
حقق الروس ما اعتبروه مكاسب في القوقازَيْن، وفعل الأتراك مثلهم وكانت إيران الخاسر الأكبر، وعندما شنت إسرائيل حروبها رداً على "طوفان الأقصى" الذي دعمته طهران خسرت هذه الأخيرة كل شيء، فضُرب وجودها على حدود فلسطين وأُخرجت من سوريا ولُويت أذرعها، بمن فيهم ذراعها الأقوى "حزب الله"، وفي الوقت نفسه صار النفوذ الروسي شرق المتوسط نقطة على بساط الشك، وزاد النفوذ التركي من دون أن يطرح تحديات مصيرية على الجانب الإسرائيلي أو المشروع السياسي الأمني الأميركي الأكبر.
من بوابة المشهد هذا يتقدم ترمب وتحاول إسرائيل نتنياهو التأقلم معه، ولا يخفي الرئيس الأميركي الذي اختار إدارة مطواعة ومطيعة لأهدافه أنه يريد البناء على "الانتصارات العسكرية" الإسرائيلية والتحولات الموضعية في المشرق والقوة الأميركية للانطلاق نحو تحقيق أهدافه، وتقول صحيفة "معاريف" الإسرائيلية إنه "ضغط لإقرار صفقة المخطوفين ووقف إطلاق النار ليس فقط، كما يهمسون في محيطه لأنه يريد الحصول على جائزة نوبل للسلام، بل يريد ذلك كي يدفع قدماً باتفاق إقليمي شامل بين إسرائيل والمملكة العربية السعودية وأجزاء من العالمين العربي والإسلامي تحت المظلة الأمنية الأميركية".
المدخل إلى هذا الاتفاق الإقليمي ليس في غزة فقط، بل هو بحسب مارك روبيو وزير الخارجية الترمبي عبر لبنان وسوريا أيضاً، فروبيو استعرض "الخبر السار" في الشرق الأوسط "إن لدينا في لبنان حكومة نأمل في أن تصبح أكثر قوة من 'حزب الله' وهناك وقف لإطلاق النار جرى تمديده، ولدينا في سوريا مجموعة استولت على الحكم" بعد أعوام من سيطرة الأسد وإيران وروسيا، ونحن "في حاجة إلى متابعة هذه الفرصة لإنشاء مكان (سوريا) أكثر استقراراً"، وكل هذا في الخلاصة الأميركية "يفتح الباب امام اتفاق بين إسرائيل والسعودية"، يشير الوزير الأميركي.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
تبني إدارة ترمب على الهزيمة الإيرانية في لبنان وسوريا وفلسطين وفشل ما يسمى بـ "محور الممانعة" للانطلاق نحو تعويم مشروعها الإقليمي الأكبر المعروف بمشروع "السلام الإبراهيمي"، لكن قبل الوصول إلى هذا الهدف الطموح عليها أخذ المشكلات القائمة بعين الاعتبار والمساعدة في إيجاد حلول ناجعة لها، فهي تعرف أن أولويات لبنان الراهنة تقوم على استعادة سلطة الدولة على أراضيها وقرارها.
وفي سوريا أيضاً تحتل عملية إعادة بناء المؤسسات واستعادة وحدة البلاد وعودة مهجريها الأولوية، وفي فلسطين سيبقى الهدف إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة، أياً تكن نتائج مغامرات "حماس" والحرب الإسرائيلية المدمرة بأهدافها التي تتراوح بين الإبادة والتهجير، وسيصعب تخطي هذه الأولويات مثلما سيكون مستحيلاً القبول بأفكار ترمب حول ترحيل مئات الألوف من أبناء القطاع، فمثل هذه الأفكار لن تخدم احتمالات السلام المأمول، لا الإبراهيمي ولا غيره، ولن تزيد الوقائع إلا سوءاً عبر دفعها المشاريع الإسرائيلية قدماً نحو مزيد من التطرف، وإعطاء الملالي الإيرانيين مادة خطابية إضافية مما يهدد حتى ما رآه روبيو من "خبر سار" في لبنان وسوريا وغزة.
لقد رأت القيادة الإيرانية في كل ما جرى انتصارات لغزة أولاً ولإيران ثانياً ولـ "حزب الله" والحوثيين ثالثاً، فيما جاءت أميركا في طليعة الخاسرين يليها "الكيان الصهيوني" ثم الدول الأوروبية، وصاحب هذا التصنيف هو أحمد خاتمي، خطيب جمعة طهران، ناقلاً تحليلات المرشد.
وبقدر ما يحمل هذا التحليل من مكابرة فإنه يتضمن رغبة بمواصلة السياسة الإيرانية نفسها التي تلاقي التطرف الإسرائيلي في منتصف الطريق، فأليس غريباً الاتفاق التام بين نتنياهو والملالي على رفض منظمة التحرير والدولة الفلسطينية ومبادرة السلام العربية؟
ومع ذلك ورغمه فالمنطقة مقبلة على تحول كبير هو جزء من تحول عالمي يقوده ترمب المنتظر على كل مفاصل الأزمات الدولية، وفي هذا التحول ستتعزز العلاقات الأميركية - الإسرائيلية وسيكون دور إيران بنداً أساساً في هذه العلاقات، مثله مثل مشروع السلام العربي - الإسرائيلي الذي يفكر فيه ترمب ولن يمكن لإسرائيل الهرب من الانضواء تحت لوائه.
وفي المقابل يصبح الاستعداد العربي لملاقاة التحولات الداهمة شديد الأهمية، ويمكن ملاحظة الاستعداد العربي المرن والمبدئي الذي تقوده السعودية على رأس المجموعة الخليجية وبالتعاون مع الدول العربية الأخرى لملاقاة القيادة الأميركية في رؤيتها للمنطقة والعالم انطلاقاً من المصالح العربية الأساس ومبادئ التعاون الدولي الراسخة، وأحد مظاهر الحضور العربي الدور الفاعل الذي تلعبه السعودية ودول الخليج في لبنان وسوريا، وموقفها الصلب في دعم مصر والأردن والفلسطينيين في مواجهة مشاريع تهجير الشعب الفلسطيني، والذي يشترط لتحقيق السلام الشامل السير في مشروع الدولة الفلسطينية، وهذا ما سيكون بنداً أساساً في المقاولات العربية مع الدولة الأميركية ورئيسها الجديد.