Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تجارة المترو الجوالة في مصر... صخب ومشاجرات وخروج على القانون

عربات المترو سوق شعبية وأدوات التجميل والمطبخ تتفوق على السلع الأخرى.. عربة السيدات أكثر حظا للرزق.. الأمن يتعقب الخارجين على القانون.. والركاب يقفون على خط الحيرة

يقول أحد أمناء الشرطة الموجودين في محطة مترو "سعد زغلول" في الخط الأول لمترو الأنفاق أن الناس دائمة الشكوى (رويترز)

جموع وحشود، جماعات وأفراد، صخب وصياح، حركة ناشطة، والبيع والشراء ينم عن اقتصاد شعبي إطاره زخم وحراك، وأعمدته يصفونها بأنها "من الإبرة للصاروخ". قـِوامه عشوائية ضاربة إلى الجذور.

يحزن شعب مترو الأنفاق، وعلى وجه التحديد العنصر النسائي الطاغي في "عربة السيدات"؛ أو "عربية الستات"، كما هي معروفة في منظومة مترو الأنفاق في تلك الأيام التي تقرر فيها رقابة الشرطة أن تتعقب كتائب الباعة الجوالين أو بالأحرى الباعة الراكبين.

سوق شعبية

الباعة الراكبون يمضون ساعات النهار والليل، بدءًا من الخامسة والربع صباحًا وحتى الثانية عشرة والنصف بعد منتصف الليل في الصعود والهبوط من عربات المترو، لا سيما تلك المخصصة للسيدات. ملابس داخلية وأخرى خارجية، مفروشات منزلية، حلوى وأعشاب علاجية، أدوات تجميل نسائية، محارم ورقية، كتيبات دينية، وأخرى دنيوية، والقائمة طويلة جدًا، ومتجددة دائمًا.

ودائمًا الرغبة لدى الركاب في الشراء متوافرة. صحيح أن منتصف الشهر ونهايتة يشهدان ركودًا جزئيًا وربما خفوتًا كليًا، لكن حب الاستطلاع والميل إلى الفرجة وتفحص المبيعات والتدقيق في نوعيتها، ميول لا يفترها فراغ الجيوب.

الركاب حائرون

جيوب لا أول لها أو آخر يختبئ فيها آلاف الباعة الراكبين وقت الأزمات. فبين التخفي في صورة راكب عادي، والتسلل إلى زاوية غير مرئية في العربة، ودس البضاعة أسفل المقاعد أو خلف الركاب، يتفنن الباعة في لعبة الفر أمام كر العيون الرقابية في بعض الأيام. لكن المثير نزعة التعاطف التي يوليها الركاب مع الباعة والتي تصل حد التستر عليهم أمام أعين الرقيب.

يقول أحد أمناء الشرطة الموجودين في محطة مترو "سعد زغلول" في الخط الأول لمترو الأنفاق أن الناس دائمة الشكوى. "يتسلل الباعة إلى عربات المترو فتتوالى الشكاوى على رؤوسنا، ويطالبنا الجميع بتعقبهم ومنعهم من ركوب العربات. ننظم حملات لتعقبهم وتوقيفهم، فتجد من كانوا يشكون بالأمس هم أنفسهم من يتهموننا بقسوة القلب، وينبرون من بين الصفوف لحماية الباعة وتهريبهم لمنع توقيفهم".

توقيف الباعة في مترو الأنفاق عملية ليست سهلة، لكنها ليست مستحيلة كذلك. فالخطان الأول والثاني، وبشكل أكبر الأول، معروفان بين مستخدمي المترو بأنهما أقرب ما يكونا إلى الأسواق الشعبية التي تسير على عجلات.

صخب ومشاجرات

تقول فاتن أنور، 38 عامًا: "أحيانًا يصعد في المحطة الواحدة سبعة أو ثمانية باعة بالإضافة إلى الباعة الموجودين معنا من محطات سابقة. وكثيرًا ما تتصاعد مشاحناتهم التنافسية، لا سيما إن كان هناك أكثر من بائع يبيعون البضائع ذاتها، وقد تتحول المشاحنة إلى عراك عنيف". ورغم هذا فإن فاتن تعترف إنها كثيرًا ما تشتري من هؤلاء الباعة، لا سيما الأدوات المنزلية الغريبة، مثل أكياس الثلاجة الملونة، أو غطاء أواني الطبخ السيلكيون. كما تشتري أدوات التجميل الرخيصة التي تبيعها الفتيات في عربة السيدات.

رجال في عربة السيدات

عربة السيدات في اقتصاد المترو السري نموذج يستحق الدراسة المتأنية في كل تفاصيلها. فرغم أنها عربة مخصصة لركوب السيدات فقط، ورغم أن أصوات النساء والفتيات تتعالى اعتراضًا كلما صعد رجل عربتهن عن طريق الخطأ، فإن صمتًا نسائيًا جماعيًا يغلف عمليات صعود ونزول الباعة الجوالين من الرجال، وكأنهم ضمن منظومة المترو الرسمية. تسأل عن السبب، فتأيتك الردود متراوحة بين "أكل عيش" و"دول غلابة" و"خليهم يسترزقوا".

 

تجارة رائجة

الرزق في عربة السيدات عادة أكثر وفرة من العربات المشتركة. تقول شيماء، 22 عامًا، إنها "تسرح" (تتنقل) منذ عامين في عربات السيدات على الخط الأول. ترتدي بنطلون جينز وكنزة أنيقة وتحرص على إنزال خصلة من شعر مصبوغ باللون الذهبي من تحت الحجاب الذي ترتديه مع مكياج كامل يغطي ملامح وجهها. تبيع شيماء أدوات تجميل غير معروفة المصدر. هي تؤكد إنها "بواقي تصدير"، لكن بضاعتها بكل تأكيد لا علاقة لها بتصدير ولا باستيراد. ورغم ذلك فإن بضاعتها تلقى رواجًا كبيرًا بين الراكبات من مختلف الأعمار. وأينما وجدت شيماء، تحولت العربة إلى حلقة نقاش حول ألوان أحمر الشفاه المناسبة، وطريقة وضع الكحل المثالية، وأسرار الاحتفاظ بالماسكرا.

الطريف أن شيماء لا تلفت انتباه الأمن إليها كبائعة، فهي لا تبدأ في التعريف ببضاعتها إلا بعد التأكد من أن الأبواب قد أغلقت وأن المترو تحرك من المحطة. من جهة أخرى، تحمل بضاعتها في حقيبة يد كبيرة لا تكشف عما بداخلها ما يسهل عملية تنكرها.

لكن تنكر الباعة في عربات المترو لا ينطلي على الأمن، شأنهم شأن جيوش المتسولين والمتسولات التي تجتاح العربات، لا سيما في أوقات الذروة.

مصطفى السيد، 50 عامًا، أحد ركاب المترو المستديمين. يقول إن الأمن يعلم جيدًا أن الخطين الأول والثاني للمترو يعانيان هجوم الباعة والمتسولين، ولهذا فهو على حذر دائم ليتعقبهم من خلال حملات التفتيش والمراقبة من حين لآخر.

"التحركات تجري على قدم وساق، لكن أعداد الباعة كبيرة جدًا، ومحاولاتهم التسلل إلى داخل العربات لا تتوقف" حسبما يؤكد أحد الضباط. تقف أمامه فتاتان تحمل كل منهما حقيبة بلاستيكية ضخمة تحوي بضاعتها. الفتاتان تستعطفان الضابط ليتركهما إلى حال سبيلهما. تبكيان حينًا، وتعترضان حينًا لأن "المترو مليان بائعين غيرهما".

لا توجد أرقام محددة للباعة الجوالين في مصر، لكن التقديرات تشير إلى ستة ملايين رجل وامرأة، نسبة منهم تتخذ من عربات المترو سوقًا لها.

خروج على القانون

التصريحات الرسمية تخرج دائمًا لتؤكد أن الجهود تبذل والخطوات تتخذ لمواجهة كل صور الخروج على القانون، والتصدر لمحاولات الإخلال بالأمن العام. رئيس شركة مترو الأنفاق المهندس علي الفضالي كان في جولة تفقدية في الخط الأول للمترو ومعه مدير إدارة شرطة مترو الأنفاق اللواء إبراهيم بخيت قبل أسابيع. وقتها قال الفضالي: إنه جارٍ العمل على ضبط المخالفات والظواهر السلبية التي تؤثر على مرفق المترو والمتمثلة في الباعة الجوالين والمتسولين وركوب الرجال عربات السيدات.

تصريحات متواترة تخرج مؤكدة ومشددة على ضبط كل أشكال الخروج على القانون بشكل يومي وعلى مدار ساعات التشغيل على الخطوط الثلاثة للمترو. وتؤكد التصريحات على عمل أكمنة ثابتة داخل المحطات والأرصفة وأخرى متحركة داخل القطارات لضبط الباعة والمتسولين، لكن رغم تحصيل الغرامات وعمل المحاضر، فإن السيل لا يتوقف والاجتياح لا يخفت.

قليل من تطبيق القانون مع كثير من انتشار البطالة وتدني التعليم وتسرب الصغار من المدارس واعتبار الإنجاب الكثير وسيلة للربح عبر أعمال دونية وهامشية مثل البيع المتجول عوامل نمت وانتشرت في سنوات ما بعد ثورة يناير 2011. وأدى جميعها إلى نمو ظواهر مجتمعية غريبة يتجلى بعضها في المترو في صورة باعة راكبين.

المهندس علي الفضالي يقول إن الظاهرة تفاقمت خلال الفترة الأخيرة في داخل عربات المترو، وتسبب في مضايقات للركاب. لكن الركاب أنفسهم في حيرة من أمرهم. ولو كانوا في تكدر حقيقي من غزوة الباعة الجوالين، لقاطعوا بضائعهم، وامتنعوا عن الشراء منهم. لكن الفكرة نفسها غير واردة. فالغالبية متفاعلة مع الباعة، إن لم يكن تعاطفًا، ببهجة الشراء والتسوق. أما الباعة، فهم مصنفون عاطلون عن العمل، مستحقون لدعم السلع الغذائية، والمعاشات الاستثنائية، وفي الوقت نفسه يعملون بالتجارة، والتجارة شطارة، والبقاء بعيدًا عن أعين الرقابة شطارة، وأي شطارة، وفقا للباعة الجوالين.

المزيد من الشرق الأوسط