Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"شراكة روسيا وإيران": استفهامات حول التوقيت والأهداف

جاء عشية تنصيب الرئيس الأميركي ويغطي مجالات الدفاع ومكافحة الإرهاب والطاقة والمالية والنقل والصناعة والزراعة والثقافة والتكنولوجيا ويستهدف تعاوناً على المدى الطويل

يحمل بوتين وبزشكيان نسختين من اتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران (أ ف ب)

ملخص

أسهم التقارب الاستراتيجي بين روسيا وإيران في تعزيز المصالح والمواقف على جبهات عدة، أبرزها التعاون في ما يتعلق بسوريا واتحدا معاً في دعمهما لنظام بشار الأسد، مما سمح لهما بتنسيق الجهود في الحرب ضد الجماعات المتطرفة وتعزيز نفوذها بالمنطقة.

أثار اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة الذي وقعه الرئيسان الروسي فلاديمير بوتين والإيراني مسعود بزشكيان، أول من أمس الجمعة الـ17 من يناير "كانون الثاني" الجاري في موسكو، كثيراً من الأسئلة وألقى ظلالاً كثيفة من الشك حول توقيته وأهدافه وتأثيره في مصير العلاقات مستقبلاً بين الجارين اللدودين.

فمن حيث التوقيت، جاء توقيع هذا الاتفاق الجديد الذي يفترض أن يرتقي بالعلاقات بين موسكو وطهران إلى مستوى جديد، ويعزز مكانتهما كشريكين استراتيجيين قبل أيام فقط من تنصيب الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، وهذا ما يشكل بعداً رمزياً لتطوير العلاقات السياسية بين هذين البلدين الواقعين تحت نير العقوبات الأميركية والغربية عامة.

ويؤكد هذا التقارب بين البلدين المصلحة المشتركة في تعزيز التقارب الذي يتجاوز الاقتصاد، ليشمل مجالات الأمن والتعليم والثقافة. وفي بيئة دولية تتسم بعدم اليقين، تسعى طهران وموسكو إلى تعزيز تعاونهما لمواجهة التحديات المشتركة.

وبحسب مسؤولين من البلدين، فإن هذا الاتفاق الجديد يغطي جميع المجالات بما في ذلك الدفاع ومكافحة الإرهاب والطاقة والمالية والنقل والصناعة والزراعة والثقافة والعلوم والتكنولوجيا. ومن المتوقع أن يضع إطاراً قانونياً لمواصلة تطوير التعاون على المدى الطويل بين البلدين.

وبدأ العمل على صياغة الاتفاق الجديد بين موسكو وطهران منذ عام 2022، وفي يونيو "حزيران" من عام 2024 أصبح معلوماً أن الطرفين اتفقا على نصه كاملاً، بهدف إحلاله محل الاتفاق الذي أسس العلاقات ومبادئ التعاون بينهما، والذي وُقِّع عام 2001 وعفا عليه الزمن.

إرسال إشارات رمزية إلى ترمب

لا شك في أن اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة سيرفع مستوى العلاقات بين موسكو وطهران في سياق صراعهما الحاد مع الغرب. وكما قالت مصادر دبلوماسية إيرانية لصحيفة "كوميرسانت" الروسية، فإن إحدى الأولويات ستكون التعاون مع موسكو في مجال الأمن والدفاع، كما أن هذا الاتفاق بين روسيا وإيران يشكل خطوة حاسمة نحو التقارب عشية تنصيب ترمب، الذي لا يستبعد الحرب مع إيران والهجمات على منشآتها النووية.

 

 

وسبق أن تحدثت صحيفة "طهران تايمز" عن توقيت توقيع الاتفاق الجديد والأهداف المشتركة بين البلدين، وقالت إن العلاقات بين طهران وموسكو ستتطور بصورة دائمة ومستمرة وستساعد في تخفيف ضغوط العقوبات التي يمارسها الغرب على طهران وموسكو معاً.

ووفقاً لوسائل الإعلام الروسية، فإنه أمر رمزي للغاية أن تقرر موسكو وطهران، اللتان كانتا تتفاوضان منذ أشهر عدة على موعد توقيع معاهدة جديدة والحفاظ على عدم اليقين في شأن هذه القضية، التوقيع أخيراً عليها عشية تقلد ترمب منصب الرئاسة في الولايات المتحدة، غداً الإثنين الـ20 من يناير الجاري. فخلال فترة ولايته الرئاسية الأولى قرر ترمب خلال مايو (أيار) 2018 الانسحاب من جانب واحد من الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015. وشددت إدارته ضغوط العقوبات على طهران.

تفاوت النظر إلى هذا الاتفاق

سعت إيران منذ بدء الإعداد لهذا الاتفاق إلى تصويره كما لو أنه يشكل تحالفاً بينها وروسيا، لا سيما في المجالات الأمنية والعسكرية، لكن موسكو وعلى عكس ذلك لم تطلق على هذا الاتفاق أية صفات أمنية ولا عسكرية، واكتفت بوصفه بأنه اقتصادي في المقام الأول. وأكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف أن الاتفاق الجديد بين روسيا وإيران ليس موجهاً ضد أية دولة، موضحاً أنه ذو طابع بناء و"يهدف إلى تعزيز قدرات روسيا وإيران في مختلف أنحاء العالم"، من أجل تطوير الاقتصاد بصورة أفضل، وحل القضايا الاجتماعية، وضمان القدرات الدفاعية بصورة موثوقة.

وكما أشار الكرملين خلال وقت سابق، فإن هذه الوثيقة تعكس ارتقاء العلاقات الثنائية إلى مستوى جديد. ومن جانبه، أكد رئيس الحكومة الروسية ميخائيل ميشوستين أن اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران الذي وقعه زعيما البلدين، يرسي أساساً متيناً للتعاون الثنائي طويل الأمد.

وأكد ميشوستين في لقاء مع الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان في موسكو قبيل توقيع الاتفاق، أن "العلاقات الروسية - الإيرانية التي تقوم على مبادئ الصداقة والاحترام المتبادلين ومراعاة مصالح كل طرف، تتجه نحو المستقبل". وأشار إلى أن حجم التبادل التجاري بين روسيا وإيران خلال عام 2024 ارتفع 17 في المئة، وأن البلدين يعملان بنشاط في مجالات النقل والطاقة، ووسعا تعاونهما في مجال التعليم.

لكن وزير الخارجية الإيراني عباس عراقجي صرح من جانبه بأن المعاهدة تغطي جميع جوانب التعاون بين البلدين. وأضاف أن "هذه ليست مجرد وثيقة سياسية، بل خريطة طريق للمستقبل وتعزيز تعاون البلدين الأمني في الشرق الأوسط".

وفي مقالته لوكالة "ريا نوفوستي" الروسية، أشار عراقجي إلى أن تعزيز التعاون في مجال الدفاع والأمن سيكون جانباً مهماً من الوثيقة الجديدة. وحدد ثلاثة مجالات رئيسة للاتفاق هي الاقتصاد والتكنولوجيا والروابط الإنسانية.

 

 

وأوضح وزير الخارجية الإيراني أن المعاهدة تتضمن من بين أمور أخرى إكمال ممر النقل الدولي "الشمال- الجنوب" وزيادة حجم التجارة. وتعتزم طهران وموسكو في إطار الاتفاق الجديد، التعاون في إنتاج ونقل وتصدير الطاقة وستُنقل تقنيات جديدة في مجال الطاقة المتجددة، إضافة إلى ذلك سيسهل الاتفاق الاستراتيجي بين روسيا وإيران في شروط سفر السياح، وسينشئ برامج ثقافية مشتركة.

أما السفير الإيراني لدى روسيا كاظم جلالي فقال إنه "سيكون لاتفاق الشراكة الاستراتيجية بين روسيا وإيران تأثير في الجهود الأمنية المشتركة للدولتين في الشرق الأوسط". ووفقاً له، يلعب كلا البلدين دوراً رئيساً في هذه المنطقة.

وأشار السفير إلى أن "هذا الاتفاق يتناول أيضاً مجالات مثل مكافحة الأحادية القطبية في العالم وحماية تعدد الأقطاب، والتعاون على المستويين الإقليمي والدولي".

دور بزشكيان في التقارب مع روسيا

بدأ مسعود بزشكيان الذي انتخب رئيساً لإيران خلال يوليو "تموز" 2024 بعد وفاة سلفه إبراهيم رئيسي في حادثة تحطم طائرة تقارباً حاداً مع موسكو، وكثف اتصالاته الشخصية مع القيادة العليا في روسيا منذ الأيام الأولى لتسلمه السلطة.

وأكد بزشكيان لوفد روسي زار طهران الصيف الماضي برئاسة أمين مجلس الأمن الروسي سيرغي شويغو، أن الحكومة الإيرانية المشكلة حديثاً "ستواصل العمل بجدية لتحسين مستوى العلاقات الثنائية مع موسكو". وبعد المفاوضات مع شويغو ظهر بيان على الموقع الإلكتروني للرئيس الإيراني مفاده أن "العلاقات بين طهران وموسكو ستتطور على أساس دائم ومستمر وستساعد في تقليل ضغوط العقوبات التي يمارسها الغرب على إيران وروسيا".

وعدَّ الرئيس الإيراني خلال لقائه نظيره الروسي فلاديمير بوتين في موسكو قبيل توقيع الاتفاق، أن وجود قوى أجنبية في الشرق الأوسط يمكن أن يؤدي فقط لزعزعة استقرار المنطقة، منوهاً بأن مشكلات المنطقة يجب أن تحل من خلال اتفاقات بين الدول الإقليمية.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وقال بزشكيان "قائدنا الأعلى وجميعنا نرى أن جميع المشكلات الإقليمية يجب أن تُحل فقط من خلال اتفاقات بين الدول الإقليمية. ووجود قوى خارجية (أجنبية) في منطقتنا يمكن أن يؤدي فقط إلى تفاقم الوضع وزعزعة الاستقرار".

ووصف الرئيس الروسي خلال محادثاته مع نظيره الإيراني في موسكو وتيرة تطور العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بأنها "مقبولة جداً وتُدفع قدماً"، مؤكداً الطبيعة الاستراتيجية للعلاقات بين روسيا وإيران.

يشار إلى أنه على رغم أن حكومة مسعود بزشكيان أكدت خلال الحملة الانتخابية إمكانية إعادة التفاوض على العلاقات مع روسيا، فإن كل الدلائل تشير إلى أنه نظراً إلى الوضع المتوتر في المنطقة ووصول دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، فإن البلدين سيستمران في النظر إلى بعضها بعضاً كحليفين استراتيجيين، ولو من مواقع مختلفة ولأهداف غير متطابقة.

مسيرات مقابل تكنولوجيا نووية

في البنود العلنية لاتفاق الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين روسيا وإيران ليس هناك ما يمكنه أن يثير ريبة أو تحفظات أو قلق الغرب، ومع ذلك فإن تعزيز التعاون بين طهران وموسكو وتوثيقه يثير حساسية الدول الغربية حتى لو كان مقتصراً على الجوانب المدنية الصرفة. لكن دوائر الاستخبارات الغربية والأطلسية تتحدث عن قيام مستشار المرشد الأعلى الإيراني بزيارات سرية إلى روسيا عشية توقيع المعاهدة، وتشير إلى أنه طلب المساعدة في تنفيذ البرنامج النووي. ولا يخفى على أحد أن إيران عانت كثيراً خلال الآونة الأخيرة من تصرفات إسرائيل ونتيجة إطاحة نظام بشار الأسد في سوريا.

