Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تاجر يسطو على "نفق عمومي" في بغداد القديمة ويحيله مخزنا للأحذية

إغلاق نفق جسر الشهداء أضر بالمحال المجاورة وعرقل تنقل الناس بين شارعي النهر والمتنبي وسط العاصمة

"أصاب التشوه البصري المكان وجعله أكثر عشوائية وارتباكاً. إن بغداد القديمة لا يجب تحطيم ماضيها بهذه الطريقة" (اندبندنت عربية)

ملخص

يعود بناء نفق جسر الشهداء إلى عام 1939. هو الأقدم في العاصمة، وبقي رابطاً بين شارعي النهر والمتنبي في بغداد القديمة، حتى قام تاجر ببناء مخزن للأحذية فوق مدخله، فأغلقه أمام المارة من السياح وسكان المكان، كما أضر بحركة التجارة في المنطقة. 

"قطعت أرزاقنا، وتشوه منظر المكان التاريخي، حاولنا وتوسلنا ولكن دون جدوى، رأيت أشكال مختلفة للفساد في هذه البلاد، ولكني لم أر مطلقاً نفقاً عاماً يتحول إلى مخزن أحذية لأحد التجار". يحمل محمد آشور (52 سنة) في قلبه كثيراً من الحزن، لا يفهم ماذا يحدث، وإلى أين يذهب بعد أن أغلق نفق جسر الشهداء الحكومي الرابط بين شارعي النهر والمتنبي بوسط العاصمة، وتحول إلى مخزن.

صدم أصحاب المحال المجاورة للنفق، لأنه ملك عام، وتساءلوا لماذا لم تنتبه أمانة بغداد لهذا الفعل؟ يوضح محمد الذي يمتلك محلاً للأنتيكات يعتمد كلياً في عمله على السياح القادمين إلى المنطقة، لـ"اندبندنت عربية" كيف بدأت الكارثة قبل سنتين، حين قرر شخص في محل قريب، بمبادرة منه، أن يبني فوق نفق جسر الشهداء مخزنه الخاص.

يعود بناء النفق لعام 1939، وهو الأقدم في العاصمة مع جسر الشهداء الأول الثابت، والواصل بين الكرخ والرصافة. وكان للنفق أن يكون رابطاً من شارع النهر المؤدي للمدرسة المستنصرية إلى شارع السراي المتجه لشارع المتنبي، حيث تمكث هناك المدينة القديمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

على مرمى أقل من 50 متراً من النفق تقع أقدم جامعة في العالم العربي والإسلامي (المدرسة المستنصرية)، والوفود الرسمية الأجنبية التي كانت وما زالت تزورها ستحتاج بلا شك إلى المضي نحو أهم شارع ثقافي في العراق من خلال النفق الذي افتتحته الحكومات السابقة، وأجازت وجود ثمانية محال لرسامين فيه حولوا ما تحت الأرض إلى لوحة فنية مبهرة. لكن مواكب السياح تأتي اليوم ويعود بعضها مذعوراً.

يقول محمد آشور إن الشارع المؤدي إلى الجسر خطر للعبور. ويعود بأسئلته، "من يتحمل مسؤولية أن يتعرض أحد السياح للدهس؟".

قبل أقل من سنتين تقدمت سيارة محملة بالطابوق وبدأت فعلياً بإغلاق النفق. استطاعت أمانة بغداد وقتها إزالة المخالفة بعد يومين فقط من بنائها، كان أحدهم يصرخ "ما حصل ليس بعلم الأمانة ولا موافقتها"، لكن أسبوعاً واحداً كان كافياً جداً لإعادة بنائها وبارتفاع أعلى من السابق.

حاول الجميع، بمن فيهم أصحاب المحال الواقعة بالقرب من النفق وليس داخله، الشكوى على مدار هذه الفترة كلها ولم يستجب أحد، كما يوضح محمد آشور فإن "ما حدث كان خرقاً كبيراً للقانون، فالنفق هو ملكية عامة ويقع في مركز بغداد ووسط أماكنها السياحية، وكثير من الطلبة القادمين في رحلات دراسية تعليمية يتعرضون للمضايقات عند عبورهم الشارع، وقبل فترة تمكننا من مساعدة طفل كاد يتعرض للدهس".

ضرر الفساد المقيم

أماكن دينية مهمة تقع في البقعة نفسها مثل مرقد "النائب الرابع" للإمام المهدي، ومرقد الشيخ الكليني الذي يعتبر ضريحاً مهماً لكثير من الطوائف الإسلامية ويزوره الحجاج من كل دول العالم. إضافة إلى ذلك فإن سوق شارع النهر التجاري بوصلة مهمة لتبضع العوائل قبل الموسم الدراسي والعيد.

يصدم السياح عند محاولتهم دخول النفق ومفاجأتهم بالمخزن، فهذا هو المعبر الوحيد. أحدهم نظر باندهاش قائلاً، "أهذا حقاً وسط منطقة تجتذب السياح من كل العالم؟ كيف يتم التصرف بممتلكات الدولة في أطراف المدينة إذ كان هذا هو مركزها؟ إنهم يعتادون على النظام والعبور من الأماكن المخصصة، ومن الطبيعي أن يذهلهم مشهد كهذا. يوضح آشور.

 

 

لم يعد بإمكان أحد رؤية المحال الواقعة خلف النفق بسبب علو المخزن، انخفضت مبيعات المحال وانقطعت أرزاق أصحابها. أكثر من 100 زبون كان يزور رياض الموسوي (48 سنة) لشراء الحاجيات منه، أما اليوم فلا يتعدى زواره 10 أشخاص. يقول الرجل، "50 سنة نعمل في هذا المكان، لم يحجب محلي بهذه الطريقة حتى في الحروب وأيام حظر التجوال. وبعضهم أصبح عرضة للسرقة لأن المكان كان بمثابة شارع واحد مضيء، إذ يعبر السائحون ليلاً من شارع المتنبي إلينا فتستقبلهم واجهة محالنا وتصبح أمامهم مباشرة. إلغاء النفق جعلنا منعزلين كلياً عن المنطقة، ونضطر إلى إغلاق أبوابنا مبكراً لئلا نتعرض لخطر السرقة".

"كذلك أصاب المكان التشوه البصري وجعله أكثر عشوائية وارتباكاً. إن بغداد القديمة لا يجب تلويثها وتحطيم بقايا ماضيها بهذه الطريقة. فوجود مخزن تجاري وسط منطقة أثرية وسياحية دليل اختفاء القانون بشكل كلي. إنه ليس منظراً لنقطة سياحية أصبحت جاذبة للأجانب في السنتين الأخريين بعد زيارة البابا"، يبين رياض الموسوي أن بعضهم يصدم حينما يدرك متأخراً وجود محال تبيع الأنتيكات والتحف والأحذية. هذا ليس تعدياً على ممتلكات الدولة وحسب، بل هو ضرر لكثير من أصحاب المحال، فـ"أحياناً لا نستطيع حتى تسديد الإيجار، ولا نستطيع حتى ترك المحال بعد أن قلت قيمتها بشكل كبير وانتهى سوقها".

هدم وإعمار جديد

يقول ساهر، وهو اسم وهمي لصاحب محل بيع أدوات فنية ورسوم داخل نفق جسر الشهداء، إنه تم أخذ المحال منهم بعد دفع الإيجار لأمانة بغداد، موضحاً "كان يوم عمل عادياً شاهدنا فيه أحد جوانب النفق وهو يغلق ويبنى فوقه، حاولنا أن نفهم ما يحدث ولم يجبنا أحد، ثم قالوا إن سطح النفق تم تأجيره، وأجبرنا على إغلاق محالنا والبحث عن بديل. لقد طردنا من أجل الفساد، كان من الممكن أن يضع الرجل مخزنه في أي مكان آخر".

 

 

ويبين أن مثل هذه الأمور لا تحدث من دون موافقة أمانة بغداد، وهي مطالبة في الأقل بإيضاح الحقيقة للمتضررين. حاولت "اندبندنت عربية" التواصل مع أكثر من مسؤول للرد على على ما جاء في هذا التقرير، لكننا واجهنا كثيراً من المماطلات والتلكؤ لأيام عدة.

وتقضي المادة 196 من القانون 111 بالسجن ‎لكل من حاول بالقوة أو بالتهديد احتلال شيء من الأملاك أو المباني العامة أو المخصصة للمصالح أو الدوائر الحكومية أو المرافق أو المؤسسات العامة، أو استولى بأية طريقة من الطرق على شيء عام. في حين تنص المادة 197 من القانون نفسه ‎على عقوبة الإعدام أو السجن المؤبد لكل من خرب أو هدم أو أتلف أو أضر إضراراً بليغاً عمداً مباني أو أملاكاً عامة أو مخصصة للدوائر والمصالح الحكومية أو المؤسسات أو المرافق العامة أو الجمعيات المعتبرة قانوناً ذات نفع عام، أو منشآت النفط أو غيرها من منشآت الدولة الصناعية أو محطات القوة الكهربائية والمائية أو وسائل المواصلات.

المزيد من العالم العربي