Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

"بعض من شكسبير" مسرحية تتعقب الاغتيال السياسي

المخرج السوري حسن دوبا أدار مختبرا أكاديميا داخل أستوديو التمثيل

مشهد من المحكمة في مسرحية "بعض من شكسبير" (خدمة المسرحية)

لطالما كانت الشخصية أكثر خلوداً من الممثل الذي يؤديها، وعليه لا يمكن أن نتذكر أسماء كثير من الممثلين والممثلات الذين قاموا بأداء هاملت وعطيل وشايلوك أو أوفيليا وديزدمونة والليدي ماكبث، الشخصيات التي كتبها وليم شكسبير (1564 - 1616) وجعلها مثالاً إنسانياً شاملاً وأبدياً عن الغيرة والحب والثأر وجنون السلطة، واليوم يعود الفنان حسن دوبا لاستحضارها في عرضه "بعض من شكسبير" الذي قدم في أستوديو أسعد فضة في المعهد العالي للفنون المسرحية.

وفي هذه التجربة التي تأتي ضمن مختبرات الأكاديمية الدمشقية يمكن الإطلالة على فضاء حافظ فيه المشرف والمخرج على مساحة فارغة طوال ساعتين ونصف الساعة من زمن العرض، فيما كان هناك تبديل بسيط لقطع الديكور بين كل مشهد وآخر ليكون الافتتاح مع ذروة درامية تقوم فيها الليدي ماكبث بتحريض زوجها ماكبث على قتل الملك دنكان، ومن ثم إلحاق تهمة القتل بحارسيه النائمين كما بات معروفاً، إذ إن الدم يطلب الدم، وشهوة الحصول على الحكم تدفع الزوجين إلى ارتكاب جريمة اغتيال سياسي تامة الأركان.

وعلى هذا المنوال تندفع شخصيات أُخرى لتروي جرائم الاغتيالات السياسية في الدراما الشكسبيرية، فمن الليدي ماكبث ننتقل إلى هاملت الذي تدفعه جريمة اغتيال والده الملك إلى مجابهة مواربة مع والدته غريترود، فيحضر طيف والده وتحضر معه وقائع جريمة أخرى من جرائم الاغتيال التي نفذتها الملكة الأم مع عمه كلوديوس للاستيلاء على الحكم، فنلاحظ هنا اندفاع هاملت وتهوره وكيف يهيم الأمير الدنماركي على وجهه طالباً من حبيبته أوفيليا أن تذهب إلى دير بعد أن تدفعه أحداث العرض إلى تشويه صورة النساء في نظره.

ويتابع بعدها العرض تصعيد ذراه الدرامية مع مشهد قتل عطيل غيلة وبهتاناً لزوجته ديزدمونة، ومع أن الجريمة هنا ليست سياسية بالمطلق إلا أن "بعض من شكسبير" يدرجها بذكاء في سياق أحداثه موظفاً حقد ياغو على الملك المغربي جراء زعامته هو العربي لجيش بلاده، ودافعاً به إلى قتل محبوبته بداعي الشرف بعد أن يوغر ياغو صدر عطيل بالغيرة والشكوك نحوها، مما يسنح له الفرصة لاسترداد زعامة الجيش من الأمير الغريب الذي جعل الظنون تأكل رأسه فصار عبداً لها.

وفي هذا المناخ المتوتر من الأحداث يأخذنا حسن دوبا إلى مواجهة من نوع آخر في مشهد المحكمة من مسرحية "تاجر البندقية"، وكيف يصر شايلوك على اقتطاع رطل من اللحم من صدر أنطونيو كطريقة لاسترداد دينه منه بعد مخالفته بنود العقد، وعلى رغم إصرار بسانيو على مساندة صديقه أنطونيو ووفاء الدين عنه لإنقاذه من تنفيذ حكم الموت فيه، إلا أنها ليست سوى لحظات حتى ينقلب السحر على الساحر وتتحول المحاكمة التي كادت أن تودي بحياة أنطونيو إلى فخ للتاجر اليهودي ومأزقاً وجودياً له، لنصبح أمام تشريح آخر للوضع الاجتماعي والسياسي في مدينة البندقية وما آلت إليه الأمور بين رعايا الدولة من يهود ومسيحيين في القرن الـ 16.

