يواجه دونالد ترمب انتقادات لاذعة لطرحه تساؤلات في شأن عرقية منافسته في حملة الانتخابات الرئاسية كامالا هاريس، لكنها ليست المرة الأولى التي يلجأ فيها الرئيس الجمهوري السابق إلى استخدام لغة ذات أبعاد عنصرية.
أسس ترمب مسيرته السياسية على نظرية مؤامرة طرحها في العقد الثاني من الألفية سعياً إلى نزع الشرعية عن الرئيس الديمقراطي حينذاك باراك أوباما عبر الإشارة بصورة خاطئة إلى أنه ولد خارج الولايات المتحدة، علماً أن والد الأخير كيني.
ويشير أولئك الذين يتهمون ترمب بالعنصرية إلى عشرات المسائل الجدلية التي أثارها قطب العقارات، انطلاقاً من رفع دعوى قضائية عليه في سبعينيات القرن الماضي بتهمة التمييز ضد مستأجرين من السود، وصولاً إلى استرضائه متظاهرين من أصحاب نظرية تفوق العرق الأبيض عام 2017.
وعادت هذه المواقف للواجهة أول من أمس الأربعاء عندما زعم بأن هاريس، أول امرأة وأول شخص من غير البيض تتولى منصب نائب الرئيس، "أصبحت شخصاً أسود البشرة" أخيراً لتحقيق مكاسب سياسية.
وعلى غرار نحو 34 مليون أميركي، فإن هاريس من عرقية مختلطة وكثيراً ما تباهت بهويتيها الجامايكية والهندية.
وعاودت هذه التصريحات تسليط الضوء على ترمب وسجله الطويل في التجاوزات العنصرية.
مواجهة صحافية
وأفاد الخبير الاستراتيجي سكوت جينينغز، الذي كان مساعداً للرئيس السابق جورج بوش الابن، لشبكة "سي أن أن"، بأن ترمب ارتكب خطأ كبيراً، متسائلاً إن كان سيختار الغوص فيه أكثر أم أنه سيتركه خلفه.
وجاءت تصريحات ترمب في سياق مهاجمته هاريس خلال حوار بدا فيه انفعالياً مع صحافيين أميركيين من أصول أفريقية في شيكاغو.
وينافس الرئيس السابق البالغ 78 سنة هاريس لجذب الناخبين السود، لكن مهمته ستكون صعبة نظراً إلى تاريخه الطويل في تشويه سمعة الصحافيات من السود.
وأشار جينينغز إلى أن على ترمب تجاوز الفضيحة، لكن الرئيس السابق أصر على موقفه، فنشر صوراً لهاريس وهي تحتفي بأصولها الهندية.
وبعدما حقق تقدماً كبيراً بعد محاولة اغتياله في يوليو (تموز) الماضي، عانت حملته الفوضى عندما حلت نائبة الرئيس البالغة 59 سنة مكان جو بايدن كمرشحة الحزب الديمقراطي الأبرز لانتخابات الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، وقلصت هاريس الفارق وباتت تنافس ترمب بشدة في استطلاعات الرأي منذ دخلت السباق الرئاسي.
وقال أستاذ السياسة في "جامعة تكساس المسيحية" كيث غادي إن ترمب أدلى بتصريحاته الأخيرة على الأرجح مدفوعاً بالرغبة في العودة للأضواء إذ إن "أحداً لم يعد يتحدث عن محاولة الاغتيال".
لكنه لفت أيضاً إلى أهمية السياق، إذ كان حواراً مع ثلاث صحافيات أميركيات من السود وأمام جمهور من الصحافيين السود، مبدياً اعتقاده بأن الرئيس السابق كان يلعب دور "المصارع في عرين الأسود" لإرضاء قاعدته الانتخابية من البيض، وقال غادي إنه "قرر مواجهة الخصم بالوكالة، عبر الدخول في معركة مع صحافيات من السود".
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
"حس اللباقة"
وأفاد بيل كريستول، كبير الموظفين من عام 1989 إلى عام 1993 لدى نائب الرئيس حينذاك دان كويل، بأن هدف ترمب سيكون على الأرجح إعادة إحياء توصيفات هاريس القديمة كشخص زائف بعد ميلها أكثر نحو اليسار السياسي خلال حملتها لانتخابات 2020 التمهيدية.
وكتب كريستول أمس الخميس في منشور تابع لموقع "ذي بولورك" (يمين وسط) بأن ترمب "يفتقر إلى حس اللباقة، لكان أمراً جيداً لو أن ما حدث يمكن أن يؤدي إلى استبعاده من النجاح السياسي".
وأضاف "لكن اللباقة لا تهيمن دائماً في عالمنا، إذ يتعين الدفاع عن اللباقة بقوة، يتعين الكشف عن الافتقار للباقة والتنديد بالأمر".
وبينما يرى بعض المراقبين في تصريحات ترمب العنصرية جزءاً من استراتيجية سياسية ذكية أكثر من كونها مجرد ردود فعل مفرطة صادرة عن شخص متعصب، تتباين آراء المحللين في شأن مدى فائدتها.
الشعبوية
وقال المحلل السياسي والأستاذ في جامعة بنغهامتن في ولاية نيويورك دونالد نيمان إن الجدل في شأن المكان الذي ولد فيه أوباما، جعل من ترمب "رمزاً للتيار الشعبوي المحافظ في 2011، ولعبت هجماته على المكسيكيين والمسلمين دوراً حاسماً في الانتصارات التي حققها عام 2016".
وأضاف "إنها تؤجج عواطف القاعدة (الانتخابية) وهذا أمر مهم، لكنها أيضاً تؤدي إلى نفور عدد من الناخبين القلة الذين لم يحسموا مواقفهم الذين يلعبون دوراً محورياً في حسم الانتخابات في يومنا هذا كما تشير نتائج الأعوام 2018 و2020 و2022".
وقال الخبير السياسي نيكولاس كريل من كلية وجامعة جورجيا الرسمية لوكالة الصحافة الفرنسية إن الجدل الأخير يكشف عن افتقار ترمب للسيطرة على نفسه ونرجسيته كون "ترمب هو ترمب"، ويستبعد بأن تكون استراتيجية من نوع ما.
ورأى أن "الطريقة الأمثل للنظر إلى هذه الفضيحة على وجه التحديد هي ليس كاستراتيجية شطرنج في بعد خامس من نوع ما كان يسعى من خلاله إلى إثارة حماسة قاعدته، بل بكل بساطة كتصريح يفتقر إلى الحساسية من رجل عنصري مسن يعتقد أنه لا يمكن أن يخطئ".