Sorry, you need to enable JavaScript to visit this website.

تركمانستان.. أرض الغرائب السياسية

الرئيس بردي محمدوف وابنه يديران بلد يبلغ عدد سكانه نحو 6 ملايين نسمة مثل شركة عائلية

رئيس تركمانستان سردار بردي محمدوف (مجلس وزراء تركمانستان)

ملخص

عندما سئم بردي محمدوف من قيادة تركمانستان سلم الحكم لابنه في انتخابات "صورية" جرت بداية 2022، وأصبح هو رئيساً لمجلس شؤون الشعب، وهي مؤسسة "فوق برلمانية"

كما هو معروف فإن الممثل الكوميدي البريطاني ساشا بارون كوهين ابتكر شخصية أطلق عليها اسم "بورات ساجدييف"، أراد من هذه الشخصية الخيالية على امتداد أعوام أن يسخر من كازاخستان، وقام بتصوير كثير من الاسكتشات الكوميدية والأفلام التي أدى فيها دور بطولة الشخصية الخيالية "بورات".

شخصية بورات هذه حققت نجاحاً كبيراً في الغرب، حيث استطاعت نكات بارون كوهين عن كازاخستان أن تضحك الأوروبيين، وبطبيعة الحال، يشعر الكازاخيون بالغضب الجاد لأنهم هم وبلادهم يتعرضون للسخرية من قبل شخصية خيالية لا علاقة لها بالواقع.

أعرف هذه المعلومات من زوجتي التي لا تستطيع تحمل تمثيليات بورات وكوهين التي تسخر من كازاخستان، والحقيقة أن كازاخستان، الدولة الأكثر تقدماً في آسيا الوسطى، لا توجد فيها ممارسات أو عادات أو تقاليد يمكن اعتبارها غريبة أو سخيفة، بل على العكس تماماً، إذ إن المدن الكازاخستانية مثل ألماتي وأستانا لا تختلف عن المدن الأوروبية بشوارعها النظيفة وحدائقها الخضراء وسكانها الحضريين المهذبين، كما أن النساء الحضريات في كازاخستان اللاتي يعطين أهمية كبيرة لرعاية أنفسهن، في وضع يسمح لهن بالتنافس مع نظيراتهن الأوروبيات من النواحي كافة.

لكن من جانب آخر، هناك كثير من المواد التي يمكن للكوميديين مثل ساشا كوهين استخدامها والسخرية منها، وأعني بذلك الوضع السياسي في كازاخستان التي يحكمها رؤساء بعادات غريبة وعجيبة ومثيرة للسخرية منذ حصول البلاد على استقلالها عام 1991.

إن أول رئيس لدولة تركمانستان المستقلة، هو صابر مراد نيازوف، قام بتقليد الزعيم التركي مصطفى كمال أتاتورك، وأطلق على نفسه لقب "رأس التركمان"، فكما أن أتاتورك أُطلق عليه لقب "جد الأتراك" كان لقب "رأس التركمان" لمراد نيازوف.

 

 

بعد بدء حكمه بعامين فقط أصبح اسم صابر مراد نيازوف في كل مكان في البلاد، من ساحات المدينة العامة إلى الأزقة والأحياء، وصولاً إلى الجامعات وحتى المدارس الابتدائية، ولم يكتفِ بهذا الحد، بل قام أيضاً بتغيير أسماء بعض الأشهر والأيام، وأطلق على بعض الأيام أسماء سخيفة مثل "آشغون" أي يوم الثلاثاء، و"آشغون" بمعنى يوم الإثنين، كما أطلق على أيام أخرى أسماء والديه، وأيضاً أعلن يوم عيد ميلاده "عطلة وطنية" في البلاد.

ليس هذا فقط، بل ألف كتاباً حمل عنوان "روحنامه" وجعل كتابه يدرس بصورة إلزامية في جميع مناهج المؤسسات التعليمية في كازاخستان، ويدرس كتابه من المدرسة الابتدائية وحتى نهاية المرحلة الجامعية.

رئيس جديد يتفوق على سلفه

في ديسمبر (كانون الأول) 2006، توفي رئيس كازاخستان صابر مراد نيازوف، وحكم البلاد بعده الرئيس قربان قولي بردي محمدوف الذي اتبع المسار نفسه الذي كان عليه سلفه، وكان أول ما فعله هو إزالة صور وتماثيل الرئيس السابق من أماكن كثيرة واستبدالها بصوره وتماثيله الخاصة.

الرئيس الجديد الذي كان مهتماً ومحباً للموسيقى على مستوى الهواة وكان مولعاً بالرياضة، جعل التمارين الصباحية إلزامية لموظفي الخدمة المدنية في جميع أنحاء البلاد، وهكذا أصبح موظفو الخدمة المدنية في كازاخستان الذين يرتدون ربطات العنق والبدلات الرسمية، يمارسون الرياضة لمدة نصف ساعة في صباح كل يوم قبل بدء الدوام الرسمي.

