Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

ماذا لو خسر ترمب الانتخابات الرئاسية في نوفمبر المقبل؟

رفض الالتزام بقبول نتائج انتخابات 2024 ربما يفتح الباب إلى العنف

أصبح التشكيك في نتائج الانتخابات موضوعاً ثابتاً بالنسبة إلى ترمب (أ ف ب)

ملخص

الفرق بين 2020 واليوم هو أن دونالد ترمب أصبح صوته مسموعاً ويصدقه الملايين من المواطنين

بعد انتقاد جو بايدن سلفه دونالد ترمب في خطاب حال الاتحاد الذي حوله إلى خطاب انتخابي بامتياز، بدا واضحاً مدى الهلع الذي ينتاب الرئيس الأميركي الحالي من هزيمة نكراء أمام خصمه الرئيس الجمهوري السابق في انتخابات نوفمبر (تشرين الأول) المقبل الذي اكتسب زخماً في الأشهر الأخيرة تشير إليه جميع استطلاعات الرأي في الولايات المتحدة بما في ذلك الولايات المتأرجحة التي تحسم المعركة الانتخابية، لكن ماذا لو حدث العكس وخسر ترمب الانتخابات؟ ما السيناريوهات المتوقعة؟ وكيف ستكون انعكاسات ذلك على الاستقرار والوحدة بين الأميركيين؟

أسباب التفاؤل

وفقاً لجميع استطلاعات الرأي، إذا أجريت الانتخابات الرئاسية اليوم في أميركا، سيهزم دونالد ترمب منافسه جو بايدن بسهولة تامة، ولدى الرئيس السابق كل الأسباب للتفاؤل، إذ لم يسبق له أن تقدم على بايدن في أي استطلاعات رأي خلال الدورة الانتخابية عام 2020، على رغم أنه كان على بعد بضعة آلاف من الأصوات في الولايات المتأرجحة التي كادت تحقق الفوز الثاني له في ما يسمى بالمجمع الانتخابي أو الهيئة الانتخابية، كما أنه يتقدم الآن في جميع استطلاعات الرأي في كل ولاية متأرجحة.

وإضافة إلى ذلك، تأتي أهم نقاط تميز ترمب الآن من نقاط ضعف منافسه بايدن، من جهة علامات ضعف الذاكرة والتلعثم وزلات اللسان، وكذلك شعور غالبية الأميركيين بالإحباط نتيجة عدم تحسن ظروف حياتهم المالية على رغم تحسن البيانات الرسمية للتضخم والبطالة والنمو الاقتصادي، بل إن معظم الأميركيين غير مرتاحين للتدفق الهائل للمهاجرين غير الشرعيين الذين يتدفقون على الولايات المتحدة عبر الحدود مع المكسيك التي يتحمل فيها الرئيس بايدن مسؤولية لا ينكرها أحد.

الخسارة محتملة

ومع ذلك فإن الانتخابات لن تجرى اليوم، ومن ثم لا تعني استطلاعات تقدم ترمب بالضرورة أي شيء حينما يكون اليوم الواحد في عالم السياسة بمثابة عمر كامل، ومن ثم تصبح الأشهر الثمانية المتبقية حتى يوم الانتخابات تبدو وكأنها حياة طويلة، مما يعني أنه لا يزال هناك كثير من الطرق التي يمكن أن تنتهي بترمب خاسراً لهذه الانتخابات، منها أن الأصوات التي انقلبت على بايدن في بعض الولايات المتأرجحة قد تعود لانتخابه إذا تغيرت سياسة بايدن قليلاً حيال مساعدة الفلسطينيين والدفع من أجل فتح مسار لحل الدولتين، فضلاً عن مخاوفهم من أن تكون سياسة ترمب مماثلة لسياسة بايدن إن لم تكن تميل أكثر لصالح إسرائيل.

 

ومن بين الأسباب الأخرى المحتملة أن ترمب لا يمتلك من الأصوات ما يكفي للفوز بين سكان الضواحي وخريجي الجامعات، وهو ما أشارت إليه الانتخابات التمهيدية في عدد من الولايات مثل ساوث كارولينا ونيوهامبشاير وميشيغان، مما يعني أن عليه بذل كثير من الجهد للفوز بهذه الأصوات أو في الأقل الحيلولة دون أن تذهب لخصمه بايدن، وتبرز المشكلات القانونية التي تنتظر ترمب في عديد من القضايا والتي يمكن إذا تصاعدت وتيرتها أن تشغله عن الجولات الانتخابية المطلوبة في الولايات الأميركية الـ50، كما أن إدانة الرئيس السابق في واحدة من هذه القضايا يمكن أن يلحق به بعض الأضرار وبخاصة قضية محاولة منع التصديق على انتخاب بايدن رئيساً خلال أحداث السادس من يناير (كانون الثاني) 2021 من خلال اقتحام أنصاره مبنى الكونغرس.  

وربما يخسر ترمب أيضاً إذا لم يركز جهوده على الفوز بالولايات المتأرجحة التي تحسم المعركة الانتخابية في ميزان أصوات المجمع الانتخابي، ولكي يفعل ذلك ينبغي عليه الظهور في وسائل إعلام أخرى، إضافة إلى تلك التي يشارك فيها باستمرار مثل "فوكس نيوز" و"نيوز ماكس" التي تخاطب قاعدته، والتركيز على شبكات الأخبار الكبرى مثل "سي بي أس"، و"أن بي سي"، و"أي بي سي"، والتي تصل مشاهدات نشراتها الليلية إلى أكثر من 20 مليون مشاهد وهو ما يقرب من 10 في المئة من السكان المؤهلين للتصويت.

ولا يجب أن ينسى الرئيس السابق أن الديمقراطيين سيبذلون كل ما لديهم للفوز في الانتخابات هذا الخريف، وهو ما تعهد به بايدن في خطاب حال الاتحاد محاولاً اللحاق بخصمه، بل وتجاوزه خلال الأسابيع والأشهر السابقة على موعد الانتخابات. 

مستقبل ملغوم

يثير الديمقراطيون المخاوف في شأن احتمال فوز ترمب في نوفمبر، وما يمثله ذلك من تهديد على الديمقراطية الأميركية، وهو ما ردده الرئيس بايدن مراراً في خطاب حال الاتحاد، كما يردده عدد من الباحثين الليبراليين مثل أستاذ العلوم السياسية والحكومية بجامعة هارفارد ريان إينوس، الذي اعتبر أن الأخطار الناجمة عن فوز ترمب حقيقية لأنه منذ هزيمته في عام 2020 طهر الحزب الجمهوري من الشخصيات التي تعارض انتهاك الأعراف الديمقراطية، كما اتهم الخبير بمعهد بروكينغز في واشنطن الرئيس السابق بأنه يتجاهل سيادة القانون والجوانب الإجرائية للديمقراطية. 

ومن خلال موجة من التصريحات والمقالات الأخيرة، يمكن ملاحظة إلى أي مدى تثير إمكانية فوز ترمب الرعب في نفوس كثير من الليبراليين والديمقراطيين وبعض المستقلين، إذ يصورون انتصاره بأنه سيكون أشبه بـ"الكارثة" فيتوقعون أن يستخدم سلطات الرئاسة بما في ذلك الجيش ووزارة العدل ضد خصومه ومنتقديه ومساعديه السابقين الذين انقلبوا ضده، ويقولون إنه دعا إلى إلغاء الدستور، وندد بمعارضيه ووصفهم بـ"الحشرات" وهي لغة قال خبراء إنها تحاكي لغة أدولف هتلر وبينيتو موسوليني.

لذا؛ فإن الإجابة عن السؤال "ماذا لو فاز" تبدو ملحة بصورة فريدة في ظل المخاوف حول ما يعنيه فوز دونالد ترمب في نوفمبر للولايات المتحدة، وما إذا كان سيترجم خطابه الاستبدادي المتزايد إلى أفعال، لكن السؤال العكسي وهو ماذا يحدث إذا خسر الرئيس السابق مرة أخرى، من شأنه أن يثير مخاوف من نوع مختلف.

 

ماذا لو خسر ترمب؟

في عام 2020 ادعى ترمب على مدى أشهر أن الانتخابات سرقت منه وأن عمليات واسعة من الغش والتزوير تعرض لها من خلال التصويت الكثيف بالبريد وعبر ماكينات فرز الأصوات حتى يحرموه من الفوز بولاية حكم ثانية، وساعدت هذه الادعاءات في تأجيج الغضب بين بعض أنصاره، مما أشعل الهجوم في السادس من يناير عام 2021 على مبنى الكابيتول في محاولة لوقف التصديق الأخير على فوز بايدن بالانتخابات.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

ويبدو أن هذا العنف غير المسبوق في عملية التسليم السلمي للسلطة في أميركا يلوح في الأفق بصورة كبيرة إذا فاز بايدن بإعادة انتخابه، بينما يخشى كثر رد ترمب الذي وعد حال فوزه بالعفو عن أنصاره الذين هاجموا الكابيتول في السادس من يناير وتقديم اعتذار حكومي رسمي لهم، بعدما وصفهم بأنهم وطنيون أميركيون تم احتجازهم مثل "الحيوانات".

