ملخص
يندرج إطلاق سراح معتقلين سياسيين في السجون الإسرائيلية في سياق وقف إطلاق نار مع إسرائيل في قطاع غزة. واندبندنت تنقل معاناة بعض المحررين
زعم الأسرى الفلسطينيون المحررون في إطار بنود اتفاق وقف إطلاق النار في غزة أنهم تعرضوا لسوء المعاملة داخل السجون الإسرائيلية، وتحدثوا عن إحساسهم بمشاعر "متضاربة" إزاء الإفراج عنهم، إذ يخشون ألا تستمر الهدنة الهشة وأن يعتقلوا من جديد.
وكانت في استقبال الباصات التي غادرت مجمع سجن عوفر الكبير في الضفة الغربية المحتلة في وقت باكر من يوم الإثنين في الـ20 من يناير الجاري حشود فرحة تلوح بالأعلام، وحملت الباصات 90 أسيراً فلسطينياً جميعهم من النساء والمراهقين والأطفال، الذين يزعم عدد كبير من بينهم تعرضه لإساءة المعاملة والتعذيب داخل جهاز الاعتقال الإسرائيلي، وهي مزاعم تنفيها إسرائيل مراراً وتكراراً.
وجاء إطلاق سراح هؤلاء الأسرى تنفيذاً لبنود اتفاق إطلاق للنار عملت الولايات المتحدة وقطر ومصر جاهدة من أجل التوصل إليه، على امتداد فترة ستة أسابيع من المفترض أن تشكل المرحلة الأولى من الاتفاق الذي تطلق فيه "حماس" سراح 33 رهينة أسرتهم خلال هجماتها الدموية يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول)، وفي المقابل من المزمع أن تحرر إسرائيل نحو ألفي فلسطيني من الأسر.
بعد 15 شهراً داخل غزة، أعيد لم شمل أول ثلاث أسيرات من بينهن إميلي دماري التي تحمل الجنسيتين البريطانية والإسرائيلية وعمرها 28 سنة، بعائلاتهن في مشهد مؤثر داخل المستشفى المركزي في تل أبيب يوم الأحد، لكن لم يطلق سراح الأسرى في المقابل سوى في الصباح الباكر من يوم الإثنين، بعد مناوشات مع قوات الأمن الإسرائيلية خارج عوفر.
وكان أحد الأسرى المفرج عنهم ثائر أبو سارة، الطالب في الثانوية البالغ من العمر 17 سنة، الذي اعتقل في الضفة الغربية المحتلة في أكتوبر 2023 - ثاني أيام الحرب - بتهمة المشاركة في احتجاجات عنيفة وإقامة علاقات مزعومة مع "حماس". ويتكلم المراهق عن تعرضه للتعذيب، الذي شمل الصعق الكهرباء، داخل المعتقل.
وقال أفراد عائلته لـ"اندبندنت" إن الجنود منعوهم من الاحتفال أو التجمع لمناسبة إطلاق سراح ابنهم المراهق، وإنهم يخشون أن تستخدم زيارة أي أحد له ذريعة لإعادة اعتقاله.
وتكلم ثائر عما حدث معه فقال "كانت الأوضاع داخل السجن صعبة جداً. ضربونا كل يوم ولم يطعمونا وقالوا لنا 'أنتم سجناء أمنيون ولا تستحقون تناول الطعام'، تعرضت لضرب مبرح واستخدمت الصعقات الكهربائية على مختلف أنحاء جسمي أثناء الاعتقال".
وأضاف "أصبت بالجرب ولم يقدموا لي العلاج لمدة ستة أشهر، وما أزال أحمل الندوب [الندوب ظاهرة على جسدي]".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
طلبت "اندبندنت" من مصلحة السجون الإسرائيلية التعليق على مزاعم التعذيب، وجاء الرد بأن "مصلحة السجون الاسرائيلية جهاز إنفاذ للقانون يعمل وفقاً لبنود القانون".
"ويحتجز المساجين كافة بمقتضى القانون، وتلتزم الحقوق الأساسية المطلوبة كافة بالكامل على يد حراس سجن محترفين ومدربين. ولسنا على اطلاع على أي من المزاعم التي ذكرتموها ولم تقع أي من هذه الأحداث ضمن نطاق مسؤولية مصلحة السجون على حد علمنا، لكن للمساجين والمعتقلين الحق برفع شكوى تخضع للدراسة الشاملة والمعالجة من السلطات الرسمية".
عبر نعيم، شقيق ثائر أبو سارة الأكبر، عن شعور العائلة بالقلق الشديد إزاء صحته وعافيته وعن خشيتها من إعادة اعتقاله: فقد قيل لهم إنه لن يسمح بأي احتفالات أو رفع أعلام أو تجمعات عند إطلاق سراحه كما لا يسمح لأي شخص بزيارة منزلهم أو توزيع الحلوى.
وقال نعيم "نخشى هذه الأيام أن تقرر الشرطة اقتحام المنزل ثانية، بزعم زيارة أشخاص لنا من أجل تهنئته. وندعو ألا يحصل هذا، هدفنا الأساسي الآن هو مساعدة ثائر على إكمال دراسته".
قالت إسرائيل إن الأشخاص المدرجة أسماؤهم على قائمة الإفراج اعتقلوا بتهم متعلقة بأمن إسرائيل، ابتداء من رمي الحجارة ووصولاً إلى اتهامات أكثر خطورة مثل محاولة القتل. وقد علمت "اندبندنت" أن 31 شخصاً من بين الـ90 الذين أفرج عنهم كانوا قيد الاعتقال الإداري، أي أنهم رهن الاحتجاز إلى أجل غير مسمى من دون توجيه لائحة اتهامات لهم أو محاكمتهم أو حتى إطلاعهم على الاتهامات الموجهة إليهم، وهذه إحدى الممارسات التي تقول إسرائيل إنها بالغة الأهمية بالنسبة إلى أمنها على رغم ما تلقاه من إدانات الواسعة من طرف جماعات حقوق الإنسان وخبراء الأمم المتحدة.
كانت أبرز الشخصيات المفرج عنها بعد الاعتقال الإداري خالدة جرار، وهي بعمر الـ61 وعضو في المجلس التشريعي الفلسطيني وقيادية في "الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين"، الفصيل اليساري العلماني الذي تورط بهجمات ضد إسرائيل في سبعينيات القرن الماضي لكنه خفف نشاطاته العسكرية مذاك، ومنذ القبض عليها في أواخر عام 2023، وضعت رهن الاعتقال الإداري إلى أجل غير مسمى.
وقالت لوكالة "أسوشيتد برس"، فيما بدا عليها النحول "نعيش شعوراً مزدوجاً: فمن جانب، شعور الفرحة بالحرية التي نشكر الجميع عليها ومن جانب آخر أيضاً الألم لفقدان عدد كبير من الشهداء".
وكان بين الأسرى المحررين معلمون وطلاب وصحافيون، منهم رولا حسنين المحررة في شبكة "وطن" الإعلامية التي تتخذ من رام الله مقراً لها، واعتقلت في مارس (آذار) الماضي ومثلت أمام محكمة عسكرية بتهمة التحريض عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وطالبت لجنة حماية الصحافيين بإطلاق سراحها لدواع إنسانية: إذ لحسنين طفلة رضيعة اسمها إيليا ولدت قبل أوانها وتدهورت صحتها بعد اعتقال والدتها لأنها تعتمد على الرضاعة الطبيعية حصراً.
وأيضاً من بين الأسرى المحررين الطالبة الجامعية في تخصص الأحياء والكيمياء شذى جرار وعمرها 24 سنة، وقد قبض عليها في أغسطس (آب) بتهمة التحريض بعدما كتبت منشوراً على صفحة "فيسبوك". وتزعم جرار أنها تعرضت لسوء المعاملة في السجن، كما قالت لـ"اندبندنت" إن الحراس منعوها من تناول الأدوية لعلاج مقاومة الإنسولين.
وأضافت أن رسغيها ما يزالان يحملان علامات التكبيل بالأصفاد، وقالت لـ"اندبندنت" أنهم "وضعوني في زنزانة فيها كاميرا موجهة إلى المرحاض وكاميرا أخرى تراقب بقية الزنزانة لمدة ثلاثة أيام، فقررت الامتناع عن الطعام والشراب لأنني لم أكن قادرة على استعمال المرحاض الذي يصورونه، ورفضوا تأمين احتياجاتي الطبية".
"شهدت حالات قمع كثيرة حين كان الحراس يجرون الفتيات من الزنازين ويلقونهن أرضاً ووجوههن إلى الأسفل وأيديهن مكبلة ويكيلون لهن الشتائم، وصوروا كل ما فعلوه".
أخبر والد شذى، نواف جرار وعمره 63 سنة، "اندبندنت" أن سبب اعتقال ابنته هو "التعبير عن الرأي"، وأنه لديه ابنان في السجن حتى الآن، اعتقل أحدهما في يوم اعتقال شذى، فيما يقبع الثاني في الاعتقال الإداري منذ عام.
وقال لـ"اندبندنت" إن "كل الشعب الفلسطيني مسجون، رسالتنا إلى العالم هي أننا شعب يريد العيش بسلام".
ويقول ثائر ذو 17 ربيعاً إن كل ما يريده الآن هو المضي قدماً بحياته، وقال "لا أحب أن أتذكر تلك الأيام، أريد متابعة دراستي وأتطلع قدماً لمستقبلي وربما حتى للدراسة في الخارج".
وتتكلم العائلات التي تنتظر إطلاق سراح أحبائها خلال الأسابيع المقبلة عن مشاعر "مختلطة". قالت سميرة حسين أحمد، 61 سنة، التي أدرج اسم ابنها رائد الحاج أحمد على لائحة الأسرى المفترض الإفراج عنهم تالياً إنها تشعر "بالألم والحزن والفرح". اعتقل أحمد في عام 2004 بعمر الـ21 وحكم عليه بقضاء 20 عاماً في السجن، وأنهى مدة محكوميته في يناير (كانون الثاني) الماضي، لكن لم يفرج عنه بسبب الحرب.
وأسرت لـ"اندبندنت" "لا يمكن وصف شعوري تجاه عودته بيننا بعد طول انتظار ولقاءنا به بعد 20 عاماً وأربعة أشهر".
© The Independent