Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

مستقبل المواصلات والنفط بين الحقيقة والخيال

هناك مبالغة كبيرة في آثار السيارات الكهربائية في الطلب على النفط

بدأت السكوترز تنتشر بشكل كبير في أغلب المدن الأوروبية والأميركية (أ.ف.ب)

تنبأ أحد المشهورين في الترويج للسيارات الكهربائية و"المواصلات المشتركة"، بأن يبلغ نمو الطلب على النفط ذورته عام 2018، وعندما فشل هذا التوقع، غيّر السنة إلى 2020، وحجته في ذلك، انتشار السيارات الكهربائية وانتشار "المواصلات المشتركة".

ويقصد بـ "المواصلات المشتركة"، توقف الناس عن شراء السيارات الخاصة واستخدام خدمات "أوبر" و"ليفت" وغيرها، بينما يتوقعون أن السيارات ذاتية الحركة، ستجعل الناس يتخلون عن السيارات الخاصة، وسيلجأون إلى هذه السيارات التي يتشاركون في خدماتها.

كما قام عدد من الخبراء والمستشارين المروجين للسيارات الكهربائية بالتغريد أو كتابة مقالات مفادها: الهجوم على بقيق وخريص يثبت خطورة استخدام السيارات التي تعتمد على النفط، لذلك علينا أن نتحول إلى السيارات الكهربائية.

الحقيقة أن كلامهم ضرب من الخيال ولا تدعمه البيانات، ولا الواقع، ولا سلوك الأجيال الناشئة.

وقولهم إن السيارات الكهربائية و"المواصلات المشتركة" ستنتشر كما انتشرت السيارات بعد عصر "الأحصنة"، وكما انتشرت الهواتف الذكية بعصر التلفون الثابت، غير صحيح لأنه يتنافى مع أساسيات انتشار التكنولوجيا.

 فالتكنولوجيا التي انتشرت بشكل هائل، عابرةً بذلك كل الفروق العرقية والتنموية والاجتماعية والسياسية والمالية حول العالم تتميز بعاملين: الأول، أنها كانت مدفوعة بقوى السوق، وليس بسبب الاختيار الحكومي لها، والثاني أنها كلها أسهمت في إعطاء الإنسان حرية أكثر!

 هاتان الخاصيتان لا تنطبقان على السيارات الكهربائية، و"المواصلات المشتركة" لأنهما جاءا إجباراً من الحكومات، ويحدان من حرية الناس!

كما أن القيمة المضافة من التحول من الحصان إلى السيارة لا تُقدّر بثمن، والتحول من الهاتف الثابت إلى الهاتف الذكي لا يمكن أن يُقدّر بثمن، إلاّ أنّ القيمة المضافة من السيارات الكهربائية أو من "المواصلات المشتركة" محدودة، إن وجدت.

أما ربطهم بين الهجوم على بقيق وخريص وضرورة التحول إلى السيارات الكهربائية، فإنه يتنافى مع المنطق لأن عدد الهجمات الإرهابية على محطات ومرافئ الكهرباء حول العالم، بما في ذلك الهجمات الإلكترونية، أضعاف مضاعفة من الهجمات على المنشآت النفطية. فإذا كانوا صادقين في منطقهم، فإن المنطق يقتضي تفادي السيارات الكهربائية.

حقيقة "المواصلات المشتركة"

يرى مؤيدو "المواصلات المشتركة" أن الناس سيتوقفون عن شراء السيارات الخاصة وسيلجأون إلى "المواصلات المشتركة" سواء على شكل "أوبر" و"ليفت" أو السيارات ذاتية الحركة، أو وسائل أخرى مثل دراجات الرِجل الكهربائية "سكوترز". ونظراً إلى أنّ معظمها سيكون كهربائياً، فإن الطلب على النفط سينخفض بشكل كبير، الأمر الذي سيساعد في التخفيف من حدة التغير المناخي.

هذا الكلام يتنافى مع البيانات والمنطق!  لماذا؟

شركتا "أوبر" و"ليفت" تقدمان خدمات سهلة ورخيصة وآمنة وموفرة للوقت، الأمر الذي نتج منه التحول من المواصلات العامة وخدمات التاكسي إليها، لدرجة أن شركات التاكسي الآن، أصبحت جزءًا من "أوبر" و"ليفت"! لهذا فإن "المواصلات المشتركة"، لم تؤد إلى تخلص الناس من سيارتهم الخاصة، بخاصة أنّ كثيرين من أهل المدن الكبيرة لا يملكون سيارات لأسباب عدّة، بينما تنخفض خدمات "أوبر" و"ليفت"، كلّما ابتعدنا عن مراكز المدن.