وقالت صحيفة "تايمز" إن علي لاريجاني أحد كبار مستشاري المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، سافر جواً إلى روسيا مرات عدة للقاء كبار المسؤولين، في محاولة للحصول على المساعدة في تنفيذ البرنامج النووي وتعزيز الدفاع الجوي. وذكرت مصادر في أجهزة الاستخبارات الغربية للصحيفة أن طهران تعول على تعزيز التعاون في المجال النووي، إذ ساعدت روسيا حتى الآن فقط في ضمان تشغيل محطة الطاقة النووية.

وأوضح مسؤول استخباراتي غربي للصحيفة البريطانية، "مع تعمق العلاقة الاستراتيجية بينهما واعتماد روسيا على الصواريخ والمسيرات الإيرانية، هناك مخاوف من أن موسكو مستعدة لتجاوز الخطوط الحمراء التي حددتها سابقاً في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني".

ولاريجاني رئيس سابق للبرلمان الإيراني ومفاوض نووي ذو خبرة، يمثل خامنئي وتربطه علاقات وثيقة بالنظام الحاكم. وكتبت صحيفة "تايمز" أنه يعد مؤدياً فعالاً للمهام الموكلة إليه.

 

 

وفي أواخر عام 2024، زار لاريجاني دمشق وبيروت في مناسبات متعددة سعياً إلى تعزيز قوى المقاومة في أعقاب اغتيال إسرائيل لزعيم "حزب الله" حسن نصرالله. وتوضح رحلاته السرية إلى موسكو توثيق العلاقات بين إيران وروسيا ونمو نفوذهما المتبادل.

وقال مصدر استخباراتي غربي للصحيفة إن إيران تتوقع مزيداً من الدعم الروسي لتطوير برنامجها النووي، لا سيما في تدريب المتخصصين واستعادة أنظمة الدفاع الجوي المدمرة (أس- 300)، وتزويدها بطائرات مقاتلة من طراز (سو- 35) وتسليح جماعة "حزب الله" اللبنانية.

وتقدر "تايمز" أن إيران قد تستغرق أشهر عدة إلى عام لتطوير صاروخ باليستي نووي، إذ إن إنتاج الأسلحة الذرية يتطلب يورانيوم بدرجة تخصيب تصل إلى 90 في المئة، في حين أن طهران وفقاً للوكالة الدولية للطاقة الذرية، حققت بالفعل مستوى تخصيب اليورانيوم بنسبة 60 في المئة فحسب.

شراكة بين جارين لدودين

عززت روسيا مكانتها كأحد الشركاء الاستراتيجيين الرئيسين لإيران على المستويين الدولي والإقليمي. ووسط الخلاف المتزايد مع الغرب، وبخاصة الولايات المتحدة وعدم الاستقرار السياسي والعسكري في غرب آسيا، كثفت إيران جهودها لتعزيز العلاقات مع موسكو. وتلعب هذه الشراكة المدفوعة بالمصلحة المشتركة في مواجهة النفوذ الأميركي دوراً رئيساً في المجالات الاستراتيجية مثل منطقة بحر قزوين، مما يزيد من تعزيز الروابط بين البلدين.

وأسهم هذا التقارب الاستراتيجي في تعزيز المصالح والمواقف على جبهات عدة، أبرزها في التعاون في ما يتعلق بسوريا. وكان البلدان متحدين في دعمهما لنظام بشار الأسد، مما سمح لهما بتنسيق الجهود في الحرب ضد الجماعات المتطرفة وتعزيز نفوذها في المنطقة.

ومع ذلك، فإن العوامل الخارجية والداخلية تشكل تحديات أمام توسيع التعاون بين إيران وروسيا، إذ إن الاعتماد الاقتصادي لكلا البلدين على صادرات الطاقة والصعوبات الاقتصادية التي تواجههما فضلاً عن الاختلافات الثقافية والاجتماعية، تشكل عقبات كبيرة أمام تطوير العلاقات الاجتماعية والاقتصادية.

تأثير هذه العوامل مُعقد. فمن ناحية، بالنسبة إلى القادة الإيرانيين، أثبتت روسيا حتى بقيادة فلاديمير بوتين أنها تسعى جاهدة إلى الحفاظ على علاقات سلمية ومفيدة مع الولايات المتحدة، على رغم التوترات مع الغرب. وفي المقابل، تنظر الحكومة الإيرانية إلى علاقتها العدائية مع واشنطن على أنها مواجهة "لا نهاية لها"، تضرب بجذورها في رؤية سياسية تتحدى النظام الغربي التقليدي.

خلال فترات التقارب بين روسيا والولايات المتحدة، على سبيل المثال، خلال رئاسة ديمتري ميدفيديف فترت العلاقات بين طهران وموسكو بصورة ملحوظة ولم تف موسكو ببعض التزاماتها. ومن الأمثلة الصارخة على ذلك رفض تزويد إيران بأنظمة صواريخ "أس- 300". وتؤكد هذه الديناميكيات أن أية تغييرات في العلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا يمكن أن يكون لها عواقب وخيمة على العلاقات بين موسكو وطهران.

وتتجلى أهمية روسيا بالنسبة لإيران في المقام الأول على المستوى الدولي فهي بمثابة ثقل موازن، مما يخفف الضغط الذي تمارسه الولايات المتحدة عليها. وفي المقابل، تلعب إيران دوراً استراتيجياً مهماً بالنسبة لروسيا على الصعيد الإقليمي، وبخاصة في غرب ووسط آسيا. وأدى التعاون في سوريا إلى زيادة الأهمية المتبادلة بين البلدين، وتعزيز العلاقة التي أصبحت إحدى القوى الدافعة الرئيسة لها في هيكل النظام الدولي.

 

 

وتستخدم روسيا علاقاتها مع القوى الإقليمية مثل إيران لمواجهة النفوذ الغربي، علاوة على ذلك تسعى موسكو باعتبارها قوة قوية قادرة على إضفاء الطابع المؤسسي على وجودها في المنطقة، إلى تعزيز نفوذها العالمي من خلال مبادرات مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ومنظمة شنغهاي للتعاون. وتؤكد هذه المبادرات نية موسكو أن تثبت للغرب أنه من دون مشاركتها يستحيل حل الأزمات والمشكلات العالمية، وبخاصة على المستوى الإقليمي.

ولعبت قيادة بوتين دوراً حاسماً في توسيع العلاقات بين روسيا وإيران. وخلال فترة وجوده في السلطة، تعمقت العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، وبخاصة في مجالي الطاقة والتعاون العسكري. ولعب نفوذ بوتين دوراً رئيساً في تعزيز المصالح المشتركة مثل معارضة التدخل الغربي في غرب آسيا والتعاون الاستراتيجي لحل الصراع السوري.

وأصبحت إيران ثالث أكبر مستورد للأسلحة الروسية بعد الهند والصين. وأتاح هذا التعاون العسكري لطهران اكتساب قدرات كبيرة لتلبية حاجاتها الأمنية. وكان الوصول إلى التكنولوجيا العسكرية الروسية إلى جانب إنتاج الصواريخ المحلية، سبباً في تعزيز مكانة إيران الإقليمية وقدرتها على مواجهة التهديدات الغربية وبخاصة في ضوء برنامجها النووي.

ومع ذلك بين عامي 2005 و2010، شهدت العلاقات بين إيران وروسيا فترة من التدهور. أدت سياسة "إعادة الضبط" التي اتبعتها إدارة الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما إلى زيادة التعاون بين موسكو وواشنطن في ما يتعلق بالبرنامج النووي الإيراني. وتجلى ذلك في الموافقة على قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1737 عام 2006 والعقوبات التي فرضتها روسيا على طهران.

وفي عام 2010، وقع ديمتري ميدفيديف على قرار الأمم المتحدة رقم 1929، الذي يحظر العلاقات الاقتصادية مع إيران بما في ذلك المعاملات مع الحكومة الإيرانية والمواطنين الإيرانيين. إضافة إلى ذلك، مُنع الإيرانيون من السفر إلى روسيا للمشاركة في الأنشطة المتعلقة بالطاقة النووية، مما زاد القيود المفروضة على طهران.

