Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

3 شخصيات بداخلنا تتحكم في تصرفاتنا وردود أفعالنا

لكل منها ما يميزها في طريقة الكلام ونبرة الصوت والحركة والجلوس

المشكلة تبدأ عندما تخرج إحدى هذه الشخصيات في موقف غير متسق معها (أن سبلاش)

ملخص

يمكننا أن نقول عن حالة ما إنها طبيعية تماماً عندما تتكامل الحالات الثلاث معاً تحت القيادة الحكيمة لـ"الأنا الراشدة"، التي تسمح بالتناوب وتبادل الأدوار في المواقف التي تتطلب ذلك

يبدأ المعلم الروحي إيكارت تول كتابه "قوة الآن" بعبارة لخص بها فكرة راحت تلح على عقله، "لم أعد قادراً على العيش مع نفسي... هل أنا شخص واحد أم اثنان؟"، وكان محفز سؤاله إحساسه أنه طالما لم يعد بمقدوره العيش مع نفسه، فمن المفترض أنه شخصان وليس شخصاً واحداً فحسب، لكن الحقيقة أن العلم يقول إننا ثلاثة أشخاص معاً!

ثلاثة في الداخل

وفي هذا الصدد، يحاول أستاذ العلاج النفسي في الجامعة الأميركية في القاهرة محمد طه، تقريب هذه الفكرة إلى ذهن المتلقي عبر تشبيه جسد الإنسان بمنزل يحتوي على ثلاث غرف منفصلة، وفي كل غرفة شخصية لها حياتها وذكرياتها وتصرفاتها الخاصة، بحيث أنه في موقف ما من مواقف حياتك تظهر واحدة من هذه الشخصيات وتمسك زمام الأمور، ليكون لها السيطرة والغلبة على الشخصيتين الباقيتين، أي أن هناك حرفياً ثلاثة أشخاص منفصلين يعيشون بداخلك، لكل واحد منهم تاريخه وصفاته وسلوكه المستقل، ويمكن لأي واحد منهم أن يظهر في موقف معين، لتتحول أنت كاملاً إلى هذه الشخصية وتتعامل مع من هو أمامك بصفات ومهارات هذه الشخصية.


فما هي هذه الشخصيات الثلاث التي يتحدث عنها علم النفس الحديث؟

بادئ ذي بدء، تعود لفظة "الأنا" بمعناها العام لأحد المفاهيم الثلاثة لنموذج سيغموند فرويد النفسي، والتي تحاول إرضاء الدوافع الأساسية بطريقة عقلانية وإيجاد توازن بين الرغبات المتهورة من جهة والأخلاق والفضيلة من جهة أخرى. واعتماداً على نموذج فرويد السابق (الهو والأنا والأنا العليا)، ذكر الطبيب النفسي الأميركي إريك بيرن، أن حالة الأنا يمكن وصفها ظاهرياً بأنها نظام متماسك من المشاعر المتعلقة بموضوع معين، لكنها عملياً عبارة عن مجموعة من أنماط السلوك المترابطة، بالتالي هي نظام من المشاعر يحفز مجموعة مترابطة من أنماط السلوك، وبناء على الفكرة السابقة أسس بيرن نظرية "التحليل التعاملي" أو " تحليل المعاملات" كمنهج للتحليل الذي لا يقيم وزناً لماضي الفرد أو الظروف التي مر بها، وإنما يركز اهتمامه على تحليل ما يمكن أن يمر به مستقبلاً من أحداث، لتمكينه من الاختيار واتخاذ القرارات الصحيحة.

ومن نظرية تحليل المعاملات هذه، انطلق مفهوم حالات الأنا، التي تشير إلى أن شخصيتنا مقسمة، ليس بالضرورة بنسب متساوية، إلى ثلاث حالات للأنا، الأولى هي حالة الطفل الداخلي، يتصرف فيها الناس ويشعرون ويفكرون بشكل مشابه تماماً لشخصيتهم عندما كانوا أطفالاً، والثانية حالة الوالد، التي تعود جذورها إلى الماضي وفيها يفسر الفرد المواقف ويستجيب لها بطريقة مشابهة لطريقة والديه أو الأشخاص المهمين في حياته، أما الثالثة فهي حالة الراشد وهي القدرة على التفكير والتصرف العقلاني بناء على الحاضر.

