ملخص
لم يكن فوز مادورو مفاجئاً، ونظراً للتطابق التام بين ما حصل في سوريا وفنزويلا يمكن القول إن من يطبق هذه الخطط الانتخابية يستخدم الكتاب الإرشادي نفسه، لهذا لا يمكن إنكار الدور الروسي في تثبيت حكم مادورو!
فنزويلا تملك أكبر احتياطات نفط في العالم، ولكن وصل الأمر بسكانها أن بعضهم أكل الكلاب والقطط، وانهارت العملة حتى تم تبادلها بالوزن، وهربت رؤوس الأموال، وهاجرت الكفاءات والعقول، وكل هذا من دون غزو دول أخرى لها، أو حرب أهلية. نعم، هناك عقوبات أميركية على فنزويلا، ولكن مشكلات فنزويلا والوضع المزري فيها نتيجة تراكم أعوام من السياسات الفاشلة، التي كان منها طرد عدد كبير من مهندسي وموظفي شركة النفط الفنزويلية في عام 2022، وتركيز كبير على السياسات الشيوعية/الاشتراكية، وإعطاء إعانات لكل من يناصر النظام.
انتهت الانتخابات الرئاسية أمس الأحد بفوز مادورو بفترة ثالثة، مع قول المعارضة إنها نجحت واتهامها لجماعة مادورو بأنهم زوروا نتائج الانتخابات. المشكلة الأساسية للمعارضة أنها مدعومة أميركياً، وتطالب علناً بالدعم الأميركي، وبذلك قدموا خدمة كبيرة لمادورو وحزبه، الذين اتهموا المعارضة بالتخابر والعمالة والخيانة! لم يكن فوز مادورو مفاجئاً، بخاصة لمن لديه خبرة في انتخابات كل الدول المماثلة، بما في ذلك سوريا، ونظراً للتطابق التام بين ما حصل في سوريا وفنزويلا يمكن القول إن من يطبق هذه الخطط الانتخابية يستخدم الكتاب الإرشادي نفسه، لهذا لا يمكن إنكار الدور الروسي في تثبيت حكم مادورو!
انعاكسات الانتخابات الفنزويلية في أسواق النفط
لهذه الانتخابات انعكاسات كبيرة في أسواق النفط. فالمعارضة المدعومة أميركياً تريد الانفتاح على العالم والسماح للشركات الأجنبية بتطوير قطاع النفط والغاز في فنزويلا. ورأينا نتائج ذلك في التسعينيات عندما كانت هذه الأحزاب هي المسيطرة على الحكم قبل أن ينجح هوغو تشافيز بالرئاسة في 1998. فقد ارتفع إنتاج النفط بصورة كبيرة، ورفضت الحكومة الفنزويلية وقتها الالتزام بحصص "أوبك" الإنتاجية، مما كان أحد العوامل المهمة في انهيار أسعار النفط في 1998. وهناك من يرى أن قرار زيادة "أوبك" للإنتاج بمقدار مليوني برميل عام 1997 كان هدفه معاقبة فنزويلا. وهدف المعارضة هو رفع الإنتاج من 800 ألف برميل يومياً إلى أربعة ملايين برميل يومياً.
أُعلن صباح اليوم الإثنين عن فوز الرئيس مادورو بولاية ثلاثة، وهذا يعني أن الوضع الحالي سيتسمر، ومن ثم فإن إنتاج فنزويلا سيستمر بحدود 800 ألف برميل يومياً، من دون أي أمل بالانتعاش خصوصاً أن هناك احتمالاً أن الحكومة الأميركية ستتهم مادورو بتزوير الانتخابات، ومن ثم فإنها ستفرض عقوبات إضافية، بما فيها عقوبات على قطاع النفط. وما يشجعها على ذلك هو انخفاض أسعار النفط حالياً.
ولكن يجب النظر إلى العلاقات الأميركية-الفنزويلية من منظور المصالح من جهة، ومن منظور إسرائيلي من جهة أخرى. فالولايات المتحدة لا تريد توقف أو انخفاض إنتاج وصادرات النفط الفنزويلي من جهة، كما أنها لا تريد مشكلات إضافية تتعلق بالهجرة غير الشرعية للولايات المتحدة، ولا تريد أن يشن مادورو هجوماً عسكرياً على غايانا أو على حقول النفط التابعة لغايانا التي تسيطر عليها الشركات الأميركية، إذ إنه يدعي أن ثلثي أراضي غايانا هي أراض فنزويلية. بعبارة أخرى، المصالح تقتضي عدم تضييق الخناق على مادورو. من وجهة نظر إسرائيلية، الحكومة الفنزويلية معادية لإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين، وهناك تغلغل كبير لـ"حزب الله" اللبناني في فنزويلا، لهذا اعتبر البعض أن هزيمة المعارضة اليمينية هي ضربة لإسرائيل.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
هذا كله يعني أن إمدادات النفط الفنزويلية ستستمر كما هي من دون أي زيادة، وأن الولايات المتحدة لا تريد انخفاض صادرات النفط عن مستواها الحالي، وهذا يساعد في توازن أسواق النفط في الفترة المقبلة، ولكن معاناة الفنزويليين مع الفقر والنقص في الخدمات ستستمر، وزيادة اعتماد الحكومة على الصين وروسيا ستزيد.
واستمرار الحكم كما هو عليه في فنزويلا قد يوحي بالاستمرارية والاستقرار، ولكن الواقع عكس ذلك. على رغم الحكم المدني والانتخابات، إلا أن فنزويلا في النهاية محكومة من الجيش الذي يدعم الرئيس الحالي حالياً، ولكن يمكن أن ينقلب عليه في أية لحظة. فهناك غضب شديد نتيجة التضخم الهائل والفقر الشديد وندرة السلع والخدمات. لهذا يتوقع أن تقوم حكومة مادورو بمحاولات دولية لتحسين الوضع، التي قد تتضمن مفاوضات مع الأميركيين، خصوصاً أن الخلاف بينهما كان متعلقاً بالانتخابات، والتي انتهت صباح اليوم الإثنين. الآن حسمت النتيجة لمصلحة مادورو وعلى الأميركيين التعامل مع هذه الحقيقة. لهذا يتوقع أن يقدم مادورو تنازلات للأميركيين بهدف التخفيف من حدة العقوبات وتحسين العلاقات. في ظل هذا السيناريو، يمكن لفنزويلا أن ترفع إنتاجها بمقدار 200 ألف برميل يومياً بصورة سريعة، ثم زيادة نحو 100 ألف برميل يومياً لاحقاً. وكل المطلوب هو تسهيل وصول سوائل غازية معينة إلى فنزويلا بصورة مستمرة لمزجها مع النفط الثقيل لتسهيل نقله في الأنابيب والسفن، ويمكن للولايات المتحدة أن تؤمن ذلك بسهولة وخلال أيام. المصافي الأميركية هي المستفيد الأكبر من أي تحسن في العلاقات، ومن زيادة صادرات فنزويلا، لأنها بنيت أصلاً للتعامل مع نوعية نفط مماثلة للنفط الفنزويلي.
مشكلة قطاع النفط الفنزويلي أنه قديم من جهة، ومنهار من جهة أخرى. أضف إلى ذلك الهجرة الكبيرة للخبرات التي أسهمت في زيادة إنتاج النفط في دول أخرى بخاصة كولومبيا. ولا يمكن الاستفادة من هذه الخبرات الآن لأنها هاجرت منذ أعوام ولم يعد لها ارتباط بما يحصل في أرض الواقع من جهة، ورواتبها في الأسواق العالمية أعلى بكثير من رواتبها في فنزويلا. ونظراً لانهيار البنية التحتية وقدمها، فإن أي عمليات إنعاش تتطلب استثمارات أجنبية ضخمة، وخبرات أجنبية، ووقتاً طويلاً. فرفع الطاقة الإنتاجية من 1.1 مليون برميل يومياً إلى 2.1 مليون برميل يومياً يتطلب ثلاثة أعوام في الأقل.
وهناك أيضاً مشكلة الغاز فاحتياطات فنزويلا من الغاز هائلة، ولكن مثلما انخفض إنتاج النفط انخفض إنتاج الغاز إلى النصف تقريباً عما كان عليه منذ 10 أعوام. تطوير هذه الاحتياطات يتطلب استثمارات ضخمة، وتقنية وخبرات أجنبية.
وبفرض تحسن العلاقات السياسية مع الولايات المتحدة، وحظي مادورو بالرضا الأميركي، فإن تطوير قطاع النفط والغاز الفنزويلي سيعاني على كل الحالات بسبب الديون الهائلة التي تقدر بـ150 مليار دولار، جزء منها للشركات التي يجب أن تقوم بتطوير حقول النفط والغاز! هذه الديون هي الحبل المربوط برقبة أي حكومة فنزويلية مهما كانت اتجاهاتها السياسية. إعادة هيكلة الديون هي الشغل الشاغل لحكومة مادورو الآن، وليس هناك أي خيار أمام الحكومة الأميركية سوى المساعدة في إعادة الهيكلة، ولكن هذا يعني تنازلات من حكومة مادورو، التي ستعني في النهاية رهن النفط الفنزويلي ومستقبل الأجيال القادمة... وأختم باستعاذة الرسول، صلى الله عليه وسلم، من "غلبة الدين وقهر الرجال!".