Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تسابق إلى كرسي رئاسة الجزائر فوق رمال أزمة اقتصادية "خطيرة"

تزور بعثة من البنك وصندوق النقد الدوليين الجزائر خلال الأيام المقبلة لمتابعة أوضاع البلاد التي تواجه خطر الإفلاس

ملصقات وصور المرشحين لانتخابات الرئاسة الجزائرية في وشارع العاصمة يوم 16 سبتمبر 2019 (أ.ف.ب)

تتحرك رمال أزمة اقتصادية واجتماعية خانقة بشكل هادئ تحت أقدام الشعب الجزائري الذي سمّر وجهه صوب الأزمة السياسية، ما يضع الرئيس المقبل في مواجهة تحديات "عظيمة" على رأسها إرضاء المواطنين فقط، مقابل بلد يعيش على وقع مشاكل سياسية واقتصادية واجتماعية وحتى ثقافية وتعليمية وغيرها، خلفها النظام البوتفليقي "الفاسد".

بركان مشاكل 

بدأ التسابق على كرسي الرئاسة منذ إعلان السلطة المستقلة للانتخابات بداية تسليم استمارات الترشح، وقد بلغ عدد الراغبين في تسلم مفاتيح قصر "المرادية" 22 مترشحاً، ما يستدعي التوقف عند برنامج هؤلاء المرشحين والتمعن في نظرتهم للمنصب، خصوصاً أن البلاد تعيش فوق بركان مشاكل "عنيفة" قد يثور في أية لحظة. فهل يعي هؤلاء حجم المسؤولية المنتظرة أم إن عنوان "رئيس الجزائر" هو الهدف الأسمى والوحيد؟

وقد حذرت منظمة حماية المستهلك من ركود اقتصادي يهدد البلاد، استناداً إلى ما يصلها من معطيات من قبل التجار ورجال أعمال ومتخصصن، وكشفت عن أن "اقتناء المنتجات الغذائية تراجع بنسبة 80 في المئة بسبب توقف بعض المصانع عن العمل بحكم تراكم منتجاتها، ما أدى إلى تسريح آلاف العمال. كذلك أعلنت المنظمة أن "عدد التجار الذين أوقفوا نشاطهم خلال الأشهر القليلة الماضية بلغ 50 ألف تاجر، كما تراجع النشاط التجاري حوالى 40 في المئة، وتوقعت مغادرة المستثمرين الأجانب مع نهاية السنة في ظل استمرار ضبابية المشهد السياسي، ما يتطلّب الإسراع في تنظيم الانتخابات الرئاسية، لمباشرة إصلاحات مستعجلة وبالتالي حماية البلاد من انهيار غير محسوم العواقب.

الاقتصاد في الإنعاش...

لقد دخلت قطاعات اقتصادية عدة مرحلة الإنعاش، بعد انكماش معدل النمو. وكان قطاع البناء والأشغال العمومية أكثر القطاعات تضرراً مع إقفال أبواب مؤسسات البناء والشركات المرافقة وتسريح عمالها. وذكرت الجمعية العامة للمقاولين الجزائريين أن أكثر من 1360 شركة توقفت عن العمل لغياب مخططات واضحة، في وقت توجد ثلاثة آلاف شركة أخرى معرضة للخطر ذاته. وأضافت "العدد سيرتفع مع استمرار الحراك وجمود المؤسسات الحكومية".

وأشار الخبير الاقتصادي عبد الحق لعميري إلى أن "القدرة الشرائية للمواطنين مهددة بأن تفقد 1.5 في المئة من قيمتها سنوياً"، محذراً من "انعكاسات سلبية للوضعية الاقتصادية الحالية التي ستؤدي إلى تفاقم مشاكل اجتماعية عدة"، وموضحاً أن "التعقيدات ستظهر تدريجاً وليس بشكل سريع، فالوضع الاقتصادي الحالي ناتج من تراكم سياسات اقتصادية فاشلة، وزاد الوضع السياسي الحالي تأزّمه". ودعا إلى الإسراع في "إيجاد حل للوضع السياسي لأنه مفتاح سياسات اقتصادية واجتماعية ناجحة".

أرقام سلبية تحت مراقبة دولية

في السياق ذاته، قالت وكالة "موديز" للتصنيف الائتماني إن "الأزمة السياسية في الجزائر ستعمق التحديات الاقتصادية والمالية، وستشكل خطراً على التقييم الائتماني للبلاد"، مرجّجةً أن "يضغط استمرار الضبابية لفترة طويلة على الآفاق الاقتصادية للبلاد، التي تدهورت بشكل ملحوظ منذ الهزة التي شهدتها أسعار النفط عام 2014"، علماً أن الجزائر احتلت المرتبة 159عالمياً من بين 162 دولة في مؤشر الحرية الاقتصادية لسنة 2019، الصادر عن معهد "فريزر" الكندي.

وتزور بعثة من البنك وصندوق النقد الدوليين، الجزائر خلال الأيام القليلة المقبلة، وفق ما علمته "اندبندنت عربية" من مصادر مطلعة، لمتابعة الأوضاع الاقتصادية والمالية والاجتماعية للبلاد، التي تواجه خطر الإفلاس، خصوصاً في ظل تراجع أسعار النفط. وتقول الدراسات إن "الجزائر تحتاج إلى 116 دولاراً لبرميل النفط من أجل ميزانيتها، وقد سجل ميزانها التجاري عجزاً بـ 4.41 مليار دولار خلال الأشهر السبعة الأولى من عام 2019، مقابل 3.05 مليار دولار في الفترة ذاتها من عام 2018.

أولويات الرئيس المقبل

يعتقد أستاذ العلوم الاقتصادية في جامعة الجزائر محمد حميدوش، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، أنه "لن يكون هناك رئيس نهاية السنة الحالية، وأن الأمر مؤجل الى نهاية عام 2020، أي مع نهاية السنة المقبلة"، موضحاً أن أولويات عدة في انتظار الرئيس المقبل، أهمها تطوير الاستثمار لتوفير مناصب عمل وتخفيض الضرائب لتشجيع الاستهلاك، وخصخصة الشركات العمومية عبر البورصة، وتحويل جزء من الخدمات العمومية إلى القطاع الخاص، مثل التربية والتعليم العالي والصحة، إلى جانب إعادة النظر في قانون النقد والقروض، ليصبح الدينار المحلي عملة قابلة للصرف والتداول في الخارج.

الحكمة والخبرة وبعد النظر... ثلاثية الرئيس المقبل

وفي خضم وضع اقتصادي متهاو ومشاكل اجتماعية كارثية، تتسارع شخصيات على جلب استمارات الترشح للرئاسيات المقررة في 12 ديسمبر (كانون الأول) 2019 وقد بلغ عددهم 22 مترشحاً، ما خلق جواً من الامتعاض لدى أوساط عدة، على اعتبار أن منصب رئيس الجمهورية ليس مركزاً رمزياً، خصوصاً في ظل أوضاع غير مستقرة على المستويات كافة، الأمر الذي دفع إلى التساؤل حول مستوى المرشحين وتجربتهم ومدى اطلاعهم على حقيقة الوضع.

وفي هذا الشأن، يقول المحلل السياسي كمال عبدالله، في تصريح لـ"اندبندنت عربية"، إن "الجزائر تعيش وضعاً استثنائياً على كل الصعد، ما يستدعي وصول شخصية راقية بحكمتها وفكرها وتجربتها وبُعد نظرها إلى كرسي الرئاسة، فالأوضاع لا تقبل التأجيل أو الانتظار". وتابع "التسابق على مفاتيح قصر الرئاسة ظاهرة صحية، خصوصاً إذا كان المرشحون من غير الوجوه المعتادة، لكن أن يكونوا عديمي التجربة أو غير مطّلعين على حال البلاد، فهذا أمر يزيد على تأزيم الوضع"، معتبراً أن الجزائر "ستخرج من انسدادها السياسي عاجلاً أو آجلاً، لكن اقتصادها المرتبط بالخارج سيتعرض للابتزاز والمساومة، ما قد يرهن سيادة البلاد ويفاقم المشاكل الاجتماعية بسبب الإملاءات الخارجية، التي ستكون انعكاساتها وخيمة على الداخل".

وأضاف عبدالله "لا أعتقد أن المتسابقين على دراية بما ينتظر رئيس البلاد"، موضحاً أنه يمكن تصنيف بعض المرشحين ضمن قائمة "الباحثين عن الشهرة" أو "المحاولين" أو "الأرانب"، متوقعاً أن يجري تسجيل عدد كبير من الطامحين إلى كرسي رئاسة الجزائر.

المزيد من العالم العربي