وهذه الحالات الذاتية تتفاعل مع بعضها في التواصل اليومي مع أنفسنا ومع الآخرين، فتعمل هذه الحالات الثلاث معاً لتشكيل شخصية الإنسان، الأمر الذي يؤثر على الكيفية التي نتفاعل ونتصرف وفقها، إذ ينتقل الإنسان (أو يتحول) إلى واحدة منها في مواقف تحفز ظهورها، وهنا يؤكد العلماء أن هذا التحول هو تحول حقيقي بالمعنى النفسي والحضور العقلي والسلوك الجسدي.

قسّم علم النفس هذه الحالات ومنح كل منها أوصافاً سلوكية، وأتاح بذلك طريقة أكثر وضوحاً لإدراك السلوك وفهمه، ثم مراقبته وإدخاله حيز المجال الواعي.


الطفل بداخلك

تمثل الحالة الأولى، حالة الأنا الطفلية (Child ego state)، شخصية ساكنة بداخلنا تحمل أفكاراً ومشاعر وسلوكيات طفولتنا، تخرج هذه الشخصية عندما يكون الشخص في مكان يستطيع التعبير عن نفسه بحرية وقت اللعب والمرح والمزاح، مثل حفلة أو رحلة بغرض المتعة، وهنا يبدأ الطفل بالتعبير عن نفسه ويدرك كل شيء حوله ويفهم ويتصرف تماماً كما كان يتصرف في طفولته، هي حرفياً عملية استحضار نسخة كاملة منك وأنت طفل صغير.

وتقسم شخصية هذا الطفل إلى ثلاث حالات، "الطفل الحر" هي الحالة الأولى التي يكون فيها الطفل على فطرته قبل أن يتلقى أوامر تربوية ويتبرمج ويتكيف على طريقة أبويه، وفي هذه الشخصية يتحرك المرء بحرية ومرونة، ويفهم ويستوعب بسلاسة من دون تشنج أو تعصب، ويتصرف بتلقائية وعفوية فيلعب ويرقص ويسرح بخياله ويبدع من دون حدود. والثانية مرحلة "الطفل المتكيف" وهي فترة دخوله مرحلة البرمجة والتكيف، وفيها يتنازل المرء عن تلقائيته وفطرته وحريته وصوته العالي وحتى حقه في الاعتراض والاختيار والقبول والرفض، ويتحول تماماً إلى طفل لطيف يسير وفق المطلوب، راغباً في القبول والحب والاهتمام والرضا والإعجاب ممن حوله، ويتحول الإنسان لهذه الحالة عندما يواجه ظرفاً قاسياً وصعباً يعجز عن التعامل معه بشخصيته الحالية فيختار ألا يكون ذاته. أما الشكل الثالث للطفل فهو "الطفل المتمرد" الرافض لأي قواعد وقوانين حاكمة، دائم الصراع والمنافسة مع غيره، وعنيد وصعب الانقياد.

"الأنا الوالدية"

أما الحالة الثانية، حالة الوالد أو حالة الأنا الوالدية (parent ego state)، فتحمل شخصياتها مجموعة مواقف ومشاعر وقيم ومعتقدات وسلوكيات مقدمي الرعاية الأساسيين لدينا، سواء كانوا الوالدين البيولوجيين أو الأشخاص المهمين الذين كانوا يتمتعون بالقوة أو السلطة أو التأثير في طفولتنا، كالمعلمين ورجال دين أو حتى أبطال الأفلام المفضلين.

وهذه الحالة ستخرج من داخلك في صورتين، الأولى إيجابية يحفزها موقف يستدعي الحنان أو السماح والعطف والتفهم والعطاء، وفيها تسمع وتنصح وترشد وتساعد وتقدر حاجات من أمامك تماماً كما الوالد، وتسمى هذه الصورة "الوالد الراعي". أما الصورة الثانية فهي صورة "الوالد الناقد" وتتقمص فيها حالة الشخص القاسي الصارم صعب الإرضاء، والمداوم على النقد واللوم وتوجيه الأوامر والتعليمات. وتظهر هذه الصورة في المواقف المستفزة التي تثير الغضب وتخرج الشخص خارج إطار التفاهم والحكمة.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

"الأنا الراشدة"

أما الحالة الثالثة الساكنة في داخلك، حالة البالغ أو حالة "الأنا الراشدة" (Adult Ego State)، وتخرج هذه الشخصية في مواقف مختلفة تستدعي تحكيم العقل والاتزان والتعاطي مع الحقائق والواقع بتجرد، أي حالة ضبط لانفعالاتك وردود أفعالك بعيداً من تلقائية الطفل أو حنية وقسوة الوالد، فتتصرف تماماً مثل المدير العقلي متمتعاً بالقدرة على التفكير بموضوعية وعقلانية والتصرف بناءً على الحاضر، بحيث تضع نصب عينيك المنطق للتوصل إلى قرار أو حل.

ويبدو على هذه الشخصية الحياد والحكمة والهدوء، والطرح المباشر للتوصل إلى معرفة وفهم عميق واستيعاب، مستخدماً الوضوح والصراحة كوسيلة للتعامل مع الآخرين.

بناء عصبي خاص

والأكيد أن لكل شخصية من هذه الشخصيات ما يميزها في طريقة الكلام ونبرة الصوت والحركة والمشي والجلوس، إضافة إلى طريقة استخدامها لكلمات معينة وتعبيرات وجهها وطريقة استقبال الأحداث والمواقف والتعامل معها، فلكل منها بناء عصبي خاص في المخ كأنها فعلاً شخص منفصل بذاته. بمعنى أنه عندما تكون في حالة الطفل الحر تتحرك ببساطة وتستقبل الآخرين بمرونة من دون نقد أو حكم أو تعقيدات، ويتسم كلامك بالعفوية والفكاهة والبهجة وحب المرح، وتعبر عن مشاعرك بتلقائية من دون تكلف.

في المقابل، عندما تكون في حالة "الطفل المتكيف" تكون هادئاً جداً وخاضعاً تستجيب من دون مناقشة، تتجنب أن تقول "لا" أو تخالف غيرك برأي خاص، وتبحث طوال الوقت عن رضا وقبول من هم أمامك، من الممكن أن تتحمل الإساءة والإهانة من دون إبداء أي رد فعل متذمر. أما في حالة "الطفل المتمرد" يحدث العكس تماماً وبطريقة مبالغ بها، فتعترض وتتمرد على أي شيء وكل شيء حرفياً.

كما من الممكن أن تظهر هذه الشخصيات بينك وبين نفسك على شكل صوت داخلي أو فكرة ملحة أو إحساس بالذنب أو حتى وسواس مرضي.

والجدير ذكره أن هذه الحالات الثلاث موجودة في داخلنا منذ الطفولة، وللدلالة على ذلك قد نجد طفلة صغيرة تعامل ألعابها بأمومة متقمصة حالة "الوالد الراعي"، أو نرى طفلاً صغيراً يعنف أخوته ويفرض رأيه ويكلمهم بصوت عال متقمصاً حالة "الراشد".

لكن من نحن حقيقة؟

بحسب رأي علم النفس، هذه الحالات الثلاث تمثلنا (أي نحن كلهم معاً)، ومن الطبيعي والصحي أن تظهر إحدى الشخصيات في موقف معين لتدير شكل التعامل مستخدماً شخصية تتوافق مع الموقف ومزودة بمجموعة أدوات فعالة. لكن المشكلة تبدأ عندما تخرج إحدى هذه الشخصيات في موقف غير متسق معها، ليبدو الشخص وكأنه غير متوافق مع المكان والأشخاص الموجودين فيه، كأن تظهر شخصية "الوالد الناقد" في لحظة مرح وترفيه، وتبدأ بنقد السلوكيات والتصرفات والتكلم بلغة ما يلزم وما يجب، أو عندما تتحول لشخصية "الطفل الحر" في محاضرة أو اجتماع أو مقابلة عمل وتبدأ بالتصرف بطريقة عفوية طفولية غير مدروسة، وهنا يمكن أن يعتبر وضعاً غير طبيعي أو غير صحيح، وربما مرضاً نفسياً.

وبحسب أصحاب مدرسة تحليل المعاملات، يمكننا أن نقول عن حالة ما إنها طبيعية تماماً عندما تتكامل الحالات الثلاث معاً تحت القيادة الحكيمة لـ"الأنا الراشدة"، التي تسمح بالتناوب وتبادل الأدوار في المواقف التي تتطلب ذلك.

وأخيراً يمكننا الاستفادة من النظرية السابقة بأن نراقب أنفسنا عندما نكون في موقف ما، ونسأل من الذي يتحدث الآن ويتكلم عنك؟ ومتى يخرج من داخلك؟ وبحضور من؟

ربما يساعدنا طرح هذه الأسئلة والتعمق أكثر في هذه المواضيع في أن نحول علاقاتنا لتكون صحية أكثر، إذ من خلال فهم هذه الحالات وكيفية تفاعلها أثناء التواصل، يمكن للأفراد تطوير الوعي الذاتي وتحسين علاقاتهم وصحتهم النفسية بشكل عام. وفي هذا السياق يقول إريك بيرن "إن الوعي يتطلب العيش هنا والآن (في الحاضر)، وليس في مكان آخر (في الماضي أو المستقبل)".

اقرأ المزيد

المزيد من منوعات