ملخص
استعاد الجيش السوداني سيطرته على سلسلة جبال موية ذات الموقع الإستراتيجي الذي يربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض، فضلاً عن تقدمه في محاور عدة في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري.
لكن كيف يرى المراقبون العسكريون مجريات الوضع على جبهات القتال المختلفة؟
بات واضحاً أن الحرب المندلعة بين الجيش السوداني وقوات "الدعم السريع" منذ منتصف أبريل (نيسان) 2023 ستشهد تحولاً وتصعيداً كبيرين في غضون الأيام المقبلة، وذلك بالنظر إلى إعلان قائد قوات "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو "حميدتي" في تسجيل مصور له، بث ليل أول من أمس الأربعاء، حشد مليون مقاتل لمنازلة الجيش في المعارك المقبلة، كما حث قواته على تنظيم وترتيب صفوفها استعداداً لمواجهات قد تستمر أعواماً.
وتأتي هذه التطورات في وقت استعاد الجيش السوداني سيطرته على سلسلة جبال موية ذات الموقع الإستراتيجي الذي يربط بين ولايات سنار والجزيرة والنيل الأبيض، فضلاً عن تقدمه في محاور عدة في مدينتي الخرطوم والخرطوم بحري.
لكن كيف يرى المراقبون العسكريون مجريات الوضع العسكري على جبهات القتال المختلفة؟ وما توقعاتهم لما سيحدث في ضوء هذه التطورات؟
فك العزلة
في الأثناء، أشار الباحث في الشؤون العسكرية العميد طيار علي أحمد خالد إلى أن "الجيش السوداني تمكن في المعارك الأخيرة من فك عزلته التي طالت كثيراً، وتغيير وجهة الحرب، بأن يصبح مهاجماً بدلاً من الدفاع، سواء في العاصمة أو الفاشر أو محور سنار مما جعله يحقق انتصارات متلاحقة، وواضح أن الروح المعنوية لأفراد الجيش في أعلى درجاتها"، وتابع خالد "معلوم أن نجاح الجيوش في عملياتها العسكرية البرية يتطلب غطاء جوياً، وهو ما فطنت له القوات المسلحة السودانية بإعادة بناء قواتها الجوية وترميمها من خلال زيادة عدد الطائرات بجلب طائرات جديدة وصيانة المتعطلة منها، فضلاً عن إدخال المسيرات التي أسهمت بفاعلية في هذه الحرب"، وواصل "كما يلاحظ أن طول أمد الحرب مكن قوات العمل الخاص التابعة للجيش من الاحترافية في حرب المدن بصورة أكثر دقة، وجعلها أيضاً تبسط خططها بصورة مؤثرة مما مكنها أيضاً من إحداث خسائر كبيرة في صفوف ’الدعم السريع‘"، ولفت الباحث في الشؤون العسكرية إلى أنه من الواضح أن حراك الجيش القوي خلال الفترة الماضية أسهم في سيطرته على مخازن ومستودعات الأسلحة والذخيرة الخاصة بقوات "الدعم السريع"، إضافة إلى قطع الإمداد عنها "مما سيؤثر في قدرتها وفاعليتها في المعارك المقبلة".
إنهاك وارباك
في السياق أيضاً، رأى المتخصص في المجال الإستراتيجي اللواء ركن عبدالغني عبدالفراج عبدالله أن اتجاه الجيش للعمل المتزامن في محاور عدة تسبب في إنهاك وإرباك "الدعم السريع"، كما أن معركة جبل موية التي انتصر فيها الجيش هي بمثابة المعركة الفاصلة باعتبار أن هذه المنطقة تعد في الأصل حاضنة لقوات "الدعم السريع". وأضاف عبد الله "في تقديري أن الأيام المقبلة ستكون حبلى بكثير من المفاجآت، إذ إن تحرير سنجة والسوكى ومصنع السكر بات في حكم المؤكد لأن وجود ’الدعم السريع‘ في جبل موية كان يشكل عائقاً للقوات المسلحة، لذا السيطرة على ما تبقى من هذه المناطق ستمهد الطريق باتجاه استعادة مدينة مدنى من المحاور الشرقية والجنوبية والغربية".
ولم يستبعد المتخصص في المجال الإستراتيجي أن يحسم الجيش هذه المعركة لمصلحته قريباً انطلاقاً من مؤشرات واقعية عدة، "منها تمكنه من تحقيق انتصارات متتالية في الفاشر، فضلاً عن دحره كل المتحركات الخاصة بـ’الدعم السريع‘ المتجهة لهذه المدينة، إضافة إلى استحالة حشد حميدتي أي قوات جديدة لاعتبارات عدة أهمها فقده معظم قياداته المتمرسة والمؤثرة في المعارك، والنقص الحاد في مواد تموين القتال، وتعرض أعداد كبيرة من قواته إلى إصابات بالغة، لذا فإن هذه القوات في أضعف حالاتها وإن عدداً كبيراً منها فقد الرغبة في القتال".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
امتصاص الصدمات
من جانبه، أوضح الباحث في "مركز الخرطوم" للحوار اللواء الرشيد معتصم مدني أن قائد "الدعم السريع" محمد حمدان دقلو غاب فترة طويلة عن المشهد السياسي والعسكري بعد نشاط سياسي مبرمج في بعض الدول الأفريقية في موازاة حملة إعلامية تهدف لخلق حالة توازن قوى بين الجيش وبينها، مضيفاً "بعد فشل هذه الميليشيات في تحقيق نصر عسكري حاسم في ولاية الخرطوم على رغم العدة والعتاد العسكري الضخم، وعدد المقاتلين الكبير، والتخطيط السابق للمعركة، والضغط الذي استمر أشهراً عدة، لجأت إلى توسيع دائرة العمليات العسكرية وانتشارها في وسط البلاد، وبالفعل نجحت بتحقيق بعض الأهداف وبخاصة بعد استيلائها على مدينة ود مدنى وبعض قرى ولاية الجزيرة وإغلاق الطرق بعد تموضعها في منطقة جبل موية، ورافق ذلك نشاط عسكري كبير ومتواصل لإسقاط مدينة الفاشر ذات الأهمية الإستراتيجية"، وتابع الباحث في "مركز الخرطوم" للحوار "لكن نجد أن الجيش نجح في امتصاص الصدمات ومنع الميليشيات من التمدد الكامل والسريع في البلاد، وظل في حالة إعداد مستمر للمعارك من حيث تدريب المتطوعين، ودراسة ميدان المعركة، مع مراعاة قواعد الاشتباك والحفاظ على الأرواح والبنية التحتية"، وختم "أدى الدعم الشعبي المتعاظم للجيش والإعداد الجيد للمعركة من حيث عدد المقاتلين وتوفر السلاح ودخول وحدات الجيش المختلفة إلى ميدان القتال إلى إنهاك ’الدعم السريع‘ ومن ثم هي في حالة موت سريري ولن تقوم لها قائمة مهما حاول قائدها إنعاشها".
سيناريوهات مفتوحة
في المقابل، قال عضو تجمع الضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين "تضامن" اللواء معتصم العجب "في نظري إن المعلومات المتعلقة بالوضع العسكري في البلاد تكاد تكون شحيحة للغاية، صحيح حدث تقدم لقوات الجيش في كل من الخرطوم والخرطوم بحري بعد عبورها جسر الحلفايا الرابط بين أم درمان وبحري، وجسر النيل الأبيض الرابط بين أم درمان والخرطوم، لكنها لم تحدث حتى الآن اختراقاً واضحاً يكون له تأثير فاعل بخاصة القوات الموجودة في منطقة المقرن بالخرطوم، بل أصبحت تلك القوات شبه محاصرة من ناحية قوات ’الدعم السريع‘"، وتابع العجب "من المؤكد أن مثل هذه المعارك من الصعب حسمها بواسطة الطيران الحربي الذي يعتمد عليه الجيش في هذه الحرب، لكن قد تحدث خسائر في الأرواح، فضلاً عن إطالة أمد الحرب من خلال اتباع قوات ’الدعم السريع‘ تكتيكات تتعلق بانتشارها السريع وهو ما تتميز به". وتوقع عضو تجمع الضباط وضباط الصف والجنود السودانيين المتقاعدين أن تكون العمليات العسكرية خلال الفترة المقبلة كبيرة جداً وشرسة للغاية وبخاصة في العاصمة (الخرطوم وبحري)، "لذا ستكون كل السيناريوهات مفتوحة منها تقسيم السودان لدول عدو أشبه بما حدث في يوغسلافيا".
طوارئ وتعبئة
وقال المستشار الإعلامي لرئيس حركة "تمازج" السودانية، عثمان عبدالرحمن سليمان "بالتأكيد نحن أمام تصعيد عسكري ومعارك ضارية خلال الفترة المقبلة، وما جاء في خطاب قائد قوات ’الدعم السريع‘ سيكون له ما بعده من حيث التحركات العسكرية، فكل التوقعات والمؤشرات تفيد بأن الجيش سيتلقى ضربات موجعة وعمليات عسكرية نوعية ستفقده ما تبقى من قواته"، وأضاف سليمان "انتهاء موسم الخريف يمثل أحد أهم العوامل التي تساعد في الحسم العسكري إذا نظرنا للطبيعة الجغرافية لبعض المناطق التي تشهد اشتباكات عسكرية، ومن الواضح والمؤكد أن الكفة ستكون لمصلحة قوات ’الدعم السريع‘ لأنها على أكمل وجه من الجاهزية، فضلاً عن أن قضيتها عادلة وماضية في تخليص القوات المسلحة من قبضة النظام البائد"، وزاد "في الحقيقة تحركات الجيش الأخيرة تم تضخيمها، ومن جانب استعدادنا لهذه المعارك المتوقعة قمنا للمرة الأولى بإعلان حالة الطوارئ والتعبئة العسكرية الشاملة لجميع قواتنا في كل المناطق وهي خطوة ستغير موازين القوة"، وختم المستشار الإعلامي لرئيس حركة "تمازج" السودانية "حالياً يمكن القول إن الوضع العسكري العملياتي لـ’الدعم السريع‘ ممتاز للغاية، وكل العمليات الحربية والتكتيكات العسكرية تسير وفق ما هو مخطط لها وستظهر نتائجها قريباً".