وخلال الفترة بين عامي 2006 و2009، دعمت روسيا جميع قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد إيران والتي تم تبنيها في أعقاب تقارير أعضاء مجلس محافظي الوكالة الدولية للطاقة الذرية. وفي المقابل حصلت موسكو على تنازلات استراتيجية من الولايات المتحدة، مثل إنهاء إنشاء منطقة دفاع صاروخي ثالثة في أوروبا الشرقية، والتوقيع على معاهدة "ستارت 1" والاتفاق على انضمام روسيا إلى منظمة التجارة العالمية، وتجديد عضوية روسيا في منظمة التجارة العالمية.

الاتفاق النووي مع إيران

كانت عودة فلاديمير بوتين إلى الكرملين عام 2012 في أعقاب الإصلاح الدستوري الذي سمح له بالبقاء رئيساً حتى عام 2018، بمثابة نقطة تحول في سياسة روسيا تجاه إيران. وخلال المفاوضات الإيرانية مع القوى العالمية، حاولت موسكو طمأنة إسرائيل بأن البرنامج النووي الإيراني لا يشكل تهديداً، وأنها تعارض فعلياً قيام دولة نووية قرب حدودها الجنوبية، وعملت كوسيط في إطار اتفاق 5+1.

وأدى انتخاب حسن روحاني رئيساً لإيران عام 2013 مع وعده بتخفيف التوترات مع الغرب وحل القضية النووية، إلى زيادة اهتمام روسيا بتعزيز العلاقات مع طهران. وعززت هذه الفترة أيضاً التعاون الإقليمي في حل النزاعات مثل أفغانستان والعراق وسوريا، مما دفع وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إلى وصف إيران بعد فرض الغرب عقوبات على موسكو بسبب ضمها شبه جزيرة القرم عام 2014، بأنها "حليف طبيعي".

وأكد ظهور ما سمي "الربيع العربي" على التقارب بين البلدين والذي أكدته معارضتهما القوية للتدخلات الغربية في شمال أفريقيا وغرب آسيا. وأعاد هذا التحالف القائم على المصالح المشتركة، تحديد دورهما الاستراتيجي في منطقة تتميز بتحولات سياسية واجتماعية عميقة.

ومنذ عام 2015 شهدت العلاقات الثنائية بين إيران وروسيا تعزيزاً ملحوظاً في المجالات السياسية والاقتصادية والإقليمية. وبعد الزيارة الثانية التي قام بها فلاديمير بوتين إلى طهران، اتفق زعيما البلدين على الارتقاء بعلاقاتهما إلى مستوى استراتيجي، وفتح فرص جديدة للتعاون. ومنذ ذلك الحين أصبحت إيران حليفاً أساساً لروسيا، آخذة في الاعتبار مصالحها خارج حدودها.

مصائب العقوبات توحد المتضررين منها

كانت العقوبات الغربية المفروضة على إيران وروسيا عاملاً رئيساً في دفع البلدين إلى تعزيز العلاقات التجارية الثنائية. وتمثل إيران بعدد سكانها الكبير سوقاً جذابة للسلع والخدمات الروسية. وفي الوقت نفسه، تسعى موسكو إلى تطوير تعاون أوثق بين إيران وأعضاء الاتحاد الاقتصادي الأوراسي. وبالنسبة لإيران، يوفر هذا الاتحاد الفرصة لتعزيز نفسها باعتبارها واحدة من طرق العبور الرئيسة للسلع والخدمات بين دول الاتحاد وجنوب آسيا، مع التركيز خصوصاً على الهند.

وتلقت العلاقات بين إيران وروسيا زخماً جديداً بعد توقيع عقود بقيمة أربعة مليارات دولار مع شركات روسية مختلفة. واكتسبت هذه الاتفاقات الهادفة إلى تحفيز الاستثمار زخماً كبيراً في عهد الرئيس الراحل إبراهيم رئيسي. وتعتقد السلطات الإيرانية أن شركات الطاقة الروسية بالتعاون مع شركائها الصينيين، في وضع جيد لتطوير قطاع الطاقة الإيراني.

 

 

لكن، وعلى رغم تعزيز هذه العلاقات فإن إيران لا تحصل على فوائد عادلة. وفي ظروف العزلة الدولية، تتعاون البلاد مع روسيا من موقع الضرورة، مما يسلط الضوء على عدم التماثل في هذا التحالف الاستراتيجي.

ويتسم موقف إيران في ما يتعلق بالعمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا بالحذر والتوازن الدبلوماسي الهش. ومن الناحية الرسمية، تجنبت وسائل الإعلام الرسمية وكبار المسؤولين الإيرانيين الإدانة العلنية لروسيا، مفضلين تبرير تصرفاتها باعتبارها انتقاداً للتوسع الغربي.

ويعكس موقف إيران أيضاً مدى تعقيد سياستها الخارجية، التي تسعى إلى تحقيق التوازن بين مصالحها الاستراتيجية من دون تنفير الشركاء الدوليين أو تفاقم الوضع الجيوسياسي الصعب بالفعل.

موقف إيران يعكس حيادها الصوري المعلن في الصراع، فهي ترفض المشاركة المباشرة فيه لكنها تعرض خدماتها كوسيط لحل الأزمة. وفي الوقت نفسه، تواصل تعزيز توسيع العلاقات مع روسيا في مجالات استراتيجية أخرى.

شراكة أقل من استراتيجية

وصف السفير الإيراني لدى موسكو محتويات المعاهدة بالتفصيل، مشيراً إلى أنها تتضمن بنوداً تتعلق بالاعتراف بوحدة الأراضي وتتكون من 47 مادة ومقدمة في شأنها تعزيز التعاون المتوازن بين روسيا وإيران. ولكي يدخل الاتفاق حيز التنفيذ، يجب أن يصدق عليه البرلمان الإيراني بعد اقتراح من الحكومة.

لكن اتفاق الشراكة الشاملة بين طهران وموسكو، والذي ينظم العلاقات الثنائية على مدى الأعوام الـ20 المقبلة لا يتضمن الاعتراف بشبه جزيرة القرم، التي ضمتها روسيا عام 2014، إضافة إلى "المناطق الأوكرانية الأخرى المتنازع عليها".

وكان وزير الخارجية الإيراني الراحل حسين أمير عبداللهيان أعلن في وقت سابق خلال مقابلة مع قناة "تي آر تي وورلد" التلفزيونية التركية، أن طهران لا تعترف بشبه جزيرة القرم وكذلك منطقتي دونيتسك ولوغانسك، كجزء من روسيا. وقال "نحن نؤيد احترام القانون الدولي والسلامة الإقليمية لجميع البلدان"، مشيراً إلى أنه على رغم العلاقات الجيدة بين طهران وموسكو، فإن إيران لا تعترف بضم شبه جزيرة القرم وغيرها من الأراضي الأوكرانية.

ومع ذلك، فإن أحد البنود الرئيسة في الاتفاق هو المتعلق بالسلامة الإقليمية، وهو أمر مهم خصوصاً بالنسبة لإيران في سياق نزاعها مع الإمارات حول ثلاث جزر في الخليج العربي، والتي تسيطر عليها طهران منذ عام 1971.

ويغطي الاتفاق بمواده الـ47 مجالات التعاون المختلفة، التكنولوجيا والأمن السيبراني والطاقة النووية السلمية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة والقضايا البيئية ومكافحة غسل الأموال. وتتناول الوثيقة أيضاً قضايا الدفاع، بما في ذلك تدريب المتخصصين العسكريين وتنفيذ المبادرات المشتركة. ومع ذلك، أشار مصدر في الحكومة الإيرانية إلى أن التفاصيل المحددة لمثل هذه المشاريع ستتطلب مزيداً من الموافقة.

 

 

وهناك بند منفصل يحظر على الجانبين، دعم المعتدين ضد بعضهم بعضاً أو السماح باستخدام أراضيهما لمهاجمة الجانب الآخر. ولا يتطرق الاتفاق لإمكانية تطوير الأسلحة النووية من قبل إيران، مع العلم أن الأخيرة أعلنت خلال ديسمبر (كانون الأول) 2024، أن عام 2025 سيكون حاسماً "لحل القضية النووية"، نظراً إلى احتمال عودة الولايات المتحدة إلى سياسة "الضغط الأقصى" في عهد الرئيس ترمب.

وفي الـ13 من ديسمبر 2024، ذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال" أن ترمب يريد منع طهران من تطوير أسلحة نووية. ويشعر فريقه بالقلق من أن الضغوط الاقتصادية ليست كافية لاحتواء إيران، التي تتزايد قدراتها النووية، لذا فإنهم يفكرون في العمل العسكري.

ويقول الصحافيون، إن أحد الإجراءات المضادة يمكن أن يكون شن ضربات جوية استباقية، وهي خطوة في شأنها كسر سياسة طهران طويلة الأمد المتمثلة في احتواء الدبلوماسية والعقوبات. ويدرس بعض أعضاء فريق ترمب خيار توجيه ضربة عسكرية للمنشآت النووية، لكن "جميع المناقشات حول هذه القضية لا تزال في المراحل الأولى ومجرد أفكار".

واتفقت إيران وروسيا على مقاومة "العقوبات غير القانونية التي تتجاوز الحدود الإقليمية"، بما في ذلك العقوبات الأميركية الثانوية، ودعم بعضهما بعضاً على المنصات الدولية. ومع ذلك، أشار أحد محللي السياسة الخارجية الإيرانية إلى الصعوبات المحتملة في هذه النقطة إذا أعاد مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، الذي تعد روسيا عضواً فيه، فرض العقوبات على إيران. وقد يحدث هذا إذا قررت الدول الأوروبية تجديد القيود بموجب خطة العمل الشاملة المشتركة (الاتفاق النووي لعام 2015 بين إيران والقوى العالمية) قبل أكتوبر (تشرين الأول) المقبل، أي عندما تنتهي صلاحية البند.

وبعد انسحاب الولايات المتحدة من خطة العمل الشاملة المشتركة في شأن البرنامج النووي الإيراني، أعلنت طهران عن خفض تدريجي لالتزاماتها بموجب اتفاق عام 2015، والتخلي عن القيود المفروضة على الأبحاث النووية ومستويات تخصيب اليورانيوم. ومع ذلك، وكما أوضح علي أكبر أحمديان رئيس المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني في نهاية ديسمبر عام 2024، فإن طهران لا تزال لا تهدف إلى صنع أسلحة نووية في مواجهة التصعيد مع إسرائيل والولايات المتحدة. وقال أحمديان "بناء على رأي المرشد الأعلى الإيراني، لم تُجر أية تغييرات على العقيدة النووية للجمهورية الإسلامية".

من ثم، فمن المحتمل جداً أن تُختبر قوة اتفاق الشراكة الاستراتيجية الشامل بين روسيا وإيران الذي وُقع عليه ومدى استراتيجيته بالفعل وليس على الورق، وما إذا كان سيصبح مصدر إزعاج خطر جديد في علاقات البلدين الموقعين مع الولايات المتحدة والغرب بصورة عامة.

ومهما يكن، يبقى هذا الاتفاق بمثابة تذكير للغرب بأن العالم يتغير، وأن النظام العالمي القائم على القواعد الذي تقوده الولايات المتحدة ينهار، من وجهة نظر موسكو، فالسيد بوتين "يتحدث في كثير من الأحيان عن رغبته في خلق عالم متعدد الأقطاب، خال من الإمبريالية الغربية والهيمنة الأميركية".

كما أن الزعيم الروسي يريد أن يظهر أن محاولات خلق عالم متعدد الأقطاب ناجحة، على رغم محاولات عزل موسكو عن الساحة الدولية.

المزيد من تحقيقات ومطولات