وإذا خسر ترمب في نوفمبر المقبل، فلن يكون الرئيس الذي كان عليه في عام 2020، حين تردد أنه ناقش بحكم صلاحياته كرئيس آنذاك إمكانية استيلاء الحكومة الفيدرالية على آلات التصويت، واستمتع بمحادثات حول فرض الأحكام العرفية أيضاً، لكنه الآن لا يتمتع بهذه الصلاحيات، ومع ذلك فإنه يتمتع بعلاقة قوية بصورة غير عادية مع أتباعه الذين يمكن أن يحفزهم على التحرك مثلما فعل في يناير عام 2021.  

آخر انتخابات بالاقتراع

وكما حذر حاكم ولاية أركنساس السابق مايك هاكابي، إذا ساعدت مشكلات ترمب القانونية بايدن على هزيمته في نوفمبر، فسوف تكون تلك هي آخر انتخابات أميركية يتم تحديدها عن طريق بطاقات الاقتراع وليس الرصاص، في إشارة واضحة إلى الدماء التي يمكن أن تسيل وسط احتقان جماهيري واسع وعدم ثقة بين الجمهوريين والديمقراطيين.

الشيء الوحيد الذي لا شك فيه هو مدى كراهية ترمب لأن ينظر إليه على أنه خاسر، ففي عام 2016، وعلى رغم فوزه بأصوات المجمع الانتخابي، شكك في شرعية الانتخابات التي كشفت عن فوز هيلاري كلينتون بالتصويت الشعبي بما يقرب من 3 ملايين صوت، وادعى ترمب أن ما بين 3 ملايين و5 ملايين شخص صوتوا بصورة غير قانونية، بما في ذلك مليون في كاليفورنيا، كما أنشأ الرئيس السابق فرقة عمل معنية بتزوير الانتخابات، لكن تم حلها من دون العثور على دليل على تزوير الانتخابات.

المعركة النهائية

قدم ترمب السباق الرئاسي لعام 2024 على أنه "المعركة النهائية"، وأشار إلى أنه إذا لم يتم انتخابه فستضيع الولايات المتحدة إلى الأبد، مما يشير إلى أن الانتخابات ستكون أيضاً بمثابة الاختبار القادم للديمقراطية في الولايات المتحدة.

ويعزز من المخاوف الخاصة بالعنف، أنه لم يحدث من قبل أن تمتع مرشح غير شاغل لمنصب الرئيس في البيت الأبيض من الحزب الجمهوري بمثل هذا التقدم في هذه المرحلة من الحملة، وربما يكون أحد الأسباب هو أن ترمب ليس في الواقع مرشحاً غير شاغل للمنصب في نظر أغلبية قاعدته الانتخابية التي تعتبره الرئيس الشرعي الوحيد للولايات المتحدة، ولا يزال ثلثا الناخبين الجمهوريين (وما يقرب من 3 من كل 10 أميركيين) يعتقدون أن انتخابات 2020 سرقت منه، وأن بايدن لم ينتخب بصورة قانونية، على رغم أنه لا يوجد دليل على الاحتيال الذي كان من الممكن أن يغير النتيجة، وضاعت كل الدعاوى القضائية التي تطعن في النتائج بعد جلسات استماع في شأن موضوع الدعوى أو تم رفضها باعتبارها موضع نقاش حتى من القضاة الذين اختارهم ترمب بنفسه.

 

جذور المشكلة

تعود فكرة الانتخابات المسروقة إلى الاعتقاد بوجود مؤامرة جماعية، وهو نوع الخطاب الذي يشكك في حقائق راسخة ويعتمد بدلاً من ذلك على فكرة مفادها أن الجهات الفاعلة القوية والحاقدة في الدولة الأميركية العميقة تعمل في الظل، ضد ترمب والجمهوريين، وهذا يعود في جزء منه إلى أن قسماً كبيراً من الطبقة السياسية والإعلامية في أميركا على استعداد لقبول واستغلال وتنظيم فكرة المؤامرة لصالحها.

وفي مقال نشر عام 1964 في مجلة هاربر بعنوان "النمط المذعور في السياسة الأميركية"، اكتشف المؤرخ ريتشارد هوفستادتر الشغف الأميركي بنظرية المؤامرة، التي ذاع صيتها مع هوس اليمين بوجود مؤامرة شيوعية مفترضة والتي انتشرت تحت اسم "المكارثية" نسبة إلى السيناتور جوزيف مكارثي حين اندمج اليمين المسيحي مع القومية، ليصبح قوة عاتية معارضة للكتلة الشيوعية الملحدة المفترضة، ومنذ سبعينيات وثمانينيات القرن الـ20، أصبح السرد السياسي للصراع العالمي بين الخير والشر موضوعاً أساسياً في الخطابات الرئاسية، وبخاصة تلك التي ألقاها رونالد ريغان وجورج دبليو بوش.