شخصيات شكسبيرية مسيسة

وتبدو القراءة السياسية لشخصيات شكسبير جلية في معالجتها لمواجهات ضارية أيضاً بين الأمير ريتشارد الثالث وخصومه السياسيين، إذ يشرع إلى تصفية منافسيه من أخوته وأبناء أخيه للتربع على عرش إنجلترا، وهنا يكون التتويج لجرائم الاغتيال السياسي التي يسوقها العرض في مقتلة شكسبيرية لا ينجو منها أحد، ويعلو فيها حب السلطة والاستئثار بها على كل حب فتخفت أصوات العقلاء ليصعد القتلة إلى عرش الدم المسفوك غيلة وغدراً.

ويمكن الإشارة هنا إلى انتزاع ذرى محددة من النصوص الشكسبيرية والعمل على توطينها في السياق الجديد، مما جعل العرض يعتمد على توضيح قدرات الممثل الصوتية والجسدية بغية الوصول إلى شكل فني جديد، فالعرض لم يعنه استعادة المآسي الشكسبيرية بقدر ما كان يعنيه الشكل الذي تروى من خلاله، والمعالجة الفنية التي يتم من خلالها تدفق الأحداث وتأليب الصراعات، فالجميع إن لم نقل معظم المهتمين بالمسرح، باتوا يعرفون مصائر أبطال النص الشكسبيري ومآلاتهم، لكن ما لا يعرفونه هو الأسلوب الذي سوف تتلو به الشخصيات قصصها.

ومن هنا لم ينجرف مخرج العرض ومساعدَيه، ميخائل صليبي وكنان كريدي، إلى حذافير المأساة الشكسبيرية بقدر تركيزهم على تجريد النصوص الأصلية من حبكاتها الجانبية، والتعويل أكثر فأكثر على حبكات المواجهة، والمضي إلى توفير بيئة صراع متواترة سمحت باستعراض قدرات الممثلين والممثلات، وإتاحة مساحة لعب متجاورة بين الشخصيات، إضافة إلى كتابة مونولوجات جديدة لهذه الشخصيات تعزز التوجه العام للأداء الذي عانى في كثير من مواضعه من أخطاء نحوية في استظهار الحوارات، وعيوب واضحة في النطق ومخارج الحروف.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ولعبت الموسيقى (مختارات عالمية) دوراً في مرافقة مناظر "بعض من شكسبير" ومشاهده دونما جلبة تذكر، بينما أسهمت الأزياء (تصميم جماعي) في إبراز الحقب التاريخية للعرض، واقتصرت على عباءات وأردية وسراويل وقمصان بأكمام طويلة، في وقت ظلت الإضاءة وظيفية في تحديد المسافة بين الممثلين وإنارة مساحات اللعب على الخشبة، وهذا يمكن تفهمه بالنسبة إلى شرط المكان الذي قدم فيه العرض، بينما كان لافتاً قيام الممثلين بتوضيب ديكورات كل مشهد على حدة، وهذا ما كان يحدث تقريباً على مرأى من أعين الجمهور، بما يذكر بمسرح بلا أسرار، وهو مسرح تدار اللعبة فيه من دون كواليس بالمعنى الحرفي للكلمة، مما أسهم في أسلبة الأداء والاستغناء عن كل ما فائض عن الحاجة في اللعبة المسرحية، وهنا يحسب للإخراج عدم ترك الحكاية تتدفق بشكل خطي أو في اتجاه واحد، فالأحداث التي تجري في مسرحية "هاملت" على سبيل المثال تعود وتكمل رواية أحداثها بعد مشهد من مسرحية "عطيل" وهكذا دواليك، وصولاً إلى محاولة جعل الشخصيات الشكسبيرية وكأنها مستقاة من نص واحد، لا كشخصيات منتزعة من سياق نصوص متعددة.

واللافت في هذا كله هو التنويع الحركي على الخشبة والانتقال من سكونية معينة للممثل إلى تجسيد مناظر عدة من النصوص الأم بشكل تجريدي، من مثل مشهد المحكمة ومشهد القصر ومشهد سرير ديزدمونة، وسواها من مشاهد العرض الذي يكمل يذكر بالعروض التي كانت تقدمها فرقة المعهد العالي للفنون المسرحية قبل توقفها منذ أعوام طويلة.

اقرأ المزيد

المزيد من ثقافة