Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

معاناة المهمشين في مسرحية "يمين في أول شمال"

المخرج المصري عبدالله صابر يقدم كوميديا اجتماعية هادفة

مشهد من مسرحية "معاناة المهمشين" المصرية (خدمة الفرقة)

ملخص

"يمين في أول شمال" عرض مسرحي مصري يدور في إطار كوميدي بسيط، لكنه يطرح مجموعة من القضايا الجادة، التي تخص المهمشين، سواء من المواطنين العاديين، أو من العاملين بالفن ولا يجدون من يوظف مواهبهم في مكانها الصحيح.

تبدو فكرة مسرحية" يمين في أول شمال" بسيطة للغاية، وتبدو أحداثها مسلية ومبهجة، هي تدور في ليلة واحدة، عن موظف بسيط، يحب زوجته، التي ستجري جراحة بالقلب في اليوم التالي، يريد أن يقدم لها شيئاً يسعدها، يعرف أنها تحب الممثلين، وتمضي غالب أوقاتها في مشاهدة الأفلام والمسلسلات، يسعى إلى إسعادها والتسرية عنها قبل إجراء الجراحة، وبالصدفة وجد ممثلاً ناشئاً في الشارع، وقص عليه حكاية زوجته، وطلب منه أن يذهب معه إلى المنزل ليفاجئ به الزوجة، ويدخل السعادة إلى قلبها، فاستجاب الممثل لطلبه.

في مثل هذا النوع من الأعمال، لا تسأل عن كيفية موافقة الممثل، الذي كان في طريقه إلى تصوير دور صغير في مسلسل تلفزيوني، على الذهاب مع رجل، لا يعرفه أصلاً، إلى بيته، لإدخال السرور على قلب زوجته، هي أمور يمكن التجاوز عنها، ما دامت تخدم الدراما، حتى لو بدت غير منطقية. المهم أن الممثل يذهب مع الرجل، وهو في عجلة من أمره، نعم هو سيلعب دوراً صغيراً ولن ينطق سوى بجملة واحدة "يمين في أول شمال"، ولكنه مضطر إلى القيام بهذا الدور حتى لا يجلس في بيته بلا عمل.

تتوالى الأحداث التي غلب عليها الطابع الكوميدي، وبعدما كان الممثل يلح في طلب المغادرة للحاق بعمله، ينسى أن لديه عملاً يجب الذهاب إليه، وبعد أن كان متوجساً من الموظف وزوجته، صارت ألفة بينهم، بل وتحولت إلى صداقة في ما بعد.

قضايا كثيرة

لم تكن فكرة المسرحية على هذه البساطة التي بدت عليها، فثمة قضايا إنسانية واجتماعية واقتصادية، بقيت دائماً بين السطور، وكذلك وسط هذه المفارقات المضحكة، التي احتلت السطح. العرض من تأليف محمود جمال الحديني، وإخراج عبدالله صابر، وقدم على مسرح نهاد صليحة بأكاديمية الفنون المصرية، ضمن المهرجان المسرحي السابع لنقابة المهن التمثيلية، الذي رفع شعار "المسرح للجمهور".

يطرح العرض، ضمن ما يطرح، قضية الممثل الدارس الموهوب، الذي لا يجد فرصته إلا في أدوار صغيرة وعابرة، بينما يحظى بأدوار البطولة من هم أقل منه خبرة وموهبة، فقط لأنهم على علاقات طيبة بالمنتجين والمخرجين، وهي قضية معروفة في الوسط الفني المصري، بل إن هدف المهرجان نفسه هو إتاحة الفرصة للدارسين وأعضاء النقابة ليشاهدهم المنتجون والمخرجون ويلتفتوا إلى مواهبهم ويستعينوا بهم في أعمالهم الفنية، لذلك ضمت لجنة تحكيم المهرجان عدداً من المنتجين ومخرجي السينما والتلفزيون، من أجل التسويق للفنانين أعضاء النقابة، إذ يقتصر المهرجان على مشاركة هؤلاء الأعضاء، ومعهم كذلك طلاب المعهد العالي للفنون المسرحية، وطلاب أقسام المسرح بالكليات المختلفة.

ممثل موهوب

ولأننا، في العرض المسرحي، بصدد ممثل موهوب لا يجد فرصة عمل تناسب موهبته، فكان لا بد أن نتعرف على إمكاناته كممثل، وهو ما أتاحه العرض، فالسيدة زوجة الموظف تحب التمثيل، ومن ثم، ومن خلال فكرة المسرح داخل المسرح، فإنها تطلب من الممثل أن يلعب معها بعض الأدوار، أو يقدم مونولوغاً شهيراً لأحد النجوم الذين تحبهم، مما يتيح للمشاهد الاقتناع بأنه أمام ممثل موهوب بحق.

أيضاً يطرح العرض قضية أخرى تتعلق بكيفية التعبير عن الحب، فثمة رجل يحب زوجته، لكنه لا يجيد معسول الكلام، وليس لديه وفرة مالية تمكنه من شراء هدية لها، هو عامل تذاكر في مترو الأنفاق، يعد نفسه، على سبيل السخرية "نجم شباك" حيث يقتصر عمله على جلوسه خلف شباك التذاكر، فيلجأ إلى وسائل أخرى للتعبير عن هذا الحب، ومنها اصطحاب الممثل ليدخل السعادة إلى قلبها قبل إجرائها الجراحة الخطرة. هكذا يمضي العرض في طرح قضاياه الجادة، في إطار كوميدي، يسلي ويمتع، ويستعرض قدرات ثلاثة ممثلين موهوبين، عبدالله صابر، مخرج العرض، في دور الممثل المغمور، أمنية حسن "الزوجة" وإيهاب محفوظ "الزوج".

منظر مسرحي واحد "تصميم محمد هشام" يمثل بيتاً متواضعاً تغلب عليه الفوضى، ويشير إلى المكانة الاجتماعية المتدنية لأصحابه، ديكور واقعي، اهتم بالتفاصيل البسيطة، من صور معلقة على الجدران لممثلين تحبهم الزوجة، وجهاز كاسيت قديم، وغيرها من التفاصيل التي اهتم بها مصمم الديكور، وإضاءة "تصميم أحمد طارق" مالت إلى الإنارة في غالب الأحيان، مراعية أن الأحداث تدور أثناء الليل، مع موسيقى حية "مروان خاطر" ليشكل ذلك كله معاً خلفية تناسب الأجواء الواقعية التي أرادها المخرج لعمله.

مساحة للتمثيل

نجح المخرج في تقديم عرض منضبط درامياً، سوى بعض الزوائد التي كان يمكن الاستغناء عنها، بخاصة في بداية العرض، التي طاولت أكثر من اللازم، حتى كادت تصيب المشاهد بالملل، وكذلك في النهايات المتعددة التي لجأ إليها، ربما بغرض الإشباع، فضلاً عن مشاهد التمثيل داخل التمثيل، التي كان يمكن اختزالها، وإن كان ذلك يمكن تبريره هنا بأن المخرج يعرف هدفه من العرض، ويسعى إلى إفراد مساحات أوسع للتمثيل، وما يتعلق بقضايا الممثلين، والمهم أولاً وأخيراً أنه أدار ذلك كله عن وعي، لا عن عدم معرفة أو خبرة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وإذا كانت المشاهد الزائدة لها ما يبررها، فإن عنوان العرض نفسه لم يكن مبرراً، أو معبراً عن موضوعه بصورة جيدة، أو لم يكن مدخلاً مناسباً يمكن التعامل مع العرض من خلاله، فهو مجرد جملة يرددها الممثل، جملة لا تنسحب على الأحداث، ولن يضير العرض شيء إذا استعان بغيرها، ما دامت النظرة، إلى العنوان هنا، مجانية وغير معتنٍ بها، فعنوان أي عمل إذا لم يكن جزءاً من نسيجه، ومعبراً عن محتواه، أو مشيراً إليه، يمثل مشكلة، حتى لو كنا في إطار عرض كوميدي لا يلزم نفسه بأشياء منطقية معروفة.

اللافت أكثر في هذا العرض هو عنصر التمثيل، فالممثلون الثلاثة على قدر عالٍ من الموهبة، والفهم الجيد لطبيعة الشخصيات، والفهم الجيد أيضاً لطبيعة الكوميديا، لعب عبدالله صابر دور الممثل المغمور بفهم ووعي بطبيعة الشخصية وأزمتها، ربما لأنه، وكثر غيره، يعيشون الأزمة نفسها، وأدى إيهاب محفوظ دور الموظف البسيط، غير القادر على البوح بحبه لزوجته، لأنه لا يجيد التعبير بالكلمات بصورة جيدة، بكفاءة ممثل موهوب وصاحب خبرة، يدرك الفارق بين الكوميديا والاستظراف، أما أمنية حسن، في دور الزوجة المحبة للتمثيل، فهي ممثلة صاحبة حضور قوي ولديها طاقة كوميدية واضحة. ثلاثتهم، على رغم ما تتيحه الكوميديا من إغراءات، لم يقعوا في فخ المبالغة، أو الاستظراف، نعم كانت "الإيفهات" حاضرة بكثافة، لكنها، في معظمها، كانت نابعة من الموقف، وليست مجلوبة لذاتها، فبدت طبيعية ومقبولة.

عرض "يمين في أول شمال" استطاع أن يحقق المعادلة الصعبة، يقدم الكوميديا، المسلية والمبهجة، ولا ينسى، في الوقت نفسه أن يوخز بعمق وهدوء، لا بصخب وشعارات رنانة، ضمير واقع مؤلم، لا يضع الشخص المناسب في المكان المناسب، وهو على رغم ذلك يقول إن الحياة يجب أن تستمر، أياً كانت المعاناة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة