Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

أين وقف ياسر عرفات من قرار صدام حسين غزو دولة الكويت؟

"خدمة القضية الفلسطينية تقتضي إبعاد المنظمة عن الخلافات بين العرب"

"الملك حسين إلى جانب جمال عبدالناصر وياسر عرفات ومعمر القذافي في عام 1970" (السلطة الفلسطينية)

ملخص

كيف انعكس وقوف "أبو عمار" إلى جانب صدام حسين في قرار غزو الكويت على القضية الفلسطينية؟

في مقال لصحيفة "واشنطن بوست" الأميركية، نشر بتاريخ الـ25 من أغسطس (آب) 1990، يقول "بعد أيام قليلة من غزوه للكويت، أرسل صدام حسين رسالة إلى البيت الأبيض تتضمن عرضاً رائعاً، تحقيق السلام في الشرق الأوسط والاعتراف بحق إسرائيل في الوجود. لكن كانت هناك مشكلة واحدة فقط في العرض: لا أحد في البيت الأبيض، بخاصة الرئيس بوش (جورج بوش الأب)، يصدق أياً من وعود صدام. وسلمت الرسالة عبر قنوات منظمة التحرير الفلسطينية وأحد حلفاء صدام القلائل المتبقين، وهو زعيم منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات".

وفي سبتمبر (أيلول) عام 2020، وخلال مقابلة مع قناة "العربية" تحدثت سهى عرفات أرملة الرئيس الفلسطيني الراحل ياسر عرفات، وعلى خلفية اتفاق السلام بين إسرائيل والإمارات، والذي أعلن عنه في الـ13 من أغسطس 2020، عن "خطأ" أبو عمار، وقالت إن "الرئيس محمود عباس عبر عن رفضه بطريقة دبلوماسية من دون الإساءة للإمارات وحكامها، لكن الجميع خونوني وهاجموني وخونوا الإمارات، وأنا أقول لهم: لن تستطيعوا أن تخونوا الإمارات... يوجد 300 ألف فلسطيني يعيشون في الإمارات ولا نريد أن نكرر تجربة عرفات حين وقف مع صدام حسين ضد الكويت، لا نريد مخيم زعتري ثانياً".

 

"غزو الكويت حدث مزلزل"

يقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي في مقال نشر في مجلة "المجلة" في أغسطس 2023، وتحت عنوان "دعم عرفات لصدام... تداعيات كارثية مستمرة" جاء فيه "كان غزو العراق للكويت، الثاني من أغسطس 1990، مع التداعيات الكبيرة الناجمة عنه وضمنها حرب الخليج الثانية أو عاصفة الصحراء، في الـ17 من يناير (كانون الثاني) إلى الـ28 من فبراير (شباط) 1991، حدثاً مزلزلاً على العراق وعلى العالم العربي وعلى القضية الفلسطينية، وضمنها ما يتعلق بالبعد العربي في الصراع ضد إسرائيل. بالنسبة للعراق، نجم عن تلك التداعيات إزاحة أو إخراج هذا البلد من معادلات الصراع ضد إسرائيل، نظرياً وعملياً، والتحرر من ثقل ما يسمى الجبهة الشرقية التي باتت تقتصر على الجيش السوري في حينه. وفي ما يخص تداعياته العربية أيضاً، أدى كل ذلك إلى تصدع النظام السياسي العربي، وتوزعه على محاور متضاربة. وقد فاقم من وطأة هذا التحول أنه مكن إيران من تحدي هذا النظام، بعد أن أزيح السد العراقي من وجهها، علماً أنها لم تتمكن من إزاحته في حرب دامية ومدمرة بينهما دامت ثماني سنين (1988-1980). الأمر الذي ستكون له لاحقاً آثاره الخطرة على مجمل بلدان المشرق العربي وحتى الآن".

ويضيف الكاتب الفلسطيني "على الصعيد الفلسطيني، كانت التداعيات كارثية جداً، على القضية والشعب والحركة الوطنية. وتمثل كل ذلك في انحسار الالتفاف العربي من حول قضية فلسطين، وإزاحتها من سلم الأولويات العربية، أو من مكانتها المركزية المفترضة، وتالياً انكشاف الفلسطينيين أمام التحديات والسياسات التي تنتهجها إسرائيل، لا سيما أنها مدعومة من قبل الولايات المتحدة التي باتت تهيمن، كقطب أوحد، على النظامين الدولي والإقليمي على أثر انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، باعتبار أن الفلسطينيين كانوا في معسكر الخاسرين".

 

عرفات أخطأ

في السياق، أشارت صحيفة "الشرق الأوسط" في ملف خاص يتضمن حواراً أجراه رئيس تحرير الصحيفة غسان شربل مع أمين السر السابق للجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" ياسر عبدربه، وتحت عنوان "فتح دفاتر الرحلة الفلسطينية بمفاوضاتها الشائكة وعلاقاتها الصعبة"، إلى أن "عرفات ناشد صدام الانسحاب من الكويت لتجنب نكبة جديدة".

ويشير عبدربه، في جواب على سؤال ما إن كان عرفات أخطأ في تقدير خطورة الغزو العراقي للكويت، إلى أنه "بالتأكيد أخطأ. عرفات كان، في داخله في الأقل، لا يقبل هذا الغزو على الإطلاق، ولكن كان يخاف من التعبير عن ذلك حتى لا يفقد العلاقة مع العراق، عراق صدام حسين في ذلك الوقت. لم يكن مؤيدو عرفات كثراً في المنطقة، بخاصة بفعل العلاقة المشحونة والمتوترة مع الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد، الاغتراب في تونس لسنوات غير قليلة، وأيضاً لأن العلاقة مع الأردن لم تكن علاقة قد رست على أساس إيجابي، وظل فيها بعض المشاحنات والتوترات. طبعاً علاقة عرفات مع دول الخليج كانت جيدة في ذلك الوقت. اختار عرفات أن يمسك العصا من المنتصف اعتقاداً منه أن الأمر سينتهي بلا حرب، أي بتسوية وبتراجع صدام، بالتالي ستعود العلاقات العربية - العربية، لكن ربما لن تعود العلاقات الفلسطينية - العراقية إلى سابق عهدها إذا خسر العلاقة مع صدام خلال الأزمة".

وعلى اعتبار، ووفقاً لعبدربه أن صدام حسين كان يفتح طريق العراق لاتصالات عرفات مع الضفة الغربية وغزة عبر الأردن، أي كان يقدم دعماً لوجيستياً وليس فقط مالياً، وحرية الحركة والعمل لعرفات، "كان يذهب إلى بغداد يتصل مع من يريد، يقيم علاقات سياسية، ينام مطمئناً. لم يكن يشعر بالاطمئنان الكامل في تونس حيث تعرض لمحاولة اغتيال، لذلك اختار عرفات إمساك العصا من المنتصف. وظل على هذا الموقف محاولاً البحث عن تسوية وساعياً نحو تسوية".

"لا أريد نكبة أخرى اسمها نكبة العراق"

يضيف أمين السر السابق للجنة التنفيذية لـ"منظمة التحرير الفلسطينية" عن موقف عرفات، بوصفه أنه كان إلى جانبه حين التقى صدام حسين أكثر من مرة بعد غزو الكويت، أنه "بأمانة طلب منه بوضوح وناشده أن ينسحب. كنا قد التقينا صدام في بيت أو فيلا متواضعة في حديقة الزوراء وهي حديقة أساسية في بغداد، كان عرفات وحده، ودعيت أنا إلى اللقاء، كان أبو عمار منفتحاً مع صدام، وقال له إن لديه مخاوف من أن يتعرض العراق لكارثة"، في حين كان صدام يحاول إقناعه أن كل هذا من أجل فلسطين. ويشير عبدربه إلى أن عرفات استخدم الجملة الشهيرة التي كررها أكثر من مرة "نحن مررنا بالنكبة منذ 50 عاماً، ويمكن أن ننتظر أيضاً 50 عاماً لكي تحل قضية فلسطين. لكن لا نريد نكبة أخرى تصيب العراق. لا نريد نكبة أخرى اسمها نكبة العراق". ويتابع عبدربه "أنا شاهد، أنه قد كررها، حتى في لقاء كان فيه الملك حسين، وعلي سالم البيض ممثلاً عن اليمن الموحد، وكان حينها نائب الرئيس. ياسر عرفات قال في هذا اللقاء: لا أريد نكبة أخرى اسمها نكبة العراق".

ويوضح عبدربه أنه في أحد الاجتماعات الرباعية التي ضمت اليمن والأردن و"منظمة التحرير الفلسطينية" والعراق، وعندما قال ياسر عرفات "لا أريد نكبة أخرى اسمها نكبة العراق"، رد عليه طارق عزيز (وزير الخارجية العراقي السابق ومستشار صدام المقرب) قائلاً، "يا أبو عمار، نحن نريد أن نحرر لك فلسطين ونستعيد لك القدس وأنت ترفض؟ هل هذا الكلام معقول؟ نحن نريد أن نضع كل ثقل العراق ونغامر بالعراق حتى نستعيد القدس وأنت ترفض، هل يعقل هذا الكلام؟". ولكن طارق عزيز نفسه قال لعبدربه أن يطلب من عرفات التشديد على كلامه، قائلاً، "أرجوك أن تجعل أبو عمار يؤكد الكلام الذي قاله في الاجتماع حول القدس وحول العراق والنكبة، لا نريد نكبة اسمها نكبة العراق"، ما أدهش عبدربه "لأن أول من تبرع للرد على أبو عمار كان هو طارق عزيز".

صورة الإرهابي

يقول المؤرخ والأكاديمي الفلسطيني وليد الخالدي إن "موقف المنظمة (منظمة التحرير) لم يكن مرضياً... المبادئ التي خرقها صدام في اجتياحه الكويت، هي نفسها المبادئ التي تستمد القضية الفلسطينية منها قوتها الأخلاقية. وصورة (الإرهابي) التي جاهد عرفات للتنصل منها، تعززت جراء ارتباطه الوثيق بصدام بعد اجتياح الأخير الكويت. ونظرياً، فإن موقف الأمم المتحدة بقيادة الولايات المتحدة ضد العدوان والاحتلال، هو بالضبط الظاهرة التي كانت على المنظمة أن تسعى بلا كلل لكسبها".

وفي مقال يقول الكاتب الفلسطيني ماجد كيالي "شكل الموقف الفلسطيني الإشكالي والملتبس، الذي مثلته قيادة منظمة التحرير الفلسطينية ورئيسها ياسر عرفات، لحظة تصادم كبيرة بين الحركة الوطنية الفلسطينية والهيكل السياسي العربي، من دون أن يكون لذلك الموقف أية عوائد إيجابية على تلك الحركة، وعلى الشعب الفلسطيني، لا قريبة ولا بعيدة، بل إنه أضر بالفلسطينيين، وبقضيتهم، على الصعد كافة". ويضيف كيالي "في تلك المرحلة، بدا أن النظام الرسمي العربي انقسم إلى محورين: الأول، رفض الغزو ودانه، وساند الكويت، ودعم أي عمل عسكري لإخراج الجيش العراقي منه. والثاني، بدا وكأنه لا يمانع ما جرى، أو يتحفظ على أي مسعى، أو حل عسكري، لاحتلال دولة الكويت. وبينما كان المحور الأول في قلب تحرك دولي عارم ضد الغزو، وهو ما تم التعبير عنه في قرار مجلس الأمن الدولي رقم 660 (الثاني من أغسطس 1990)، أي يوم الغزو، والذي ندد بالاجتياح العراقي للكويت، وطالب بانسحاب الجيش العراقي بصورة عامة وفورية وغير مشروطة، كان المحور الثاني خارج هذه المعادلة الدولية، أو منفصماً عنها، وهذا ما لم يكن في إدراك القيادة الفلسطينية في تلك اللحظة التاريخية الحرجة، كما لم تدرك أبعاد الخطوات الدولية التالية، التي تحدث عنها مضمون قراري مجلس الأمن الدولي التاليين (661 و662)، وقد تضمنا فرض عقوبات على العراق، ولم تدرك كذلك أبعاد قرارات مؤتمر القمة العربية (10 أغسطس 1990، والتي عقدت في القاهرة) والتي تضمنت التنديد بالغزو العراقي، ودعم الخطوات التي اتخذتها دول الخليج العربي في سبيل استعادة الكويت، وضمنه طلبها قوات دولية لهذا الغرض، وإرسال قوات عربية من أجل الإسهام في ذلك أيضاً".

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ووفقاً للكاتب كيالي فإن الأكاديمي وليد الخالدي يرصد هذه اللحظة التصادمية في مقال له عنوانه: "أزمة الخليج: الجذور والنتائج" (مجلة الدراسات الفلسطينية، العدد 5، شتاء 1991)، بقوله "في هذا الوضع الصعب صوتت منظمة التحرير الفلسطينية مع ليبيا والعراق ضد هذا القرار"، وعنده، "فإن هذا أكبر خطأ استراتيجي اقترفه عرفات في حياته السياسية منذ تأسيس حركة (فتح)... وقد تناسى عقيدة أساسية من عقائد الحركة منذ قيامها، وهي أن خدمة القضية الفلسطينية تقتضي إبعاد المنظمة عن الخلافات بين العرب، وإن فشل المنظمة في الجهر بالتنديد بالاجتياح ولمصلحة الانسحاب العراقي علناً وتكراراً، استناداً إلى قرارات الأمم المتحدة، قد أصاب صدقيتها السياسية ومكانتها الدولية بالضرر الفادح".

انعكاسات غزو الكويت على القضية الفلسطينية

يقول الكاتب والباحث الفلسطيني عبدالمحسن صالح في مقال له في أغسطس 2015، "فتحت الكويت صدرها للفلسطينيين، حتى منذ أن كانت تحت الحماية البريطانية، وعند استقلالها سنة 1961 كان هناك نحو 37 ألف فلسطيني يشكلون نحو 18.5 في المئة من الوافدين (غير الكويتيين)، بينما كان عدد الوافدين المصريين مثلاً ثلاثة آلاف فقط. وفي ستينيات وسبعينيات القرن الـ20، وعلى أثر حرب 1967 التي أدت لاحتلال الضفة الغربية وقطاع غزة، تزايدت أعداد الفلسطينيين بصورة كبيرة، فبلغت سنة 1975 نحو 204 آلاف، يشكلون 29.7 في المئة من مجموع الوافدين المقيمين في الكويت والبالغ عددهم 687 ألفاً".

ويضيف الباحث الفلسطيني "تمتعت التيارات الفلسطينية المختلفة بهامش تحرك جيد وسط الفلسطينيين دونما تدخل حكومي يذكر، إلا في ما يحفظ أمن البلد واستقراره. لذلك، لم يكن غريباً أن تنشأ حركة (فتح) وتترعرع في الكويت، وأن تبرز عديد من قيادات (حماس) في الخارج من الكويت نفسها". ويتابع "حافظ الفلسطينيون على نسبتهم المرتفعة مقارنة بالوافدين حتى الاحتلال العراقي للكويت في صيف 1990، إذ بلغت 27.9 في المئة من مجموع الوافدين (430 ألفاً من أصل مليون و542 ألفاً). وبصورة عامة، ظل الفلسطينيون يشكلون الجالية العربية الأولى في الكويت منذ استقلالها وحتى الاجتياح العراقي".

ويشير الكاتب ماجد كيالي إلى أنه "في الواقع، كانت انعكاسات الغزو والحرب كارثية على قضية الفلسطينيين، في انعكاساتها الدولية والعربية والإسرائيلية، وتمثل أول تلك الانعكاسات في إضعافها الانتفاضة الشعبية الفلسطينية، التي كانت في أوجها آنذاك، أولاً، بسبب نشوب تلك الحرب، وثانياً، بسبب اضطرار مئات آلاف الفلسطينيين المقيمين في الكويت، والعاملين فيها، لمغادرة هذا البلد، أثناء وبعد الغزو، الأمر الذي حرم عشرات آلاف العائلات في الضفة الغربية وقطاع غزة من الموارد المتأتية من ذويهم في الكويت، التي كانت تكفل تعزيز صمودهم، ونجم عن ذلك تضعضع مكانة قيادة منظمة التحرير الفلسطينية عربياً، أكثر من ذي قبل، مع تجفيف مواردها المالية، بحيث بدت مضطرة، في تلك الظروف العربية والدولية (بعد فقدان الحليف السوفياتي)، لإعادة تعويم ذاتها، من خلال الموافقة على الانخراط في المسار السياسي الذي ترتبه الولايات المتحدة للشرق الأوسط، ولإنهاء الصراع العربي - الإسرائيلي، بعد أن بدا لها أنها لم تعد تمتلك خيارات أخرى، لا سيما أنها باتت في الخارج، وبعيدة من الحدود الفلسطينية، بعد الاجتياح الإسرائيلي للبنان 1982، وإخراج منظمة التحرير الفلسطينية منه، بكل قواتها ومؤسساتها وقياداتها".

المزيد من تقارير