ملخص
في الـ24 من سبتمبر (أيلول) 2011 عقد الضابط النعيمي العزم على الانشقاق واتخذ قراره على رغم صعوبة المكان الذي يخدم به وحساسيته، إذ كان أحد ضباط المظليين في الحرس الجمهوري، وهي وحدة مقاتلة في الجيش السوري معروفة بالولاء المطلق للنظام وتتبع للرئاسة، وظهر بمقطع مصور شهير بلباسه العسكري يعلن انشقاقه وأظهر هويته العسكرية ليؤكد الخبر.
لم يتوقع الضابط المنشق عن الجيش النظامي مع بداية الثورة السورية ماهر النعيمي أن تتحول كلماته "بندوسهم، بيت الأسد بندوسهم"، إلى أغنية صدحت بها حناجر الثوار على مدار سنوات الحرب الماضية، وزادت شعبية الأغنية بأعقاب سقوط النظام، إذ شقت طريقها إلى الناس عبر المهرجانات الخطابية، أو احتفالات النصر في ساحات المدن السورية إثر فرار الرئيس المخلوع بشار الأسد إلى موسكو.
وباتت أغنية "بندوسهم"، إلى جانب أغان أخرى للثورة ترتفع عالياً، بعد أن كان الناس في الداخل على مدى سنوات الحرب يرددونها همساً وسراً في مناطق سيطرة الأسد، فمن ذا الذي يتجرأ على النطق بها قبل الثامن من ديسمبر (كانون الأول) الماضي، إذ كان سيلقى مصيراً مجهولاً لو لم يغيبه الموت.
"بندوسهم، بندوسهم، بيت الأسد بندوسهم... يا ماهر يا نعيمي، يا ماهر يا نعيمي" هذه الأغنية الثورية وإن بدت في مطلعها تحدياً مباشراً وقاسياً لعائلة الأسد الحاكمة للبلاد والعباد على مدى أكثر من 50 عاماً وبأن مصيرها الانكسار، فإنها صدقت حقاً حينما اقتحمت فصائل الحركات المعارضة العاصمة دمشق، وتمكنت من إدارة البلاد وملاحقة فلول النظام بعد هرب رموزه خارجاً، وألقيت صور الأسد على باب مطار دمشق الدولي.
الرائد النعيمي الذي ولد عام 1976 يعد من أوائل الضباط المنشقين عن الجيش النظامي في عام 2011 بعد اندلاع الاحتجاجات في درعا وبقية المدن السورية، إذ ظل رافضاً كغيره من الضباط الأحرار والمنشقين المشاركة في توجيه بندقيته إلى صدور السوريين العزل.
في الـ24 من سبتمبر (أيلول) 2011 عقد الضابط النعيمي العزم على الانشقاق واتخذ قراره على رغم صعوبة المكان الذي يخدم به وحساسيته، إذ كان أحد ضباط المظليين في الحرس الجمهوري، وهي وحدة مقاتلة في الجيش السوري معروفة بالولاء المطلق للنظام وتتبع للرئاسة، وظهر بمقطع مصور شهير، بلباسه العسكري يعلن انشقاقه وأظهر هويته العسكرية ليؤكد الخبر.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وكان لانشقاقه أثر كبير في نفوس المتظاهرين والحراك الشعبي، وتمكن بفضل فصاحة لسانه، والقوة الواضحة في إلقاء الخطابات أن يتسلم مهمة المتحدث الرسمي لما كان يسمى "الجيش الحر" الذي كان يتشكل من مقاتلين ضباط وجنود منشقين عن الجيش النظامي، أو من الثوار الذين سلكوا طريق تغيير النظام بقوة السلاح، وانضم النعيمي إلى لواء الضباط الأحرار.
الرائد المظلي النعيمي ينحدر من ريف حماة، ولعب دوراً مهماً بتأسيس فصائل كان من أبرزها كتيبة معاوية بن أبي سفيان في العاصمة، قبل أن يتحرك باتجاه الشمال السوري، وأسس أيضاً ألوية وكتائب أحفاد الرسول، وأنشأ عدداً من المجالس العسكرية الخاصة بالجيش الحر، منها ما كان يعرف بـ"المجلس العسكري الموقت"، بالتعاون مع عدد من الضباط المنشقين وعلى رأسهم العقيد رياض الأسعد.
الشهرة التي اكتسبها هذا الضابط بحضوره وشخصيته، فضلاً عن الكاريزما التي خطفت قلوب معارضي النظام منذ اندلاع العمل الثوري أهلته إلى أن يكون الأشهر بين أوائل الضباط الذين فضلوا الالتحاق بالثورة، وكان أحد خطاباته في مايو (أيار) عام 2012 زاده شهرة قبل أن يتوقف عن العمل العسكري. وقال فيه عبارته المعروفة "بندوسهم، بيت الأسد بندوسهم"، التي تحولت إلى الأغنية الأكثر قرباً إلى قلوب الثوار، فلم يتوقفوا عن ترديدها، بينما توقف هو عن نشاطه العسكري في 2013 حتى عاد لسوريا بعد غياب 14 عاماً بوصوله إلى مطار دمشق الدولي بعد التحرير.
في المقابل دار عدد من الأحاديث قبل اعتزاله العمل العسكري والثوري، ومنها معلومات عن انشقاقه عن الجيش السوري الحر، وانضمامه إلى المجلس السوري العسكري، وتداولت وسائل إعلام تصريحات أدلت بها المتحدثة الإعلامية السابقة باسم الجيش السوري الحر لمى الأتاسي حينها حول وجود صراع على قيادة الجيش السوري الحر، وترددت معلومات عن عزم النعيمي قيادة الجيش عوضاً عن العقيد رياض الأسعد، ووجه الجيش الحر اتهامات للرائد النعيمي بالاستيلاء على مستودعات الجيش المشتركة والقريبة من الحدود التركية.
استقبال حافل أبداه الثوار والأهالي مع قدومه بعد طول غياب إلى دمشق، وسط حديث عن دور واسع للضباط المنشقين وغيابهم عن المؤسسة العسكرية، وانتقادات طاولت تعيين قادة فصائل من المقاتلين الأجانب وتسلمهم رتباً وقيادات مفصلية في الجيش السوري من دون إشراك الضباط المنشقين الذين وقفوا مع الثورة منذ بدايتها، إلى ذلك نال النعيمي كذلك انتقادات من ناشطين تساءلوا عن سر اختفائه منذ عام 2013 وظهوره إعلامياً في مناسبات عدة وتصريحات صحافية محدودة، وعن سبب تركه ساحات الميدان العسكري وعدم مشاركته على جبهات القتال.
النعيمي وجه رسالة لكل السوريين عند وصوله، بالحفاظ على النصر عبر "اتحاد بعضنا بعضاً، والتعالي على الجراح، وعصر الأسد انتهى، والحقوق لا تسقط بالتقادم بل تؤخذ بالقانون وليس عبر الفرد، ولهذا يجب على كل السوريين أن يكونوا تحت سقف الدولة"، بحسب قوله، وبعد وصوله إلى مدينة دمشق توجه إلى الجامع الأموي، وإلى قريته وعدد من المدن السورية، والتقى أبناء العشائر وسط فرحة عارمة تليق بـ"بطل شعبي" ما زالت جملته لحناً وأغنية سجلها التاريخ السوري، وتتردد على امتداد الوطن.