Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"حكي جرايد" مسرحية سورية تكشف الهوة بين الناس والإعلام

المخرج زين طيار اقتبس نصاً فرنسياً وقدمه في قالب الصحافة الورقية

مسرحية "حكي جرايد" السورية تختصر العلاقة بين الإعلام والناس (خدمة الفرقة)

ملخص

"حكي جرايد" مسرحية سورية مقتبسة عن نص فرنسي، ولكن بحرية تامة، مما جعلها تخاطب الجمهور السوري وتطرح قضايا راهنة يواجهها حالياً. تتطرق المسرحية إلى هموم الناس اليومية، وما يعانون من مشاكل حياتية، وكيف يؤدي الإعلام دوراً سلبياً على هذا المستوى، فلا ينقل الحقائق كما هي.

لعل المسرح هو فن للنسيان في جانب منه، فما إن يُقدم العرض المسرحي وتطوي السنون صنّاعه وجمهوره، حتى يقوم أحدهم باستنساخ التجربة وتقليدها من دون حتى ذكر صاحب الإنجاز الفعلي. هذا ما حدث مؤخراً في عرض "حكي جرايد" لمخرجه زين طيار، والذي على ما يبدو ما يزال واقعاً تحت تأثير عرض "غني وثلاثة فقراء" الذي قدمه المخرج مانويل جيجي عام 2005، إذ قام طيار بتقديم العرض للمرة  الأولى في مهرجان المسرح الجامعي في حمص عام 2008، ليعود ويقدمه في يوم المسرح العالمي على خشبة مسرح الحمراء الدمشقية.

العرض المقتبس عن نص للكاتب الفرنسي جان لويس غاليفرت كانت الباحثة ماري الياس قد نقلته إلى العربية قبل عشرين عاماً، وهو عبارة عن عشر لوحات اجتماعية ساخرة لا يتجاوز مدة كل لوحة منها خمس دقائق. ما حدث ليس نقلاً حرفياً عن نص الكاتب الفرنسي، لكنه على ما يبدو اقتباس حر عنه، وهو شبه مطابق للعرض الذي حققه مانويل جيجي قبل عقدين من الزمن. اعتمد الفنان السوري من أصل أرمني وقتذاك شخصية حنظلة لرسام الكاريكاتور الفلسطيني ناجي العلي (1936-1987) للوصل بين اللوحات أو التعليق عليها. وهذا ما اعتمد عليه جزئياً زين طيار في "حكي جرايد" إذ حضرت شخصية الطفل الفلسطيني كمجسّم كرتوني على الخشبة، وتمت محاكاته من قبل اثنين من الممثلين، يديران ظهرهما للجمهور عبر حبل موثوق إلى رأس كل واحدٍ منهما.

الفنانة نهال الخطيب كانت قد لعبت في عرض جيجي دور حنظلة، لكن في عرض طيار تداعت اللوحات واحدة تلو أُخرى بدخول مجموعة من الممثلين والممثلات من بين كراسي الجمهور، وهم ينشدون بفرح: "زينوا المسرح والمسرح لينا"، على غرار الأهزوجة الشعبية المعروفة "زينوا المرجة". يبدأ "حكي جرايد" بمرافقة عزف الترومبيت والطبلة وصياح الممثلين، وإذا كان "غني وثلاثة فقراء" قد ركز على موضوعات من مثل القمع  والديكتاتورية والاستبداد، فإن "حكي جرايد" قد استند على القفشات الساخرة لإظهارها، وعلى قصص تلامس الراهن السوري سطحياً.

تحضر في العرض أكثر من قصة منها قصة عامل الكهرباء الذي لقي حتفه من دون أن يتطوع أحد لإنقاذه، وهناك المرأة التي تتسول حليباً لابنها الرضيع الذي يموت من الجوع في حين ينشغل الآخرون بانتظار رسائل البنزين والغاز والسكر. وثمة قصة حب كاريكاتورية بين شاب وفتاة لا يرضى ذووهما على زواجهما، وتمر السنوات حتى يصلا إلى سن الشيخوخة، وعندئذِ يوافق أهل العروسين العجوزين على الزفاف. قصص تبدأ من أخبار سريعة في الجريدة يقرؤها الممثلون بصوتٍ عالٍ، ثم يقومون بأدائها.

هناك أيضاً قصة رجل الأعمال الملياردير الذي يوصي بثروته لكلبه، وصولاً إلى تناول "حكي جرايد" لقصص الشباب وهجرتهم عبر قوارب الموت، إذ يختتم العرض لوحاته الساخرة بمشهد غرق القارب بالممثلين الثمانية، لتبقى حقائبهم معلقة كأثر وحيد عنهم. مشهد آخر لا يقل جرأة في تصويب الرصاص نحو ممثلين يؤدون النشيد الوطني للبلاد "حماة الديار عليكم سلام". يأتي ذلك بعد التصويب على عبارات مشتقة من نصوص دينية، وهذا كله جرى على إيقاع أغنيات معروفة لفيروز والرحبانيين، وبعض شارات المسلسلات السورية المعروفة من مثل شارة مسلسل "الانتظار" لمؤلفها الفنان طاهر مامللي.

يغمز "حكي جرايد" من قناة الإعلام السوري، ويعود ويردد عبارة ممدوح عدوان (1941-2004): "إنهم يكذبون علينا حتى في نشرات الطقس"، وذلك عبر لوحة تعلن فيها المذيعة أن درجات الحرارة في ارتفاع ملحوظ، وسرعان ما تهطل الأمطار، ونسمع صوت هزيم الرعد يضرب خشبة المسرح. وكذلك يوجه العرض نقداً لاذعاً عبر الأخبار التي توردها أقوال الصحف، فهناك مثلاً  خبر عن توجه الجيوش العربية لتحرير فلسطين وإنقاذ أهالي غزة، وهناك خبر عن زيادة دخل المواطن السوري، وخبر عن فوز المنتخب السوري في كرة القدم بكأس العالم بعد تغلبه على الفريق الأرجنتيني، إلى آخره من تلك الأخبار الكاذبة.

وعمد المخرج زين طيار إلى توحيد أزياء ممثليه، واعتمد في ذلك اللون الأحمر القاني، واستخدم الجرائد كديكور غطى عمق المسرح وجانبيه وأرضية الخشبة، فيما اتكأ على بعض الدلاء المعدنية لاستخدامات متعددة، فأحياناً يلبس الممثلون هذه الدلاء في رؤوسهم كخوذ عسكرية، وأحياناً يتخذونها مقاعد لهم، بالإضافة إلى اتكاء المخرج على ثلاث سلالم خشبية بارتفاعات متباينة وظفها كمراكب غارقة ومنابر للخطابة، وجاء ذلك ضمن مساحة فارغة نسبياً لعبت فيها الإضاءة والمؤثرات الصوتية والموسيقى حيزاً في ملئها.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

وبالعودة إلى النص الأصلي نلاحظ أن زين طيار قام بالتنويع على اللوحات الأصلية، والتي تحمل عناوين من مثل: العرس، المعزول، المأوى، المغرم، الفأر الصغير، رجال بلباس رسمي، لنقف بخشوع، ماما، قتلت أبي... ولكن لماذا عول على محاكاة أفكار هذه اللوحات بطريقة مباشرة وربما قريبة في مواضع كثيرة من التهريج، في حين أن مساحات الصمت الموجودة في النص الأصلي أكبر من مساحات الحوار؟ بل إن كثيراً منها يعتمد على الإشارة والإيماء والمحاكاة الساخرة وكوميديا الموقف لا كوميديا اللعب بالألفاظ والمفردات، مما يدل على فهم متواضع لطبيعة النص، والذي يسمح بإبراز قدرات وإمكانات مختلفة عند الممثل. وهذا ما صرح به الكاتب الفرنسي عندما قال: " يمكن مخرج هذا النص أن يستخدم خمسة ممثلين أو خمسمائة ممثل، لا فرق، المهم هو اللعب الذي ينجم عن ذلك".

اللافت في "حكي جرايد" هو هذه التورية التي يحملها العنوان ضمناً، والذي يجعل من الجريدة التي انقرضت فعلاً من الحياة السورية مدعاة للسخرية والتهكم. ربما ليست الجريدة كوسيلة، ولكن أخبارها التي ينعتها العامة بالكلام المجاني والكاذب. فعبارة "حكي جرايد" هي بذاتها إدانة مسبقة للصحافة التي كان لها شأن كبير في حياة السوريين في الخمسينيات والستينيات من القرن الفائت، وهذه أيضاً كانت استعارة غير موفقة، لكونها تنسف تاريخاً لنضال عشرات الصحافيين في البلاد الذين ناضلوا من أجل حرية وسائل التعبير.

العرض الذي جاء نتاج ورشة عمل للمسرح التفاعلي (إنتاج مركز درب - دائرة العلاقات المسكونية والتنمية)، عاد وطرح أسئلة عديدة عن واقع مسرح الهواة في سورية، والتصور الخاص عند القائمين عليه عن فن المسرح، ولاسيما إدراج ما يشبه اليوميات في سياق التجربة الفنية، والذهاب نحو الجرأة الاجتماعية، بدلاً من العمل على الجرأة الفنية لإنجاز قالب مغاير لعروض المحترفين. ف مسرح الهواة لطالما كان بمثابة المختبر المفتوح الذي يؤسس للنظرية ويضيء عليها، أما اليوم، فمسرح الهواة صار أقرب إلى طبيعة المسارح التجارية التي تستجدي ضحكات الجمهور وتصفيقه مهما كان الثمن.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة