Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

موسيقى "الروك"... إيقاع الحياة في جسد العالم

لم تحمل بعداً سياسياً ثورياً مقارنة بأنماط أخرى بل كانت في جوهرها جمالية تعبر عن رغبة الشباب المحمومة في الحرية والاختلاف

في البداية كانت الموسيقى نقية تُسمع في هدوء لكن حرارة الواقع الأميركي ودخول الغيتار الكهربائي قلبا معالمها (أ ف ب)

ملخص

ظهور موسيقى الروك خلال ستينيات القرن الـ 20 في أميركا أحدث رجة كبيرة لدى الموسيقيين، إذ جعلتهم يجددون آلاتهم الموسيقية وسيرهم الفنية ويخطون لمسارهم الإبداعي حياة أخرى.

تعتبر موسيقى "الروك" أحد أبرز الأنماط الموسيقية الأكثر انتشاراً وتأثيراً في العالم، فعلى رغم تراجعها منذ نهاية ثمانينيات القرن الماضي لحساب أنماط موسيقية أخرى، فإنها لا تزال تحظى بقيمة كبيرة في تاريخ الموسيقى الغربية، إذ اهتم النقاد بها كثيراً وكتبوا عنها مؤلفات ودراسات ومقالات، لكنها لم تحظَ عربياً بأي اهتمام يذكر من الناحية النقدية.

ظهور موسيقى الروك خلال ستينيات القرن الـ 20 في أميركا أحدث رجة كبيرة لدى الموسيقيين، إذ جعلتهم يجددون آلاتهم الموسيقية وسيرهم الفنية ويخطون لمسارهم الإبداعي حياة أخرى.

ولم تكُن موسيقى الروك دخيلة على المجتمع الأميركي، فهي في أصلها نبعت من موسيقى شعبية تأثرت إلى حد كبير بالـ"بلوز" والـ"كانتري" والـ"فولك" ليستقيم وعيها في قالب فني موحد. غير أن الضجة التي أحدثها الروك لم تكُن تحمل بعداً سياسياً ثورياً مقارنة ببعض الأنماط الموسيقية الأخرى، بل كانت في جوهرها فنية وذات أبعاد جمالية.

 

 

لذلك كانت الثورة في عمقها جمالية تروم تحطيم الاستعمال المبالغ فيه لبعض الآلات لمصلحة الاهتمام بآلات موسيقية أخرى كانت مهمشة مثل الـ"درامز" والغيتار الكهربائي والـ"بيس غيتار". إنها آلات تعتبر الأساس الذي شيدت عليه موسيقى الروك في العالم، وبمجرد طرح أولى أغاني الروك انتشرت بسرعة في أميركا.

في البداية كانت الموسيقى نقية تُسمع في هدوء، لكن حرارة الواقع الأميركي ودخول الغيتار الكهربائي قلبا معالمها الموسيقية حتى أصبحت ضاجة وغنية بالإيقاعات الشعبية. إن هذا التحول أسهمت فيه رغبة الشباب المحمومة في التغيير واستنشاق نسائم الحرية في إطار أميركا جديدة، من دون أية دوافع سياسية كما سبقت الإشارة.

نفور نقدي عربي

لم تسلم البلاد العربية خلال سبعينيات القرن الـ20 من تأثير الروك في الناس، إذ على رغم تعلق العرب بتراثهم الغنائي العربي الحديث، فإنهم كانوا أكثر وعياً بالتحولات الفنية التي تطاول العالم. فكان الاهتمام بالروك يبدو في طليعة اهتماماتهم التي خرجت من جانب التذوق الموسيقي لتشتبك مع سلوكات أخرى مرتبطة بنمط العيش وطريقة تصفيف الشعر ونوعية اللباس، وهو تمظهر اجتماعي يعكس عمق الأثر الذي تركه الروك في وجدان الناس ومخيلتهم.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يستحيل اليوم مثلاً أن يعثر المرء على كتاب واحد داخل الثقافة العربية يدرس هذا التأثير من وجهة نظر أنثروبولوجية تُظهر عبق تاريخ هذه الموسيقى التي تعود ملامحها وإيقاعاتها ونوتاتها للأربعينيات لأن النقد الموسيقي عبارة عن نمط فكري لا يقف عند الأغاني والمقاطع الموسيقية وآلاتها ونصوصها، بقدر ما يحفر مجراه عميقاً في الجسد الموسيقي عبر علاقته بالمجتمع.

وتكون الكتابة مخادعة ومركبة ترصد، إلى جانب ما يستبد بها من تحولات تقنية، العوامل الخارجية الممثلة بالمجتمع. فالأحداث السياسية والاجتماعية والثقافية لها تأثير كبير في هذه الأنواع الموسيقية ذات الملمح الشعبي لأنها موسيقى تنهض من التاريخ وتتماهى مع الواقع. لذا فإن مقاربتها وإبراز زخمها الإيقاعي وأصالتها الغنائية تفرض رصداً دقيقاً للعوامل الخارجية المؤثرة فيها. ولم يقرب النقد العربي موسيقى الروك لأنها مركبة وهجينة تختلط فيها الإيقاعات والأساليب والقوالب لتعطي زخماً موسيقياً نوعياً كان له تأثيره في ما مضى.

زخم موسيقي

أسهمت الفرق الموسيقية في ذيوع موسيقى الروك وانتشارها، فأصبحت تغنى في الحفلات والمقاهي والحانات، لكن تأثيرها في الناس لم يكن نخبوياً بالمرة، بل عبارة عن فن شعبي يجتاح الشوارع والفضاءات العمومية. ولعل شعبية هذه الموسيقى هي في قدرتها على خلق تواشجات فنية مع أنماط أخرى، مما أعطاها هذا السحر الذي تتميز به من ناحية الإيقاع المختلف والغريب. بيد أن اعتماد الروك والفولك روك في ما بعد أحدث جدلاً في الأوساط الغنائية الأميركية والبريطانية. وهو صراع بدا عادياً مرتبطاً بالنوع الموسيقي الذي سيعتلي عرش العالم، لكنه صراع له علاقة أساساً بالمؤسسات الإنتاجية وشروط ربحها وخسارتها.

 

 

يعتبر الإيقاع أحد العناصر الأساسية في موسيقى الروك، بعدما دفعت المؤسسات الإنتاحية الفنانين إلى عدم اعتماد صوت على مستوى الأداء، وإنما ضرورة مزج ذلك بالإيقاعات الصاخبة المحمومة التي تستبد بالجسد فتدفعه إلى الرقص والدوران. فلا غرابة أن نجد عدداً من الفرق الموسيقية المتعلقة بالروك وكأنه أصابها الهذيان من فرط تأثير الإيقاع في أجساد أعضائها.

تبرز جماليات تأثير الروك في تجارب غنائية عربية كثيراً ما حاولت أن تُوسع أفق اشتغالها الغنائي بالانفتاح على إيقاعات موسيقية. إنه انفتاح لا يضمر في ذاته تصالحاً مع الذات الغربية وفهم براديغمات موسيقاها، وإنما يبحث عن صوت آخر يشبه الخلاص. كما أنه ليس بحثاً هوياتياً حول الكونية وضرورة التماهي في الآخر الذي يعيش فينا ونعيش فيه، بقدر ما يمثل تلاقحاً ثقافياً وتواشجاً فنياً يقلب الأنساق الموسيقية العربية ويمزجها بأخرى غربية. لذا فهو تأثير استفادت منه التجارب الموسيقية العربية لأنه أسهم وبوعي أصيل في تحديث عدد من التجارب وجعلها تخرج بأغانٍ نوعية تعتمد على العزف أكثر من الصوت. ففي هذه الأغاني لا يتم العزف بطريقة محاكاة الصوت ونثر خاماته، وإنما كتقاطع بين الصوت والإيقاع، وهي رؤية غربية بامتياز تنبني على مفهوم "النشاز" في الموسيقى المعاصرة، وتفتح للتجارب الغنائية أفقاً كونياً كبيراً.

 

 

وتعد مؤسسات الإنتاج الموسيقي الرابح الأكبر من شعبية موسيقى الروك، فمنذ اللحظة التي اجتاح فيها الروك قلوب الناس حول العالم غدت المؤسسات أكثر جشعاً. وتظهر لقاءات إعلامية عدة مع بعض الفنانين حجم المشكلات التي نشأت بينهم ومؤسساتهم، إذ إن هذه الأخيرة دفعت عدداً من التجارب التي لا تعتمد الروك إلى الاشتغال على إيقاعاته من أجل التماهي مع واقع أضحى فيه الروك موضة أكثر منه موسيقى. إن الرغبة الجامحة في النجاح وتحقيق الربح الفاحش عامل أساس في صناعة موسيقى الروك وضرورة إلحاقها بالمزج مع أنماط أخرى. لكن على رغم ذلك، ظل الروك يحقق نجاحاته المتواصلة، فتسجل الألبومات وتباع بطريقة سريعة في صفوف الشباب.

اقرأ المزيد

المزيد من فنون