ملخص
يثير التقارب الأميركي – التونسي في مجال الدفاع تساؤلات حول سر التوقيت، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه قوى الأمن والجيش التونسيين بسبب استمرار الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا المجاورة وتطورات الوضع في دول الساحل الأفريقي.
يعكس إعلان وزارة الخارجية الأميركية موافقتها على صفقة بيع محتملة من صواريخ جافلين ذائعة الصيت إلى تونس بكلفة تقدر بـ107.7 مليون دولار، سعياً من واشنطن إلى تطوير شراكتها الدفاعية مع البلد الواقع في شمال أفريقيا، خصوصاً أن هذه الموافقة تأتي بعد أسابيع من تسليم تونس طائرات أميركية.
و"جافلين" هو صاروخ مضاد للدروع خفيف يمكن إطلاقه من على الكتف وهو ذاتي التوجيه، واكتسب شهرة واسعة في الحروب البرية التي عرفها العالم خلال الأعوام الماضية، إذ يستخدم في تدمير المدرعات. وصممت هذه الصواريخ الأميركية الصنع منذ البداية بهدف هزيمة الدفاعات المضادة للصواريخ في الدبابات الروسية.
ويثير التقارب الأميركي - التونسي في مجال الدفاع تساؤلات حول سر التوقيت، خصوصاً في ظل التحديات التي تواجه قوى الأمن والجيش التونسيين، بسبب استمرار الفوضى السياسية والأمنية في ليبيا المجاورة وتطورات الوضع في دول الساحل الأفريقي.
وستتسلم تونس بحسب ما كشف عنه 184 صاروخ جافلين، لكن من غير الواضح متى سيتم ذلك. وجُربت صواريخ جافلين أكثر من أي وقت مضى في النزاع الذي تعرفه أوكرانيا منذ نحو عامين، وهي قادرة على اختراق الدروع الأكثر تطوراً.
تطوير الجيش التونسي
موافقة أميركية تأتي بعد أسابيع قليلة من تسليم الولايات المتحدة طائرات من نوع "سي - 130"، وقبلها طائرات من نوع "سي - 208" لتونس، مما أظهر اهتماماً لافتاً من واشنطن بالاستجابة لطلبات البلد العربي وحاجاته الدفاعية والأمنية.
وفي أغسطس (آب) الماضي أجرى وزير الدفاع التونسي خالد السهيلي محادثات مع قائد القيادة الأميركية في أفريقيا المعروفة اختصاراً بـ"أفريكوم" ميكائيل لانغلي، إذ شدد الأخير على دعم تونس في المجال العسكري "باعتباره ضرورياً للحفاظ على الأمن الإقليمي".
وقال العميد المتقاعد من الجيش التونسي، مختار بن نصر، إن "بلاده تقتني أسلحة من عديد من الدول سواء الأوروبية أو الولايات المتحدة أو حتى الشرق، التي تندرج في إطار برنامج لتطوير الجيش، إذ يجري في كل عام برمجة أسلحة محددة لاقتنائها مثل الدبابات والطائرات والأسلحة البحرية".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وأضاف بن نصر في حديثه إلى "اندبندنت عربية" أن "هذه الموافقة تهدف إلى تدعيم قدرات الجيش الوطني التونسي، ورأينا مناورات مشتركة مع حلف شمال الأطلسي والولايات المتحدة جاءت في إطار تبادل الخبرات والتجارب والاطلاع على كل المستجدات في ما يخص البرمجة والاتصالات وعمل الوحدات".
وشدد على أن "العلاقات بين تونس والولايات المتحدة ضاربة في القدم، وتونس كانت سباقة دولياً في الاعتراف باستقلال الولايات المتحدة، والأميركيون يراعون هذه الصداقة، وفي المقابل تونس تراعي العلاقات الطيبة مع واشنطن، لذلك من الطبيعي أن تُوافق على مثل هذه الصفقات ويجعل هناك تناغماً بين الجانبين واستفادة".
تحوط من التطورات
واستضافت تونس في مياهها خلال نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي مناورات "فينيكس إكسبرس" التي أشرفت عليها "أفريكوم" في خطوة قُرئت بصورة واسعة على أنها مؤشر إلى تعافي علاقات البلد الشمال أفريقي مع القوى الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة.
واعتبر الباحث السياسي التونسي، بوبكر الصغير، أن "صواريخ جافلين تتميز بتقنيات متطورة وقدرة على استهداف المركبات المدرعة بدقة عالية، مما يجعلها أكثر الأسلحة تطوراً وفعالية وهذا مكسب للمؤسسة العسكرية التونسية".
وأضاف الصغير في تصريح خاص أن "هذه الصفقة تندرج في إطار رغبة تونس لتعزيز قدراتها الدفاعية لأسباب معلومة ومتعددة، منها وجود تهديدات من الجماعات الإرهابية خصوصاً في المناطق الحدودية مع ليبيا والجزائر". وأبرز أن "كذلك الولايات المتحدة وتونس تتحوطان من أي تطور جديد قد تعرفه المنطقة المتأزمة، والحدود التونسية - الليبية تشهد أحياناً تسلل عناصر إرهابية أو أسلحة، وهذه الأسلحة التي حصلت عليها تونس ستساعد جيشها على تأمين الحدود بأكثر فاعلية".
رهان على تونس
مستجدات تتزامن مع تفاقم التوجس الأميركي من انهيار النفوذ الغربي بصورة كاملة في أفريقيا بعد توالي انتكاسات فرنسا والولايات المتحدة في الساحل، بعد أن طردتا من النيجر وتشاد ومالي وغيرها، فيما ترسخ روسيا نفسها حليفاً لا غنى عنه لهذه الدول.
وقال الباحث السياسي محمد صالح العبيدي إن "تطوير الشراكة العسكرية والأمنية بين تونس والولايات المتحدة مرتبط في اعتقادي بالتطورات الإقليمية، خصوصاً في الساحل الأفريقي وليبيا حيث يتنامى النفوذ الروسي مقابل تراجع غربي كبير".
وأوضح أن "الولايات المتحدة تراهن على تونس باعتبارها بلداً مستقراً لمواجهة الأخطار الأمنية التي تتربص بالمنطقة على غرار التهريب والإرهاب، إذ لا يمكن المراهنة على دول تشهد اضطرابات مثل ليبيا أو دول باتت تميل إلى روسيا مثل مالي والنيجر وبوركينافاسو".
وأكد أنه "في المقابل تونس تسعى إلى تعزيز وتحديث قدراتها العسكرية وهو أمر مشروع في اعتقادي لا سيما في ظل التحديات الأمنية التي تواجهها البلاد"، لافتاً إلى أن "الولايات المتحدة تسعى إلى مراقبة التحركات العسكرية الروسية سواء في الساحل الأفريقي أو شرق ليبيا، لكن من دون الدخول في المرحلة الراهنة في أي احتكاك مع موسكو، خصوصاً في ظل اشتعال الوضع في الشرق الأوسط ،لذلك تهتم واشنطن بتعزيز وتطوير التعاون العسكري مع تونس".