Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ظاهرة قتل النساء في تونس تهدد استقرار المجتمع

"العنف المسلط على المرأة يعود إلى عقلية راسخة عند الرجال منها توهم الخيانة"

ترسانة القوانين وحدها لا تكفي ولا بد من تكريس ثقافة الحوار وتفعيل دور الوسيط العائلي (موقع جمعية أصوات نساء)

ملخص

باتت ظاهرة قتل النساء على أيدي الأزواج ظاهرة تؤرق المنظمات النسوية، وتهدد استقرار المجتمع التونسي، وبينما تعجز التشريعات على الردع، يدعو المتخصصون إلى ترسيخ ثقافة الحوار الأسري وتعزيز دور الوسيط العائلي.

رفقة الشارني، الكاف (2021)، سعاد الصويدي، القيروان (2023)، صابرين، العاصمة تونس (2024)، تغيرت أسماء الضحايا والظاهرة واحدة، وهي تفاقم جرائم قتل النساء خلال السنوات الأخيرة إذ باتت تثير قلق الجمعيات النسوية التي تطالب بحماية النساء ضحايا العنف، بصورة عامة، بخاصة العنف الزوجي، من خلال تعزيز التشريعات وإحكام تطبيقها والتوعية بضرورة معاملة المرأة كإنسان كامل الحقوق.

 

ومنذ بداية هذه السنة 2024 وإلى غاية الـ19 من فبراير (شباط) 2024، رصدت جمعيات مدنية خمس جرائم قتل نساء تضاف إليها جريمة مروعة هزت، في السادس من أبريل (نيسان)، منطقة الجبل الأحمر بالعاصمة، وتمثلت في قتل رجل طليقته صابرين وأمها وخالها داخل منزل العائلة.

وتعيد جريمة مقتل صابرين إلى الأذهان مقتل رفقة في جهة الكاف (شمال غربي العاصمة) عام 2021 على يد زوجها، وهو رجل أمن، بخمس طلقات من مسدسه، ومقتل سعاد الصويدي في ولاية القيروان (وسط) 2023 خنقاً على يد زوجها في مدينة نصرالله بالقيروان.

تخاذل الدولة

واستنكرت جمعية "أصوات نساء" في بيان "تخاذل الدولة وصمتها ما يفاقم جرائم قتل النساء، وعدم اتخاذها إجراءات صارمة ضد الجناة، وعدم التطبيق الفعلي للقانون، عدد 58 لسنة 2017، المتعلق بمناهضة العنف ضد النساء، الذي ينص على تسليط عقوبة السجن مدى الحياة على القاتل إذا كان من الأقارب". واعتبرت الجمعية أن "تصاعد وتيرة جرائم قتل النساء في الفترة الأخيرة يثير القلق والهلع في صفوف النساء، ويخلق حالة من الفوضى في المجتمع، ويعكس فشل المنظومات والمؤسسات التابعة للدولة في التصدي لظاهرة العنف بمختلف صوره".

 

25 جريمة عام 2023

وكانت دراسة حديثة أعدتها وحدة العمل الاجتماعي التابعة للاتحاد الوطني للمرأة التونسية عنوانها "سكوتنا قاتل"، كشفت عن أن "عدد حوادث قتل النساء المسجلة في تونس خلال 2023 بلغ 25 جريمة"، مشيرة إلى أن "نسبة 54 في المئة من هذه الجرائم نفذت من قبل رجال ضد زوجاتهم"، بينما توزعت بقية الجرائم كما يلي "21 في المئة ضد الأمهات، ثمانية في المئة ضد الأخت أو الابنة، وأربعة في المئة ضد مهاجرات وفتيات لا تربطهن صلة قرابة بالمجرم"، وتنوعت الجرائم التي تستهدف النساء بين الطعن بالسكين التي تمثل 30 في المئة من مجموع الجرائم واستخدام آلة حادة أو الخنق أو الدهس بسيارة أو الحرق.

وبحسب رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي فإن "معظم أسباب جرائم القتل ضد النساء يعود إلى خلافات عائلية تتعلق أساساً بشكوك تحوم حول الخيانة أو رفض الطلاق"، معتبرة أن ذلك يدل على "انتشار السلوكيات التقليدية البالية في تونس وهيمنة النزعة الذكورية".

