ملخص
يكتسب الشعر في الثقافة المجتمعية المصرية أهمية كبرى تجعله يحظى بأولوية الاهتمام، كما أنه علامة أساسية على الجاذبية والجمال، ولكن صفات الشعر المثالي لم تعد نمطية مثلما صدّرتها السينما قديماً، بل تشهد تغيراً واسعاً مع دعوات العودة إلى المظهر الأصيل المعبر عن الهوية.
لم تصدق نور علاء، التي تعمل في مجال تصميم الإعلانات، عينيها حينما وجدت أن صديقتها قد عملت بنصيحتها وتركت شعرها المجعد على طبيعته خلال حفل زفافها. اعتبرت نور التي كثيراً ما دعت معارفها من الفتيات ألا يضعفن شعورهن بمواد التمليس وأجهزة الفرد الكهربائية ويعتمدن على منتجات لطيفة بلا كيماويات قاسية، وأن يفتخرن بطبيعة شعورهن سواء كانت ناعمة أو مجعدة أو متموجة، وأن قيام عروس من دائرتها بهذا التصرف هو بمثابة انتصار حقيقي لطريقة التفكير التي باتت تنتشر بين قطاعات واسعة من المصريات في ما يتعلق بالنظرة إلى مفهوم الشعر الجميل، بعدما كانت تلك النظرة مقصورة تقريباً حتى خمسة أعوام مضت على الطبقة العليا.
في مصر هناك ما يزيد على مليون صالون لتصفيف الشعر ما بين الرجالي والنسائي، وفقاً لتصريحات سابقة لمسؤولين بشعبة الكوافير، حيث تنتشر التصفيفات المتنوعة وفقاً للتفضيلات، وكان سائداً حتى قبيل الألفية الثالثة أن يدخل الجميع إلى الصالون بهدف الحصول على شعر ناعم لا تشوبه شائبة، سواء كان رجلاً أو امرأة، حيث كانت تنتشر دهانات الفرد، وتقنيات التمليس التي تدخل في تركيبها مواد ممنوعة تضعف البصيلات وتؤدي إلى التساقط مثل الفورمالين، للحصول على مظهر "مثالي" للشعر يشبه نجوم الإعلانات الذين كانوا يروجون لنوع معين من الشعر يكون عادة أملس وطويلاً ولامعاً.
تدرجاً انتشرت ثقافة التباهي بالشعر المجعد الداكن وحتى الشعر الأبيض من دون اهتمام بصبغه طوال الوقت بالنسبة إلى النساء، وانتشرت مجموعات شتى لتعلم كيفية العناية بالشعر وفقاً لطبيعته، وكذلك تصفيفه بطرق جذابة توائم المناسبات الصباحية والمسائية، وحتى صبغه بطرق آمنة إذا ما رغبن في تلوينه.
قبل الجمال
نور علاء، وهي في أوائل الثلاثينيات من عمرها تعتبر من أنشط أعضاء مجموعات الشعر "الكيرلي" (المجعد) في مصر، تعتقد أن الأسلوب الهادئ المبني على الإقناع والمعلومات الموثقة والمستند إلى أبحاث علمية فعال في إحداث التغيير التدرجي، إذ إن الفتيات اللاتي لم يعدن يخجلن من شعرهن المجعد وأدرن ظهورهن للمعتقدات القديمة بأنه شعر قبيح ويبدو وكأنه غير مصفف أو نظيف، بالطبع سيمنحن الثقة لأطفالهن في أنفسهم سواء في ما يتعلق بلون البشرة أو نوع الشعر أو طول القامة، وغيرها من المظاهر التي يعتبرها بعض حجة لممارسة العنصرية.
وتتابع الشابة، "مئات آلاف من أعضاء صفحات ومجموعات التعرف إلى الشعر، سواء في ما يتعلق بدرجة تجعيده أو خشونته، ودرجة مساميته ومستوى البروتين به، يسألون ليلاً نهاراً عن المنتجات الصديقة التي لا تتضمن مكونات حارقة، وبتن متخصصات في كيفية اختيار ما يوائمهن، وهو أمر انعكس سريعاً على سوق التجميل في مصر، حيث أصبحت هناك أقسام أساسية للعناية بالشعر (الكيرلي)، واهتمت العلامات التجارية بطرح منتجات جديدة نظراً إلى الإقبال الكبير، كما أنه كان فرصة للشركات المحلية التي صنعت عبوات (شامبو) وبلسماً وكريمات زهيدة الثمن تحظى بشعبية كبيرة، ووفقاً لمجال عملي فقد أصبح العملاء يتقبلون بسهولة شديدة أن يكون أبطال حملاتهم الإعلانية من ذوي الشعر المجعد، سواء كانوا نساء أم رجالاً".
المعايير تغيرت
غالبية الأسانيد العلمية التي تتم الإشارة إليها في محاولات إقناع أصحاب الشعر المجعد بالتوقف عن محاولات تمليسه، تم إجراؤها على نطاق واسع في دول أوروبية، وبينها تلك الدراسة التي أشرفت عليها مجموعة "ليفل أب" المهتمة بالعناية بالشعر الأسود في بريطانيا، إذ وجدت أن حوالى ثلثي عينة البحث البالغة 1024 امرأة بريطانية تترواح أعمارهن ما بين 25 و44 سنة من ذوات البشرة السوداء والشعر الأجعد واجهن حروقاً في فروة الرأس، وأصبن بأضرار كبيرة جراء استعمالهن مواد تنعيم الشعر، كما أن الدراسة أكدت أن غالبيتهن لم يعدن يثقن في مدى أمان المنتجات التي تبيعها كبرى شركات التجميل في العالم، والأمر في شق كبير منه من السهل أن ينطبق على عينات نسائية بمواصفات شبيهة في مجتمعات أخرى، لا سيما في ما يتعلق بالآثار الجانبية لاستعمال مواد فرد الشعر التي يلجأ إليها أصحاب الشعر الخشن والمجعد، وبينهم مايا، وهي طالبة في السنة النهائية بكلية الهندسة، إذ تبدي ندمها الشديد على اعتمادها على فرد الشعر كيماوياً في صالونات التجميل، مؤكدة أنها دفعت مبالغ كبيرة حيث اعتادت على فرد شعرها الأجعد البني مرتين في العام تقريباً، مشددة على أن الفرد الكيماوي الطويل الأمد كان يريحها من مجهود وعناء الفرد الكهربائي الذي تنتهي فعاليته بمجرد غسل الشعر.
وتابعت، "لكن للأسف أصيبت فروة رأسي بفراغات كبيرة والتهابات، وعانيت تساقط الشعر، وأصبحت أنفق أموالاً كثيرة على الأدوية، ولكن الأزمة الكبيرة أن شعري بدا وكأنه فقد طبيعته فلم يعد أملس ولا مجعداً، بل يشبه الشعر المحترق، وليس علي سوى أن أصبر أشهراً، وربما عاماً حتى يعود إلى صحته، مع الالتزام بالمعالجات الطبية المكلفة".
في المقابل انتشرت صالونات تصفيف الشعر "الكيرلي"، ولكنها لا تزال في نظر البعض مكلفة، إذ يحرص العاملون بها على استخدام منتجات مستوردة، كما أن تحضير الشعر لا يمكن أن يحدث خلال جلسة واحدة فقط، لذا تحاول غالبية الفتيات الاعتماد على أنفسهن في العناية بشعرهن، لأن الأمر أكثر عملية، كما أنهن يؤمن بأن طريقة التعامل يجب أن تكون أسلوب حياة وليس مجرد اهتمام طارئ كي يحصلن على نتيجة مُرضية.
ووفقاً لأستاذة جامعية مصرية تعيش في أوروبا، فإن "شعرها الأسود المجعد مثار إعجاب وربما حسد من صديقاتها الأوربيات اللاتي يعتبرنها محظوظة، إذ يتمنين لو كانت شعورهن الناعمة الخفيفة استبدلت بمثل شعرها، إذ انتشرت أدوات تجعيد الشعر الصناعية بصورة لافتة، وباتت الكثيرات يحاولن التشبه بهذا المظهر".
الشعر باعتباره هوية
بات من الملاحظ أن كثيراً من الصور المنتشرة على الـ"سوشيال ميديا" للدعاية للخدمات والسلع، تضم عناصر لم تكن معتادة، ولعل أبرزها الشعر المجعد الداكن والبشرة الداكنة، باعتبار أنه مظهر معبر عن الأصالة، فالمصريون بالأساس ينتمون إلى قارة أفريقيا، حيث تتمتع شعوبها بجمال متفرد له سمات قريبة على رغم مساحات الاختلاف، وهو نموذج بات مستهدفاً بعدما كان مستهجناً، كما أن المصري محمد صلاح لاعب نادي "ليفربول" حقق كثيراً من الشهرة بشعره المجعد الطويل، وهو مظهر لم يكن شائعاً أيضاً إلا في أوساط نادرة للغاية في الماضي بالنسبة إلى الرجال في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
لكن هل الأمور وردية إلى هذه الدرجة، وبخاصة أن من تتحدث عنهن مصممة الإعلانات على سبيل المثال، كثيرات منهن ينتمين إلى طبقة اجتماعية أكثر انفتاحاً وتقبلاً لأنماط مختلفة من معايير الجمال؟ وفقاً لأبحاث قام بها الأستاذ بقسم الاجتماع والأنثروبولوجيا وعلم المصريات بالجامعة الأميركية بالقاهرة رامي علي، فإن هناك ميلاً ملحوظاً لدى الشباب المصري في الأعوام الأخيرة للتعريف بأنفسهم كأفارقة، كما لاحظ بنفسه انتشار نمط الشعر الأفريقي بينهم، وكذلك اعتمادهم الجدائل المجعدة الطويلة من دون حرج، عكس ما كان في السابق، وذلك وفقاً لمقابلة أجراها الأكاديمي المهتم بثقافة الشعر لدى المصريين نشرت على الموقع الرسمي للجامعة، معتبراً أن النخبة في البلاد قبل أعوام كانت تحاول البحث عن هويتها من خلال الابتعاد تماماً عن الجنوب، ولكن تلك الثقافة تغيرت كثيراً الآن، فالشعر مكون أساس من مكونات العرق.
الصورة النمطية
مع ذلك لا يزال المظهر المثالي، وفقاً للأوساط الأقل حظاً من الوعي، يتعلق بالبشرة البيضاء والشعر الناعم الطويل الكثيف، إضافة إلى أمور أخرى مثل القوام الطويل، مع أن صيحات العودة للطبيعة في ما يتعلق بالشعر باتت تنتشر بقوة مع مطلع الألفية الثالثة، وبخاصة في الولايات المتحدة وأوروبا، ومنها إلى بقية بقاع الأرض، ولكن كما هو معتاد تظل بعض الفئات بعيدة كل البعد من هذا التغيير، وبينهم أفراد المحيط الذي تعيش فيه الطفلة نيللي شريف، البالغة من العمر سبع سنوات.
تقول نيللي إنها تعرضت لسخرية شديدة من قبل أبناء الجيران بعدما ظهرت بجدائل طويلة توائم شعرها المجعد، إذ اعتبروا أنها تشبه الأفريقيات، وذلك عقب عودتها من رحلتها مع أسرتها إلى المصيف، إذ إن تلك التصفيفة المسماة "راستا" تلجأ إليها الفتيات في رحلاتهن البحرية، لأنها أكثر مواءمة للأجواء الحارة، وتتوافق كثيراً مع طبيعة الشعر "الكيرلي" نظراً إلى كونه أكثر هشاشة.
هنا يمكن الحديث عن الصورة النمطية للجمال التي صدرتها السينما والدراما التليفزيونية وحتى الكليبات الغنائية عالمياً ومحلياً، إذ تعرضت مونيكا "كورتني كوكس" لسخرية مماثلة من رفقائها في مسلسل التسعينيات "فريندز" بعدما صففت شعرها بطريقة الجدائل التي تشبه جدائل المطرب الجماياكي الراحل بوب مارلي، وأيضاً بعدما قامت بتجعيده حيث كان العمل يروج للجمال الأميركي التقليدي، وبخاصة في ما يتعلق بالشعر الأملس للفتيات والفتيان، وفي مصر أيضاً روجت السينما منذ عقود طويلة لنوعية معينة من الشعر المرغوب فيه، إذ كان أبطال وبطلات الصف الأول بشعر أملس، ولم تجرؤ أي من النجمات على الظهور بشعر أجعد حتى لو كانت هذه طبيعة شعرها الحقيقي، إلا إذا كن يقدمن شخصية ذات طبيعة سلبية في الأحداث، وهو ما حدث كاستثناء في مسيرة بعض الفنانات مثل نادية لطفي، وسعاد حسني، وميرفت أمين، لكن في الأعوام الأخيرة، أصبحت نجمات السينما والغناء في مصر والعالم العربي يعتمدن كثيراً من صيحات الشعر الأجعد، باعتباره علامة على العصرية والمظهر الطبيعي الجذاب، كونه يليق بلون بشرتهن الحنطي السائد.
إرث التاريخ
يكتسب الشعر في الثقافة المصرية أهمية كبيرة، وقد ظهرت تسريحات عدة له على جدران المعابد في مصر القديمة، وتنوعت ما بين الملساء القصيرة وتلك التي تعتمد على الجدائل، وذلك وفقاً لنوعية الشعر. وبحسب دراسة أشرفت عليها البروفيسورة ناتالي ماكريش في مركز بحثي مختص بعلم المصريات تابع لجامعة "مانشستر" الإنجليزية، فإن المومياوات المحنطة احتفظت بشعرها في حال جيدة على مدى آلاف الأعوام، حيث كان المصريون القدماء يستخدمون مواد دهنية للعناية بشعورهم وبخاصة النساء، وقد ظهرت قبل أعوام مومياء الملكة "تي" التي كانت حديث الأوساط العلمية والجمهور أيضاً نظراً إلى كثافة شعرها وطوله. فيما رصدت الباحثة المصرية هند خلف مرسي، الأستاذة بكلية التربية الفنية في جامعة "حلوان"، في بحث مطول لها نشر عام 2020 فنون تزيين شعر النساء في مصر القديمة، لافتة إلى أن المصريات عرفن "البواريك" منذ آلاف الأعوام، كما زينّ شعورهن بعصابات وأربطة الرأس والتيجان والمجوهرات المزخرفة، إضافة إلى الاهتمام بجماليات أمشاط الشعر، وأشارت الباحثة إلى أن هذه الأمور لم تكن حكراً فقط على الأميرات والملكات، وإنما عامة الشعب أيضاً، إذ ينتشر الشعر المجعد بطبيعة الحال بين الغالبية الكبرى من السكان، نظراً إلى طبيعة العرق المصري.
عن الشعر المثالي
هذه الأهمية الثقافية الكبرى جعلت المصريات يتفنن في تسريحات الشعر على مدى عصور، وقد نجحن في فرض تسريحات كانت مستهجنة من قبل على المجتمع، ومنها قصه ليصبح قصيراً للغاية وأقرب في مظهره للصِبية، كما يولي الرجال اهتماماً خاصاً بشعرهم نظراً إلى أهميته في المظهر والوجاهة، إذ يكتسب قيمة مجتمعية لا يمكن نكرانها، مما جعل عمليات زراعة الشعر بالنسبة إلى الرجال الذين يعانون الصلع وبوادره تنتشر انتشاراً كبيراً، حتى في الأوساط المجتمعية متوسطة الدخل، نظراً إلى أن الصلع من وجهة نظر البعض يجعلهم يبدون أكبر عمراً.
وفي السياق نفسه تتم محاربة الشعر غير الصحي والضعيف بالنسبة إلى النساء، وفي حال كانت المشكلات متفاقمة فإنهن يلجأن إلى الشعر المستعار "البواريك" لإخفاء العيوب المقلقة بالنسبة إليهن، وقد شهدت سوق "البواريك" في مصر خلال الأعوام الأخيرة رواجاً ضخماً في كافة الأوساط، فبعدما كانت شيئاً منبوذاً وقل اللجوء إليها منذ نهاية السبعينيات، باعتبارها الحقبة الذهبية لـ"البواريك" كما وثقتها السينما، عاد الشعر المستعار بقوة في الأعوام الخمسة الأخيرة، باعتبارها حلاً سهلاً وسريعاً للتخلص من أي مظهر غير مرغوب فيه، كما أنه يمكن للفتيات استعمالها إذا ما رغبن في اعتماد تغيير جذري في شكل شعورهن من دون أن يغامرن بوضع أية مواد عليها، إلا أن العقبة الأساسية أمام هذه الظاهرة هي أن "البواريك" ذات الجودة العالية قد يصل سعرها إلى ما يعادل ألف دولار وربما أكثر.