ملخص
توقعات بأن تحدث هذه الانتخابات تغييرات في توازن القوى السياسية، مما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة وفرص لبروز معارضة فعالة، فمن بين الأحزاب التي قد تعود بقوة إلى الساحة السياسية، حركة مجتمع السلم وحركة البناء وجبهة القوى الاشتراكية أمام تراجع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي.
مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في الجزائر، المقررة في السابع من سبتمبر (أيلول) المقبل، تتصاعد حمى الحراك السياسي، وبات الحديث عن المترشحين والنتائج المحتملة للاقتراع يعلو على أية أحاديث أخرى في الشارع الجزائري، لا سيما مع انتهاء فترة جمع التوقيعات وإيداع الذين استوفوا الشروط ملفاتهم أمام اللجنة المستقلة للانتخابات، ومنهم من أحدث المفاجأة، مما يؤشر لمشهد جديد قد يعيد تشكيل الخريطة السياسية في البلاد.
وتعيش الطبقة السياسية في الجزائر على وقع الاستعدادات للانتخابات المقبلة، إذ انتهت اليوم الآجال المحددة قانوناً لإيداع ملفات الترشح واستمارات التوقيعات لدى السلطة المستقلة للانتخابات بحضور المعنيين، من دون تكليف آخر ينوب عنه كما جرت عليه العادة سابقاً، غير أن نوعية وعدد الحضور مقابل 37 راغباً في الترشح كشفا عن بعض جوانب المشهد السياسي المرتقب.
وقدم 13 راغباً في الترشح أوراقهم إلى الهيئة المستقلة للانتخابات في اليوم الأخير لإيداع الملفات، معظمهم "غير معروفين" لدى الجزائريين، ويبقى كل من السكرتير الأول لحزب جبهة القوى الاشتراكية يوسف أوشيش، ورئيس حركة مجتمع السلم عبدالعالي حساني، ورئيس حزب التحالف الجمهوري بلقاسم ساحلي، ورئيسة الكونفيدرالية العامة للمؤسسات الجزائرية سعيدة نغزة، ورئيسة حزب الاتحاد من أجل التغيير زبيدة عسول، أهم الوجوه التي يتداول اسمها في الساحة السياسية، إلى جانب الرئيس عبدالمجيد تبون.
كما أودع أيضاً كل من سليمان بوعمريون وأحمد قوراية، ورؤوف العايب وعبدالحكيم حمادي، والعبادي بلعباس وشعبي سالم وطارق زغدود، ملفات ترشحهم للانتخابات الرئاسية.
سياسيو ما قبل الحراك الشعبي
واللافت في قائمة الشخصيات التي أبدت رغبتها في الترشح لمنصب رئيس الجمهورية، سواء التي قدمت ملفاتها أم تلك التي لم تتمكن من جمع النصاب القانوني للتوقيعات، خلوها من سياسيي فترة ما قبل الـ22 من فبراير (شباط) 2019، ما عدا الأمينة العامة لحزب العمال لويزة حنون، المنسحبة من السباق، والمحامية زبيدة عسول، التي ظهرت في خضم الحراك الشعبي، وذلك يرجع إلى أسباب عدة، أبرزها الوفاة والانسحاب من المشهد السياسي والمرض وتراجع الشعبية واستمرار "الاستبداد" الحزبي، ورفض التجديد ومسايرة التغيير الحاصل بدخول الشباب المجال السياسي والسجن والفرار إلى الخارج.
ولعل من الوجوه الغائبة التي كانت تملأ الساحة السياسية صخباً، رئيس حركة مجتمع السلم السابق عبدالرزاق مقري، المتراجع عن المشهد، الذي خلف أبوجرة سلطان "المختفي"، ورئيس الجبهة الوطنية الجزائرية موسى تواتي، الموجود في وضعية صحية حرجة، والأمين العام السابق للتجمع الوطني الديمقراطي، أحمد أويحيى، السجين، إلى جانب الأمين العام السابق لجبهة التحرير الوطني، جمال ولد عباس، وسابقه عمار سعيداني الفار إلى الخارج، وعبدالله جاب الله رئيس "الحرية والعدالة" الغائب عن الميدان الحاضر عبر البيانات، والرئيس الأسبق لطلائع الحريات علي بن فليس، والرئيس الأسبق للتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية سعيد سعدي، المنسحب من الساحة، وغيرهم من الشخصيات.
إعادة رسم الخريطة السياسية
في السياق، يعد الحقوقي والناشط السياسي آدم مقراني، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، الانتخابات الرئاسية المقبلة تشكل منعطفاً حاسماً قد يسهم في إعادة رسم الخريطة السياسية في البلاد بصورة كبيرة، لا سيما مع عودة عديد من الأحزاب التي كانت قاطعت الاستحقاقات السابقة، مثل حزب القوى الاشتراكية وحركة مجتمع السلم، بعد حصولها على ضمانات في شأن نزاهة العملية الانتخابية. وقال إن هذه التشكيلات ترى في الانتخابات الحالية فرصة لإعادة تعبئة قواعدها واستعادة نفوذها السياسي، مما يعكس تحركاً نحو تعزيز المشاركة السياسية وتوسيع دائرة الحوار في البلاد.
اقرأ المزيد
يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)
ويتوقع مقراني أن تحدث هذه الانتخابات تغييرات في توازن القوى السياسية، مما يفتح الباب أمام تحالفات جديدة وفرص لبروز معارضة فعالة، مشيراً إلى أن من بين الأحزاب التي قد تعود بقوة إلى الساحة السياسية، حركة مجتمع السلم وحركة البناء وجبهة القوى الاشتراكية أمام تراجع جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي، مع بروز أخرى مثل جبهة المستقبل وجبهة الجزائر الجديدة. وأضاف أن انتخابات السابع من سبتمبر يمكن أن تشهد تثبيت تحالفات جديدة تضم قوى سياسية مختلفة تسعى إلى تشكيل جبهة موحدة تنافس تحالف السلطة، ولعل أبرزها تكتل الاستقرار والإصلاح المتشكل من سبعة أحزاب، ويقوده المترشح بلقاسم ساحلي. يضيف مقراني "أما في ما يتعلق بالمعارضة، فإن هناك توقعات بظهور معارضة حقيقية تعتمد على الشباب وتقنيات التواصل الحديثة للتعبير عن مطالبها والتأثير في الشارع، مقابل انحسار دور المعارضة التقليدية التي اعتمدت على أساليب قديمة وفشلت في تحقيق نتائج ملموسة، الذي أشار إلى بروز وجوه جديدة تحمل رؤى وأفكاراً مبتكرة لتحقيق التغيير".
وختم بأن الانتخابات الرئاسية المقبلة تحمل في طياتها كثيراً من الاحتمالات لتغيير المشهد السياسي، ولكن ذلك يعتمد بصورة كبيرة على قدرة الأحزاب والشخصيات الجديدة على تقديم برامج ورؤى تلبي تطلعات الشعب وتعزز الديمقراطية في البلاد.
ظهور وجوه واختفاء أخرى
من جهته يقول السياسي عدة فلاحي في حديثه إلينا إن الانتخابات الرئاسية لم تغير الخريطة السياسية في الجزائر إلا مرة واحدة في عام 1999، التي وصفت بأنها "انتخابات انسحاب الفرسان الستة" الذين ترشحوا ضد الرئيس الراحل عبدالعزير بوتفليقة، إذ ظهرت أحزاب الإصلاح وحركة المجتمع الإسلامي والتجمع من أجل الثقافة والديمقراطية، وجبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي وحزب العمال، وكلها كانت أحزاباً قوية وذات تمثيل وفاعلية في البرلمان والمشهد السياسي، مضيفاً أن الطبعات التي تلت 1999 "كلها شكلية وعلى الهامش".
ويواصل فلاحي أنه "لا يمكن الحديث اليوم عن أن انتخابات 2024 ستفرز خريطة جديدة وغالب الأحزاب خلف رجل واحد، المترشح عبدالمجيد تبون، مع مشاركة جبهة القوى الاشتراكية أقدم حزب معارض، بوجوه باهتة لا وزن ولا تاريخ لها"، موضحاً أن "وجود الأحزاب الكرتونية سيستمر، لكنهما نوعان، الأول محترم ومسؤول، والآخر تجاري يستخدم الوسائط الاجتماعية لمعارضة السلطة ليس لمصلحة الشعب والوطن وإنما لكسب المال من جهات لا تريد الخير للجزائر". ويضيف "بالتأكيد ستظهر وجوه وتختفي أخرى، لكن الوجوه الجديدة أسوأ من تلك التي ستختفي، من ناحية الكاريزما والثقل السياسي". وتابع أنه "لا يمكن أن نشهد تكتلاً موازياً لتحالف السلطة، وللأسف لا أمل في ميلاد معارضة حقيقية في الأقل في هذه المرحلة التي بدأ فيها التشكيك في جدوى المعارضة وحتى الديمقراطية، بعد نجاح نموذج الصين وتعثر ديمقراطية فرنسا وأميركا، واختفاء النخب السياسية الثقيلة فلم يتبق إلا الهواة".
مساحة أكبر لبعض التكنوقراطيين
إلى ذلك، يرى الإعلامي المهتم بالشؤون السياسية كريم بن زيتوني أن الساحة السياسية لن تشهد تغيرات كبرى باستثناء منح مساحة أكبر لبعض التكنوقراطيين وحتى المتحزبين المطالبين بالتغيير الهادئ كحزبي جيل جديد وجبهة القوى الاشتراكية، وهي أحزاب ستعمل السلطة على الدفع بها إلى الواجهة بعد بروز رفض بعض الوجوه القديمة أداء دور المعارضة.
وأبرز بن زيتوني أن "هذين الحزبين مع حركة البناء وجمعيات المجتمع المدني هما خيار السلطة حالياً لتعويض طبقة سياسية قديمة مترهلة ومستهلكة تجاوزتها طموحات الجزائريين ولم تعد تحوز ثقتهم، لكن السلطة في مقاربتها الانتخابية الأوسع بعيداً من مشهدية التسويق لن تغامر بإبعاد الأحزاب التقليدية المهيكلة جيداً".