ملخص
يعتقد بعض العلماء أن الأنواع تنقرض بمعدل أعلى يتراوح ما بين 100 و1000 مرة من المعدل الطبيعي، مما أدى إلى الدخول في "الانقراض الجماعي السادس"، ومن الممكن أن تتسبب أنشطتنا إذا استمرت في انقراضنا نحن أيضاً.
يعتقد كثير من علماء كوكب الأرض في علوم الجيولوجيا والبيئة والمناخ وعلوم التأريخ القديم والأركيلوجيا والتلوث وعلوم الاجتماع التي تدور حول علاقة المجتمعات البشرية بمحيطها الطبيعي وغيرها كثير من العلوم، أن كوكب الأرض لو وجد في المجموعة الشمسية كما هو تماماً ولكن من دون الكائن البشري لكان مكاناً يزخر بالحياة البرية والأنظمة البيئية المتوازنة، إذ تتطور البيئات الطبيعية بعيداً من تدخل البشر، أي الكائنات الوحيدة التي تملك القدرة على التطور والتفكير والتعلم من التجارب ومراكمة المعرفة، بالتالي الابتكار ومواجهة قوى الطبيعة بواسطة الآلة وترويض كوكب الأرض يما يتناسق مع حاجاته وبقائه ومنع انقراضه.
يؤيد هذا الرأي كثير من العلماء والباحثين والمختبرات والقيادات من السياسيين الذين سعوا إلى عقد اتفاقات المناخ العالمية خلال النصف الثاني من القرن الـ20، وكان آخرها "اتفاق باريس" للمناخ الذي كان عراباه هما الرئيس الأميركي السابق ونائبه الرئيس الحالي باراك أوباما وجو بايدن قبل أن ينسحب منه الرئيس السابق والمرشح الجمهوري الحالي للرئاسة الأميركية دونالد ترمب.
وقد استند ترمب في انسحابه من الاتفاق إلى آراء علماء آخرين يقولون إن إشاعة فكرة تدمير البشر للنظام البيئي للأرض هو مبالغة بحتة ضُخمت إعلانياً وإعلامياً إذا أخذت حرفياً. ويرى هذا الفريق أن اتفاقات المناخ والحد من انتشار ثاني أكسيد الكربون وتحديد الكميات التي يمكن للدول الصناعية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة والصين والهند ودول الاتحاد الأوروبي أن تبثها من هذا الغاز الضار في الهواء، هي مجرد مناورات للضغط السياسي والاقتصادي مغلفة بقضايا البيئة والمناخ.
الكوكب وتأثير البشر
يتفق معظم علماء البيئة على أن الأنشطة البشرية أسهمت في فقدان التنوع البيولوجي عبر إزالة الغابات وتدمير المواطن الطبيعية والتسبب بجميع أنواع التلوث البيئي في الماء والهواء والتراب، الذي أدى بدوره إلى تغير المناخ وفقدان كبير للتنوع البيولوجي.
يقدر هؤلاء العلماء أن الأنواع تنقرض بمعدل أعلى 100 إلى 1000 مرة من المعدل الطبيعي، مما أدى إلى الدخول في ما يسميه البعض "الانقراض الجماعي السادس"، وإذا لم نعدل سلوكنا الجماعي ونقلل من بصمتنا البيئية، فمن الممكن أن تؤدي أنشطتنا إلى انقراضنا نحن أيضاً، ولو حدث ذلك ستستمر الحياة على الأرض من دوننا وسيعود التنوع البيولوجي.
ويعتقد بعض العلماء أن انبعاثات الغازات الدفيئة الناتجة من الأنشطة البشرية أدت إلى ظاهرة الاحتباس الحراري، وإلى تغيرات في النظام الجوي وبروز الظواهر الجوية القاسية وغير المنتظرة في مناطق مختلفة على كوكب الأرض، وارتفاع مستويات سطح البحر بسبب ذوبان الجليد القطبي، بالتالي ارتفاع في حموضة المحيطات التي تهدد بقاء أنواع عديدة.
وأدى النشاط الصناعي والنفايات الناتجة منه والانبعاثات من غازات الدفيئة التي يسببها، وكذلك النشاط الزراعي العالمي القائم على استخدام المبيدات بصورة شاملة والتخلص غير السليم من النفايات، إلى تلوث الهواء والمياه والتربة. وتسبب النشاط البشري في إزالة الغابات على نطاق واسع، وخصوصاً في الغابات المطيرة الاستوائية مثل الأمازون. وكان لهذا الأمر تأثيره في تدمير المواطن الطبيعية لكائنات حية مختلفة وانقراض بعضها، وإلى تقليل قدرة الكوكب على امتصاص ثاني أكسيد الكربون. وأدت الزراعة الموسعة مكان الغابات المقطوعة إلى تجزئة الأنظمة البيئية وإلحاق الضرر بالمواطن الطبيعية لأنواع كثيرة من النباتات والحيوانات والحشرات.
في ما يخص المحيطات والشعاب المرجانية تسبب الصيد الجائر المترافق مع التلوث البيئي وارتفاع حرارة المحيطات في تدهور شديد ومنتظم وملحوظ في النظم البيئية البحرية وعلى رأسها الشعاب المرجانية التي تعد جنة الحياة البحرية. وفي عملية دمج بسيطة بين الفكرتين، أي كيف يكون كوكب الأرض مع ومن دون البشر، يمكن القول، إن كوكب الأرض مر بعدد من التحولات خلال مراحل تطوره، ونجت الحياة من الانقراضات الجماعية والتغيرات البيئية بسبب قدرة الطبيعة على التجدد والانبعاث من جديد.
لكن التغيرات المناخية والبيئية الحالية الناجمة عن تدخل البشر تحدث بمعدل أسرع بكثير مما يجعل من الصعب على الأنظمة البيئية التكيف كما يجب مع هذه التغييرات. ومن المتفق عليه عالمياً أنه لولا الانبعاثات الكبيرة من غازات الدفيئة الناجمة عن حرق الوقود الأحفوري لن يكون هناك تأثير ملحوظ للتلوث في الهواء والمياه، مما يعني استقراراً في درجات الحرارة، بالتالي تطوراً طبيعياً للنظام البيئي. وستصبح البحيرات والأنهار نظيفة وخالية من الملوثات الكيماوية، وكذلك ستكون الغابات رئة الأرض مرة ثانية، لتبقى الكائنات التي تعتمد على الغابات في مواجهة خطر الانقراض بسبب فقدان أماكن معيشتها أو فقدان مسارات هجرتها فوق الكوكب.
ومن دون البشر لن يكون هناك حرق للوقود الأحفوري مثل الفحم والنفط والغاز، بالتالي لن يكون هناك انبعاثات للغازات الناتجة من الصناعة لتظل طبيعية ومتوازنة كما كانت قبل الثورة الصناعية، ولم يكن سيحدث هذا الارتفاع الملحوظ في درجات الحرارة وذوبان الغطاء الجليدي في القطبين بالوتيرة التي نشهدها اليوم. ولن تكون هناك تغيرات ملحوظة في التيارات البحرية بالمحيطات أو أنماط الرياح حول الكوكب، مما يعني أن المناخ كان سيظل أكثر استقراراً على المدى الطويل، وما كانت لتقع الانقراضات الجماعية بسبب التغير المناخي الناتج من الأنشطة البشرية في غياب التلوث الصناعي والزراعي.
كان من المتوقع أن يكون الغلاف الجوي في حال أفضل بكثير مما هو عليه اليوم بسبب مستويات ثاني أكسيد الكربون والميثان والغازات الدفيئة الأخرى التي كانت ستبقى ضمن حدودها الطبيعية، وأن تظل مستويات "الأوزون" سليمة من دون تعرضها لمركبات الكلوروفلوروكربون (CFCs) التي أطلقتها الأنشطة البشرية في الغلاف الجوي وسببت تآكل "طبقة الأوزون" التي تحمي كوكب الأرض من أنواع ضارة من الأشعة. بالتالي فإن التغيرات في درجات الحرارة كانت ستكون تدريجية وطبيعية ومتزامنة مع دورات طويلة الأمد من التقلبات الطبيعية في المناخ مما يؤمن الحفاظ على دورة الكربون المعتادة بين الغلاف الجوي والمحيطات والتربة والنباتات والحيوانات والحشرات والميكروبات، وكل الكائنات الحية كانت ستلعب دورها الطبيعي في استيعاب وإطلاق الكربون من دون انبعاثات إضافية نتيجة حرق الوقود الأحفوري.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ولو لم يكن هناك بشر، لم تكن الأبقار والماشية المنتجة لغاز الميثان لتكون بالأعداد الضخمة التي هي عليها اليوم بسبب حاجة البشر إلى لحومها وحليبها، ولبقي الدجاج نوعاً من الطيور البرية صغيرة الحجم التي تعيش في الغابات. ولكان النحل يواصل أداء دوره البيئي الحيوي من دون مواجهة التحديات الناتجة من استخدام المبيدات الحشرية أو فقدان المواطن الطبيعية في الأشجار والكهوف. أما الحيوانات الأليفة كالقطط والكلاب فلم تكن لتصبح بالشكل الذي نعرفه اليوم، وربما بقيت الكلاب ذئاباً والقطط مجرد حيوانات برية مفترسة تعيش في البراري.
من دون البشر كانت الأنهار ستستمر في تدفقها بدورة المياه الطبيعية التي تتبخر من المحيطات والبحار ثم تتكاثف على صورة سحب وتهطل أمطاراً، وكان من الممكن أن تتحرك مجاري الأنهار ببطء نتيجة الترسبات الطبيعية أو التعرية من دون تدخل بشري ببناء السدود أو تحويل مسارات الأنهار الداعمة للتنوع البيولوجي الهائل، إذ تعيش فيها أنواع متعددة من الأسماك والكائنات المائية الأخرى. وكانت الأنهار ستظل نظيفة إلى حد كبير، إذ لم يكن هناك تلوث صناعي أو كيماوي يؤثر في جودة المياه. ولم تكن المدن والمصانع لتلقي نفاياتها في الأنهار، مما يعني أن المياه كانت ستبقى صالحة للشرب لجميع الكائنات التي تعتمد عليها. ولم تكن لتتعطل مسارات هجرة الأسماك، ولجرت الفيضانات على طبيعتها في تعزيز خصوبة الأراضي الزراعية الطبيعية وتغذية المواطن البرية.
أية فائدة للإنسان؟
ومن دون البشر كانت عملية التمثيل الضوئي في النباتات والأشجار ستحافظ على توازن الأوكسجين وثاني أكسيد الكربون في الهواء. وهذا التوازن كان سيحافظ على الجليد البحري في القطب الشمالي ويجعله أكثر استقراراً، مما يعني أن التمدد والانكماش الدوري للجليد كان سيكون أكثر وضوحاً وأقل تأثراً بظواهر التغير المناخي، وهذا بدوره ما كان سيجعل معدل الاحترار العالمي أقل وربما منعدماً.
هل يقدم البشر أي فائدة لكوكب الأرض؟ طرحت مجلة "New Scientist" العلمية هذا السؤال في محاولة تحديد دور الكائن البشري الإيجابي للطبيعة على الكوكب الأم الأزرق الذي وجدنا عليه وأمن لنا كل الظروف التي نحتاج إليها للبقاء وتفادي الانقراض حتى في الظروف القاسية جداً، التي أدت إلى انقراض كائنات حية أخرى من العصور الجليدية المختلفة وعصور الجفاف والزلازل والبراكين التي تمكن الإنسان من البقاء فيها بسبب مراكمة التجارب والتعلم منها ومن ثم اختراع آلات بسيطة كي يتمكن من الاستمرار والتكاثر والتقدم.
في الإجابة عن السؤال، اعتبر بوب داوني الصحافي البريطاني أن الأرض "موجودة" على رغم أنها كانت في حال تغير مستمر منذ تشكلها، وليس هناك أي اعتبار لما حدث عليها في الماضي أو المستقبل سواء كان نحو الأفضل أو الأسوأ إلا من منظور الإنسان. ففي أوروبا الغربية قامت المجتمعات البشرية بتحويل المناظر الطبيعية بصورة واضحة خلال العصر البرونزي عبر إزالة الغابات والحرق الدوري، مما شجع على هيمنة أنواع من الشجر المعروفة باسم أشجار الأراضي الموحلة التي ازدهرت فيها أنواع من الحشرات والبرمائيات والطيور والنباتات لا تزال حتى الآن موجودة، ولكنها يمكن أن تنقرض في حال إزالة هذه الأنواع من الأشجار التي كان البشر هم السبب في انتشارها.
وهناك حالات مشابهة لظهور أنواع جديدة من الكائنات الحية، بحسب داوني، إذ يمكن العثور على حالات مشابهة في بيئات أخرى مثل الأراضي التي أصلحت أو جُففت لزراعتها بالحبوب في حوض البحر الأبيض المتوسط منذ بدء ظهور الاستقرار البشري، أو زراعة سهول الصين الشاسعة ومنحدراتها، وكذلك في شبه الجزيرة الهندية بالقمح والرز. فالتدخل البشري الزراعي أدى بكل تأكيد إلى تغيير في السيرورة الطبيعية للبيئات التي استقر فيها، ولولا هذا التدخل لكانت هذه البيئات لا تزال عذراء أو تطورت بصورة طبيعية، ولكنها أيضاً كانت ستفتقد أعداداً كبيرة من الكائنات والغطاء النباتي التي ظهرت بسبب هذه الإصلاحات الزراعية.
على مر التاريخ، عاش عدد من الثقافات الأصلية في وئام مع الطبيعة بعدما أدرك الحاجة إلى التوازن مع البيئة المحيطة والاستخدام المستدام للموارد. وبينما أدى التطور الحضاري الحديث في كثير من الأحيان إلى تعطيل هذا التوازن. فإن التطور نفسه يلعب دوراً إيجاباً في الحفاظ على الأنظمة البيئية واستعادتها، ولا بد من الإشارة إلى أن حديث المجتمعات العلمية والسياسية والاقتصادية حول التغييرات البيئية التي تسبب فيها البشر قد جاء مبكراً بعد قرنين من الثورة الصناعية التي غيرت كل العلاقة التي كانت تربط بين الإنسان والطبيعة المحيطة به، وهذه فترة قصيرة كي ينتبه البشر إلى دورهم السلبي في مسيرة الحياة داخل كوكب الأرض.
هيئة الأمم المتحدة التي تعمل بشكل حثيث من أجل الحد من تأثير الإنسان على البيئة الأرضية، اعتبرت في آخر تقاريرها حول المناخ والبيئة على كوكب الأرض، أنه في خلال 30 عاماً تمكنت شبكة المدن الأوروبية التابعة لمنظمة الصحة العالمية وشبكة المناطق البيئية الصحية الأوروبية التي تديرها الجهات الرائدة في المناخ، من خلق بيئات حضرية صحية تدعم رفاهية الناس ومجتمعاتهم التي تتواءم مع محيطها.