ملخص
أثارت موجة إلغاء الرحلات الجوية إلى إسرائيل من قبل شركات الطيران الدولية الكبرى مخاوف جدية لدى الإسرائيليين في شأن تفاقم أزمة النقل الجوي وتأثيرها الاقتصادي.
عقب سقوط صاروخ في مطار بن غوريون الإسرائيلي قبل أيام بصورة غير مسبوقة، والإعلان عن توقف حركة الطيران في الأجواء الإسرائيلية، يضرب ألون ريغافيم (30 سنة) كفيه ببعضهما ندماً وحسرة، ليس لفشل المنظومات الدفاعية الإسرائيلية في حماية المطار من صواريخ "حزب الله" اللبناني وحسب، بل لضياع صفقة تجارية مهمة انتظرها طوال أشهر لأنه عالق خارج إسرائيل، فشركة الطيران الإيطالية ITA Airways التي قطع منها تذكرة العودة علقت جميع الرحلات الجوية من وإلى تل أبيب حتى عام 2025.
وقد أثارت موجة من إلغاء الرحلات الجوية إلى إسرائيل من قبل شركات الطيران الدولية الكبرى، بما في ذلك شركات الطيران الإيطالية والفرنسية والألمانية والأميركية، مخاوف جدية لدى الإسرائيليين في شأن تفاقم أزمة النقل الجوي وتأثيرها الاقتصادي، خصوصاً أن التهديدات الأمنية الإقليمية المستمرة وتصاعد الصراع بين إسرائيل "حزب الله" دفعا بعض الشركات إلى نقل موظفيها إلى الخارج.
ووفقاً لأرقام صحيفة "كالكالسيت" الإسرائيلية فإن نحو 20 شركة طيران أجنبية فقط لا تزال تعمل على خطوط الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل، وهو انخفاض حاد مقارنة بـ 150 شركة طيران كانت نشطة قبل بدء الحرب في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) 2023، في حين أكدت تقارير رسمية أن الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل انخفضت خلال الأشهر التسعة الأولى من العام الحالي بـ 39 في المئة، كما هوت أعداد المسافرين عبر هذه الرحلات 43 في المئة.
صناعة التكنولوجيا
ومع استمرار انقطاع الرحلات الجوية لفترات طويلة يواجه قطاع التكنولوجيا في إسرائيل، والذي يلعب دوراً حاسماً في اقتصادها، عقبات كبيرة في الحفاظ على العمليات التجارية العادية التي تتطلب القدرة على التنقل السريع لتلبية حاجات العملاء والمستثمرين، مما قد يؤدي وفق خبراء إلى مواجه تحديات هائلة في الوصول إلى الأسواق الدولية، وانتكاسات طويلة الأجل لصناعة التكنولوجيا الفائقة في إسرائيل في ظل اعتمادها بصورة كبيرة على الاتصال المباشر وجهاً لوجه، وبخاصة عندما يتعلق الأمر بتقديم الدعم الفني أو التفاوض على صفقات جديدة. وتركت الاضطرابات الجوية ونقص الرحلات مع تصاعد التوترات الأمنية والسياسية في المنطقة شركة "إلعال" الإسرائيلية لتكون المشغل الوحيد للرحلات المباشرة إلى الولايات المتحدة، مما أدى إلى زيادة أسعار التذاكر بصورة كبيرة وتجاوز كُلف السفر آلاف الدولارات.
وعلى رغم القيود الشديدة المفروضة على السفر الجوي بادر منتدى من المديرين التنفيذيين في مجال التكنولوجيا التخطيط لتشغيل شركة طيران موسمية بطائرات مستأجرة، وتجنيد طواقم للحفاظ على الطرق الحيوية إلى نيويورك ومدن أخرى كجزء من إستراتيجية أوسع نطاقاً لضمان استمرار القطاع في العمل في ظل عجز وزيرة النقل الإسرائيلية ميري ريجيف ووزير الاقتصاد نير بركات عن اتخاذ الإجراءات اللازمة، وإيجاد حلول مستدامة لتسهيل أزمة الرحلات الجوية التي قد تؤدي إلى مزيد من الخسائر الاقتصادية، مع اضطرار مزيد من الشركات إلى نقل عملياتها للخارج.
ووفقاً لما أعلنه رئيس هيئة الطيران المدني الإسرائيلي شموئيل زاكاي حول محادثات مع شركات طيران محلية، فإن تأجير طائرات وتشغيل رحلات بين إسرائيل وأميركا الشمالية سيسهم في زيادة المنافسة على هذه الخطوط وتقليص الأسعار.
