Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

الصورة شهادة على الحضور والغياب وموضوع بحد ذاتها

أفضل صورة صحفية بالعالم لفلسطينية تحتضن جثة ابنة أخيها وتجسد المحصلة الرهيبة للحرب

كل صورة هي شهادة بالحضور كما يقول رولان بارت (رويترز)

ملخص

تبدو إيناس في الصورة برداء أزرق لا يدل على الحداد وقد وضعت فوق رأسها بإحكام حجاباً ملوناً. الحداد في غزة ترف، وهي تعرف مسبقاً أن الطفلة لم تعد حية، ربما كل ما فكرت فيه وقتها هو أن تعثر على جثتها وسط عديد الضحايا الكثيرين.

فاز مصور وكالة "رويترز" محمد سالم يوم الخميس الماضي، بجائزة أفضل صورة صحفية لعام 2024 من مؤسسة "ورلد برس فوتو" عن صورة التقطها لفلسطينية تحتضن جثة ابنة أخيها البالغة من العمر خمس سنوات في قطاع غزة.

بحسب الوكالة، التقط سالم الصورة في 17 أكتوبر (تشرين الأول) 2023 في مستشفى ناصر بخان يونس جنوب غزة، حيث كانت العائلات تبحث عن أقاربها الذين قتلوا خلال القصف الإسرائيلي. والصورة الفائزة تظهر إيناس أبو معمر (36 سنة) وهي تبكي وتحمل بين يديها جثة الطفلة سالي مكفنة في ملاءة في مشرحة المستشفى.

هذه اللحظة الساكنة

تبدو إيناس في الصورة برداء أزرق لا يدل على الحداد وقد وضعت فوق رأسها بإحكام حجاباً ملوناً، وهي تعرف مسبقاً أن الطفلة لم تعد حية، ربما كل ما فكرت فيه وقتها هو أن تعثر على جثتها وسط عديد الضحايا الكثيرين. وها قد وجدت سالي بشحمها ولحمها لكن منزوعة الروح.

كل صورة هي شهادة بالحضور، كما يقول رولان بارت. وجدت الصورة من أجل الانتصار على الموت، بتثبيته لا إلغائه، وبجعله واضحاً ومحايداً قدر الإمكان. ولو أن الصورة في هذه الحال تبدو بشعة، كما يفسر بارت، فذلك يعود إلى أنها تؤكد إن جاز التعبير، أن الجثمان حي، بوصفه جثماناً، إنه الصورة الحية لشيء ميت، إذ إن جمود الصورة هو بشكل ما نتيجة بلبلة فاسدة بين مفهومين: الواقع والحي، بالتصديق على أن الموضوع كان بالفعل واقعاً. تغري الصورة خلسة بالاعتقاد أنه حي بسبب هذه الخدعة التي تجعلنا نعزو للواقع بشكل مطلق قيمة أسمى، وكأنها أبدية. ولكن بترحيل هذا الواقع نحو الماضي توحي الصورة بأنه ميت بالفعل.

بجوار إيناس يبدو أن ثمة جثة أخرى ملفوفة ومسندة إلى الحائط، تُظهر الصورة طرفاً من الملاءة الأخرى كشيء عادي، مكرر، مثله عشرات الآلاف حتى هذه اللحظة. تحتضن إيناس وحدها قوة الصورة كما تحتضن تماماً جثة الطفلة: ذلك الوداع الذي لن يأتي مرة أخرى، ذلك الحياد الصارم بلا أية ملامح على الإطلاق. تتجرد الصورة من بشاعة القتل وتجعله يبدو مقبولاً ومطلوباً أن يراه الناس، مجرد كتل لونية صماء، رمزاً، شيئاً ما بعيداً من الحقيقة التي تقبع في الخارج تحت الأنقاض.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

تصبح الصورة علامة على الحرب، لكنها ليست الحرب بقتلاها ودمارها وألمها الساطع، تصبح جزءاً من "مجتمع الاستعراض" الكبير الذي تحدث عنه جي ديبور، وهدفاً لملايين الأعين النهمة حول العالم، تستحيل الصورة موضوعاً بذاتها بعيداً من الواقع الذي تصوره.

كتب سالم على "فيسبوك" بعد إعلان الجائزة، أتمنى من الله أن تصل هذه الصورة لكل العالم". وقال ريكي روجرز مدير التحرير العالمي لقسم الصور والفيديو في "رويترز" في حفل أقيم في أمستردام، "استقبل محمد نبأ حصوله على جائزة (ورلد برس فوتو) بأسى، وقال إنها ليست صورة تدعوه للاحتفال، ولكنه يقدر التكريم الذي حصلت عليه وفرصة نشرها لجمهور أوسع".

حياة أبدية بيضاء

وقالت لجنة تحكيم الجائزة إن صورة سالم الفائزة لعام 2024 "تسجل بقدر كبير من المراعاة والاحترام، وبطريقة مجازية وواقعية في آن واحد، خسارة لا يمكن تصورها". فهل فكرنا لحظة في دلالة هذه الكلمات؟ إن المراعاة المطلوبة بقدر كبير هي مراعاة عدم إيذاء مشاعر الجمهور، واحترام ثقافة الاستهلاك التي تفضّل صورة مجازية تشبه الواقع ولكن لا تحاكيه، صورة تعبر عن حياة أبدية بيضاء بلا ملامح، تماماً مثل كفن سالي "المرتجل" في مشرحة خان يونس. إن هذا العنف مستمر على الدوام في إنتاج الصور، لا لأنه مطلوب في ذاته ولكن لأن صورته هي التي تتهافت عليها وكالات الأنباء ومواقع الصحف وشاشات التواصل.

"إن كل هؤلاء المصورين الفوتوغرافيين الشباب الذين يجوبون العالم يكرسون أنفسهم للقبض على الراهن، لا يعرفون أنهم عملاء للموت"، يقول بارت في (الغرفة المضيئة) مضيفاً، "من الجائز في هذه الصورة التي تنتج الموت رغبة في الحفاظ على الحياة. ولأن الفوتوغرافيا معاصرة لتراجع الطقوس، من المحتمل أن تكون قد استجابت، في مجتمعنا الحديث، لتطفل موت رمزي، خارج الدين، بعيداً من الطقس، نوع من الغوص المفاجئ في الموت الحرفي".

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة