Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

هل تستخلص "وول ستريت" العبرة اخيرا من شركات التكنولوجيا؟

دقت "وي وورك" ناقوس الخطر مرارا قبل قرار وقف تعويمها، وينطبق الأمر نفسه على "أوبر" و"ليفت"

لم يعد خافيا على المستثمرين والمضاربين وجود أزمة عميقة في أعمال الشركات الجديدة في التكنولوجيا الرقمية (اسوشيتدبرس)

هل نحن بصدد رؤية مؤسّسية لأسلوب عملٍ جديد أم حادث موشك على  الوقوع؟ الواضح أنّ الخوف من إندراج "وي وورك" ضمن الفئة الثانية هو الذي مهّد بشكلٍ أساسي لتعليق قرار تعويم الشركة الأم "وي كومباني" (WeCompany)     المضطربة بشكلٍ متزايد، على الرغم من الترويج الواسع لها، في السوق النيويوركي.

فمبدأ الشركة العملاقة في مجال المساحات المكتبيّة المشتركة يقوم على استئجار عقارات بموجب عقود طويلة الأجل وتحسينها وتجهيزها بالمعدات المكتبيّة اللازمة ثم إكرائها بالوكالة لمؤسسات وأفراد، من قبيل شركات تكنولوجيا ناشئة وأصحاب أعمال حرّة وشركات صغيرة وسريعة النمو وإلى ما هنالك.

والغاية هي إنعاش روح الجماعة في غمرة ثقافة عمل مشرذمة ومذعورة - برسم صورة برّاقة ومبهجة وعفوية مصمَّمة لترغيب أبناء جيل الألفية. والمميّز بشأن "وي وورك"، مؤهلاتها التي تُحاكي مؤهلات الشركات العاملة في مجال التكنولوجيا ومؤسسها آدم نيومان الذي يتمتع بمظهر نجوم الرّوك بشعره البني المموّج وولعه الشّديد بالظهور في قمصان تي-شيرت وأحذية رياضية، الأمر الذي يستقطب اهتمام حشود كبيرة. أضف إلى ذلك، طريقة نمو أعمال الشركة الشبيه بطريقة نمو الشركات التكنولوجية. فبعد مرور أقل من عقد من الزّمن على انطلاقها من حيّ سوهو المعروف في كونه حي الأزياء في نيويورك، نجحت "وي وورك" بفضل كبار الجهات المموّلة وفي طليعتها: مجموعة "سوفت بنك" (SoftBank) اليابانية الشهيرة، في شقّ طريقها إلى العالمية. والمذهل أنّ "وي وورك" اليوم تشغل أكبر مساحة مكتبيّة في وسط لندن، متفوّقةً بذلك على كبار مصارف المدينة وشركاتها التّكنولوجية، بما فيها "أمازون" (Amazon) و"غوغل" (Google)؛ وحدها الحكومة تشغل مساحات مكتبيّة أكبر منها. لذا من الطبيعي أن تُحدث خططها بتعويم نيويورك ضجةً أكبر من أسطولٍ كامل من سيارات الأوبر المُعدّة خصيصاً لنقل المشاهير.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

في البداية، قيل إنّ الشركة تستهدف تقييماً يصل إلى 47 مليار دولار أميركي (أيّ ما يُوازي 37.6 مليار جنيه إسترليني). وإذ جرت الرياح بعكس ما تشتهيه سفنها، تراجعت قيمتها السوقية إلى 20 مليار دولار أميركي (16 مليار جنيه إسترليني)، فإلى 15 مليار دولار أميركي (12 مليار جنيه إسترليني). وبحسب بعض التقارير ذات الصلة، تدهورت قيمة "وي وورك" لحدّ 10 مليارت دولار أميركي (8 مليارات جنيه إسترليني) في مسعىً لاستقطاب المستثمرين. لكنّ هذا الأمر لم يعد وارداً أقلّه في الوقت الحاضر. ما الذي تغيّر؟ الكثير حقيقةً والبداية مع أسلوب التدبير. فنيومان سحب من "وي وورك" مئات الملايين من الدولارات بسبب علاقته التعاقدية المعقّدة بها، بما في ذلك الملايين الناتجة عن إكرائه إياها أربعة مبانٍ يملتكها. وما زاد الطين بلّة وخفّف من حماسة المستثمرين الخارجيين، سيطرة نيومان على التصويت واحتواء نشرة الشركة على تحذير واضح وصريح يُنبّه هؤلاء بضرورة التحلّي بالصبر في حال اتّخاذه قراراً لا يُعجبهم. وحتى لمّا حاول نيومان تقليص حقوقه في التّصويت من 20 صوتاً إلى 10 أصوات، ظلّ الوضع على حاله.

ومن جهتها، بدأت "وول ستريت" بتجنّب الشركات التكنولوجية المملوكة لمؤسسين نافذين. فالحرب المفتوحة على إدارة شركة "أوبر" والتي أدّت إلى إطاحة مؤسسها المثير للجدل ترافيس كالانيك، لا تزال مخيّمة بذكراها وشواهدها. لكنّ الشؤون المالية ربما هي الأخطر: فـ"وي وورك" خسرت حوالى دولارين مقابل كلّ دولار كسبته من عائدات خلال النّصف الأول من العام 2019، مسجلةً إنخفاضا إلى ما دون 2.5 مليار دولار أميركي (أيّ ما يعادل ملياري جنيه إسترليني) حسب البيان المرسل إلى الهيئة التنظيمية الأميركية؛ وهذا الانخفاض هو من النوع الخاص بشركات التكنولوجيا.

  لكن هل "وي وورك" هي فعلاً شركة تكنولوجية أم مجرّد شركة تزويد خدمات مكتبيّة أنيقة من النوع الذي يُمكن أن يتعثّر في حال حدوث ركود عالمي؟ لو تملك عقود إيجار طويلة الأمد فيما يملك عملاؤك عقود إيجار قصيرة الأمد، توقّع لنفسك الوقوع في مأزق لو بدأت أعمالهم بالتّراجع أو بدأوا يبحثون عن مكاتب أرخص تُتيح لهم الإفلات من قبضة نزلة صقيع اقتصادي.

وبعد الخسائر الكبرى التي مُنيت بها "وولت ستريت" بسبب شركتي "أوبر" و"ليفت" اللتين عانتا كثيراً في السّوق بعد تعويمهما، كان من الضّروري توخّي الحيطة والحذر. فالمستثمرون يدفعون أكثر من المستحقّ للانضمام إلى شركات فخمة ذات نماذج أعمال مهزوزة، وذلك خوفاً من عدم قدرتهم على اللّحاق بـ"أمازون" أو "غوغل" من أيّ شيء آخر. وهذه ليست أبداً طريقة معقولة ومنطقيّة للمضي قدماً والاستمرار. لعلّ القاتل الفعليّ لإدراج أسهم "وي وورك" في السّوق هو التّوقيت. لذا ينبغي على الشّركة الآن العودة إلى مرحلة التّخطيط وربما إلى المصارف لإعادة التّفاوض بشأن رزمة تمويل كبيرة تتوقّف عليها عملية التعويم. ولو تسنّى للشركة تجاوز الأشهر القليلة المقبلة بنجاح، فستكون أمامها فرصة ثانية عساها أن تعود عليها بالمكاسب. وفي ما يتعلّق بـ"وول ستريت، فقد تصرّفت بحذرٍ شديد هذه المرة لأنّه سبق لها أن احترقت بنيران تجارب سابقة لم يمرّ على بعضها فترة طويلة في المركز المالي لأميركا.

© The Independent

المزيد من اقتصاد