ويرى مسؤولون في كثير من الشركات الناشئة أن دعم الطيران الداخلي أو توفير حوافز لشركات الطيران الأجنبية من أجل العودة للسوق الإسرائيلية يمكن أن يخفف من حدة الأزمة.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
وبينت صحيفة "غلوبس" الإسرائيلية أن أسعار التذاكر إلى نيويورك على خطوط "العال" الإسرائيلية وصلت إلى 7 و9 آلاف دولار في بعض الحالات مع نفاد مقاعد الدرجة الاقتصادية بالكامل، في حين بلغت كلفة العودة للندن في الدرجة الممتازة 1700 دولار، وإلى باريس 900 دولار.
ووفقاً لتقرير صحيفة "كالكالسيت" فعلى رغم عقد وزارة النقل 14 اجتماعاً طارئاً في العام الماضي، ووعود ريجيف بتوفير "شاتلات بحرية" ورحلات إنقاذ باستخدام طائرات "هيركوليس" التابعة لسلاح الجو الإسرائيلي، فإنها تعرضت لانتقادات لاذعة من قبل الإسرائيليين لعدم فعاليتها في معالجة القضايا المتعلقة بالنقل أثناء الحرب، وعدم قدرتها على تحقيق نتائج ملموسة حتى الآن لتغيير توصية هيئة الطيران الأوروبية ضد الرحلات إلى إسرائيل.
قانون تعويض
الوضع الأمني المستمر في التدهور ترك كثيراً من الإسرائيليين من دون حلول واضحة، إذ إن مئات آلاف الإسرائيليين ممن اشتروا رزماً سياحية قبل أشهر اضطروا إلى إلغائها، إما بسبب إلغاء الرحلات التي اشتروا تذاكرها أو بسبب تخوفهم من أن يعلقوا في الخارج.
وأدى عدم اليقين المتزايد المحيط بالسفر الجوي إلى تهديد 15 شركة طيران دولية كبرى، بما في ذلك "دلتا إيرلاينز" و"بريتيش إيرويز" و"إيزي جيت" و"ويز إير" و"إيبيريا" إلى عدم تسيير رحلات جديدة إلى إسرائيل لأجل غير مسمى، ما لم يُعدل قانون خدمات الطيران الذي ينص على تعويض الركاب الذين ألغيت رحلاتهم، مما سيؤدي إلى تفاقم أزمة الطيران وزيادة أسعار التذاكر للمستهلكين الإسرائيليين، بخاصة مع سيطرة شركات الطيران المحلية على السوق.
وبحسب ما نقلته صحيفة "غلوبز" الإسرائيلية فإن شركات الطيران الأجنبية التي تعرضت خلال الحرب المستمرة لخسائر فادحة غير مستعدة لمواصلة رحلاتها عندما تتعرض لدعاوى قضائية تطالبها بتعويض الركاب الذين ألغيت رحلاتهم، وينص القانون الحالي في إسرائيل على أن شركات الطيران ملزمة بتعويض الركاب عن إلغاء الرحلات أو تغيير مواعيدها، وإذا لزم الأمر فيجب عليها إيجاد رحلات بديلة ودفع ثمنها، كما يُلزم القانون الحالي شركات الطيران بتغطية إقامة الفنادق إلى جانب دفع تعويضات، وهي أعباء لا تستطيع بعض الشركات، وخصوصاً منخفضة الكلفة، تحملها.
وبحسب رسالة شديدة اللهجة أرسلتها شركات الطيران إلى لجنة الشؤون الاقتصادية في الكنيست الإسرائيلي، فإن المتطلبات المنصوص عليها في القانون تجعل نشاط هذه الشركات في إسرائيل غير مربح مالياً، لذا تطالب بوقف بند التعويض في القانون والإعفاء من تعويضات إلغاء الرحلات وتقييد عدد الليالي التي يجب على الشركات تغطيتها في الفنادق، على ألا تقل عن ليلتين.
وتجنباً للأخطار المالية الناجمة عن الالتزام القانوني بتعويض الركاب، واضطرت كثير من شركات الطيران الأجنبية الى وقف رحلاتها إلى إسرائيل، وطالبت بمساعدة الحكومة الإسرائيلية في تأمين رحلاتها على غرار ما تحصل عليه شركات الطيران الإسرائيلية.
ووفقاً لموقع "بلومبيرغ" فإن تجديد وكالة سلامة الطيران التابعة للاتحاد الأوروبي توصيتها بأن تتجنب الطائرات التجارية المجال الجوي الإسرائيلي واللبناني دفع عدداً من الشركات إلى التوقف عن الطيران إلى البلدين، وألغت شركة "كاثي باسيفيك" ومقرها هونغ كونغ جميع رحلاتها إلى تل أبيب حتى الـ 27 من مارس (آذار) 2025، في حين أوقفت شركة الطيران الأميركية "دلتا إيرلاينز" رحلاتها بين نيويورك وتل أبيب حتى الـ 31 من ديسمبر (كانون الأول) المقبل. وقال متحدث باسم الشركة البريطانية للطيران "إيزي جت" منخفض الكلفة إنها أوقفت رحلاتها من تل أبيب وإليها في أبريل (نيسان) الماضي، وستستأنفها في الـ 30 من مارس 2025، وكذلك ألغت شركة "فيولينغ" الإسبانية للطيران منخفض الكلفة المملوكة لـ "آي إيه جي" رحلاتها إلى تل أبيب حتى الـ 12 من يناير (كانون الثاني) 2025، مع إلغاء الرحلات الجوية إلى عمّان حتى إشعار آخر.
وقررت شركتا الطيران الإيطالية والخطوط الجوية الفرنسية إلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل سيراً على نهج كثير من شركات الطيران الأوروبية والعالمية بسبب عدم الاستقرار الأمني، إذ أعلنت شركة الطيران الإيطالية ITA إلغاء جميع الرحلات الجوية من وإلى إسرائيل حتى الـ 12 من يناير 2025، فيما قررت شركة الخطوط الجوية الفرنسية إلغاء جميع رحلات الشركة حتى الـ 26 من ديسمبر المقبل.
وتضطر شركات الطيران التي تحلق فوق المنطقة إلى اتخاذ مسار أكثر التفافاً باستخدام المجال الجوي لدول أخرى لتجنب نقاط الاشتعال المحتملة، وقالت الـ "قناة 12" الإسرائيلية إن "أزمة الرحلات الجوية إلى إسرائيل ليست قريبة من الحل"، وفي مطلع أغسطس (آب) الماضي تحدثت وسائل إعلام إسرائيلية عن انهيار الموقع الرسمي لمطار بن غوريون وإلغاء عدد كبير من الرحلات بسبب هجوم سيبراني استهدفه.
ارتفاع الشحن
ولم تؤثر تداعيات الحرب والاضطراب الجوي اللذين تسببا بانخفاض كبير على أساس سنوي في أعداد الركاب الدوليين والمحليين وحسب، بل أثرا كذلك في كلفة شحن البضائع جواً إلى إسرائيل ومنها، خصوصاً بعد أن سجلت كلفة الشحن البحري من الشرق الأقصى إلى إسرائيل بفعل إغلاق البحر الأحمر في وجه السفن المتجهة إلى الموانئ الإسرائيلية ارتفاعاً حاداً، وصل في بعض الأحيان إلى ثلاثة وأربعة أضعاف.
وأعلنت شركة "تشالينغ إيرلاينز يسرائيل" الإسرائيلية التي تسيطر على 32 في المئة من قطاع الشحن الجوي في إسرائيل رفع سعر نقل البضائع جواً بـ 30 في المئة من إسرائيل وإليها، بعد أن رفعت شركات التأمين أسعارها للطائرات المتجهة إلى إسرائيل ومنها.
ويشكل مطار بن غوريون ميناء تجارياً أساساً يمر عبره نحو 400 ألف طن من البضائع المستوردة والمصدرة من وإلى إسرائيل، وبحسب التقارير فإن نحو 33 في المئة من الصادرات الإسرائيلية تنقل جواً، ووفق وكالة "بلومبيرغ" فقد تسبب تضاعف كلف الشحن الجوي بنسبة تقترب من 250 في المئة منذ بدء الحرب في التأثير كثيراً في مستوى الأسعار بصورة حادة، وفاقم مشكلة التضخم خصوصاً وأن الشحن الجوي الذي كان يستغرق من يومين إلى ثلاثة أيام فقط بات الآن يستغرق أسابيع عدة بسبب قلة الرحلات وتأخرها.
وأظهر تقرير جديد لمنظمة OECD أن إسرائيل هي الأكثر كلفة للمعيشة من بين الدول الغربية، على رغم أنها جاءت في المرتبة الثالثة من حيث غلاء الأسعار بعد سويسرا وأيسلندا، في حين أعلن مكتب الإحصاء المركزي الحكومي أن التضخم المالي (مؤشر الغلاء) في الاقتصاد الإسرائيلي سجل منذ مطلع العام الحالي ارتفاعاً بنسبة نصف في المئة، وسط مؤشرات إلى أن القادم سيكون أسوأ.