توهم الخيانة وغياب الحوار

وأكد المتخصص في علم الاجتماع بالعيد أولاد عبدالله أن "العنف المسلط على المرأة يعود إلى عقلية راسخة عند الرجال منها توهم الخيانة"، داعياً إلى دراسة الأسباب بعمق من أجل التشخيص العلمي الدقيق لإيجاد الحلول المناسبة لهذه الظاهرة. أضاف أولاد عبدالله أن "غياب الحوار داخل الأسرة يدفع نحو السلوكيات العنيفة"، وطالب "بتفعيل دور الوسيط العائلي من أجل تذويب الخلافات الزوجية، وإيجاد أرضية مشتركة للتعايش بين الزوج والزوجة في المحيط الأسري لتفادي التوجه المباشر نحو فض النزاعات العائلية في المحاكم". ورأى الاختصاصي في علم الاجتماع أن "الإعلام يستخدم قضايا العنف ضد المرأة منطلقاً للنقاش حول قضايا المرأة من دون أن تكون هناك برامج متواصلة للتوعية بأهمية الحوار داخل الأسرة، ومتابعة المقبلين على الزواج وتأطير الخلافات الزوجية التي تكون أحياناً ناتجة من اختلاف في وجهات النظر بسبب اختلاف بيئة كل طرف".

وشدد بالعيد أولاد عبدالله على أن "الوقاية والعلاج والتعهد ثلاثية مهمة من أجل استباق حالات العنف الزوجي وتحصين مؤسسة الزواج من الانزلاق نحو العنف"، من دون أن يستبعد أن يكون "الواقع الاقتصادي والاجتماعي مساهماً في انتشار العنف الزوجي بالنظر إلى ضغوط الحياة اليومية في جوانبها الاقتصادية والمالية".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ضحايا العنف والمشاركة الاقتصادية

وكانت وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن قد أعدت تقريراً وصفياً يرصد الخصائص الاجتماعية والاقتصادية لجرائم قتل النساء في تونس وملامح القائمين بالجريمة، وبين التقرير "أن عدد جرائم قتل النساء في تونس تضاعف أربع مرات من 2018 إلى منتصف 2023، وأن 51 في المئة من النساء ضحايا جرائم القتل هن خارج دائرة المشاركة الاقتصادية، مما يدعو إلى مزيد من التمكين الاقتصادي للمرأة لتعزيز استقلاليتها المالية". وخلص التقرير إلى أن "المستوى التعليمي لا يحمي الضحايا، وأن مرتكب الجريمة يعتمد على القوة الجسدية، وأن كل الفئات العمرية يمكن أن تستهدف بجريمة القتل".

التربية على الحوار

من جهتها، أكدت رئيسة جمعية "نساء من أجل التنمية والمساواة بدوز" مباركة بن منصور أن "الترسانة القانونية وحدها لا تكفي"، مشددة على أهمية التربية على الحوار ونبذ العنف، بخاصة في ظل تفشي السلوكيات المحفوفة بالأخطار في صفوف التلاميذ، داعية إلى "ترسيخ ثقافة نبذ العنف من خلال المناهج التربوية والبرامج الإعلامية الهادفة، وأيضاً من خلال حلقات النقاش التي تنظمها شبكات المجتمع المدني التي تخلق أجيالاً جديدة شغوفة بالحوار وبتبادل الأفكار ونبذ العنف".

وشددت بن منصور على "أهمية مؤسسات الدولة في الإحاطة بالنساء ضحايا العنف أمام ضعف إمكانات المجتمع المدني"، لافتة إلى "ضرورة تعزيز المؤسسات التربوية بالمتخصصين الاجتماعيين والنفسانيين للإحاطة بالأطفال الجانحين وبضحايا العنف الأسري".

الترفيع في مراكز الإيواء

يذكر أن وزارة الأسرة والمرأة والطفولة وكبار السن تدرك جيداً أخطار العنف المسلط على المرأة في تونس، ووضعت جملة من الآليات للإحاطة بالنساء ضحايا العنف، من ذلك "برمجة الترفيع في عدد مراكز إيواء النساء ضحايا العنف وأطفالهن من 13 مركزاً إلى 24 بمعدل مركز في كل ولاية قبل نهاية السنة الحالية".

وأكدت وزيرة الأسرة والمرأة آمال بلحاج موسى أن "تونس تقدمت كثيراً في مجال تطبيق القانون الخاص بمناهضة العنف ضد المرأة، من ذلك أن المرأة ضحية العنف أصبحت تتحصل على الشهادة الطبية الأولية بعد 48 ساعة وبصورة مجانية، ومهما كانت هوية مرتكب العنف، بعد أن كانت تمنح لها بعد أسابيع بمقابل مالي، وتشترط أن يكون مرتكب العنف هو الزوج"، مضيفة أنه تم أيضاً "تعزيز العنصر البشري في مراكز الإنصات والتوجيه لضحايا العنف من النساء التي تعمل على مدى الساعة".

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير