ملخص
يقدر عدد المنشقين عن الجيش السوري في عهد بشار الأسد ما بين 4 و5 آلاف ضابط وقرابة 10 آلاف صف ضابط بعضهم انضم إلى فصائل جديدة ومنهم من فضل خيار السفر إلى الخارج نحو الدول الأوروبية أو العربية المجاورة.
مع تخلص السوريين من إرث عائلة الأسد الثقيل والعودة التدرجية للحياة الطبيعية، أخذت الإدارة الجديدة على عاتقها بناء جيش جديد في أعقاب حل كافة أجهزة ومؤسسات (الأمن والشرطة والجيش) بصورة كاملة، فبدأت في الاعتماد على ضبط الأمن عبر كوادرها داخل المدن بطريقة مماثلة للحكم الذاتي الذي سرى في إدلب شمال غربي البلاد منذ عام 2017.
مقابل ذلك، تحاول الإدارة التي يقودها أحمد الشرع تفادي النقص الحاصل وتسد الفجوة الناتجة من تسريح كامل العسكريين من أفراد سلك الأمن والشرطة، وحتى المرور، بالإعلان عن دورات للأمن بوقت قصير للإسراع في تفادي نقص الكادر مع أصوات تناشد بعودة الكوادر البوليسية بعد دراسة وتسوية أوضاع من لم تتلطخ أيديهم بالدماء إلى مزاولة مهماتهم.
في الأثناء، يعيش الجيش السوري اليوم فترة إعادة ترتيب بيته الداخلي وبنائه، بعدما تلقى أخيراً ضربات قاسية من قبل المقاتلات الإسرائيلية بقصف مستودعات السلاح والذخيرة الإستراتيجية بصورة واسعة.
وهنا تزايدت الحاجة إلى كوادر بشرية ضخمة، للوصول إلى مستوى جيد ونوعي ومختلف عن جيش الأسد.
تجدر الإشارة أيضاً إلى أن موقع غلوبال فاير باور وضع الجيش السوري خلال تصنيف عام 2022 في المرتبة السادسة عربياً والـ47 عالمياً من أصل 138 وفقاً لـ50 مؤشراً من بينها القوة العسكرية واللوجستية، لكن ذلك قبل الضربات الإسرائيلية.
في هذه الأثناء يتسرب الاستياء إلى نفوس الضباط المنشقين (الأحرار) بسبب تغييب دورهم بعد إعلان جدول منح رتب وترفيعات لقادة الفصائل صادر عن إدارة العمليات العسكرية وحمل توقيع القائد العام للإدارة أحمد الشرع، الذي تضمن ما يقارب 50 شخصية إلى رتبة عقيد وعميد ولواء منهم مسلحون أجانب بينما إلى اليوم لم تصدر أي قرارات في شأن أوضاع ضباط وقادة انشقوا سابقاً عن الجيش النظامي أو حتى دعوتهم للمشاركة في تشكيل الجيش الجديد.
إلى ذلك التقى وزير الدفاع السوري مرهف أبو قصرة مع أحد مؤسسي الجيش الحر وقائده السابق العقيد رياض الأسعد بعدما أعلن الأخير عدم اهتمام السلطة الجديدة بقدومه، وعدم الرد على طلبه لقاء الشرع، مما دفع أبو قصرة إلى استقباله والحديث معه عن دور الضباط المنشقين، ودعم المرحلة الانتقالية وتعزيز الاستقرار.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وباتت واضحة درجة التهميش أيضاً لقيادة ما يسمى "الجيش الحر" وهو الجسم العسكري الأول في الصراع المسلح مع نظام الأسد، إذ تأسس في الـ29 من يوليو (تموز) عام 2011 وتلاشى بعد مرور عام فضلاً عن بزوغ هياكل عسكرية فصائلية منها مجموعات إسلامية شقت طريقها لقتال القوات النظامية حينها بعيداً من الجيش الحر الذي أخذ ينضب.
وكان أبرز المنشقين ما بين 4 و5 آلاف ضابط وقرابة 10 آلاف صف ضابط بعضهم انضم إلى فصائل جديدة ومنهم من فضل خيار السفر إلى الخارج نحو الدول الأوروبية أو العربية المجاورة.
في المقابل، قال وزير الدفاع السوري أبو قصرة إنه التقى مع عدد من الضباط وسيكون لهم دور أساس.
وينقسم الجيش إلى قسمين منهم منشقون على رأس عملهم الآن، ويقاتلون إلى اليوم، وشريحة ثانية انشقت وهي حالياً خارج سوريا ولم يكونوا ملتحقين بالفصائل.
ووعد أبو قصرة بأنه سيكون للضباط المنشقين ممن عملوا داخل الفصائل المسلحة دور في وزارة الدفاع خلال المرحلة الأولى، بمجرد توفير قاعدة بيانات وإحصاءات لهؤلاء الضباط الموجودين في تركيا والأردن ودول عربية.