العدو الداخلي والحرب الثقافية

ومع نهاية الحرب الباردة عام 1991 تم تكييف هذا السرد مع "الحرب الثقافية"، إذ اعتبر الأصوليون الدينيون في صراعهم مع التقدميين حول القضايا الأخلاقية والمجتمعية، أي معارضة سياسية على أنها "عدو" يهدد الأسس الأخلاقية للأمة، وتغذى هذا الخطاب على الشعور بالعجز والإذلال الذي أعقب هجمات الـ11 من سبتمبر (أيلول) عام 2001 ثم جاءت الأزمة المالية عام 2008 وعقدين من الحرب على الإرهاب من دون تحقيق أي انتصار ملموس. 

ومع تطور التركيبة الديموغرافية للبلاد وتزايد أعداد المهاجرين من غير البيض، نما الاستياء العنصري ورافقه التفكير التآمري، وزادت أزمة كورونا من انعدام الثقة في الحكومة حتى نشأ تعبير "الدولة العميقة"، التي ينظر إليها على أنها "دولة شيطانية" بالمعنى الحرفي للكلمة.

وبحسب بعض الكتاب الليبراليين، بلغ تسييس الدين ذروته مع دونالد ترمب، الذي استخدم اللغة الدينية أكثر من أي رئيس آخر، وعلى عكس أسلافه، ربط بوضوح الهوية الأميركية بالمسيحية، وشدد على موضوعات القومية المسيحية، التي تحظى بشعبية كبيرة بين الإنجيليين البيض الذين كان يتودد إليهم وحيث يكون التمسك بفكرة الانتخابات المسروقة هو الأقوى.

اختبار الولاء

وهكذا أصبحت كذبة الانتخابات المسروقة هي القاعدة، وتحولت إلى اختبار للولاء داخل الحزب الجمهوري، حين ألقت الغالبية العظمى من أعضاء الكونغرس الجدد بظلال من الشك على نتائج عام 2020 وعندما أثبت كيفن مكارثي أنه غير مخلص بالقدر الكافي لترمب، تم استبداله كرئيس لمجلس النواب بمايك جونسون، وهو قومي مسيحي ومنكر للانتخابات.

وتضخم كل هذا بفعل الاستقطاب السياسي الحاد المتأصل في الهوية الاجتماعية، وتجلى هذا جغرافياً، إذ ارتبطت التفضيلات الحزبية بالكثافة السكانية بين المناطق الحضرية والمناطق الريفية، حيث لا يصدق الجمهوريون الذين يؤمنون بأن الانتخابات سرقت أنه كان من الممكن انتخاب جو بايدن بأغلبية لأنه لم يصوت أحد من حولهم للديمقراطيين.

وتم تعزيز الاستقطاب من خلال وسائل الإعلام التي خلقت فقاعة معلوماتية لا يثق معها أغلبية الجمهوريين إلا بقناة "فوكس نيوز" والقنوات التلفزيونية اليمينية مثل "وان أميركان نيوز"، و"نيوز ماكس" وهي قنوات شجعت فكرة تزوير انتخابات 2020. 

هل يعيد التاريخ نفسه؟

أصبح التشكيك في نتائج الانتخابات موضوعاً ثابتاً بالنسبة إلى ترمب، ففي عام 2012 وصف إعادة انتخاب باراك أوباما بأنها "خدعة" وقال إنه سيكون من الضروري الزحف إلى واشنطن ووقف ما ادعى أنه "مهزلة"، وفي عام 2016، اعترض على نتائج المؤتمر الانتخابي في ولاية أيوا والتصويت الشعبي الذي فازت به هيلاري كلينتون، وعزا ذلك إلى ملايين الأصوات غير القانونية.

لكن الفرق بين 2020 واليوم هو أن دونالد ترمب أصبح صوته مسموعاً ويصدقه الملايين من المواطنين، وأشارت استطلاعات للرأي إلى أن ما يقرب من ربع مواطني الولايات المتحدة يقولون إنهم على استعداد لاستخدام العنف لإنقاذ البلاد، وهو أمر يدعو للقلق، لأن رفض ترمب التزام قبول نتائج انتخابات 2024 إذا لم تكن لصالحه، فإن أنصاره على استعداد مرة أخرى لاتباع كلمات الرفض وتحويلها إلى أفعال.

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير