ملخص
المفهوم السياسي "للحكومة الائتلافية" لا معنى له في إيران، فحكومة الوحدة الوطنية تعني التحالف على المستوى الاستراتيجي وخلق التفاعلات والأساليب المشتركة في طريق تنمية البلاد.
أصبحت مسألة مناقشة تشكيل الحكومة الـ14 في إيران التي أخذت عناوين مختلفة، منها حكومة الوحدة الوطنية وحكومة ائتلافية وحكومة وفاق وطني، موضع جدل بين المؤيدين والمنتقدين للرئيس مسعود بزشكيان خلال الأيام الأخيرة.
رئيس الحكومة الـ14 الذي يزعم أنه ينوي تشكيل حكومة عابرة للأحزاب بهدف المصالحة الوطنية لم يجب بعد عن هذا السؤال المهم، وهو ما الهدف من تشكيل حكومة ائتلافية مع القوى المحسوبة على التيارات السياسية المختلفة، وما إذا كان الهدف من هذا العمل هو تخفيف حدة التوتر بين أعضاء التيار الذي ينتمي له والقوى السياسية المنافسة التي تسمى بـ"حكومة الظل"؟
وفي اجتماع لمسعود بزشكيان مع رؤساء المقار الانتخابية التابعة للتيار الأصولي، ادعى أنه طلب من محمد باقر قاليباف وسعيد جليلي أن يقدما مقترحاتهما وتوصياتهما، وقال في هذا اللقاء إنه "كان من المفترض أن نواصل العمل وفق الآلية (التي حددت لاختيار الوزراء)، وإذا ما اعتراض على أحد الأشخاص، فمن الممكن أن نضيف أو نحذف الشخص الذي اعترض عليه وفقاً للآلية المتفق عليها".
ونظراً إلى وجود مندوبين برلمانين موالين لمحمد باقر قاليباف وسعيد جليلي في البرلمان، فإنه بالضرورة سيكون لهما دور مؤثر في تعيين أو رد صلاحية الوزراء الذين تقدمون للبرلمان لنيل الثقة.
وفي لقاء لبزشكيان مع عائلة قاسم سليماني السبت الماضي استخدم مرة أخرى عبارة "تجنب المشاجرات السياسية"، وطالب جميع القوى السياسية مساعدته في تشكيل الحكومة.
وتتخوف الأوساط السياسية الداعمة لرئيس الحكومة الـ14 من أن يكون هدف بزشكيان منح القوى السياسية المختلفة حصصاً وزارية، بما في ذلك أنصار جبهة الاستقرار (جبهه پایداری). وبالطبع كان أكد رئيس المجلس التوجيهي للحكومة الجديدة المسؤول عن مراجعة وتحديد الخيارات الوزارية محمد جواد ظريف في أحد البرنامج التلفزيونية، خلافاً لرأي مسعود بزشكيان، بأن الحكومة المقبلة لن تكون ائتلافية، وأن الخيارات التي طرحتها الشخصيات السياسية من مختلف الأحزاب يجب أن تتبع خطط وسياسات الرئيس بزشكيان.
وبعد هذه التصريحات واجه رئيس المجلس التوجيهي السؤال التالي: هل يمكن للقوى السياسية التي تنتقد بزشكيان، بما في ذلك أنصار جليلي وحكومة الظل، أن تتبع سياسات الحكومة الـ14؟
إن المفهوم السياسي "للحكومة الائتلافية" يعني أن تتكون الحكومة من القوى السياسية والأحزاب المختلفة بحسب الأصوات التي حصلت عليها في الانتخابات، وهذه الجزئية عملياً لا معنى لها في إيران لأنه لا يسمح للأحزاب السياسية بالعمل بحرية ولا يمكن لمرشحيها المشاركة في الانتخابات ولا في المناسبات السياسية الأخرى، فذلك عملياً نظام الجمهورية الإسلامية في أيدي حزب قوي وتحت تأثير المرشد الذي يقرر كل شيء في نهاية المطاف.
وعندما لا يتمكن أحد الأحزاب من الحصول على الأغلبية اللازمة من المقاعد في البرلمان، فعليه تشكيل ائتلاف مع الأحزاب الأخرى لتشكيل حكومة ائتلافية، كما أن هذا الائتلاف هو من يحدد مقدار حصة كل حزب في الحكومة بناء على وزنه السياسي.
ومع الأخذ في الاعتبار أن الأحزاب في بنية النظام ليس لها نشاط سياسي بالمعنى الحقيقي، وأن المرشحين الرئاسيين في إيران يصرحون بفخر بأنه ليس لهم خلفية حزبية، فالسؤال الذي يطرح نفسه هو كيفية تشكيل حكومة ائتلافية؟
وإضافة إلى ذلك يقول منتقدو بزشكيان إنه إذا كان لمنافسيه في الانتخابات الرئاسية حصة في الحكومة المقبلة، فلماذا كان يعرف نفسه في الحملة الانتخابية على أنه شخص واحد في مقابل خمسة أشخاص ذوي فكر مختلف.
وأما سبب تزايد الانتقادات فهو المحتوى الذي تنشره صحيفة "كيهان" خلال الأيام الأخيرة، إذ طلبت من مسعود بزشكيان وبكل صراحة أن يستعين ببعض وزراء إبراهيم رئيسي في الحكومة المقبلة لإثبات صدقه في تشكيل حكومة شاملة.
كما أكد محسن رضائي وهو أحد الأعضاء الرئيسين في الجبهة الثورية، قائلاً إن "فترة المحاصصة الحزبية انتهت"، وتصريح مثل هذا يبدو أنه يستهدف التيار الإصلاحي حتى لا يبرر هذا التيار لنفسه تعيين الكابينة الوزارية بحجة دعمه لمسعود بزشكيان.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وجاء تصريح محسن رضائي بأن فترة المحاصصة الحزبية انتهت، في وقت أعلن فيه سعيد جليلي بعد خسارته في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية وبوضوح أنه سيواصل خطط حكومة الظل المدعومة بـ13 مليون صوت. إذ يعتبر نفسه (جليلي) ملزماً، وإذا ما حدث خطأ في حكومة بزشكيان فإنه سيقف بقوة بوجه الحكومة، هذا الإعلان من جليلي يعني معارضة رغبة الناس الذين لم يصوتوا لسياساته وخططه.
في الجانب الآخر ترى القوى السياسية المقربة من سعيد جليلي، وخلافاً لادعاءات مسعود بزشكيان بأن المجلس التوجيهي برئاسة محمد جواد ظريف يحاول أن يمنع هذه القوى السياسية أن توجد في الحكومة المقبلة، إذ كتب علي رضا سليمي، وهو عضو هيئة رئاسة البرلمان الإيراني، على منصة "إكس" قائلاً، إن "نشر أسماء مجلس ظريف التوجيهي أظهر مدى فجاجته، وأنهم يسعون وبسرعة الضوء إلى أن يكون من لون واحد".
وكما هو معلوم فإن استخدم مصطلح "اللون الواحد" خلال العقد الأخير في المشهد السياسي الإيراني كان لإقصاء القوى الإصلاحية والمعتدلة، لكن طرحه في مثل هذه الأوقات ليس في محله لأن القدرة على إيجاد اللون الواحد خارجة عن سيطرة الحكومة، ومرشد النظام هو من يعين جميع رؤوساء المؤسسات السياسية والعسكرية والاقتصادية والأيديولوجية والدعائية. وبالتالي مسعود بزشكيان لا يستطيع أن يشكل حكومة من لون واحد، فمن باب أولى يجب أن نقول إن التصويت لرئيس الحكومة الـ14 وانتخابه هو نتيجة لهندسة الانتخابات من بيت المرشد والسياسات الكلية للنظام وليس إرادة الشعب.
إن عودة الشعارات المسيئة خلال صلاة الجمعة تشكل ضربة قوية لمن يظن أن الحراك السياسي في هذه الأيام قد يحدث تغييراً جذرياً في الوضع الراهن بالبلاد، وربما يجعل من مسعود بزشكيان "غورباتشوف إيران".
ولهذا السبب يجب على مسعود بزشكيان أن يواجه حقيقة أن إصرار التيار الذي خسر في الانتخابات على تشكيل حكومة غير حزبية هو تعزيز للرأي القائل بأن مفهوم الحكومة الائتلافية أو حكومة الوحدة الوطنية هو ذريعة للانغماس في المحسوبية الحزبية، إذ كان من المفترض أن يضع هذا التفكير والأسلوب السياسي جانباً.
في السياق نفسه رفض النائب السابق في البرلمان وعضو التيار الإصلاحي محمود صادقي الرأي القائل بأن حكومة بزشكيان ستستفيد من كل التيارات السياسية، وزعم قائلاً إن "حكومة الوحدة الوطنية لا تعني بالضرورة حكومة ائتلافية، الوحدة تعني التحالف على المستوى الاستراتيجي، وخلق التفاعلات والأساليب المشتركة في طريق تنمية البلاد".
مثل هذا الرأي ليس صادقاً وواضحاً، لأن المنافسين السياسيين لمسعود بزشكيان كانوا أعلنوا خططاً وسياسات مختلفة، وعلى سبيل المثال لا الحصر في المفاوضات مع الغرب والسياسات الاقتصادية والحريات الاجتماعية ومسألة قبول حقوق المواطنة كانت خططهم وبرامجهم تتعارض كلياً مع الوعود التي قطعها الرئيس مسعود بزشكيان.
ومن المواضيع الأخرى التي تثير التساؤلات حول ما طرحه بزشكيان لتشكيل الحكومة هو الاعتماد على مفهوم "حكومة الوحدة الوطنية"، واقتراح خطاب سياسي مثل هذا لا يصلح إلا في فترة الحرب الأهلية أو في التغييرات الأساسية مثل انسحاب نظام الجمهورية الإسلامية من المشهد السياسي الإيراني.
والعجيب في الأمر في ظل الوضع الذي يخضع فيه الهيكل السياسي لنظام الجمهورية الإسلامية لسيطرة علي خامنئي وتأكيد الأخير بأن مفهوم المصالحة الوطنية لا معنى له، أشار منتقدو بزشكيان الأصوليون إلى أن خطة تشكيل حكومة الوحدة الوطنية هي تلاعب بالألفاظ والكلمات.
على رغم مضي أسبوعين على انتهاء الانتخابات الرئاسية لم يعقد مسعود بزشكيان بعد اجتماعاً مشتركاً مع جبهة الإصلاحات، وخصص جل وقته لمشاركة الوفود الحسينية التابعة للتيار السياسي المنافس، كما أنه التقى شخصيات من التيار الأصولي، وعليه ما يثير التساؤل هو ما إذا كانت هذه التصرفات هي تخل سابق لأوانه عن العهد الذي قطعه بزشكيان مع أنصاره؟
وبما أن بزشكيان يرغب في أن تكون لسعيد جليلي ومحمد باقر قاليباف اللذين كانا يسيطران على حكومة إبراهيم رئيسي وأن الوضع الحالي نتيجة لأفعالهما حصة في الحكومة المقبلة، فلماذا كان يحذر الناس في حملته الانتخابية أن يصوتوا له لتغيير الوضع؟
إن رفض بزشكيان تعيين نائبه الأول يعزز النظرية القائلة إنه بيدق المرشد للتغلب على أزمة الشرعية التي يواجهها النظام، كما أنها تعزز الإشاعات التي تتحدث عن احتمالية بقاء محمد مخبر في هذا المنصب، وهذه النظرية تعني إضعاف منصب الرئاسة إلى مستوى رئيس الوزراء ومنفذ لخطط مرشد النظام الإيراني.
ستقام مراسم أداء اليمين الدستورية لمسعود بزشكيان بالبرلمان في أقل من 10 أيام، وسيتم إعلان حكومته، لكنه ليس من الواضح بعد أنه كيف يمكن لحكومة ائتلافية أو حكومة الوحدة الوطنية أن تفي بوعودها مثل رفع الحجب عن الإنترنت ووقف القيود الاجتماعية والتفاوض مع الغرب، وعدد من أعضائها يعارضون هذه السياسات.
نقلاً عن "اندبندنت فارسية"