ليس هذا فحسب، فالرئيس الجديد المغرم بالموسيقى كما أسلفنا ابتكر قانوناً جديداً، ينص على إلزام موظفي الخدمة المدنية استخدام إحدى أغاني الرئيس كنغمة رنين لهواتفهم المحمولة، وإذا رأيت الهاتف المحمول لأحد موظفي الحكومة في تركمانستان يرن، ولم تكن رنته إحدى أغاني الكلمات التي ألفها الرئيس، فالويل لذلك الموظف.

وعندما سئم قولي بردي محمدوف من كل هذا العمل، وقيادة البلد، سلم الحكم إلى ابنه في انتخابات "صورية" جرت بداية 2022، وأصبح هو رئيساً لمجلس شؤون الشعب، وهي مؤسسة في تركمانستان "فوق برلمانية"، وهكذا، بدأ الأب والابن بإدارة بلد يبلغ عدد سكانه 6 ملايين نسمة مثل شركة عائلية.

الولد سر أبيه

عندما تولى الابن سردار محمدوف منصب والده كرئيس للبلاد، قام في البداية ببناء مدينة تتسع لـ 10 آلاف نسمة، أطلق عليها اسم "آركاداغ"، وهو لقبه، ثم وكأنه لا توجد مشكلات أخرى في البلاد، جعل من الضروري وضع صورة متوسطة الحجم لنفسه في سيارات الأجرة التجارية، وبعد ذلك بدأت شرطة المرور في تركمانستان تطلب من سائقي سيارات الأجرة صورة شخصية، إضافة إلى رخصتهم ورخصة القيادة.

في وقت تعمل كل دولة عاقلة في العالم على تحسين نوعية حياة مواطنيها وجعلهم مزدهرين، فإن عائلة بردي محمدوف تفعل العكس تماماً، وبعبارة أخرى هذه العائلة تتصرف على أساس كيفية "جعل الحياة أكثر صعوبة في تركمانستان"، وكانت إحدى ممارسات الأسرة الأخيرة في البلاد هي إعلان حظر التجول بعد الساعة 21:00 بالتوقيت المحلي (16:00 بتوقيت غرينيتش) في مدينة بلقان آباد، ولو كانت هناك انتفاضة عامة أو اضطرابات اجتماعية في المنطقة، فسيكون من الممكن فهم منطق مثل هذا الإجراء، لكن لا يوجد وضع استثنائي في هذه المدينة المستقرة للغاية.

 

 

من الممارسات الجديدة التي فعلها الرئيس الجديد للبلاد هي تفكيك المقاعد الموجودة بين البنايات السكنية، حيث بدأت بلدية مدينة عشق آباد بهذا الإجراء، والسبب وراء ذلك منع تجمع الناس أو جلوسهم على هذه المقاعد، على رغم أن هذه المقاعد لم تكن تجمع سوى الجيران، فهي أشبه ما تكون بالمقاهي الصغيرة الشعبية.

موضوع آخر هو من أكثر المواضيع إثارة للجدل في تركمانستان كان قانون "اختبار العذرية" الذي فُرض على فتيات المدارس الثانوية في عدد من الأماكن، بخاصة في مدينة بلقان آباد، وبينما تخضع الفتيات لاختبارات العذرية، تقوم الشرطة بفحص الهواتف المحمولة والرسائل الخاصة بالطلاب الذكور.

إجراء آخر اتخذه الرئيس بخصوص حفلات الزفاف، فأصدر قراراً يمنع فيه تشغيل الموسيقى الأجنبية في حفلات الزفاف في تركمانستان، إضافة إلى ذلك، يجب تضمين أغنيتين في الأقل للرئيس السابق (الوالد) ضمن الموسيقى التركمانية التي سيتم تشغيلها في أي حفلة زفاف، كما يجب تعليق صورة الرئيس في صدر قاعة الزفاف، وبهذا أصبحت حفلات الزفاف في تركمانستان، وهي اللحظات الأكثر خصوصية لدى الناس، تشبه الاحتفالات الرسمية للدولة.

لو أن الممثل الكوميدي البريطاني ساشا كوهين، بدلاً من أن يسخر من عادات وتقاليد شعب تركمانستان، لو أنه استخدم مثل هذه القصص في مشاهده الكوميدية لكان من الصعب على جمهوره تصديق هذه الأشياء، لكن هذه هي الحقائق الغريبة في تركمانستان.

يمكنني تشبيه ساشا كوهين بالعلماء المجانين الذين يطارودن الاختراعات، فهم في بعض الأحيان يطبقون تجار سخيفة وغبية تتحدى حتى خيال الإنسان.

نقلا عن "اندبندنت تركية"

اقرأ المزيد

المزيد من تقارير