نظراً إلى أن خدمات "أوبر" و"ليفت" سهلة ورخيصة وآمنة وموفرة للوقت ومتوفّرة على مدار الوقت، بخاصة في الأماكن المكتظة بالسكان، زاد الطلب عليها، وأصبح الشخص يستخدمها بأضعاف ما كان يستخدم سيارات الأجرة ووسائل المواصلات العامة، الأمر الذي يعني زيادة استخدام البنزين من جهة، وزيادة الاختناقات المرورية من جهة أخرى. زيادة استخدام البنزين والاختناقات المرورية تزيد على انبعاثات الكربون التي تسهم في التغير المناخي.

وقد يقول قائل إن سيارات "أوبر" وغيرها تتحول شيئاً فشيئاً إلى سيارات كهربائية، وبالتالي، فإن ما ذُكر أعلاه لا ينطبق عليها. إلاّ أنّ الحقيقة أن تحولها إلى الكهربائية لا ينفي أثرها في الاختناقات المرورية، وبالتالي، زيادة انبعاثات الغازات المسببة للاحتباس الحراري من السيارات الأخرى.

أما بالنسبة إلى دراجات الرِجل الكهربائية (السكوترز) التي بدأت تنتشر بشكل كبير في غالبية المدن الأوروبية والأميركية، والتي تعتمد على برنامج في الهواتف الذكية للاستئجار والدفع، فقد تبيّن أن أغلب استخدامها كان بديلاً عن المشي، والدارجات الهوائية، والمواصلات العامة، وأثرها في عدم استخدام السيارات بسيط جداً. وعلى الرغم من ادعاء مدن مشهورة بحماية البيئة، مثل مدينة بورتلاند الأميركية بأن استخدام هذا النوع من العجلات، خفض استخدام السيارات، إلاّ أنّ بيانات البلدية لا تشير إلى ذلك، بخاصة أن متوسط استخدام الدراجة، لا يتجاوز 2 كلم للرحلة.

يُذكر أن بعض المدن، بدأت الآن تضع قوانين صارمة للحد من استخدام هذا النوع من الدراجات بسبب الحوداث التي تسببها، بما في ذلك الوفاة، وعرقلة السير، وعرقلة حركة المشاة، إضافة إلى رميها في أماكن مختلفة تؤذي الذوق العام، وتشوه الأماكن التى تُرمى فيها.

كما أنّ كل هذه المشاريع، على الرغم من انتشارها الكبير، ما زالت خاسرة، وبعض البلديات حققت خسائر كبيرة من دون أي منافع تذكر. كما أعرب بعض المجالس المحلية عن مخاوفهم من قلة المشي وآثاره الصحية، بسبب استخدام المشاة لهذه الدراجات.

أما بالنسبة إلى السيارات الذاتية للحركة، فإن وجودها سيكون محدوداً جداً، وستحل محل سيارات "أوبر" ووسائل النقل العامة، ولكنها لن تحل محل السيارات الخاصة. وعلى الرغم من التقدم التكنولوجي الكبير في هذا المجال، إلاّ أنّ هناك مشاكل كثيرة، لا يمكن حلها مع التقدم التكنولوجي ومرور الزمن. مثلاً، يمكن بسهولة لمبرجمي الحاسب المتخصصين السيطرة على السيارة عن بعد، وتسييرها إلى أي مكان يشاؤون، كما يستطيعون التحكم بأبوابها، مقابل دفع فدية. ويمكن أن يتصور الإنسان ردة فعل عائلة أميركية أرسلت أولادها إلى المدرسة في هذه السيارة، عندما تأتيهم مكالمة من روسيا تقول لهم إنه تم اختطاف السيارة وتغيير مسارها وقفل أبوابها، ولن يُفرجوا عنها إلاّ إذا تم دفع مبلغ معين لحساب معين خلال عشر دقائق!

أما المشكلة الأخرى فهي طبية. فهناك نسبة لا بأس بها من البشر يصابون بالدوار والغثيان، إذا جلسوا في الكرسي إلى جانب السائق، أو في الكرسي الخلفي، بينما لا يصابون بالدوار إذا كانوا هم السائقين أنفسهم. وقد يقول مؤيد لـ "المواصلات المشتركة" إن هذه النسبة قليلة، إلاّ أنّ البيانات تشير إلى أن حوالى 13 في المئة إلى 15 في المئة من البشرية، عندهم هذه المشكلة. والواقع أن المهم ليست هذه النسبة لأنه بفرض وجود عائلة من خمسة أفراد، وشخص واحد يصاب بالدوار، فهذا يعني أن كل العائلة لن تستخدم هذه السيارة، وبالتالي فإن النسبة أكبر بكثير مما ذُكر سابقاً.

إضافة إلى ذلك، فإن مشكلة الدوار والغثيان تأتي من عدم قدرة حواس الشخص، بما فيها النظر، على التنسيق بين مختلف الأعضاء في الجسم والمراكز المرتبطة بها في الدماغ. أما أغلب الناس الذين لا يصابون بالغثيان، فإن سبب ذلك هو قدرتهم على التنسيق والتحكم، إلاّ أنّ الدراسات أوضحت أن جزءًا أخر يستطيع التحكم بنفسه لأنه يتنبأ بالحركة، سواء كان ذلك في القطار السريع في مدن الألعاب، أو في قيادة السيارة بشكل بهلواني بين السيارات وقت الزحام. المشكلة هنا أنه لا يمكن التنبؤ بحركة السيارة الذاتية الحركة، خصوصاً إذا تجاوت السرعة 80 كم في الساعة، الأمر الذي يعني أن هؤلاء سيصابون بالغثيان أيضاً، مما يرفع النسبة بشكل كبير.

خلاصة الأمر هنا أن هناك مبالغة كبيرة في انتشار "المواصلات المشتركة"، وأثرها في تخفيض الطلب على النفط. 

حقيقة السيارات الكهربائية

هناك مبالغة كبيرة في آثار السيارات الكهربائية في الطلب على النفط. وذلك للأسباب التالية:

معظم التحول إلى السيارات الكهربائية، بخاصة الحافلات الكهربائية، جاء على حساب السيارات والحافلات التي كانت تسير بالغاز المضغوط أو الغاز المسال، وبالتالي، فإن أثرها في الطلب على الغاز، وليس الطلب على النفط.

عندما بدأ التحول إلى الغاز منذ عام 2008، كانت هناك تنبؤات بتحولات كبيرة على حساب النفط، وتم تخفيض الطلب على النفط على المدى الطويل بناء على هذه التوقعات. الآن، توقف التحول إلى الغاز وبدأ التحول إلى السيارات الكهربائية، وبالتالي لا يمكن حساب الأثر مرتين، لأن التحول إلى الكهرباء جاء على حساب التحول الذي كان متوقعاً للغاز.

أغلب التحول إلى السيارات الكهربائية كان من السيارات ذات الكفاءة العالية في استخدام البنزين والديزل، وليس من السيارات العائلية الكبيرة ذات الاستهلاك العالي للبنزين، وبالتالي، فإن أي أثر في الطلب على النفط سيكون ضعيفاً. 

وقد تمت مناقشة الموضوع بإسهاب في مقال سابق في هذا الموقع بعنوان "هل تهدد السيارات الكهربائية مستقبل النفط؟" تجدونه في الرابط:

https://www.independentarabia.com/node/14561/آراء/هل-تهدد-السيارات-الكهربائية-مستقبل-النفط؟

الخلاصة

هناك مبالغة كبير في التغير الذي سيطرأ على مستقبل المواصلات في العالم. فكل التغير المتعلق بـ"المواصلات المشتركة" يزيد على كفاءة المواصلات، وعلى راحة المستخدمين، إلاّ أنّ ذلك سيؤدي في النهاية إلى زيادة الطلب على الطاقة، لكن لن يحل محل السيارات الخاصة، ولن يخفّض الطلب على النفط، كما يدّعون.

كما أن هناك مبالغة في أثر السيارات الكهربائية في الطلب على النفط، على الرغم من توقع زيادة كبيرة في أعدادها في السنوات القادمة.

وخلاصة القول إن أي تقدم تكنولوجي أو أي سياسة حكومية تأتي مع مشاكلها أيضاً، وهناك مشاكل كبيرة وجديدة أتت مع انتشار السيارات الكهربائية و"المواصلات المشتركة".

المزيد من آراء