ومع هذا يعبر أحد الضباط أن آلاف الضباط المنشقين عن النظام تتفاوت حال كل واحد منهم عن الآخر حول العودة إلى الجيش فمنهم، وبعد هذه المدة الطويلة عبر عقد من الزمن، من حافظ على لياقته الصحية والجسمية بعد طول أعوام الصراع، ولديه الخبرة القتالية الجيدة، ومنهم من لا يرغب بالعودة إلى الجسم العسكري.
ووفق وزير الدفاع السوري فإن العودة لن تكون إلا بعد "دراسة أوضاعهم جميعاً، فمن يرغب في العودة سنستفيد من خبرته ومن لا يرغب فسيتم منحه التعويض المناسب، ومن تبقى يمكن أن ينخرط في قيادة الجيوش أو بتدريب المجندين الجدد".
وقال أحد أعضاء الحراك الثوري في إدلب، النقيب المسرح من الجيش السوري محمد قبلان، إنه لا بد من الاستفادة من خبرات هؤلاء القادة في تأسيس الجيش، مضيفاً "لقد أفرغ حافظ الأسد الجيش من كل المعارضين له، وبات يقرب من يواليه وصارت القيادات العليا في الجيش تتبع له وتنفذ أوامره من دون تردد".
وقبلان في الأساس سُرح من الجيش مع 3 آلاف ضابط عام 1979، من رتبة لواء إلى ملازم أول، وجميعهم من لون طائفي واحد سني في أعقاب حادثة مجزرة المدفعية في حلب.
بدوره، طالب العقيد عمار الواوي من أوائل الضباط المنشقين، بضرورة الجلوس مع وزير الدفاع ورئيس الأركان ودراسة وضع الضباط المنشقين، موضحاً لدى وصوله إلى العاصمة دمشق أن من بين هؤلاء الضباط مختصين تقنيين وفنيين.
ويتألف الجيش السوري من فئتي مجندين، إذ يلتحق الشاب السوري منذ بلوغه الـ18 سنة بالخدمة الإلزامية، أو ما تسمى (خدمة العلم) بصورة إجبارية في حال لم يكمل دراسته الجامعية وفي حال أتم تحصيله العلمي فأمامه الالتحاق بالجيش النظامي لمدة عام ونصف العام لكن ارتفعت خلال الحرب السورية الأخيرة إلى ثمانية أعوام أو تسعة وتسمى هذه الفترة بـ(الاحتفاظ) بالقوات بسبب مرور البلاد بحال الطوارئ.
ويسري الحديث أخيراً عن إلغاء الخدمة الإلزامية بصورة نهائية، وهذا ما سيشجع على عودة كبيرة لشريحة واسعة من الشباب السوريين الذين هاجروا لهذا السبب هرباً من سوقهم إلى الخدمة الإلزامية أو (الاحتياطية).
أما الفئة الثانية بالجيش السوري فهي قائمة على التطوع مقابل رواتب توصف بالضئيلة وبظروف قاسية، وغير مناسبة ولم تفلح مضاعفة الرواتب خلال الحرب السورية من تحسين واقع العسكريين حتى الأيام الأخيرة قبل سقوط بشار الأسد وفراره إلى موسكو أصدر مرسوماً بزيادة 50 في المئة لرواتب العسكريين، لكن بدا الجيش مهزوماً حينها ولم يفلح في الصمود أمام تقدم فصائل إدارة العمليات العسكرية في عملية الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024 التي انطلقت من إدلب وصولاً إلى إسقاط النظام في دمشق بحلول الثامن من ديسمبر (كانون الأول) 2024.
ومع هذا لفت مراقبون الانتباه إلى احتمالية توجس السلطات الجديدة من وضع الضباط الأحرار المنشقين وتسليمهم مناصب عسكرية حساسة من مبدأ أزمة ثقة، أو تجاهل مقصود لأسباب عدم التحاقهم للقتال مع الفصائل حين الحاجة إليهم، علاوة على الاختلاف في العقيدة والأيديولوجية حينها بين الضباط الثوريين ومن جهة ثانية الإسلاميين المتشددين على رغم اختلاف الخطاب السياسي والدبلوماسي والإعلامي للفصائل الإسلامية بعد سقوط النظام وتحرير دمشق.
إلى ذلك يتوافد الضباط المنشقون إلى مدنهم، ولعل أبرز تلك الوجوه العسكرية الرائد المظلي ماهر النعيمي الذي انشق عام 2011 عن الحرس الجمهوري وكذلك رياض الأسعد وغيرهم من الضباط من دون تلقيهم دعوة رسمية شاملة أو خطاباً رسمياً من وزارة الدفاع أو إشراكهم في مسألة تشكيل الجيش الجديد وشكله وطريقة عمله.