Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"اللعبة الخطرة" مسرحية ساخرة من واقع أثرياء الحرب السورية

المخرج مجد فضة اقتبس نص كاتب صربي يعالج واقع الصراع العائلي على الإرث

الصراع حول الإرث في مسرحية "اللعبة الخطرة" (خدمة الفرقة)

ملخص

"اللعبة الخطرة" مسرحية سورية مقتبسة من نص صربي تطرح قضية الصراع على الإرث الذي تركه رجل ثري وكيف ينقسم أفراد العائلة حوله طامعين بحصصهم من دون أن يحترموا رهبة الموت

اقتبس الفنان مجد فضة عرضه "اللعبة الخطرة" من نصوص للكاتب الصربي برانيسلاف نوشيتش (1864-1938)، وتدور حكاية العرض عن شخصية المرحوم فؤاد. الرجل الغني الذي خلف تركة ضخمة من الأموال والعقارات بعد رحيله. يبدأ العرض الذي قدم على خشبة فواز الساجر (المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق) بعد عودة المشيعين من أداء مراسم قداس اليوم السابع لرحيل فقيدهم، ونكتشف تباعاً أن المشيعين ليسوا من أقرباء الدرجة الأولى للمرحوم، بل هم من أنسباء العائلة والأعمام والعمات، فلا أخ أو أخت بين المشيعين، باستثناء شخصية حور (نور أبو صالح) ابنته بالتبني، وطالبة الحقوق في الجامعة.

ينطلق العرض عبر حوار خفي بين صوت الأب المتوفى (مجد فضة) وابنته الصغيرة، فيطلب الأب من صغيرته ألا تستسلم لحزنها عليه، وأن تسمع أغنية من تلك الأغنيات التي كانت ترقص له على إيقاعها الصاخب في الأيام الخوالي. وبالفعل تشرع الفتاة بالرقص مقاومة حزنها الداخلي العميق، وما هي سوى لحظات حتى يتوافد المشيعون إلى بيت الفقيد، وتتبعهم جلبة من البكاء وذكر محاسن الميت والوقوف على براعته في لعب الشطرنج وكرمه وحكمته وحبه لمأكولات ومشروبات شعبية بعينها... لكن كل ذلك سيذهب أدراج الرياح مع ظهور شخصية المحامي الذي يرفض فتح وصية المرحوم إلا بعد أسبوعين على رحيله، تنفيذاً لتعليماته، وهي الوصية التي ستوضح للجميع نصيبهم من تركة الفقيد وأمواله الطائلة.

في الوقت هذا يقرر الجميع المكوث في بيت المرحوم ذي الطوابق الفاخرة لحين فتح الوصية، ومن ثم قيام أقرباء المرحوم بسرقة ممتلكات شخصية من بيت الفقيد، فنتعرف أكثر فأكثر على شخصيات أقرب إلى أنماط مقتبسة من مسرحية "العائلة الحزينة". فهناك مدير متقاعد وزوجته، وتاجر وزوجته، وموظف حزبي وزوجته، ورجل مقامر ومخمور، وشخصية شاب مغترب، إضافة إلى شخصيتي أرملة وعانس. شخصيات تتحرك ككتلة واحدة، فتظهر وتغيب، ويفصل بين مشهد ظهورها الجماعي وغيابها عن المسرح مناظر مقتبسة هي الأخرى من نص "اللعبة الخطرة"، ويتوضح قدماً التصرف الكبير بهذا النص عبر شخصيتي النحات الشاب زين (علي فطوم) والطبيبة نانسي (تسنيم العلي).

أما النص الأصلي فيروي حكاية طبيب يدعى مونيل كان قد هجر الطب بعد أن أثرى منه، وتفرغ لنظرياته عن علاقة الرجل بالمرأة، والتي يطبقها على نانيتا ابنته بالتبني، ويشرح لزواره أن ابنته البالغة من العمر 20 سنة لا تعرف الحب، ولا تتجاوب مع أي رجل من رجال الأرض، وهذا ما سيدفع أحد أصدقاء الطبيب الستيني إلى رهان معه، وهو رسام لديه طالب شاب يرسله للتعرف إلى نانيتا، ويبدأ باستمالتها دون جدوى، ولكن ومع تكرار المحاولات والذهاب نحو ألعاب طفولية حرمت منها الفتاة في صغرها، تنتعش مشاعر نانيتا، وتقع في حب الشاب الفنان الذي يرسمها مظهراً حيادها المزمن نحو العاطفة، فيقرران الاقتران ببعضهما بعضاً، وتنهار بدورها كل أحلام الطبيب العجوز في معاندة الطبيعة الإنسانية.

هذا بالطبع حدث في النص الأصلي لنوشيتش، أما في الاقتباس الحر الذي أعده مجد فضة بالاشتراك مع دراماتورجيا العرض (ديمة أباظة) فإن حوار كل من الطبيبة والنحات الشاب يحدث بصورته باهتة على هامش طقوس العزاء، ويتخلل ذلك دخول للشاب على دراجته الهوائية غير مرة، فيما نشاهد الطبيبة الشابة وهي تدخن سجائرها بعصبية، وتصد الشاب عنها بفظاظة على رغم استماتته في التأثير فيها وخطب ودها، وبدا هذا الفصل من العرض غير منسجم مع شخصيات المعزين الكاريكاتيرية الطامعة في إرث المرحوم، فلم يحقق وحدة الأسلوب بين مشاهد منتقاة من مسرحية كوميدية، وأخرى من مسرحية يغلب الطابع النفسي على شخصياتها، لا سيما شخصية الطبيب مونيل الذي يظهر لنا كاتبها برانيسلاف نوشيتش رغبته المضمرة بالاستحواذ على ابنته بالتبني، وميوله العاطفية نحوها، ومن ثم إذعانه لقوة الطبيعة وعدم قدرته على معاندتها بحرمان فتاته من اختبار تجربة الحب مع شاب من عمرها.

في المقابل أفاد عرض "اللعبة الخطرة" ببراعة من نصوص "المستر دولار" والمرحوم" و"حرم سعادة الوزير" لبرانيسلاف نوشيشتس، وقدم صراعاً لفظياً تطورت فيه الأحداث ببطء على امتداد ثلاث ساعات وهو زمن العرض، مما أسهم في تأجيل المواجهة بين الشخصيات، والتي تبدت في صراع خفي بين شخصية مدير الناحية المتقاعد ومحامي العائلة المكلومة، والذي ينتهي في النص الأصلي باعتراف مدير الناحية بأن المحامي هو ابنه غير الشرعي، وهي كذبة تجعل مدير الناحية يقع في شر أعماله، أما في العرض السوري فلقد تم إخفاء ميول المحامي الشاب ورغبته الحذرة في استمالة ابنة المرحوم نحوه للظفر بثروتها التي ستجنيها من إرث أبيها الراحل.

يختتم "اللعبة الخطرة" بقراءة الوصية كتابة على شاشة في عمق المسرح وبصوت مخرج العرض، ويظهر في معظم شخصيات العرض عدم وجود توجه عام ومحدد للأداء، وهذا ما تجلى في اعتماد الممثلين على فني التقليد والتنكر لإبراز عيوب لفظية وفيزيولوجية في الشخصيات التي يلعبونها، وهو أسلوب يعتمد على تنميط ومبالغة في المظهر الخارجي للشخصيات، ويتكئ على أداء براني يعوزه عالم داخلي للشخصية، ما جعل معظم أبطال "اللعبة الخطرة" يظهرون كجوقة متحركة، باستثناء ثنائيتي الطبيبة والنحات والمحامي وابنة الفقيد.  

في كل الأحوال يظهر مجد فضة عرضاً بعد آخر أسلوباً متفرداً في صياغة تجاربه، والتي كان قد بدأها عام 2015 بعرضي "النافذة" و"البحر" عام 2018، ويبرز ذلك من جديد في تنويعه على قوالب فنية مرحة وساخرة لبناء علاقة تفاعلية مع الجمهور، ولكن في الوقت ذاته يبدو التعويل على إبراز قدرات الممثل وملكاته كهاجس أساس من هواجسه، وذلك دون الأخذ بعين الاعتبار الإعداد الجيد للنص، فالاتكاء على اقتباس حر من عدة نصوص للكاتب الصربي جعل إيقاع "اللعبة الخطرة" يتراخى لحساب استعراض قدرات الممثلين وولعهم بكوميديا (الفارس) وأحياناً انزلاقهم نحو التهريج في مواضع عديدة كما في مشهد استعراض الخالة العانس لقطع الملابس الداخلية النسائية، وتعليمها لبنات شقيقتها كيف يمارسن الإغواء لزوج المستقبل، أو في مشاهد عديدة يتدخل فيها المخرج بصوته لتغيير الإضاءة من البقع إلى الإنارة العامة ليسأل الممثل عن مكان الحدث، فيجيبه الممثل بأنه في المسرح الدائري، ويردف قائلاً: "إن هذا المسرح يقع في ساحة الأمويين في دمشق، أي في سوريا"، أو اختيار أغنيات من الزمن الراهن لإقحام قفشات ضاحكة من مثل أغنية (بعيد عنك) لأم كلثوم، وسواها من التدخلات المباشرة مع الممثل على الخشبة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

يبدو هذا أمر متاح وفي متناول يد أي مخرج يريد الخروج عن السياق لتأكيد أن الشخصيات تعكس واقعاً راهناً وغرائبياً عن أثرياء الحرب وحطام الطبقة الوسطى، وهو أمر لا يحتاج كل هذا التأكيد، إلا من باب الطرافة المفتعلة وكسر الجدار الرابع مع المتفرج، والتذكير بشخصية المخرج المسيطر على ممثليه حتى في لحظة وقوفهم على الخشبة. نلاحظ ذلك قبل بداية العرض، إذ يضم المخرج ممثليه إلى صدره في لقطة عناق جماعي معهم، وهو عناق يعكس تأكيداً أن ما سيشاهده المتلقي هو عرض مخرج قبل أن يكون عرض تتضافر فيه جهود الممثلين والطاقم الفني للوصول إلى نتيجة فنية مغايرة بعد ثلاثة أشهر متواصلة من التدريبات.

على مستوى آخر يمكن ملاحظة جهود طيبة في تصميم الديكور (محمد كامل) لولا التشويش الناتج من الستارة البيضاء في عمق الخشبة التي استخدمت أكثر من مرة، وبقيت مفتوحة لوقت طويل على كواليس عمق المسرح دون توظيف محدد لها إلا كشاشة، بينما بقيت الإضاءة (محمد نور درا) حائرة في متابعة الممثل بين مستويين، فمع صعود الممثلين إلى المستوى الأعلى من المسرح الدائري وعودتهم، ومن ثم انصرافهم غابت أيضاً وحدة الأسلوب، وتشتت جزء كبير من إضاءة المشاهد الجماعية التي ركزت على قسمات من ديكور لمنزل فخم توزعت قطع أثاثه على جانبي المسرح، من مثل موقد النار الذي لم يوظف في فضاء العرض إلا كبعد تزييني لا أكثر.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة